إن بعض الأشخاص يميلون بطبيعتهم إلى الشكوى بشكل متكرر والبعض الآخر يمسكون أنفسهم، وتتحكم في ذلك العوامل الشخصية لدينا، مثل مقدار السيطرة على أنفسنا في موقف ما، وقدرتنا على التسامح والرغبة في تقديم الذات بشكل إيجابي، والمرحلة العمرية التي نمر بها، فمن يشتكون بشكل ثابت لديهم مشكلات صحية...
لي زميل دراسة في المرحلة الاعدادية لم التقيه قبل الاختبار او بعده الا واشتكى من ضيق وقته او مرضه او ذكر اي عذر آخر يبرر فيه عدم قدرته على اتقان مادة الاختبار، حتى صار ايقونة الشكوى والتشاؤم الى الحد الذي كنا لا نتفائل بمصادفته قبل الاختبار ونفضل تجنب لقاءه لأنه يبث علينا سلبية وخوف بدرجة كبيرة، بعد ان ظهرت النتائج تبين انه قد نجح وحصل على معدل يؤهله للدخول في احد الجامعات العراقية الرصينة غير انه لم يكف عن الشكوى حينها ادركنا على صغرنا ان الامر مرضي وليس طبيعي.
في حياتنا اليومية نصادف الكثير من الاشخاص الذين يتحينون الفرص للبدأ بحديث يشكون فيه همومهم وآلامهم ومعاناتهم، ربما بدافع التنفيس للهموم او ربما بدافع دفع الضرر الذي يسببه نظرة الاخرين اليه، فهل كثيري الشكوى مرضى نفسيين؟، وماذا يشعر الشاكي بعد ان يشكي لمن حوله، وما الحلول للتخلص من كثرة الشكوى؟
لماذا يشكو الانسان؟
في الحالة الطبيعية يشكو الانسان بشكل شفهي كتعبير عن عدم الرضا لنتيجة معينة او خيبة ظنه من امر معين، فما يفترض ان يتم ذلك عقب موقف سلبي كشكوانا من انقطاع الكهرباء في الملعب اثناء حضورنا في مباراة كرة قدم مهمة، او حصولنا على درجة متدنية في الاختبار، او ان مقابلة العمل كانت سيئة وغير عادلة بالمقارنة مع الآخرين والى غير ذلك من المواقف التي يترتب عليها سخط الانسان وبالتالي تصدر منه الشكوى.
ما يعني بالضرورة ان الشكوى وليدة المواقف المزعجة، ويمكننا القول بأن العوامل الشخصية وطبيعة الانسان ونوع تربيته تلعب دوراً كبيراً في ذلك، فبعض الاشخاص يميلون الى الشكوى المتكررة على صغائر الامور وكبائرها وبطريقة علنية ربما لاستدار عواطف من حولهم او لتحويل انتباههم عن شيء معين، بينما يفضل البعض الاخر الاحتفاظ بمشاكله وهمومه في نفسه ولا يفصح بها الا للمقربين منه.
يمكن الخطر الحقيقي لكثيري الشكوى بصورة دائمة هو انهم يصورون الواقع وكأنه مليء بالسوداوية مما قد يعتم الجو العام لكون مثل هذه المشاعر معدية او انها تقتل التفاؤل او تحصر مساحته، فيجعلون العالم يبدو وكأنه جميعه سلبي ولا مجال للإيجابية فيه، لكن هذا ليس صحيحا والحقيقة هي أن استراتيجية تفكيرهم تحتاج إلى تغيير، لأنهم صنعوا واقعا متطابقا مع أفكارهم.
يقول الباحث في علم النفس الايجابي (روبرت بيسواس ديينر) مؤلف كتاب (السعادة ) في مقال منشور له في موقع (سيكولوجي توداي)" إن بعض الأشخاص يميلون بطبيعتهم إلى الشكوى بشكل متكرر والبعض الآخر يمسكون أنفسهم، وتتحكم في ذلك العوامل الشخصية لدينا، مثل مقدار السيطرة على أنفسنا في موقف ما، وقدرتنا على التسامح والرغبة في تقديم الذات بشكل إيجابي، والمرحلة العمرية التي نمر بها، فمن يشتكون بشكل ثابت لديهم مشكلات صحية ويصبح أداؤهم غير جيد في وظائفهم، ولديهم علاقات أقل ولا تدوم طويلا، ويكونون غالبا بائسين بشدة".
قد يشتكي بعض الناس لتبرير تقصيرهم او فشلهم في عمل معين فهم يشتكون من زحام الشوارع حين يتأخرون عن الدوام، ولرغبتهم في تجنب تحمل المسؤولية فقد يشتكون من ضعف بصرهم وتأثير جهاز الحاسوب عليها لدفع المسؤولية عن ان انجاز مهمة مكتبية انيطت بهم وغير ذلك من التبريرات الغير حقيقية.
في الختام نقول: بدل التفكير في الشكوى من الحظ السيء والنتائج غير المتوقعة والاحباطات التي تحصل للانسان ينبغي ان نستذكر نعم الله علينا ونحمدها، وفي حال كون الشكوى لغرض التنفيس فيجب ان نشتكي لمن يفهم شكوانا وليس للجميع لان الشكوى للجميع تعود بالمذلة على صاحبها من غير ان تعود عليه بنفع ولا فائدة.
اضف تعليق