q
ضرورة التعامل مع الظرف الحالي بوعي كبير، ونجعل من هذه الجائحة وما فرضته علينا فرصة للاهتمام بالجوانب العبادية من خلال الشهر الفضيل، وتعميق الصلة بالأمور التي تهذب النفس وتربي الذات، وان نسعى جاهدين الى زرع التفاؤل في النفوس وان يكون شهر رمضان فرصة ثمينة لمواجهة كورونا...

سارعت عجلة الأيام، وتسابقت عقارب الساعة، ولم نعرف كيف وجدنا أنفسنا بهذه السرعة نقف على أعقاب شهر الخير والطاعة والبركة، شهر رمضان المبارك، الذي خصه الله تعالى من بين الشهور بمكانة فريدة ومنزلة رفيعة.

الشهر الكريم عادة ومع قدومه ينتاب الفرد مشاعر استثنائية، مشاعر ممزوجة بالفرحة والخشوع، الرغبة في التخلص من الذنوب، التوسل الى الخالق بان يمن على المخلوق بالعفو والصفح عن الزلات، وعدم المُآخذة على ما يفعله في الخلوات، فهو اشبه ما يكون نقطة الشروع نحو حياة جديدة غير التي اعتاد عليها الفرد طيلة الشهور التي تسبق شهر الطاعة والمغفرة المرجوة.

السنة الحالية تختلف قليلا عن السنوات الماضية، فكما قلنا ان المسلمين يستقبلون الشهر بفارغ الصبر متعطشون لما فيه من أعمال ومراسم تقربهم من بارئهم، اما في ظل انتشار وباء كورونا وما خلفه بالنفوس من خشية كبيرة على مصير البشرية، جعل من الفرحة منقوصة، ومن السعادة خجلة لما تعيشه معظم دول العالم.

في مثل هذه الأيام نرى الأسواق تعج بالمتبضعين، وتقف الطوابير على اصحاب المواد الغذائية والبقوليات، بينما السلع الضرورية الأخرى تشهد نفس الإقبال، هذه المشاهد لم تغيب عن الذاكرة ولم يفتقدها الواقع منذ ان أبصرنا النور على البسيطة، فلم يقترب شهر الخير الا وجعله الأهالي سببا في النزول الى الأسواق بكثافة.

اما في الوقت الراهن والذي يصفه البعض بالعصيب، فقد قل التجول في الأسواق بحثا عن الحاجيات الضرورية، والسبب يعود بذلك الى توقف الكثير من المصالح والأعمال، فلا يزال بعض اصحاب المهن حبيسي منازلهم ولم يمارسوا أعمالهم قرابة الشهرين، ما ادى الى نفاد ذخيرتهم من الأموال- في حال وجودها- والاعتماد على ما تقدمه المؤسسات الخيرية والميسورين.

هذا الحال جعل من السعادة التي ترافق الساعات القريبة من رؤية هلال الشهر الفضيل تتضائل، وتنزوي الى مكان سحيق في الذات البشرية، فمن أين تأتي الفرحة وهو لا يملك قوت يومه؟، ولم يعرف مصيره في الأيام القادمة، ربما يكون احد ضحايا المرض المشؤوم.

ومع ذلك ليس صحيحا ان نسمح لمثل تلك الأجواء ان تكون سدا مانعا للسعادة من ان تتسرب الى دواخلنا، فالإنسان بطبيعته قادر على التكييف مع الاحداث المختلفة والظروف المتباينة، فهو من يولد السعادة ويجعلها تشع بالمكان الذي يعيش فيه، وهو وحده ايضا قادر على التخلص من الصعوبات التي تعرقل المضي في طريق السعادة المعتاد.

الأسر الإسلامية ليس كغيرها في بقاع العالم المختلفة، فهي لديها طقوس وممارسات خاصة بشهر الطاعة، من أهمها تبادل الزيارات العائلية، أضف الى ذلك الخروج برفقه الأصدقاء بالنسبة للشباب لأوقات متأخرة من الليل، فكل شيء يخرج عن المألوف طيلة الثلاثون يوما، وبعدها تعود الأيام الى رتابتها ونمطها القديم.

ومع عملية الانتشار المتزايد فان اغلب هذه الممارسات والطقوس فقدت، ولم يبقى منها الى الذكريات، وهو امر صعب على بعض النفوس تقبله الا انه عين الصواب، اذ لا يزال الفيروس في طور النمو ومن المرجع ان يعود بقوة حتى في البلدان التي أعلنت سيطرتها عليه، ما يحتم علينا الاستمرار على نفس الوتيرة الوقائية لضمان السلامة.

ظروف انتشار جائحة كورونا صحيح انها شلت حركة العالم بأسره، لكنها لم تكن أصعب من الاحداث التي مرت عبر التأريخ كالحروب وانتشار الأوبئة التي حصدت ملايين الأرواح، ومع ذلك لا يمكن التقليل من حجم الآثار النفسية والمادية جراءها، فهي بشكل واضح هدت قمم التفاؤل لدى البعض وجعلتهم يعيشون في دوامة الخطر.

ولا يستطيع أحد ان ينكر ما احدثته من انعكاسات سلبية على القطاعات كافة، منها الصحي والاقتصادي والصناعي وكذلك الاستثماري، فهي ببساطة غيرت الكثير من الملامح، وتمكنت من جهض الكثير من الأحلام، وهزت اركان كبريات الدول وأعظمها على وجه الأرض.

ويبقى علينا نحن الأفراد ان نتعامل مع الظرف الحالي بوعي كبير، ونجعل من هذه الجائحة وما فرضته علينا من مكوث في المنازل فرصة للاهتمام بالجوانب العبادية، وتعميق الصلة بالأمور التي تهذب النفس وتربي الذات وفق المبادئ الإسلامية السليمة، وان نسعى جاهدين الى زرع التفاؤل في النفوس والتأثير على الاشخاص المُحبَطين، لطرد الأفكار غير المرغوب بها من مخيلتهم والعيش بسلام في ظل أزمة كورونا وما بعدها من أيام.

اضف تعليق