لا أدري، من أية ثقافة تستمد الكثير من الفضائيات برامجها، خصوصا في شهر الفضيلة والطاعة والعبادة؟
فضائياتنا المقصودة هذه، استعدت على ما يبدو بكل طاقتها وإمكاناتها، شكلاً ومحتوى، بما يوازي عظمة وحرمة الشهر الكريم، فراحت تطلق شتى أنواع البرامج التافهة والمخزية لتشيع ثقافة (الدق والرقص والردح) المبتكر، مما لا نشاهده حتى في باقي الأشهر الأخرى!!؟؟.. وكأن هذا الشهر -والعياذ بالله- مخصص للهو والسخف والانحدار الأخلاقي، بحيث سبقنا أهل الخبرة في هذه المجالات، من القنوات العربية، وتفوقنا عليهم في كثير من (الإبداع والفن والإمتاع)!!..
ملايين من الدولارات تنفقها هذه الفضائيات (الرادحة) كي تنتج لنا في هذا الشهر المبارك تحديدا (بضاعة) أقل ما يقال عنها رخيصة ومنحطة وبلا معنى أصلا.. في وقت تعج بلداننا بملايين المشاكل والقضايا المصيرية المرتبطة بمجتمعنا وبلداننا، كما لو أن هذه الفضائيات مشتركة في جرائم تسطيح عقلية المشاهد وإشغاله بتوافه الأمور وأردئها، شكلا ومضمونا.
برامج مثل هذه، لابد خلفها جهات وكوادر تخطط وترسم وتبرمج ما تقدمه، إما بدوافع الربح التجاري القبيح بتأثير مفهوم قديم سيء وغير حقيقي يقول: (الجمهور عايز كده) -حسب التوصيف المصري المعروف-، أو بدوافع أخرى غير واعية أو مشبوهة تستهدف شاشة المواطن المتواجد لوقت أطول أمام الفضائيات بحثا عن الراحة والفائدة..
ولأننا مقلدون سيئون ومتأثرون -بغباء وسطحية فاضحة- بما يقدمه الآخرون الذين سبقونا في هذا (الاختصاص) التجاري الرديء، صرنا نحاول أن نتفوق عليهم بالرداءة والانحطاط واللامعنى.
ولا تحتاج كثيرا من التوقف والتأمل، فجولة سريعة في برامج رمضان لكثير من فضائياتنا المحلية، في داخل وخارج البلد، تعطيك انطباعا واضحا عن محتوى وسياسية هذه الجهات الإعلامية والثقافية وما يدور في دهاليزها من أساليب وطرق للبث المشوه، بما يسيء تماما لهذا الشهر وللمواطن الواعي المحترم بشكل عام.
غياب مستويات الذائقة والوعي والثقافة والالتزام والضمير، بمعانيها الراقية والمحترمة والغنية، سمات غالبة على ما يعرض من برامج ومسلسلات وفقرات كثيرة، مما يستدعي وقفة جادة وصادقة من قبل الكتاب والنقاد والإعلام للحد من ظواهر الإسفاف والتدهور الفني والثقافي في برامجنا المقدمة للجمهور، مع توفر سبل المعالجة والتقويم والحلول لكذا ظواهر تعكس صورة أخرى غير مطابقة لما نبحث عنه، كمجتمعات راقية ومحترمة بعيدة عن الابتذال والانحطاط والتسطيح الفارغ.
اضف تعليق