الكشف عن هذه الاضطرابات هو كشف علمي عظيم يقودنا لان نغوص في عمق النفس والجسد ونتأمل خباياه، نبحث عن العوامل المسببة والمرسبة لها، ويغلب عليها الطابع النفسي وترتبط بالحالة الوجدانية للفرد، ومن أمثلة هذه الإضطرابات بالتحديد حالات الربو والحساسية والقرحة والقولون العصبي وارتفاع ضغط الدم...
ان الذي يحدث في الاضطراب النفسي الجسمي هو تراكم للإنفعال على المستوى الجسدي دون
أن يصعد إلى الوعي ويتبلور في مفاهيم والفاظ.. د. محمد شعلان
ان الكشف عن هذه الاضطرابات هو كشف علمي عظيم يقودنا لان نغوص في عمق النفس والجسد ونتأمل خباياه، نبحث عن العوامل المسببة والمرسبة لها، ويغلب عليها الطابع النفسي وترتبط بالحالة الوجدانية للفرد، ومن أمثلة هذه الإضطرابات بالتحديد حالات الربو والحساسية والقرحة والقولون العصبي وارتفاع ضغط الدم وغيرها وقد عرفت هذه الإضطرابات بالإضطرابات النفسية الجسمية، ويقول" محمد شعلان" أن تأثير النفس على الجسم يحدث بوساطة الجهاز العصبي الإرادي وهو أساسا إضطراب في التحكم في الجسد بوساطة ذلك الجهاز، فلا توجد تغييرات عضوية ظاهرة في الاجهزة المريضة ولكن التغيرات أساسا وظيفية.
بينما في الاضطرابات النفسية الجسمية فإن الجهاز العصبي الذي يؤدي إلى الإضطراب هو الجهاز العصبي اللارادي، أو الذاتي الذي يؤدي وظيفة التعبير الجسدي عن الانفعال، أي أن مصدر الاضطراب هنا هو تراكم آثار الاثارة المستمرة لهذا الجهاز وما يؤدي إليه من تغيرات في الجسد، فالإضطرابات النفسية الجسمية تختلف عن الهستيريا التحولية بوجود تعبيرات عضوية "وليست مجرد وظيفية" رغم أن أسبابها نفسية في المقام الأول. ويضيف "شعلان" العنصر الثاني المميز للإضطرابات النفسية الجسمية هو انها قلما تكون لها دلالة رمزية كبديل مباشر لرغبة سطحية مكبوتة مثلما هو الحال في الهستيريا، وإنما هو تعبير إنفعالي مزمن وبدائي عن رغبات عميقه" شعلان، 1979، ص 123" ترى موسوعة علم النفس والتحليل النفسي بأن الإضطرابات النفسيجسمية "السيكوسوماتية" هي اضطرابات جسمية تنشأ بسبب نفسي ويحدث فيها تلف في البناء التشريحي للعضو المريض بحيث يمكن للأشعة أو التحاليل الطبية أو الكشوف الطبية اكتشاف هذا التلف وتحديده، إلا أن العلاج الطبي وحده للمرض النفسجسمي لا يفلح في شفاء المريض، ولابد من اقتران العلاج النفسي به حتى يعالج السبب الأصلي للاضطراب. "طه، 1993، ص807"
ومن الملفت للنظر ان الاضطرابات السيكوسوماتية تشمل معظم أعضاء الجسم الواهنة، أو الضعيفة، أو الرخوة ذات الاستعداد للإصابة، فالشخص الذي يعاني من مفاصل الركبتين، أو الجلد، أو فروة الشعر فإنها تكون هي المستهدفة بعد نوبة إنفعال حادة جدًا فتضرب القولون مثلا فيسمى بالقولون العصبي، أو لديه استعداد مسبق بمرض في الركبتين فتستهدفها، وذهب البعض أبعد من ذلك بأن وجدوا أن احتباس الأحبال الصوتية عن العمل وعدم القدرة على النطق لشدة تأثير الإنفعال، أو الكحة الملازمة مع التكلم، وأزاء ذلك يقول"الدكتور محمد شعلان" أن الاضطرابات النفسجسمية من الناحية النشوئية الدينامية انما هي أقرب إلى حالات الذهان منها إلى العصاب بقدر ما هي تعبير عن صراع على مستوى مبكر" شعلان، 1979، ص124"، ولا نغالي إذا قلنا أنها تتفق مع الطرح اللاكاني في الحالات الحدية، وفي محاضرة للبروفيسور" كريستيان هوفمان" في 30 نوفمبر 2021 في رابطة الفضاء الفرويدي الدولي حول الحالات الحدية قوله: جاك لاكان يضع اسم الأب في مركز ميكانيزم الذهان، ليس ثمة أثر للوظيفة الأبوية عند الفرد الذهاني، وافتقار الأب بوصفه دالًا على رغبة الأم. ويضيف "هوفمان" في الحالة الحدية ليس هناك نبذ لأسم الأب، بل هناك نبذ مجازي – مجاز أبوي في عمر الأوديب.
تقودنا هذه الأعراض التي ذكرنا بعضها إلى عودة مسبقة قديمة جدًا منذ فجر حياة الفرد حينما كان في الطفولة المبكرة، ولها لغة بدائية قبل مرحلة تكوين اللغة والكلام عند الطفل، ربما إلى حد ما استخدام اللسان كعضو يلفظ بثقل واضح ما يريد التعبير عنه ولكن تخونه القدرة على إخراج ما يفكر به، هي مرحلة قبل لفظية إن صح تسميتها، ويعتقد الباحث "كاتب هذه السطور" أن هؤلاء الأشخاص ممن تستهدفهم الإضطرابات النفسية الجسمية كانوا لا يميلون إلى التعبير اللفظي، أو الحركي عن انفعالاتهم بل يستخدمون الجسد وحركاته بشكل بدائي فضلا عن ميلهم لتحويل الإنفعال إلى الداخل بدلا من اسقاطه نحو الخارج.
وبلغة الفكر اللاكاني يمكننا القول استنادًا لما طرحه "عدنان حب الله" في موضوع الصدمة، إن الصدمة لم تعد حادثًا عارضًا، بل مفهومًا من المفاهيم المولدة للإضطراب، والتي هي في أساس، ليس العصاب فقط، بل في أساس الظاهرات النكوصية "النكوص ميكانيزم دفاعي" السائدة ما قبل الصدمة، أي التكوين الذاتي، الشخصي الذي يسبق الصدمة، ويضيف" حب الله" إن البعد الرمزي يقدم له انفتاحًا على حقل جديد ويعطي لصورة الجسد تمثيلًا أكثر رمزية، وبدون البعد الرمزي، يصبح الإلتحام حتميًا مع ما له من عواقب مأساوية "حب الله، 2006، ص 65".
آليات الدفاع "ميكانيزمات الدفاع" في الإضطرابات النفسية الجسمية "السيكوسوماتيك":
مما لا شك فيه أن آليات الدفاع – ميكانيزمات الدفاع لها الدور الكبير في هذا الاضطراب لا سيما أنها تصنف ضمن الاضطرابات العصابية، فعمل هذه الميكانيزمات سيكون بالتأكيد قويًا وفعالًا في تأثيراته عليها، وتعد ميكانيزمات الدفاع – الحيل الدفاعية – التي نعرف بأنها وسائل غير معقولة لمعالجة القلق "عوض، 1977، ص 79"، ولانها تعمد إلى تشويه الحقيقة، أو انكارها، أو اخفائها، وفي الحقيقة المؤكدة إنها لا تحل الأزمة التي يعاني منها أي منا في مواقف الحياة الضاغطة بقدر ما تستهدف الخلاص المؤقت من القلق، أما بخفضه، أو التحايل عليه، أو انكاره، أو الهاء الفرد الذي يتعرض لموقف ضاغط، وكما يقول "عوض" أنها وسيلة للراحة الوقتية. ويضيف" عوض" أنها تحجر على الطاقة النفسية وربما تعطلها، أو تشغلها عن المقاومة لا سيما أن الموقف بدأ في صراع لابد من الحسم، ولذا فهي إن حققت نجاحًا مؤقتًا وصارت ذات أثر فعال في تحقيق شيء من الراحة، فإنها تسيطر على "الأنا" وتضعف قدرته على التوافق بالمعنى المبسط جدًا لهذه المنظومة النفسية التي تعد المسؤولة على التوافق النفسي، ونجاح الآليات الدفاعية المؤقت ربما ينفع، ولكن استمرارها يجعل الفرد في مهب الإنهيار النفسي، وهذه الأساليب أو الآليات هي عمليات دفاعية كما يذكرها "فرج أحمد فرج" والتي تعد حلا وسطًا، أو تسوية بين المكبوت وقوى الكبت، كما أنها أشبه ببديل تعويضي عن فشل الكبت وما يترتب عليه من قلق، وأهم ما يميز العمليات الدفاعية طابعها التوفيقي" الامارة، 1995، ص 7".
ومن مساوئ آليات الدفاع على المدى البعيد إنها تستنفذ جانب كبير من طاقة الأنا. ويذكر معظم المشتغلين في التحليل النفسي أن محاولات الحيل الدفاعية "آليات الدفاع" اللاشعورية هي أساسًا لغرض التخفيف من التوتر والقلق لما يمر به إنسان اليوم من احباطات يومية وصراعات استصعب على البعض حلها، فيكون اللجوء إليها أزاء تلك المواقف الحياتية، إنها حيل" آليات" ميكانيزمات غير سوية وسنحاول استعراض بعضها في الاضطرابات النفسية الجسمية" السيكوسوماتية" ومنها: النكوص "الارتداد"، الرمزية، الكبت، التحويل.
تبين الدراسات النفسية المتخصصة في هذا المجال أن دور آلية الدفاع "ميكانيزم الدفاع" النكوص لدى ممن يعانون من إضطرابات أو أوجاع جسميه مرضية كبيرة جدًا وذلك لوجود تغيرات أولى في قدرة الانا على إدراك وتقييم المخاطر، ونكوص الأنا يكون باستعمال أوسع لعمليات التفكير المنظمة، مثل استخدام الطاقة المؤثرة في استجابة أكتساب العرض الجسمي لمعناه النفسي. وتعرض هذه الدراسة أن التغيرات في المستوى الشعوري قد تساعد على جعل الميكانيزمات الفسيولوجية ملائمة لحالات الرعب والفزع المفاجئ، والشدة والتي تنشط الاضطرابات السيكوسوماتية وهذه الدراسة ربما تتفق مع طرح البروفيسور حب الله التي ذكرناها في الصفحات السابقة من هذا العرض العلمي، ويطرح "أبو النيل" قوله: أن وظائف الأنا الدفاعية دائمًا ما يكون من الصعوبة تقسيمها، لكن بوجه عام فإن النكوص لدفاعات بدائية يشاهد في حالة الأنا المتغيرة" أبو النيل 1994، ص 229".
وفي دراسة "لكلوس هوب" أثناء حالات الاضطهاد في معسكرات الأسر الألمانية حيث ميز الباحث بين الاوجاع السيكوسوماتية مثل وجع الدماغ والتوتر والارق وبين الاضطرابات السيكوسسوماتية مثل الربو والقرحة، وتبين له حدوث حالات النكوص لدى الجميع فيما عدا حالتين فقط أظهرا حالة الإعلاء "التسامي"، بينما كان النكوص لثلثي مجموعة ذوي الاوجاع السيكوسوماتية" النفسجسمية" وظهرت بعض النتائج في الدراسة حيث تزايدت القدرة على الاعلاء لدى البعض من خلال نقص في الغضب والذي عَدهُ من معوقات الإعلاء. وتوصل الباحث أن الغضب الشديد يقترن بالنكوص، وان القدرة على الاعلاء يساعد على عدم وقوع الاضطرابات النفسسجسمية "السيكوسوماتية". وأظهرت دراسة قام بها "سبرلنج" في العام "1964" وقبله "جارما في العام 1958" وجود ميكانيزمات نفسية أكثر نقاءً في تحديد الاضطراب وفهم تغيراته الفسيولوجية تتمثل في التغيرات الرمزية، وفي خبرات النمو وفي محاولات الأنا للسيطرة على الصراع داخل النفس، مستندًا في تفسيراته هذه على رؤية "هيلين دويتش" التي كانت تطرح فكرة الدور الممكن لوظيفة الرمز وللميكانيزمات التحولية ("في" ابو النيل، ص 232).
تعد الرمزية مؤشر كبيير في تفعيل دور الاضطرابات النفسجسمية "السيكوسوماتيك" حيث بينت دراسة" سبرلنج وجاما "اللذان حددا الدور الأول لهذه الميكانيزمات وبالأخص التمثل الرمزي والاستدماج" تمثيل الأنا والانا الأعلى" في تكوين الاضطرابات النفسجسمية – السيكوسوماتية، ويطرح " الكسندر" في نظريته في العام 1943- 1950 تأثير المتغيرات الفسيولوجية للاضطراب على أن له معنى نفسي بطريق مباشر ولكن يرى إنها لا تكون تعبير لنواحي تخيلية للصراع الأساس.
أما الكبت له تأثير على حالات النفسجسمية وازاء ذلك يقول "سيجموند فرويد" أن الصدمة الانفعالية تكون أكثر ضررًا في نتائجها المبكرة على الفرد. ومن ثم فإنه في الامكان اختفاء الصدمة المبكرة وعواقبها النفسية مثل الخبرات غير السارة في النواحي المرضية التي تأخذ شكل التنظيمات التكوينية، وعن هذه الصدمات يرى" أبو النيل، ص 234" انها تحدث في أوقات النمو غير الكامل، او هي كوخزة الإبرة في جنين غير تام التكوين، ويبدو أن "سكير" أظهر أن عمليات تجرد العرض البدني من معناه النفسي تكف بخبرات الصدمة المبكرة، أو ربما توجد محاولات غير مجدية عند العودة لخصائص الطفولة الجسمية المؤثرة، وتقودنا هذه الأفكار إلى تراكم الانفعال على المستوى الجسدي وهو الذي يحدث في الاضطراب النفسيجسمي، أي بمعنى لا يستطيع الصعود إلى الوعي ويتبلور في مفاهيم والفاظ فضلا عن أنه لم يكتمل من جانب آخر وهو الجانب الفعل التكيفي، ويقودنا هذا الكلام إلى رؤية "جاك لاكان" العميقة ورؤيته حينما يرى أن الإنسان يقول أكثر مما كان ينبغي، أي الكلام يحمل في طياته إنقسامًا ذاتيًا يعود مصدره إلى اللاوعي، وبصورة خاصة إلى رغباته المكبوتة التي تكونت منذ مرحلة عقدة الخصاء.
ويذكر " حب الله" أن "لاكان" يسير هنا على خطى "فرويد" عندما حدد هذا الاخير أن الأنا منقسمة في أداء وظيفتها إلى قسم واع على علاقة بالمخاطب، وقسم لاواع على علاقة بالمكبوت" حب الله، 2006، ص 278".
وتؤكد الأدبيات النفسية أن فرض الكبت ذو الوجهين على أن الاضطرابات ذات الاشتراك الجسمي الواضح المسماة حسب الاضطرابات النفسجسمية الكلاسيكية "الربو الشعبي وقرحة المعدة" لا يمكن ان تصبح مزمنة إذا لم يوجد بناء عصاب نفسي مهم يرجع تاريخه لمرحلة سابقة من النمو، ومع هذا الافتراض لا يمكن إنكار أن هناك سلسلة مكملة من الاستعدادات الفطرية، والصدمات التي يخبرها الفرد في علاقاته بالموضوع وعلى العكس فإن كلا من هاتين المجموعتين من العوامل تكون موجودة ومتفاعلة بطريقة خاصة، وباستثناء الحالات المتطرفة فإن الاعراض العضوية المزمنة قد توجد في الافراد الذين يفشلون في حل صراعاتهم في المستوى النفسي، لكن الاستعداد الفطري للاضطراب يشترك الآن في تحديد نمو الصراعات، والدليل المرضي لهذا التسلسل يوجد في توضيح "ميرسكي" لزيادة الافراز الخلقي في كل الحالات، حيث تكون قرحة المعدة قد نمت كمرض نفسي- جسمي، جسمي- نفسي" ابو النيل، 1994، ص 235".
يعرض بعض الباحثين عودة إلى سيجموند فرويد في كتاباته عن الكبت فيشير" الكسندر ميتشرليخ" قوله في كتابات فرويد إشارة لأسلوب الكبت ذا الوجهين فيقول: يحدث كل الكبت في الطفولة المبكرة، إنه عبارة عن تدابير دفاعية بدائية بوساطة أنا غير ناجح ضعيف، حيث لم يتم كبت جديد في السنوات الأخيرة، لكن الكبت القديم يكون ثابتًا وخدماته مستمرة ليتم للأنا السيطرة على الغرائز، وتصرف الصراعات الجديدة بوساطة ما نسميه "الكبت اللاحق". أما "كالفن هال" فيرى أن ميكانيزم الكبت يساهم في تنمية كثير من الاضطرابات البدنية مثل التهاب المفاصل والربو والقرحة، فالتهاب المفاصل قد تنشا من كبح العدوان، إذ ربما ينتشر الكبح في العضلات التي تستخدم في العدوان ويخلق حالة من التوتر المؤلم والتي تتطور إلى التهاب مزمن في المفاصل إذا استمرت مدة طويلة.
أما آلية التحويل فيرى "مننجر منروليف" أن هذه الآلية طريقة يستعملها الانا ليدفع عن نفسه القلق وذلك بتوجيه التعبير عن الرغبات المكبوتة إلى أعراض جسمية، أما "فرانز الكسندر" فيرى أن التوترات الانفعالية اللاشعورية المكبوتة تجد تعبيرات خلال قنوات البدن، وبناءً على هذا المفهوم فإن ارتفاع ضغط الدم تحول من غضب مكبوت، وأن المؤيدين لهذا المفهوم يذهبون لأبعد من هذا فيقولون إن قرحة الهضم يجب أن تعد عرض تحولي، فبعض الانفعالات المكبوتة كأخيلة الوهن تجد التعبير الجسمي في تغييرات في أنسجة المعدة" أبو النيل، 1994، ص 237".
يرى العلامة "مصطفى زيور نقلا عن الكسندر ف" إن الاضطرابات العضوي الناتج من أسباب نفسية غير عادي، أو على الأصح تعبير ناقص للتوتر النفسي، فهو لا يحقق تنفيسًا كاملًا للتوتر الإنفعالي الأصل، ويضيف "زيور" ليس الطب السيكوسوماتي بحثًا عن أثر العوامل النفسية في نشأة الامراض العضوية، بل هو دراسة الأعراض المرضية جميعًا الجسمية منها والنفسية، وإدماجها في إطار واحد هو إطار شخصية المريض ووحدته الأصلية" زيور، 1986، ص 251". وتعقيبًا على ذلك يذكر "محمد شعلان" أن الانا هو البوتقة التي يلتقي فيها الداخل مع الخارج، وكل ما يحدث في الخارج وله إنعكاس في الداخل يبدو أكثر وضوحًا في الأنا، ومقابل ذلك فإن كل ما يحدث في اعماق الداخل سوف يكون له انعكاس مماثل في الانا، وحينما نتحدث عن الاختلال في التوازن فهو أساسًا اختلال في قدرة الانا على التوفيق بين الداخل والخارج وبين العناصر المتصارعة في كل منهما مثل الصراع بين الأنا الاعلى والغرائز.
ومن ثم فإن الحديث عن العوامل المرسبة الداخلية يرتكز أساسًا على اختلال فترة الانا أو نتيجة لعوامل خارجه عنه تتعدى قدراته على التحكم فيها، مثل الارهاق المستمر الذي يساهم في اضعاف الانا، أو قد يكون التراكم الغريزي المزمن الناتج عن عدم الاشباع، كأن يكون الفرد معرضًا لفترة من الحرمان سواء كان حرمانًا من التعبير عن رغباته الشبقية، أو الانفعالات التي تؤدي إلى العدوانية مما يضيف إلى قوة الغرائز "الهو" بدرجة تفوق قدرة الأنا على التحكم فيها" شعلان، 1977، ص 17".
ويستمر الصراع ما بين الخارج ومتطلباته، والداخل وضعف قدرته على التوازن، فترتد هذه الطاقة بكل شحناتها إلى الجسد فيمزق الجسد نفسه بنفسه، ولم يجد الحل، ويزداد الصراع ويحتدم وتؤدي بالنتيجة إلى مداهمة الانا واضعافه أمام الطرفين المتصارعين، أو اكثر من طرف. ويطرح "سيجموند فرويد" قوله: من المحتمل ان ما يلازم الألم البدني من عدم اللذة هو نتيجة لتهتك الدرع الواقي في منطقة محدودة، إذ يتبع هذا أن يتدفق تيار متواصل من المثيرات، من خلال هذه الثغرة مباشرة إلى الجهاز النفسي المركزي، وهذا أمر لا يقع عادة إلا من داخل الجهاز وحده، فأي رد ينتظر أن تقوم به النفس على هذا الغزو؟
تُستدعى كل أشكال الطاقة من كافة النواحي كي تهيئ أكبر ما يمكن من الشحنة فيما يحيط بتلك الثغرة" فرويد، ب.ت، ص 59"، وإن نجح فقد تغلب على الأزمة بلا اضطرابات نفسية جسمية، وإن فشل فيكون حينئذ الاختلال النفسي.
اضف تعليق