العطاء يأخذ أشكالًا عدة؛ ورغم أن طرق العطاء هذه كلها من الممكن أن تسفِر عن نتيجة إيجابية، قد تتفاوت درجات السعادة الناجمة عنها حسب طريقة العطاء ذاتها. أفضل أشكال العطاء هو الذي نَشعُر فيه بمغزًى شخصي. كما أننا نُظهِر تناميًا هائلًا في مستوى سعادتنا حين يُحدِث تبرُّعنا أثرًا ملموسًا...
العطاء واحد من أفضل الطرق للعُثور على السعادة. عِلاوة على ذلك فإن المساعدة بأيٍّ من الطرق المختلفة تجعلك في حالةٍ من الانشراح؛ سواء بالتبرع لعمل خيري، أو التطوع، أو إعطاء هدية لصديق، أو شراء قهوة لغريب، وما إلى ذلك. تعود علينا طرقُ العطاء المختلِفة كلُّها بطريقة تفكير أكثرَ إيجابية وتعاطفٍ مع الآخرين، وهو ما يجعلنا بدوره نشعر بالانشراح.
هذه بعض الاستراتيجيات المحدَّدة البسيطة نسبيًّا التي يمكننا استخدامها لزيادة السعادة في حياتنا بالعطاء:
عليك بأداء أفعال خير عشوائية
نسمع كلنا عن أغراب يؤدُّون أعمال خير عشوائية، بدءًا من أشخاصٍ يدفعون حساب السيارة التالية لهم في صفوف الانتظار الطويلة للشراء من منافذ بيع ستاربكس، وصولًا إلى غرباء يُسدِّدون قيمة مشترياتٍ حُفظت في متاجر «تويز آر أس» بعد حجزها بعربون خلال العطلات. هذه التصرفات اللطيفة العشوائية أمثلة مؤثِّرة لقوة العطاء - من دون توقُّع الحصول على شيء في المقابل.
لكن تخبرنا الأبحاث العلمية الآن بأن العطاء المجرَّد من المصلحة يؤدي إلى فوائد ملموسة - لمن أعطى، وليس المُتلقي فقط. في الواقع، عبَّر الأشخاص الذين ظلُّوا يُؤدون أعمالًا لطيفة عشوائيًّا كل يوم على مدار ١٠ أيام عن إحساسهم بتنامي شعورهم بالسَّعادة بدرجة بالغة.
لذلك ابحث في حياتك اليومية عن أفعالٍ بسيطة تُحسِن بها إلى الآخرين. وإليك بعضَ الأمثلة السهلة:
اشترِ قهوة لزميل في العمل أو جار أو صديق.
أثنِ على غريب بالشكر والمدح.
ادفع إكرامية كبيرة.
اسمح لسيارة بتجاوزك على الطريق.
تبرَّع بالدم.
سجِّل اسمك للتبرُّع بنُخاع العظم (فقد تُنقِذ حياة شخص بذلك).
تجوَّل بأدواتِ عنايةٍ معها موادُّ غذائية بسيطة وأعطِها للمشردين.
أعمال الإحسان العشوائية مؤثِّرة بالأخص مع الأشخاص الذين يمرُّون بوقت عصيب. بعد وفاة أمي، أدركت مدى صعوبة عيد الأم وعيد الأب على الناس الذين فقدوا أحد والديهم؛ لذلك فإنني أرسل بريدًا إلكترونيًّا لكل أصدقائي الذين عانوا هذه الخسارةَ لأخبرهم أنني أفكِّر فيهم في ذلك اليوم. وتشتري أسرتي هدايا كلَّ عام في الأعياد للأطفال الذين يعيشون في دُور الكفالة لمساعدتهم على الشعور بمشاعر أفضلَ في هذا اليوم مما كان سيُصبح عليه الحال خلافًا لذلك. ابحث عن سبلٍ تؤدي بها أفعال إحسان عشوائية تلائم حياتك؛ فالعديد منها لفتات بسيطة من الممكن أن تأتي بنتائج كبيرة.
تبرَّع بطرقٍ ملموسة
العطاء من الممكن أن يأخذ أشكالًا عدة؛ فمن الممكن أن نتبرع بمالٍ لمؤسسات خيرية كبيرة، أو التطوع بوقتنا لمطعمٍ للفقراء في منطقتنا أو إسداء النُّصح والتوجيه للصغار، أو التبرُّع بالدم عن طريق الصليب الأحمر الأمريكي. ورغم أن طرق العطاء هذه كلها من الممكن أن تسفِر عن نتيجة إيجابية، قد تتفاوت درجات السعادة الناجمة عنها حسب طريقة العطاء ذاتها.
أفضل أشكال العطاء هو الذي نَشعُر فيه بمغزًى شخصي. بالنسبة إلى البعض، قد يكون هذا بالتبرع لقضايا بيئية، بينما قد يكون بالنسبة إلى الآخرين، بالتبرُّع لمنظمة لإنقاذ الحيوانات، أو لجنة للعمل السياسي، أو مطعم محلي لإطعام المحتاجين.
كما أننا نُظهِر تناميًا هائلًا في مستوى سعادتنا حين يُحدِث تبرُّعنا أثرًا ملموسًا. فعلى سبيل المثال، يشعر الأشخاص الذين يتبرَّعون من أجل «سبريد ذا نيت» (وهي منظمة توفِّر ناموسيات للوقاية من الملاريا في أفريقيا جنوب الصحراء) بسعادة أكبر ممَّن يسهِمون في صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف). لماذا؟ تساعد تبرُّعات صندوق الأمم المتحدة للطفولة الأطفالَ بشتَّى الطرق في أنحاء العالم. لا شك أنها منظمة مهمة تُسدي خدمات عظيمة للأطفال، لكن من الصعب أن يرى المتبرِّعون بالضبط ما لإسهامهم من أثر كبير. على النقيض، تُخبر «سبريد ذات نيت» المتبرعين أن كل تبرُّع بقيمة ١٠ دولارات يعني إرسال ناموسية واحدة للوقاية من الملاريا لإحدى الأسر، وأن الناموسية الواحدة من الممكن أن تحميَ خمسة أطفال لخمس سنوات. وبذلك يكون للتبرع الصغير تأثير واضح وقوي وملموس.
إذن للعطاء عامةً أثرٌ طيب على نفس، لكن يكون أثره أفضل حين ندرك قيمة العطاء في العالم الواقعي ونقدرها.
اكتب خطاب امتنان
ركَّز هذا المقال على أنواعٍ مختلفة من العطاء - مال ووقت ودم، وغير ذلك. لكن الإقرار بالشكر للآخرين هو الآخر طريقة قوية لتعزيز شعورنا بالسعادة.
استراتيجية خطاب الامتنان، التي ابتكرها الدكتور مارتن سليجمان من جامعة بنسلفانيا، تطالب الناس بالتفكير في شخصٍ كان مهمًّا في تغيير حياتهم أو الارتقاء بها لما هو أفضل. ربما يخطر ببالك معلِّم أو رئيس في العمل أو جار - لا يهمُّ مَن يكون هذا الشخص، أو الطريقة المحدَّدة التي شكَّل بها ذلك الشخص حياتك. كلُّ ما يهم أن يكون شخصًا تشعر بامتنان لمعرفتك إياه.
بعد أن تتبيَّن مَن ينطبِق عليه ذلك الوصف، عليك عندئذٍ أن تكتب خطاب امتنان لهذا الشخص، ذاكرًا بالتحديد ما فعَله من أجلك وكيف شكَّل حياتك.
بعد ذلك، وقد تكون هذه الخطوة الأهم، اذهب لزيارة ذلك الشخص واقرأ الخطاب بصوتٍ عالٍ. فإن مشاعر السعادة - لدى كلٍّ من الشخص الذي يقرأ الخطاب والشخص الذي يسمعه - من الممكن أن تبلغ ذروتها بحق، ولك أن تتخيل.
حين أفكِّر في أكثر شخص أشعر نحوه بامتنان لدوره في تشكيل حياتي، يَخطر لي معلم اللغة الإنجليزية في الصف السابع والثامن، يوجين دورتي. كان السيد يوجين دورتي قد شارك في الحرب العالمية الثانية وفقَدَ ذراعه اليمنى في معركة إيو جيما. فكان يسير في الفصل بخطافٍ فضي مخيف الشكل (إذ كان هذا إبَّان أوائل الثمانينيات، ولم تكن الأجهزة التعويضية كما هي الآن مطلقًا) - كان يبدو مثل خطاف القبطان هوك بالضبط. كان السيد دورتي يكتب على السبورة واضعًا قطعة الطباشير في خطافه، ويدخن السجائر باستمرار أثناء الدرس (مرة أخرى، كان ذلك زمنًا مختلفًا!) والسيجارة مثبَّتة في خطافه. لذلك فقد كان مخيفًا بعض الشيء إجمالًا.
لكنَّ كل ورقة كتبتها يومًا في مادَّته كانت تعود بالكثير والكثير من الملاحظات - «أسهبي الحديث»، «وضِّحي»، «استخدام جيد للتفاصيل»، «اروي المزيدَ بهذا الشأن»، وهكذا. وقد واصلت الدراسة في ستانفورد وبرينستون، لكنَّني تعلَّمت كيف أكتب من السيد دورتي. وكانت هذه الملاحظات عن كتابتي أول ما جعلني أفهم أهمية المراجعة كاستراتيجية رئيسية لتحسين كتابتي ولا شكَّ أنها قد شكَّلت مساري المِهَني وغيَّرته: فإنني أكسب عيشي الآن بالكتابة (مقالات وفصول وكتب).
لكنني مع الأسف تعلَّمت قيمة خطابات الامتنان بعد فوات الأوان. فقد كتبت خطاب الامتنان لأرملة السيد دورتي بعد أن علمت بوفاته.
لدينا إذن عبرةٌ مهمة بحق في هذه الاستراتيجية الباعثة على السعادة: لا تَحتفِظ بكلماتك الطيبة لحين التأبين، الذي كثيرًا ما يكون المناسبة الوحيدة التي نعبِّر فيها عن قيمة أحد الأشخاص لدينا.
اضف تعليق