يسأل البعض احيانا عن الفرق ما بين علم النفس وعلم التنمية البشرية، وقد يتصور البعض ان التنمية البشرية هي مختصر علم النفس التي تقدم للعوام من الناس من غير الاختصاص، وهذا فهم خاطئ بلا شك، فعلم النفس علم قائم بذاته قبل اكثر من قرن له منظريه واتجاهاته ونظريات عديدةـ ومر بمراحل وتجارب ومحطات تطور ولا زالت تطور مستمرة بهذا الحقل من المعرفة، اما التنمية البشرية التي يطلق عليها مصطلح "علم" وهو مصطلح غير مناسب لها لانها لا تخضع ما تطرحه للدراسة العلمية من فهم وتفسير وتحكم وتنبؤ, فالتنمية البشرية كظاهرة حديثة وليست بقدم علم النفس.
علم النفس قائم على التجارب المختبرية والمعملية الموضوعية، بعض هذه التجارب كانت على الحيوانات مثل الفئران والقطط والكلاب مثل تجارب سكنر وثورندايك وبافلوف وغيرهم من السلوكيين, ايضا تجارب فرويد مع مرضاه من الطبقات الارستقراطية خصوصا النساء المترفات اللاواتي كن يعانين من الترف والغنى.
المهم ان هذه التجارب هي تجارب علمية اخضعت للدراسة والبحث واستمرت سنوات، ربما اشهر هذه الدراسات في المجال المعرفي دراسة بياجية على اطفالة الذي تابع من خلالهم التطور المعرفي لهم منذ الميلاد الى سن المراهقة!.
بمعنى ان تجربة واحدة قد تستمر لمدة عشرين سنة للتوصل الى حقيقة واحد! .. بينما التنمية البشرية فهي قائمة على تجارب الكاتب، وهذه التجارب لا نستطيع ان نحكم على مصداقيتها، واشهر كتاب في هذا المجال كتاب دع القلق وابدأ في الحياة الذي تشكل من قصص ربما يشوبها المثالية والكمالية في العرض ولا تخلوا هذه القصص من فن في صياغتها بشكل مشوق.
علم النفس ولانه علم فلا يتكلم بلغة العموميات او لغة الوصفة او لغة الحديث، هو يتحدث بلغة اجرائية تفصيلية، في اوروبا حين تتحدث في النفس والسلوك يقال لك: لماذا؟!، بمعنى اعطني تفسير علمي لكلامك، لا تخبرني بقدرة الانسان على حل المشكلات والوصول الى الاهداف ان لم تخبرني كيف؟!، وان اخبرتني بخطوات تفصيلية كيف سأناقشك بكل خطوة من هذه الخطوات وسأخبرك مثلا لماذا تقدمت هذه الخطوة على الخطوة التي تليها ولماذا حل هذه المشكلة بسبع خطوات وليس بعشرة؟!.. اما التنمية البشرية فتتحدث كما هو معلوم بمثالية كبيرة استغلها البعض للاستهزاء والسخرية منها لغة العمومية لا اشكال بها ان كنا نهدف الى بعث الامل والطاقة في نفس المقابل بشرط ان لا يكون الامل كذاب والطاقة فارغة من مصداقيتها.
بلا شك ان علم النفس اعم واشمل من التنمية البشرية, فالتنمية البشرية طرق لحل المشكلات المستعصية او البسيطة وهذا نجده في اساليب تعديل السلوك التي كتب عنها علماء السلوك في امريكا، انا اتصور ان تقبل التنمية البشرية او رفضها يرتبط بشكل او باخر بنمط الشخصية فالبعض مكتئب وسوداوي في تفكيره وحياته وبالتالي لا يرضى ان يقال له ان الحياة "بمبي"!.. والاخر متفائل لدرجة انه يضحك حين يخسر بل يبكي فرحا ويتجدد الامل في نفسه بالحياة مع كل انهزام، وهذا الامر يتعلق بالوراثة من جهة والتنشئة الاجتماعية في سنوات الطفولة الاولى.. ارى ان التنمية البشرية قد تكون انحرفت الى علم تجاري لكسب المال واقامة الندوات او المحاضرات التي يدخلها الناس بارقام خيالية املا في حل المشكلات, والمشكلة انهم يخرجون بطاقة كبيرة للتغير ولكن ما ان يبتعدوا عن قاعة المحاضرة مئة متر حتى يتغلغل اليأس لهم مرة اخرى وهذه مشكلة ترتبط بالفرد اكثر من التنمية البشرية، في هذه الايام الصعبة التي نعيشها لا غنى لنا عن التنمية البشرية وان كان فيها مبالغة وخيال.
فالظروف قاهرة ولكنها قد تزرع الامل لدى فرد من افراد المجتمع، ولا ننسى ان التنمية البشرية قد غيرت الكثير من الناس بالاتجاه الصحيح، هي فقط اكدت لهم رغبتهم بالتغيير، اخبرتهم ان لهم اجنحة للطيران، وصدقوا ذلك وفعلا طاروا بعيدا عن الفشل والحزن، كل ما نحتاجه ان لا نخلط الامور ولا نرتفع بالتنمية البشرية الى درجة العلم وفي المقابل ان نحولها الى خرافات واعمال تندرج تحت الرقم الدولي "56 " كل ما علينا ان نحترم التنمية البشرية، نقدر دورها البسيط ولا نسقطها فهي بالرغم من كل الانتقادات لرجالها وكتبها قد تنتشل فرد من الضياع.
اضف تعليق