إن الابتسامة ربما كان لها وجه آخر غير إيجابي، موضحين أن الأشخاص الذين يبتسمون وقت الانتصار تزيد فرص فشلهم في المرات اللاحقة؛ لأن ابتسامتهم تثير غيظ خصومهم، وتدفع منافسيهم للعمل بصورة أكبر لمنعهم من إعادة تحقيق النجاح، وفي المقابل، فإن مَن يبتسمون وقت الخسارة قد تكون فرصتهم أكبر في النجاح...
بقلم هناء المكاوي
على الشخص أن يبتسم حتى في تلك الأوقات التي يكون من الصعب فيها الابتسام، فابتساماتنا تجعل الوقت الذي نقضيه معًا رائعًا، دعنا يقابل بعضنا بعضًا دائمًا بابتسامة، فالابتسامة هي بداية الحب
لكن يبدو أن للعلم رأيًا آخر، فوفقورقة بحثية أجراها فريق من الباحثين في "معهد التقنيات الإبداعية" بجامعة كاليفورنيا الجنوبية الأمريكية، برعاية من مختبر أبحاث الجيش الأمريكي، فإن الابتسامة ربما كان لها وجه آخر غير إيجابي، موضحين أن الأشخاص الذين يبتسمون وقت الانتصار تزيد فرص فشلهم في المرات اللاحقة؛ لأن ابتسامتهم تثير غيظ خصومهم، وتدفع منافسيهم للعمل بصورة أكبر لمنعهم من إعادة تحقيق النجاح.
وفي المقابل، فإن مَن يبتسمون وقت الخسارة قد تكون فرصتهم أكبر في النجاح في المرات المقبلة؛ لأن خصومهم قد يتعاطفون معهم.
الكرات الذهبية
أجرى القائمون على البحث مباريات في لعبة "الكرات الذهبية" الشهيرة بين 370 لاعبًا، جرى تقسيمهم للدخول في منافسات ثنائية مباشرة فيما بينهم.
وتعتمد لعبة "الكرات الذهبية" على التنافس بين اثنين من المشاركين، بحيث يكون على كلٍّ منهما الاختيار بين "وعائين" مكتوب في أحدهما كلمة "تشارك" والأخرى "سرقة"، فإذا اختار أحدهما كلمة "سرقة" واختار الآخر كلمة "تشارك" حصل "السارق" على المبلغ كاملاً أما الآخر فيرحل خالي الوفاض، وإذا اختار المتنافسان كلمة "سرقة"، رحلا معًا وهما خاليا الوفاض، أما إذا اختارا معًا كلمة "تشارك" فإنهما يقتسمان المبلغ.
في الدراسة التي نحن بصددها، حصل كل لاعب على 30 دولارًا، بالإضافة إلى تذاكر "يا نصيب" إضافية بقيمة 100 دولار تم منحها للفائزين وفق عدد مرات فوزهم.
وجرت مراقبة اللاعبين باستخدام برامج تتبُّع لقياس مشاعرهم في أثناء اللعب، ومراقبة ردود أفعالهم المختلفة، وانفعالاتهم، وحركات عضلات الوجه: بدايةً من الخدود والذقن والجبهة وانتهاءً برصد دموعهم وحركات شفاههم.
توصل الباحثون إلى أن دوافع اللاعبين كان يتحكم فيها معيار المكسب والخسارة، إذ إن مَن فازوا وابتسموا تعبيرًا عن الانتصار عرَّضوا أنفسهم بعد ذلك للعقاب على يد الخاسرين، أما الخاسرون الذين تقبلوا خسارتهم بابتسامة، فكان ذلك بمنزلة دعوة لمنافسيهم للتعاطف معهم في المستقبل، وتعبيرًا عن تقبُّلهم فكرةَ النجاح المتبادل، لذا جرت معاملتهم من جانب منافسيهم ببعض الرفق، وزادت فرصهم المستقبلية في الفوز.
يشير جوناثان جراتش -مدير البحوث الإنسانية الافتراضية في المعهد، وأحد المشاركين في البحث- في تصريحات صحفية، إلى أن تلك الورقة البحثية تأتي ضمن مجموعة من الأبحاث التي يعمل عليها فريقه بغية الاستفادة من نتائجها وتوظيفها في الذكاء الاصطناعي.
ويضيف: نحن نعتقد دومًا أن العاطفة هي عدو العقل، ولكن الحقيقة هي أن التعبير عن العواطف يستهدف إظهار قيمة الأشياء، مشددًا على أن الابتسامة لها وجوه كثيرة أخرى تحمل دلالاتٍ مختلفةٍ عن تلك التي تتركها الصورة النمطية الوحيدة التي تجعل من الابتسام مرادفًا للنجاح والسعادة.
رد فعل عنيف
من جهتها، تقول نادية رضوان -أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة قناة السويس- لـ"للعلم": "الابتسامة تعبير فطري يتميز به البشر، والطبيعي أن تكون وسيلةَ تواصُل إيجابيةً بينهم، إذ إنها أكثر الوسائل قدرةً على التعبير عن أنواع الانفعالات كافةً، لكن البعض يستخدمها أحيانًا كقناعٍ لإخفاء مشاعره الحقيقية وإحلال مشاعر مغايرة لإرسال رسالة معينة ليس من الضروري أن تكون إيجابية".
وتشدد رضوان على أن "الابتسامة المصطنعة قد يكون لها رد فعل سلبي لدى المتلقي، وأحيانًا يكون رد فعل المتلقي عنيفًا أو مؤذيًا، لأنه لم يرَ فيها ببساطة إلا تهديدًا أو تحديًا له".
أداة وظيفية
بدوره، يقول أحمد عبد الله -مدرس الطب النفسي بكلية الطب بجامعة الزقازيق- لـ"للعلم": "إن عدد الأشخاص الذين أصبحوا يرسمون على وجوههم ابتساماتٍ غير حقيقية -للوصول لوظيفةٍ معينة، أو لكسب ود عميل، أو لإقناع شخص بشراء سلعة، أو لتملُّق رئيس- أصبح في ازدياد"، موضحًا أن "هناك مَن يدرك أن ابتسامته سوف ترسل حتمًا رسالةً إيجابيًة قد تساعده في الوصول إلى هدفه، وهو ما يُفقِد الابتسامة مصداقيتها، ويحولها إلى أداة وظيفية، تخفي خلفها كثيرًا من الارتباك والاصطناع وربما التضليل".
وتذهب بسنت المنشاوي -الباحثة المتخصصة في مجال التدريب والتنمية البشرية- في تصريحات لـ"للعلم" إلى أن "ردود أفعال اللاعبين الذين شملهم البحث قد تأثرت بالطاقة التي صنعتها الابتسامات، وهذا ما نطلق عليه ذكاء الابتسامة، فالابتسامة -مثل كل التعبيرات الأخرى- لها ذكاؤها الخاص، كما أن لها مقدرةً على تغيير طاقة المكان من حولنا وتوجيهها سلبًا أو إيجابًا وفق الرسائل التي ترسلها لنا".
اضف تعليق