وإذا عرف الشخص كيف يحرر نفسه من الداخل فإنه سيعرف ذلك في وضعية جسمه، وفي إيماءاته، ولو لم يدرب نفسه تدريباً خاصاً على منهج الحساسية البدنية. ولا يقتصر الأمر على أن الجسم، كان لإدراكه تأثير في إزالة التضايق الداخلي، وفي ثقة المرء الداخلية بنفسه، بل إنه يسير في كلا الاتجاهين...
إن المنهج الآخر لشفاء عصاب الطبع الحديث بأنواعه هو إدراك المرء لجسمه. وأعني بذلك أمراً يُدعى الحساسية في بعض الأحيان. إنني أشير إلى الإدراك البدني الذي لا يشعر به جلّ الناس لأنه لا يحسون بالبدن إلا عندما ينتابهم الألم. ولكننا لا نحسّ بجسمنا عندما لا نعاني من الألم. والقلة القليلة من الناس تحس به.
وإدراك المرءِ جسَمه، لا مجرد تنفسه، بل جسمه الكلي، وضعيّة جسمه، عندما يكون منحصراً ـ إن هذا الإدراك إضافة بالغة الأهمية إلى إدراك المرء لذهنه. وأنا أوصي به لأي شخص بوصفه إلحاقاً شديد الأهمية بتحليل ذهن المرء الذي يستمر في التحليل.
إن إدراك المرءِ بدنَه، وإعادة بناء التجربة البدنية للمرء، والإدراك الأكبر بالوصول إلى انسجام وعدم تضايق في الجسم أكثر بكثير لـه كبير الأهمية. وقد أخذتُ بمنهج (إلزا جندلرElsa Gindler) سنواتٍ وأنا الآن ومنذ سنوات غير قليلة أتعلّم الـ"تاي تشي" التي هي مجموعة من الحركات الصينية شديدة الدقة والإرخاء، وقد أفدت منها فائدة عظيمة. وفي بعض الأمثلة يمكن أن يكون لأنماط معينة من التدليك تأثير جيد جداً، كما اكتشف غيورغ غرودك Georg Groddek وفلهلم رايش Wilhelm Reich.
وإذا عرف الشخص كيف يحرر نفسه من الداخل فإنه سيعرف ذلك في وضعية جسمه، وفي إيماءاته، ولو لم يدرب نفسه تدريباً خاصاً على منهج الحساسية البدنية. ولا يقتصر الأمر على أن الجسم، كان لإدراكه تأثير في إزالة التضايق الداخلي، وفي ثقة المرء الداخلية بنفسه، بل إنه يسير في كلا الاتجاهين. فإلى الحد الذي يصبح المرء فيه أكثر حرية داخلياً، فإن المرء سيكون أكثر حرية من الوجهة المادية، في بدن المرء.
ومن المهم جداً ألا ننسى أن الإرخاء البدني وحده لا يكفي. وقد عرفت عدداً غير قليل من الناس الذي حققوا بالفعل الكثير جداً على أساس الانسجام الكامل لوضعيتهم البدنية ـ أو ما يبدو شبيهاً بالانسجام الكامل ـ ولكنهم حلّوا الأقل من مشكلاتهم عميقة المدى، مشكلات هويتهم وإحساسهم بالذات وتقاربهم، ومشكلات عمق علاقاتهم بالناس وواقعها. ولذلك فأنا أولي الأهمية الأولى لخبرة المرء لنفسه بالمعنى التحليلي، ويساعد على هذا كثيراً أي منهج يقوم بهذا مع الجسم في الوقت نفسه، ويفضي إلى أكبر انسجام وإرخاء للجسم.
وأستطيع أن أقيس حالتي الذهنية الداخلية بملاحظة وضعية جسمي. إنها تتغير طبقاً لهذا: إذا شعرت أنني بخير أقل فإن وضعية جسمي ستكون وضعية التعب، والتهدّل في المشي أو القعود، وإذا شعرت أنني بخير، بخير من الداخل، فإن وضعيتي ستكون مختلفة (وأنا لست بأية حال مثالاً جيداً للآخرين على ما يجب أن تكون الوضعية). ولا ريب أن البدن تعبير عن كل شيء يجري فيه: فهو يشير إلى الإيماءة، ويشير إلى طريقة قعود المرء، وإلى طريقه سيره. ويستطيع المرء أن يميز شخصاً ينظر إلى ما وراءه؛ وأيسر على الناس أن يحددوا [من بعيد] هويته من طريقة سيره مما يمكن أن يحددوها من وجهه، لأن السير هو الحركة الأقل قصداً والأقل شعورية، فهي من ثم الحركة الأصدق. ويصدق الأمر نفسه على الإيماءات. وحتماً هناك أناس تعلّموا الإيماءات مثل ممثّل متصنّع، ولكن أي شخص لديه بعض الفهم يستطيع أن يعرف الفارق بين الزائف والمتضلّع.
ويصدق الأمر نفسه على خط اليد، والشيء بالشيء يُذكر. وتجد بالفعل خطوطاً تكون في بعض الأحيان جميلة تماماً؛ والخط بارع الجمال، شديد الفنية، بالغ التأثير، فتقول: "يا للخطّ الجميل!" ولكن يحدث في كثير من الأحيان أن يقول لك عالم في الخطوط إن خطه مخطَّط لـه بصورة كاملة، أي أن الشخص قد تعلّم أن يكتب على هذا النحو الذي يعطيه السيماء، التي تخلق الانطباع بأنه شخص مدهش عالي الفنية، ورفيع النشأة. وبوسع المرء القيام بذلك. وليس من الضروري حتى أن يقوم المرء بذلك عمداً، وأن تكون لديه خطة للقيام بذلك. ولكن المرء يفهم الحيلة. ويلاحظ عالم الخطوط الجيد ما هو موجَّه في ذلك النوع من الخط وما هو أصيل. وفي بعض الأحيان يمكن أن تلاحظ من دون أن تكون عالم خطوط ـ أن الناس الذي يكتبون بطريقة معينة يظنون غالباً أنها جميلة، ولكنهم عندما يكونون على عجل فإنهم يكتبون بغته شيئاً تراه وتقول: "بالله عليك، ذلك خط مختلف كل الاختلاف،" لأنهم في تلك اللحظة ليس لديهم الوقت ليصوروا حسن خطّهم.
إن كل تعبير جسدي، حتى أشد التعابير دقة، هو تعبير مباشر عن أرواحنا. وقد تمكّن الدكتور روتشيلد Rotschild، وهو واحد من أكثر الأطباء النفسيين موهبة، أن يعطيك عندما كان أصغر سناً تحليلاً لطبع الشخص بنظره إلى نعلي حذائه. فقد استطاع بطريقة بالغة الحدسية أن يعيد من الطريقة التي تمزّق بها نعلاك بناء الطريقة التي تسير بها وهو حتى لم يكن يلاحظ الشخص وهو سائر. كان من الطريقة التي تمزّق بها النعلان يرى كيف كان يسير ومن ثم كان يستنبط من هو الشخص. وبمعزل عن أن نكون موهوبين على هذا النحو علينا جميعاً أن ننمّي الاستشعار لفهم معنى الإيماءة، ومعنى وضعية الجسم، ومعنى المسير. ثم يستطيع المرء أن يمضي إلى المشكلة الأصعب، وهي معنى الجسد الكلي، ووحدة إيقاع الشخص، على أساس من هو الشخص.
وليست أشياؤنا الوظيفية هي وحدها المعبّرة عن حياتنا الداخلية، ولكن كذلك وإلى حد ما فإن الطريقة التي تُبنى عليها هي تعبير رمزي عن بعض الشيء الذي نحن عليه. ولكن تلك المشكلة شديدة التعقيد. إنها مشكلة لم تُسبَر إلا قليلاً جداً، على الرغم من أنه في علم الأنماط الشخصية عند كريتشمر Kretschmer وشيلدون Sheldon يتم إظهار الصلة، مثلاً، بين البنية الجسدية والملامح الهوسية الاكتئابية أو الفُصامية بوضوح شديد.
اضف تعليق