إِذا كان التَّمكينُ تَوفيقٌ واستعدادٌ، توفيقٌ من الله تعالى واستعدادٌ من عبدهِ، فلماذا لا يستوعب البَعض هذهِ المُعادلة، الذي يُمكِّنهُ الله تعالى دونَ أَقرانهِ، فينبغي أَن يتحلَّى بالتَّواضع وسِعة الصَّدر ليعملَ على إِشعارِ الآخرينَ وإِقناعهِم بأَنَّ نجاحهُ هو نجاحهُم، ليحذرَ النَّاجحون من إِظهارِ نجاحاتهِم بطريقةٍ...
(٢٥)
{وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
إِذا كان التَّمكينُ تَوفيقٌ واستعدادٌ، توفيقٌ من الله تعالى واستعدادٌ من عبدهِ، فلماذا لا يستوعب البَعض هذهِ المُعادلة؟! وأَساساً كيفَ يلزم أَن نتعاملَ معها عندما نرى أَنَّ زَيداً تمكَّن وعمرو لم يتمكَّن؟ ما الذي يجب فعلهُ؟!.
يلزم هُنا أَن أُشير إِلى واقعٍ مُؤلم نعيشهُ في الكثيرِ من مفاصلِ حياتِنا وهوَ؛ أنَّ البعض منَّا [يزعل] اذا مكَّن الله تعالى صاحبهُ فوفَّقهُ لإِنجازٍ لم يُوفَّق إِليهِ هوَ لأَيٍّ سببٍ كانَ، فبدلاً مِن أَن يُبادر لتهنِئتهِ مثلاً أَو على الأَقل يغبِطهُ ليتنافسَ معهُ، وهو أَمرٌ محمودٌ {خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} تراهُ يحسدهُ وقد يحاول أَن ينتقمَ منهُ بتخريبِ مُنجزهِ ونجاحهِ والتَّحريضِ عليهِ بالأَكاذيبِ، وهذهِ صفةٌ سيِّئةٌ جدّاً ينبغي أَن نُحاربها بأَنفُسِنا ليقلعَ عنها مُجتمعنا، وإِلَّا فلَو أَنَّ كلَّ واحدٍ حقَّقَ نجاحاً تآمر عليهِ الآخرون لما بقيَ نجاحٌ قائِمٌ أَو مُنجزٌ نفخرُ بهِ أَبداً.
في أَحيان كثيرةٍ ترانا بحاجةٍ إِلى أَن نتَّخذَ من الحديثِ الشَّريفِ عن رسولِ الله (ص) {إسْتَعِينُوا عَلى أُمُورِكُمْ بِالكِتْمانِ فَإنَّ كُلُّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٍ} شِعاراً بسببِ هذا المرضِ الخطير.
إِنَّ الحسد صفةٌ ذميمةٌ من صفاتِ الجهلِ المُركَّب، فهي دليلٌ على عدمِ الإِيمان بفضلِ الله تعالى على عبادهِ واختصاصهُم دونَ سواهُم لحكمةٍ، من جانب، ودليلٌ على عدم الإِيمان بالقدُرات الذاتيَّة التي يتمتَّع بها إِنسانٌ دون آخر، وهيَ حالةٌ طبيعيَّةٌ لا ينبغي التغافُل عنها، من جانبٍ آخر.
يقولُ تعالى {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} وقولهُ تعالى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} وكذلك قولهُ تعالى {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
بدلاً من الحسد والتَّحاسد الذي يُشيعُ التَّقاطع والبغضاء والتَّنازُع ينبغي أَن يتحلَّى المُجتمع بروحِ الغِبطة لتشيعَ ثقافة التَّشجيع والتَّعاون، فلقد حذَّر أَميرُ المُؤمنينَ (ع) من الحسدِ بقولهِ {لا تَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الاْيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَلاَ تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الاْمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ، وَيُنْسِي الذِّكْرَ، فَأَكْذِبُوا الاْمَلَ فَإِنَّهُ غُرُورٌ، وَصَاحِبُهُ مَغْرُورٌ}.
وللحسدِ أَثرٌ سيِّءٌ على الرُّوح والجسد وليس على الرُّوحِ فقط كما يتصوَّر البعض، يقول (ع) {صِحَّةُ الْجَسَدِ مِنْ قِلَّةِ الْحَسَدِ}.
أَمَّا الذي يُمكِّنهُ الله تعالى دونَ أَقرانهِ، فينبغي أَن يتحلَّى بالتَّواضع وسِعة الصَّدر ليعملَ على إِشعارِ الآخرينَ وإِقناعهِم بأَنَّ نجاحهُ هو نجاحهُم، وكما أَنَّهُ نجحَ في تحقيقِ إِنجازٍ مُفيدٍ كذلك هُم يُمكنهُم تحقيقِ مثلهِ وأَفضل، ليُساهمَ بالتَّالي في تمكينِ مَن لم يتمكَّن ولَو بعدَ حينٍ، لأَنَّ التكبُّر يوسِّع الهُوَّة بينهُ وبينَ الآخرين ورُبما يُساهم في إِشعالِ حريقِ الحسد في نفوسهِم، خاصَّةً في المُجتمعاتِ التي يكثرُ فيها {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.
ليحذرَ النَّاجحون من إِظهارِ نجاحاتهِم بطريقةٍ يحتقرُونَ فيها الآخرين أَو يزدرُونهُم، فالتَّواضُع بحدِّ ذاتهِ نجاحاً مُضاعفاً كما يصفهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَلاَ حَسَبَ كَالتَّوَاضُعِ}.
(٢٦)
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
هل يحقُّ للمرأَةِ أَن تحلمَ؟! أَم أَنَّ الحُلُمَ حِكرٌ للرَّجلِ فقط؟! هل يحقُّ لها أَن تتطلَّع للمُستقبل، فتحُثَّ السَّير نحوهُ؟! أَم أَنَّ ذلكَ للرَّجلِ حصراً؟!.
الآيةُ الكريمةُ تردُّ بالإِيجابِ مهما كانَ الحُلُمُ عظيماً!.
يُثبِّت المُشرِّع الحقيقة التَّالية التي يلزم أَن لا نغفلَ عنها، وهيَ؛ أَنَّ كلَّ ما يتمَّ كسبهُ بالجدِّ والإِجتهاد والمُثابرة والقُدُرات الذهنيَّة تتساوى فيهِ المرأَة والرَّجل، فهما متساويان في الحُلُم المبني على الأِيمان والتَّقوى والعِلم والمعرِفة والنَّزاهة والخِبرة والإِختصاص وتراكُم التَّجربة والفِطنة والعمل الصَّالح واغتِنام الفُرصة، وأَنَّ المُجتمع الذي يكفُر بهذهِ الرُّؤية هو مُجتمعٌ ذكوريٌّ لا يمكنهُ توظيف أَدوات التَّمكين من أَجلِ الإِنجاز السَّليم والنَّجاح، لأَنَّ الرَّجل أَعجز مِن أَن يُحقِّقَ شيئاً لوحدهِ فقط مهما أُوتيَ من قدراتٍ خارقةٍ، ولذلكَ قيلَ [أَنَّ وراءَ كُلِّ رجُلٍ عظيمٍ إِمرأَةً عظيمةً] ولذلكَ نُلاحظ أَنَّ كلَّ صفةٍ حسنةٍ يُمكنُ أَن يكسبها الجنسانِ بالإِجتهادِ يذكرها القرآن الكريم بصيغةِ الذّّكرِ والأُنثى، فيما يخصِّص أَحدهُما عندما يذكر التَّشريعات التي تعتمد التَّكوين الفسيولوجي لأَيٍّ منهُما، وهو الفرق الذي يجب أَن نأخذهُ بعينِ الإِعتبارِ بين ما يترتَّب على الخِلقة وما يترتَّب على الكسبِ بالإِجتهادِ.
يقول تعالى {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} و {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} و {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} و {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}.
ولتوكيدِ المعنى والمفهُوم فصَّل القرآن الكريم في ذلكَ كما في قولهِ تعالى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
أَمَّا على مُستوى التَّمييز بين الرَّجل والمرأَة بسببِ الفرق في التَّكوين الفسيولوجي، فذلكَ مبنى يقرُّهُ العُقلاء ويقرِّرهُ المنطق السَّليم كما في قولهِ تعالى {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} ومَن يُحاول تجاوز ذلكَ ينطح رأسهُ بصخرةٍ فتُهشِّمهُ وساءَ مصيراً.
والآن؛ إِذا كانت المرأَة تمتلك كامل الحقِّ الشَّرعي والقانوني في أَن تحلم وتتطلَّع إِلى الأَمام، ومن ذلكَ المُشاركة في الشَّأن العام للتَّأثيرِ بهِ، فلماذا تعرَّضت لأَقبحَ طعنٍ بشرفِها وطهارتِها عندما شاركت في الإِحتجاجات؟!.
وجُلَّهُنَّ [شيعيَّات]!.
هل نسيَ [المُتديِّنون] المُزيَّفون أَو الجاهِلونَ المُغفَّلونَ و [أَحزاب الإِسلام السِّياسي] وأَبواقهُم وذيولهُم الآية المُباركة التي تحذِّر من التعرُّض لشرفِ المرأَة وطهارتِها، بقولهِ تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}؟!.
لقد فشلُوا في الإِلتزام بقولِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) {لَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ(ص) «لاَ يَسْتَقِيمُ إيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ» فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللهَ سُبْحانَهُ وَهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ، فَلْيَفْعَلْ}.
تعالُوا نؤَسِّس على هذهِ الآيةِ الكريمةِ ما يلي؛
١/ إِسقاطُ شهادة كلَّ مَن تعرَّض لشرفِهنَّ وطهارتهِنَّ.
٢/ إِسقاطُ عدالتهُم وفضحهُم وتعريتهُم وعدمُ تصديقِ كلَّ ما يقولونهُ وينشرونهُ في مواقعِ التَّواصل الإِجتماعي.
٣/ رفع دعوة قضائيَّة ضدَّهم ليجري عليهِم الحدِّ الشَّرعي [٨٠ جلدةً].
٤/ نبشِّرهم بأَنَّهم سيتعرَّضون بأَعراضهِم [أُمَّهاتهُم، أَخواتهُم، بناتهُم، زوجاتهُم] ولَو بعدَ حينٍ.
سيدفعُونَ ثمن الفاتُورة من أَعراضهِم، فلقد كانَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) يوصي جيشهُ بالكفِّ عن المرأَة بقولهِ {لاَ تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذىً، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ} ويضيفُ (ع) {إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفِهْرِ أَوِ الْهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ}.
أَيُّها [المُتأَسلِمُونَ] المسكُونون بالجنسِ، الذين تاجرتُم [بالشَّرفِ] المغشوش.. أَبشرُوا! فستُعيَّرونَ وأَعقابِكُم {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} حتَّى تُحرِّرُوا أَنفُسكُم من العقليَّةِ المريضةِ التي يتحكَّم فيها [الجِنسُ] الذي يُشغِلُ بالكُم!.
كفاكُم خَوضاً في أَعراضِ النَّاسِ والله تعالى يقولُ {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
(٢٧)
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ}.
التطرُّف هو أَحد أَلد أَعداء التَّمكينُ للنَّجاح، ولذلك امتدحَ القُرآن الكريم الوسطيَّة والإِعتدال في كلِّ الشُّؤُون.
ولو كانَ المُتطرِّف يمتلك الهواء لمنعهُ عن النَّاس حتَّى يموتونَ، ولو امتلكَ خزائنُ المال لمنعها عليهِم، فالإِحتكارُ والعُنف طبيعةٌ متلازِمةٌ مع التطرُّف.
يقولُ تعالى {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا}.
لماذا؟! لأَنَّ المُتطرِّف بطبيعتهِ يستأثر بكلِّ شيءٍ ويُصادر ويحتكر كلَّ شيءٍ لنفسهِ، وهذهِ هي طبيعةُ الأَشياء، ولذلكَ لم يملِّك الله تعالى كلَّ شيءٍ لعبادهِ رحمةً بهم.
يقولُ تعالى {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}.
حتَّى الدِّينُ يُمكنُ أَن يتطرَّف بهِ العبدُ فيُغالي به ويُصادرهُ وكأَنَّهُ الوكيل الحصري لهُ على الأَرضِ، وسببُ ذلكَ هو الجهلُ كما هوَ واضحٌ! ولذلكَ حذَّر القُرآن الكريم من ذلكَ بقَولهِ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا}.
والتطرُّف يفشلُ دائماً في إِيجادِ الحلُول للمشاكلِ والأَزماتِ، بل أَنَّ التطرُّف بحدِّ ذاتهِ أَزمةٌ تولِّدُ وتُنتجُ أَزماتٍ، أَمَّا الحلول فإِنَّك عادةً ما تجدها في الوسطيَّة التي هيَ عقلانيَّةٌ بامتيازٍ في جوهرِها، فهي التي يلتقي بها الجميع في وسطِ الطَّريق، ولذلك ترى المُتطرِّف مأزومٌ دائماً لا يخرجَ من ورطةٍ إِلَّا ويسقطَ في أُخرى، ولا يرمِّم علاقةً مُتدهوِرةً مع أَحدٍ إِلَّا ويُشنِّجها مع آخر.
مشغولٌ وقتهُ يبحثُ عن أَزمةٍ لأَنَّهُ لا يجِدُ نفسهُ إِلَّا في الأَزماتِ، كالذي لا يعرف أَن يصطادَ إِلَّا في الماءِ العَكِر!.
كما أَنَّ التطرُّف والإِنصاف على طرفَي نقيضٍ وفي الحديث الشَّريف {مَن لا إِنصافَ لهُ لا دينَ لهُ} أَي أَنَّ الدِّينَ والإِنصاف توأَمان، أَمَّا المُتطرِّف الذي يتشبَّث بكلمةِ [لا] فقط في كُلِّ الحالاتِ فلا يمكنُ أَن يستَوعِبَ معنى الإِنصاف وبالتَّالي هو ليسَ عندهُ دينٌ حتى إِذا صامَ وصلَّى، ونموذجُ ذلكَ الخوارج الذين تطرَّفوا فلم تنفعهُم جباههُم السُّود ولم تنفعهُم علاقتهُم السَّابقة بأَميرِ المُؤمنِينَ (ع) لأَنَّ التطرُّف أَعماهُم وأَعمى بصيرتهُم عن رُؤيةِ الحقيقةِ ولذلكَ انتُزِعت منهُم صفةُ الإِنصاف وبالتَّالي الدِّين الذي لبسوهُ لِبس الفروِ مقلوباً كما يصفُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقولهِ {وَلُبِسَ الاْسْلاَمُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً} حتى باتَ حالُ الدَّهرِ كما وصفهُ (ع) بقولهِ {فَعِنْدَ ذلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ، وَرَكِبَ الْجَهْلُ مَرَاكِبَهُ، وَعَظُمَتِ الطَّاغِيَةُ، وَقَلَّتِ الدَّاعِيَةُ، وَصَالَ الدَّهْرُ صِيَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ، وَهَدَرَ فَنِيقُ الْبَاطِلِ بَعْدَ كُظُوم، وَتَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجْورِ، وَتَهَاجَرُوا عَلَى الدِّينِ، وَتَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ، وَتَبَاغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ.
فَإِذَا كَانَ ذلِكَ كَانَ الْوَلَدُ غَيْظاً، وَالْمَطَرُ قَيْظاً، وَتَفِيضُ اللِّئَامُ فَيْضاً، وَتَغِيضُ الْكِرَامُ غَيْضاً، وَكَانَ أَهْلُ ذلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً، وَسَلاَطَينُهُ سِبَاعاً، وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالاً، وَفُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً، وَغَارَ الصِّدْقُ، وَفَاضَ الْكَذِبُ، وَاسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللِّسَانِ، وَتَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ، وَصَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً، وَالْعَفَافُ عَجَباً}.
ولقد دعا المُشرِّع عبادهُ إِلى أَن يُحقِّقُوا التَّوازن في الأُمورِ بالوسطيَّةِ ونبذِ التطرُّفِ، فعلى صعيدِ العلاقةِ بين الدُّنيا والآخرةِ قال تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.
حتَّى على صعيدِ القراءةِ في الصَّلاةِ دعا عبادهُ إِلى الوسطيَّة كسبيلٍ مُفضَّلٍ بعيداً عن كلِّ أَنواعِ التطرُّفِ السَّلبي أَو الإِيجابي إِن صحَّ ذلكَ، يقولُ تعالى {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا}.
إِنَّهُ يريدُ أَن تكونَ الوسطيَّةُ [ثقافةٌ] في المُجتمعِ فهي ضدَّ التطرُّف سلباً أَو إِيجاباً، فـ [ما زادَ عن حدِّهِ انقلبَ إِلى ضدِّهِ] كما في المثلِ المعروف.
اضف تعليق