ما يجب ان يفقهه مدعي المعرفة ان الاكتفاء بالصمت حين ليس لديه ما يقوله، او قول لا اعرف حين يسأل عن امر وهو لا يعرف عنه ما يكفي لإشباعه بالمعلومة الرصينة، فالصمت او الاعتذار عن الادلاء براي شجاعة وقوة شخصية وعكسها هو ضعف وقلة ثقة بالنفس ومحاولة تعويض عقدة النقص...

في الكثير من مجالسنا نلتقي بشخص يفهم في كل شيء فلا يدور الحوار صوب جهة الا ووجدته يدور معها، في التعليم يدلي بدوله ويفرض آراءه التربوية، في الهندسة فاهم وعارف الى الحد الذي يجعله يعرض خدماته على من يريد ان يصمم خريطة لبيته الذي ينوي بناءه، وعند ذكر اية مرض فأنه يشخص ويصف الدواء على الفور، حينها تصاب بالذهول المغلف بالسخرية فتقول في نفسك ما لداعي للتخصص إذا كان أحدهم يمتلك كل هذه المعارف وأكثر؟

من هو أبو العريف؟

هذا الذي يعرف كل شيء يعرف بلقب (أبو العريف) الذي هو كالبالون الذي يتظاهر بالمعرفة، فإذا رد عليه أحد العارفين فسيحرج ويتوقف وقد يشتاط غضباً بسبب أن أحداً ما وقفه عند حده من ادعاءه الكاذب، وانت سيدي القارئ الكريم إذا تجرأت وقمت بهذا الدور (المعارض) فسوف تنبذ منه بشكل سريع وستصبح شخصاً مكروهاً على الرغم من نيتك الحسنة من تعريف الناس بالحقائق لان الناس تحكمهم مجموعة من المغالطات المنطقية ومنها مغالطة الاستحكام للشهرة او الاستحكام للعمر.

الشخصية العربية للأسف وبحسب مخالطتي لها هي الأكثر اتصافاً بهذا الوصف، سيما كبار السن، واياك ثم اياك ان تعترض على ما يقولون فسهامهم جاهزة، فترمى تارة بكونك لا تفقه شيء وتارة توصف بكونك قليل ادب وثالثة يتم اسكاتك بالقوة، وفي هذه السلوكيات الثلاث ان هي الى دلالات لجهل راميها وهذا السلاح السيء يستخدم مع الطبقة المثقفة وبالتحديد مع الأصغر عمراً او الشباب للأسف.

من الواقع

أحدهم الذي له من العمر قرابة الثمانون عاماً او أكثر من ذلك بقليل في كل مناسبة يحضرها يحاول تسيد المجلس بصوت عال ويتحدث لمجرد انه يريد ان يتحدث بلا دليل كافي ولا حجة دامغة وحين يحاول أحد ان يختلف معه في وجهة نظره حول موضوع ما فأنه يتحول الى كتلة من النار والعصبية فيصل به الحال الى اسكات محدثه حين يفحمه بالأدلة فهو يرى ان مجرد مناقشته هي بمثابة تعدي عليه وتطاول على معرفته وفكره الوقاد كما يرى فهو لجهله لا يفرق بين مناقشة الفكرة او الاستهانة به شخصياً. 

ادعاء المعرفة تجده جلياً عند تقديم الأشخاص لأنفسهم في محفل او تجمع ما، فالفارغ يعرف نفسه بصفات ليست له، فهو السياسي، الكاتب، والمنسق، وغير ذلك من العناوين الرنانة التي قد لا يجد واحد منها في الحقيقة، وما أكثر هؤلاء سيما في الساحة الفكرية والثقافية، وكذا الحال حين يكتب سيرة شخصية له فهو يكثر من الصاق الكثير من الصفات والمهارات به بما تهوى نفسه، ولكن حين تقابله تجده وضيع لا يقوى على ترتيب جمل بسيطة من الكلام.

ما يجب

ما يجب ان يفقهه مدعي المعرفة ان الاكتفاء بالصمت حين ليس لديه ما يقوله، او قول لا اعرف حين يسأل عن امر وهو لا يعرف عنه ما يكفي لإشباعه بالمعلومة الرصينة، فالصمت او الاعتذار عن الادلاء براي شجاعة وقوة شخصية وعكسها هو ضعف وقلة ثقة بالنفس ومحاولة تعويض عقدة النقص التي تجول بداخله ويحاول التغطية عليها.

وعلى مدعي المعرفة ايضاً ان يؤمن ان الانسان غير مطالب بمعرفة كل شيء فأن تمكن من معرفة شيء عن كل شيء فهو امتياز له وان لم يتمكن فليس منقصة ولا عيب في ذلك، وهذا الايمان سيجعله مرتاح وغير قلق ولا يشغله حديث المتحدثين بل يحفزه للعمل على نفسه وتطويرها بدلاً من الظهور بمظهر مدعي المعرفة، لكون أبو العريف سيخسر منه الناس ويستخفون بحديثه وان كان في الخفاء، فلا داعي لان يضع أحدنا نفسه في هذا المكان غير المريح.

اضف تعليق