هندسة السعادة تَبدأ من الذات، تَصالَح مع نفسك بواقعية، كن قنوعا تكون أكثر سعادة، ولا تنتظر أن تأتيك السعادة على طبقٍ من ذهب، ولا أحد قادمٌ لإنقاذك. والسعادة مهارة مَعرفية، وتمرين حياتي؛ لمواجهة تقلُّبات الحياة، وهي إلهامٌ وبصيرة؛ ينبغي تعلُّمُها من الذات والآخرين، وقناعة راسخة في الذات...
توقَّف عن انتظار شخص ما يجعلُك سعيدًا؛ لأنه لن يقدِم أحدٌ لإنقاذك، فسعادتك تبدأ من ذاتك. فالسعادة مهارة معرفية وحياتية، وهي –تمامًا-مثل أي مهارة، تتطلب العمل من جانبك، وأن تكون سعيدًا، ليس شيئًا تُحقِّقه ثم تتمسّك به؛ إنها سلسلة من القرارات التي تتخذها كل يوم. إذا كنت ترغب في بناء إرادة قوية للحصول على السعادة؛ فهذه مهارة تتطلب منك القيام بالعمل الشاق.
قرأتُ مُؤخَّرًا معلوماتٍ مُثيرةً للاهتمام من كتاب [السعادة الهندسية]، وفيه: "زعم عالم النفس جوناثان فريدمان في دراساته أن الأشخاص الذين لديهم القدرة على تحديد أهدافٍ لأنفسهم -على المدى القصير والطويل-؛ هم أكثر الناس سعادة"؛ وهو كلام أمِيلُ إليه بقوّة.
إذا كنتَ تُريد أن تصبحَ أكثرَ سعادة، فأنت بحاجةٍ إلى العمل على ذلك؛ لأن السعادة أقرب مما تعتقد، ويمكن تحقيقها باتباع قواعدَ بسيطة.
مهما كانت ظروفك في الحياة: سواء أكنت تعاني من الاكتئاب، أو الشعور بالوحدة، أو تعبت من الفشل طوال الوقت؛ هناك أدوات ستساعدك على تذكيرك بالقوة العظيمة المُخبَّأة بداخلك.
السعادة هدف رائع، وهي شيء ستحتاج إلى العمل من أجله كلَّ يوم. أن تكون سعيدًا ينبغي أن تبدأ بتنمية الإيجابية في حياتك، ولا تنس أن تقضيَ بعض الوقت مع أشخاص إيجابيين؛ لدعم صحة الجسم والعقل. تحدث وشارك؛ فالتواصل مهم، سواء أكان مع صديق أو أحد أفراد الأسرة، سيساعدك التحدث عن المشكلات -الشخصية والعامة-في التخلص من التوتُّر، بدلاً من إبقائه في الداخل.
لقد شعرت دائمًا أنه من الغباء إعلانُ أنه لا يُمكن تعلُّم أي شيء من مراقبة سعادة الآخرين. خُذْ ما تجده مُفيدًا فقط؛ فالإلهام هو الهدف، وليس القواعد الصارمة للشعور بالسعادة. يقول علماء النفس: إن الإجابة عن السعادة قد تكون: (القناعة)، و(تَعلُّم إيجاد السلام)، و(القبول باللحظة الحالية).
وفقًا لعلماء النفس، هناك عددٌ من الأشياء الصغيرة التي يمكنك القيام بها، والتي سيكون لها تأثيرٌ كبيرٌ على صحتك العامة وسعادتك. فَكِّر في نفسك أولًا؛ فالتواضع لا يُقلِّل من التفكير في نفسك، ولكن التفكير في نفسك أقل هو فلسفة مهمة لمعرفة الذات وتطويرها.
من المؤكد أن تقدير الذات من الأمور الصعبة؛ لأن البحثَ الحالي حول تقدير الذات يرسُم صورة غير متَّسقة للغاية: إذ يبدو أن تقدير الذات العالي يرتبط –بالتأكيد-بالسعادة، ولكنه يمكن أن ينتج مشاكل أخرى مع (الأنا).
لقد قُمتُ بمراجعة العشرات من الأوراق البحثية؛ سعيًا لمعرفة المزيد حول موضوع السعادة في العمل والحياة، من خلال الإلهام والبصيرة؛ ووجدت أنها مهارة ينبغي تعلُّمها من الذات والآخرين، بمعنى أن تجد الوقت الكافي لاكتشاف حقيقة الذات، وكيفية تقديرها بشكلٍ موضوعي وواقعي.
قد يكون تقدير الذات المرتبط بالنجاحات الوهمية وحشًا متقلبًا؛ وربما يكون الأمر الأكثر خطورة من ارتفاع تقدير الذات، الذي قد يؤدي إلى التركيز على تجنُّب الفشل من أجل السعي للنجاح، والذي يمكن أن يتسبَّبَ في عقليةٍ تحمي (احترامَ الذات) عن طريق (إعاقة الذات).
بالمقابل، عَبِّر عن امتنانك للأشياء الجيدة في حياتك؛ من أجْل تغييرها إلى الأفضل، وحاول التركيزَ على الأمور التي تسير على ما يُرام؛ حتى لا تشعر بالاكتئاب في حياتك. واستبدِل الأفكارَ السلبيةَ بالحديث الذاتي الإيجابي.
الأفكار السلبية يمكن أن تجعل الشعور بالسعادة أمرًا صعبًا؛ لكن يمكنك تغييرها عندما تلاحظ أفكارًا سلبية، ثم استبدل هذه الفكرة بفكرة إيجابية أو محايدة. بالإضافة إلى ذلك، تحدَّث مع نفسك بعبارات إيجابية طوال اليوم: امدح نفسك مرةً واحدة على الأقل يوميًا. ركز على ما تقوم به بشكل جيد، من خلال مدح نفسك بانتظام. أشِرْ إلى أفضل ميْزاتك، واحتفل بمواهبك، وتعرف على إنجازاتك؛ سيساعدك هذا على التفكير بشكلٍ إيجابي في نفسك:
قل: (هذا الزي يبدو رائعًا بالنسبة لي)، أو (أنا كاتب رائع) أو (أنا أستاذ ناجح). ابحث عن شيء إيجابي عندما تواجه عقَبة؛ فالمشقات والنكسات جزءٌ من الحياة، ولا أحد في مأمنٍ منها.
عندما تواجهك مشكلة: ابذل قُصارَى جَهدك للعثور على جانبٍ إيجابيّ؛ إذ يمكن أن يُساعدَك ذلك على الشعور بالتحسُّن في الوقت الحالي، وقد يُساعدك على النمو من خلال تجارِبك. على سبيل المثال: لنفترض أنك قد فقدتَ وظيفتَك، هذه تجربة صعبة حَقًّا؛ لكن يُمكنك التركيز عليها كفرصة للتبديل بين الوظائف.
اعمل على تحسين نقاط ضعفك؛ حتى تتمكن من التغلُّب عليها: فكُل شخص عنده نقاط ضعف؛ لذلك لا تشعر بالضيق تجاه نقاط ضعفك، وإذا كانت نقاط ضعفك تُزعجك؛ فحاول تحسينَها من خلال تعلُّم مهارات جديدة، أو تجربة شيء مختلف؛ وبمرور الوقت قد تتمكن من تحسين نفسِك.
توَقَّفْ عن مُقارنة نفسك بالآخرين، فالكل في رحلته الخاصة؛ لذلك ليس من العدل أن تقيسَ تَقدُّمَك بالنظر إلى ما أنجزه الآخرون. لا تقلق بشأن ما يفعله الآخرون، فبدلاً من ذلك؛ قارن نفسَك بما كُنتَ عليه في الماضي؛ إذ سيساعدك هذا في معرفة مَدى تقدُّمك، ولكن استخدم اليقظة التي تُساعدك في التركيز على الحاضر.
ربما يؤثر سلبًا على مزاجك؛ تفكيرك في ماضيك، وتأكيدك على المستقبل، ويمكن لليقظة أن تساعدك في التركيز على الحاضر؛ حتى تتجنب الإفراط في التفكير غير الضروري. عِش وفقًا لقيَمِك الشخصية؛ لأن تجاهل معتقداتك الأساسية يمكن أن يجعلك تشعُر بالضيق أو التناقض.
اكتشِفْ قيمَك الشخصية، من خلال: سرد الأشياء المهمة بالنسبة لك، وتحديد الأوقات التي شعرت فيها بسعادة حقيقية، وتحديد ما تُريده حقًا في الحياة. بعد ذلك، قم بمواءمة أسلوب حياتك مع قيمك؛ بحيث يمكنك أن تكون الشخص الذي تُريده، بشرط أن تكون قراراتك واعية؛ حتى لا تؤذيَ الآخرين.
حَدِّد نقاطَ قُوَّتك؛ لمساعدتك على الثقة بالنفس، ومن الأسهل أن تشعر بالسعادة إذا كنتَ فخورًا بما أنت عليه، ويمكن أن يساعدك ذلك على التعرُّف إلى نقاط قوتك. قُم بعمل قائمة بمواهبك ومهاراتك ومعرفتك، بعد ذلك، راجعْه كثيرًا؛ لمُساعدتك على تذَكُّر مدى روعتك.
قد تتضمن نقاطُ قوَّتك أشياء، مثل: حل مسائل الرياضيات، أو الكتابة، أو الغناء، بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لديك مهارات التعامُل مع الأشخاص أو المهارات التحليلية، أو مهارات التفكير النقدي، كذلك قد تكون مُبدعًا جدًّا، أو قادرًا على العمل بشكلِ تعاونيٍّ مع الناس.
عَبِّر عن مشاعرك؛ حتى لا يتم سدها: مشاعرك مُهِمةٌ جدًّا؛ لذا لا تحاول إخفاءَها؛ إذ يُمكن أن يؤدي تجاهل مشاعرك إلى جعلها أكثرَ حدَّةً، وبدلاً من ذلك، اختَر طريقةً صحيَّة للتخلُّص من مشاعرك. وإليك بعض الخيارات كأمثِلة: تَحدَّثْ إلى شخصٍ ما، اكتُب في صحيفة، افعل شيئًا مُبدِعًا، مارِس الرياضة، شارِك في مؤتمرٍ علميّ. أنفق أموالك على الخيرات بدلًا من الأشياء غير الضرورية؛ فشراء شيء تريده حقًا ممتع؛ لكنه لن يؤدي إلى سعادتك الدائمة.
إن التجارب تجلب لك مُتعة أكثر من الأشياء؛ لذا استخدم أموال الإنفاق: للدفع مقابل الأنشطة الترفيهية أو الرحلات، ولمزيد من المتعة، افعل أشياء مع الأشخاص الذين تهتم بأمرهم، فعلى سبيل المثال: يمكنك اختيار شراء رواية ممتعة بدلاً من قميص جديد.
تواصَل مع الآخرين؛ حتى تشعرَ أنك جزء من مُجتمعك، فالبشر يحتاجون إلى مجتمع؛ لذا فإن التواجد مع الآخرين يُساعدك على الشعور بالسعادة. أحِطْ نفسَك بأُناس إيجابيين، وركِّز في التواصُل مع الأشخاص من حولك؛ إذ يمكنك القيام بذلك من خلال: التواصل معهم، أو إيجاد أرضيَّة مُشتركة، أو التعاطُف مع ما يمرُّون به. على سبيل المثال: ابحث عن الأشياء المشتركة بينك وبين الناس؛ حتى لو كنتَ تبدو مختلفًا تمامًا؛ فقد يستمتع كلاكما بالكتب أو الطبيعة أو النزهات المشتركة.
احصل على ما لا يقل عن (7-9) ساعات من النوم كلَّ ليلة؛ حتى تَحصلَ على قسطٍ جيد من الراحة؛ إذ يُمكن أن يكون للشعور بالتعب تأثيرٌ سلبيٌّ على مِزاجك، بالإضافة إلى ذلك؛ فإنه يجعل من الصعب عليك أن تعيش حياةً أفضل.
للتأكد من شعورك أنك في أفضل حالاتك، اتَّبِع جدول نوم لمُساعدتك على النوم بسهولة، وبالإضافة إلى ذلك، استخدم روتينًا للنوم؛ لمُساعدتك على النوم بشكل أسرع، وقد يشمل روتين النوم الجيد أخذَ حمام دافئ، وارتداء ملابس النوم، وقراءة فصلٍ من كتابٍ في السرير.
ووفقا لدراسات أطباء الأغذية، فإن تناول الطعام الصحي؛ له علاقة بالصحة والسعادة؛ لذلك ينصحون باتباع نظام غذائي صحي ومتوازن؛ حتى يتغذَّى الجسم والعقل معًا بطريقة سليمة حيث تمنحك العناصر الغذائية الطاقة؛ لذا فإن تناول الطعام بشكل جيِّد؛ يُساعدك على الشعور بأفضل ما لديك. تناوَل المُنتجات الطازَجة، والبروتينات الخالية من الدهون، والكربوهيدرات المعقدة؛ لمساعدتك على البقاء بصحةٍ جيدة. بالإضافة إلى ذلك، تجنَّب الأطعمةَ المُصنَّعة والوجبات الخفيفة السكرية.
لا تنسَ الرياضة مع الطعام الصحي؛ فهي العلاج للِّياقة البدنية، والكآبة والحزن. تمرّن ثلاثين دقيقة يومياً لمزاج إيجابي وجسم صحي؛ فالرياضة تُطلقُ (الإندورفين) الذي يجعلك تشعر بالسعادة. بالإضافة إلى ذلك، تَمنحُك التمارين: الطاقة، وتساعدك على الشعور بأفضل ما لديك؛ فعلى سبيل المثال: يُمكنُك المشيُ أو الجريُ أو الرقصُ، أو الذهابُ إلى صالة الألعاب الرياضية، أو الانضمام إلى فريق رياضي ترفيهي، أو السباحة.
خُذ فتراتِ راحة من وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتجنُّب الشعور بأنك تضيع، إذ يمكن أن تُسبِّب وسائل التواصل الاجتماعي الخوفَ من الضياع، وضَعْ في اعتبارك أن ما تراه على وسائل التواصل الاجتماعي غالبًا ما يكون مُبالغًا فيه، وأنك ترى –فقط-أفضل لحظات الأشخاص. بالإضافة إلى ذلك، ابقَ بعيدًا عن وسائل التواصل الاجتماعي عندما تشعر بالإحباط.
هناك فرق جوهري بين الفلسفات الشرقية والغربية حول السعادة: فبينما تُركِّز تقاليد البوذية أو الهندوسية على السعادة كوظيفة داخلية؛ فإن الفكر الغربي جعلَها تدور حول شيء ما؛ يجب متابعتُه أو تحقيقُه في الحياة. أما السعادة لدينا -في الوقت الحاضر-فهي متعة (الكرش)، وتناوُل الطعام الدَّسِم، والجلوس في المقهى لساعات، والتسوُّق في الأسواق والمُولات.
تَحكَّم في مستويات التوتُّر لديْك، وإذا كُنت تُعاني من الكثير من التوتُّر في حياتك؛ فابحث عن طرق لتقليله: مثل تعلُّم بعض تِقنيات إدارة الوقت، قَدِّم لنفسك تمارينَ ووقتًا مُنتظميْن؛ فهذه تغييرات إيجابية. السيطرة على وقتك بهذه الطريقة، يمكن أن يُقلِّل بشكل فاعل من التوتر، فإذا كانت لديك مشاعر القلق مع التوتر؛ يمكن أن تُساعدَك تِقنيات التنفس؛ جرِّب تمرينَ التنفُس، والرياضة.
عامل المرونة، هو ما يسمح لك بالتعامل مع تقلُّبات الحياة، وإن صنع شيء جديرٍ بالاهتمام في الأوقات المؤلمة؛ يساعد على نمو مرونتك، فأبدأ بدعم ومساعدة الآخرين، أو صنع شيء إبداعي: كالكتابة، أو الرسم، أو الغناء؛ يمكن أن يساعدك في التعبير عن الألم، وتجاوز الأوقات الصعبة. واكتشف كيف تبني مرونتك العقلية، ويبدو من الغريب أن كون المرء مُنتجًا للغاية؛ من شأنه أن يجعلَ المرءَ سعيدًا، لكن الدراسات تُشير إلى أن وقت الفراغ المتوازن هو المِفتاح؛ لأن الكثير من المَلَل يمكن أن يكون مُرهقًا؛ فاسعَ إلى حياة مُنتجة بوتيرة مُريحة.
رسالة السعادة واضحة: هندسة السعادة تَبدأ من الذات، تَصالَح مع نفسك بواقعية، كن قنوعا تكون أكثر سعادة، ولا تنتظر أن تأتيك السعادة على طبقٍ من ذهب، ولا أحد قادمٌ لإنقاذك. والسعادة مهارة مَعرفية، وتمرين حياتي؛ لمواجهة تقلُّبات الحياة، وهي إلهامٌ وبصيرة؛ ينبغي تعلُّمُها من الذات والآخرين، وقناعة راسخة في الذات، تحتاج إلى مهندس حياتي؛ ليكتشف أسرارها.
العقول العظيمة تناقش الأفكار؛ أما العقول المتوسطة فتُناقش الأحداث؛ فيما تُناقش العقول الصغيرة الناس، ومع ذلك الأشخاص الذين لديهم القدرة على تحديد أهدافٍ لأنفسهم -على المدى القصير والطويل-؛ هم الأكثر استقرارًا وسعادة. وعلى المدى الطويل، نحتاج إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي، والتنمية الإيجابية لحياتك، وإدارة الوقت بطرق سليمة، والمزيد من التمرين العقلي والجسدي، لصنع السعادة: إنها تأتي من الداخل، ونحن أصحاب التغيير والابتكار. {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
اضف تعليق