نعم قطع أواصر التواصل بالتلامس والمواجهة المباشرة وعزل الناس في محاجر إختيارية دون قسر، وهل يحق لنا القول أن هذا الذي يحدث سيترك أثار نفسية مستقبلية في ذوات البعض ونفسياتهم بسبب العزلة، هل ستكون حالات الإغتراب فاعلة في النفوس بعد أن ينتهي صرير الاصوات ونوبات...
العُصاب Neurosis انفعال لا يُعرف له أساس تشريحي، انه أضطراب "وظيفي" من غير آفة عضوية، كما عبر عنه "بيير داكو" وفي موسوعة علم النفس والتحليل النفسي فهو اضطرابات وظيفية أو علة نفسية المنشأ لا يوجد معها اضطراب جوهري في إدراك الفرد للواقع.
وهناك أنواع من الأعصبة منها عصاب الحرب، وعصاب الخلق، وعصاب تجريبي "نوع من السلوك القهري" وعصاب التحويل "الطرح"، وعصاب صدمي، وعصاب الفشل، وعصاب الفراغ، وعصاب القدر وغيرها من الاعصبة. ويرى عالم النفس "صلاح مخيمر" في محاضرته المنشورة بكتيب عنوانه تناول جديد في تصنيف الأعصبة والعلاجات النفسية ان الأعصبة تشكيلة تباينات لنمط كيفي قوامه العزل أو التجنب.
أما الاغتراب فيشير بعض علماء النفس والطب النفسي إلى الاغتراب العقلي Mental Alienation وهو زملة الأعراض التي يبدو معها المريض وكأنه غريب عن المجتمع الذي يعيش فيه، إنه التوافق العصابي بعامة، حيث الهوة تزداد بين الفرد وعالمه، كما أشار لها "حسين عبد القادر". ويرجع الفضل في إبراز مفهوم الاغتراب على المستوى الميتافيزيقي والعياني معًا إلى هيجل. ويرى "أريك فروم" أن الاغتراب عن الذات هي فكرة التخلي عن الوجود الإنساني الأصيل والضياع في الحشد.
حديثنا في هذه السطور عزيزي القارئ الكريم حول أهم المفاهيم النفسية التي حينما تعصف في كيان الإنسان تهزه لحد الاختلال النفسي، مثل الخوف، القلق، المخاوف المتنوعة، الهوس، الوساوس، الهستيريا، حالات النفس جسمية "السيكوسوماتيك" عند هذا الإنسان المترف والمقهور معًا، إنسان العالم الأول المتقدم والمتطور في تكنولوجيته وتفوقه، وإعتداده بنفسه ذاتيًا، وماديًا، وإنسان العالم الثالث المقهور نفسيًا وماديًا وتكنولوجيًا، تساوى اليوم الإنسان في حالة العصاب، وفي حالة الإغتراب، ولاول مرة منذ فجر البشرية يتساويان في السبب، إنه الخطر الاوحد المجهول، إنه الموت المصطنع الذي لا يفرق بين شعب وشعب، بين أمة وأمة، هو الفايروس الذي أنصف البشرية في الموت، ولم ينصفهم في الحياة، لا ينجو منه أحد، غني، أو فقير، متدين، أو غير متدين، سياسي، أو فنان، أو عامل بسيط، أو حرفي، أو كابتن طائرة، أو سائق قطار، أو سائق سيارة أجرة أو حمل، إنها عدالة في الموت ليس بالإختيار فحسب، بل في الاسلوب والطريقة، والأمر سيان بينهما. هل يحق لنا أن نسميه الفايروس العادل؟
يقول الطبيب النفسي الفيلسوف "ريكان إبراهيم" إن حياة الإنسان تحمل كثيرًا من السمات التي إذا بُولغ فيها قادت إلى ظهور المرض، فالاستخدام المفرط للنظافة "بحجة الحفاظ على الصحة" يؤسس لداء الحصار القهري، وفائض الكلام وإنشطار الأفكار يؤسس لحالات الهوس وهو "عصاب"، والمراهنة في الملاعب تؤسس للشخصية المقامرة، والحزن الدائم يؤسس للاكتئاب، والافراط في العيب يؤسس للرهاب" الفوبيا" وهو "عصاب".
نحن نعيش في عالم مجنون، عالم يصدق السياسي، ويكذب العالم المتخصص في العلوم البحتة، يلجأ إلى الخرافة والاساطير، ويبتعد عن العالم في الطب والعلوم والتي تمس حياة الإنسان، والكثير منا عانى من هذه النوبات في مواقف الحياة ومواجهة الضغوط النفسية.
ينير لنا الطريق في هذا المجال أستاذ الأجيال الخالد العلامة" مصطفى زيور" بقوله: يلتحم مفهوما الوجود والاغتراب التحامًا متكاملا في جشطالت يفقد معناه بل كيانه بغير مفهوم الديالكتيك الذي يلزم عنه التواصل "بين الذات وذات أخرى"، هل فرض هذا الداء العزلة القسرية على الأفراد والشعوب والأمم؟
نعم قطع أواصر التواصل بالتلامس والمواجهة المباشرة وعزل الناس في محاجر إختيارية دون قسر، وهل يحق لنا القول أن هذا الذي يحدث سيترك أثار نفسية مستقبلية في ذوات البعض ونفسياتهم بسبب العزلة، هل ستكون حالات الإغتراب فاعلة في النفوس بعد أن ينتهي صرير الاصوات ونوبات الاعلام الضاربة في الذهن والكيان، من المحتمل تماما أن يترك الآثار النفسية لدى الكثير من الناس، هل ستتحقق مرحلة ما بعد فايروس الكورونا؟ هل تعاظمت نزعة الأنانية الفردية والجمعية بين الافراد والمجتمعات والدول، من المحتمل.
وسنفرد لموضوع الأنانية الفردية وبين افراد المجتمع وبين الشعوب موضوعا خاصا بذلك لأنه يستحق أن نغور بين ثناياه من الناحية النفسية – الاجتماعية.
إذن العصاب وهو الإضطراب النفسي الذي يشير إلى اختلالات في السلوك وحالات مرضية ذات أساس وأصول نفسية، تشمل الكل وإن اختلفت الاسباب إلى ما قبل ظهور فايروس معين لن يستثني أحد غني أو فقير.
تؤكد نظرية التحليل النفسي بأن أعراض العصاب هو تعبير رمزي لصراع نفسي، تمتد جذوره لمراحل سابقة من حياة الإنسان، ويعرج "زيور" بقوله: وظيفة العصاب الأساسية هي أن يقوم بتسوية بين قطبي الصراع: بين الرغبة والدفاع. إلا إذا ضعفت القدرة على المواجهة، والتحمل والمطاولة، لا سيما أن القاتل ناعم لا يواجه، بل يستغفل المقابل دون عناء، وإذا ما ضعفت المقاومة النفسية أولا، إنهارت المقاومة الجسدية ثانيًا.
هل أصبح اليوم بلغة علم النفس ومنهجيته الاكاديمية العصاب والاغتراب ومعهما الموت الناعم متغيرات مستقلة، والإنسان متغير تابع؟ إذن تغير رهيب في أشكال الحياة في العالم وفي كل مجتمعات الكرة الأرضية قاطبة، تنبع هذه من التغيرات التي تطرأ على أشكال الحياة الإنسانية باسرها، أشكال انتظار المتوقع الذي لا يستثني أحد على الاطلاق، اشكال الجغرافية في عالمنا اليوم، من برودة وحرارة، من صقيع ودفء، من أنس ومؤانسة، من انتاج العمل وضخامة الشركات، أشكال التحولات الفكرية والايديولوجية والعقائدية، من التطرف والاعتدال، من اليمين المتطرف واليسار المعتدل، إنها جدلية الوجود الذي اهتزت أركانه أمام هذا المارد.
هل يبرأ الساسة أو القادة. أو أصحاب المصانع الضخمة والابتكارات أو واضعوا البرامج الستراتيجية أو عامة الناس البسطاء من العصاب، أو الإغتراب في زمن الكورونا؟ لا أعتقد ذلك ويتفق معي فقط العقلاء في هذه المعادلة الصعبة بالوجود وتحقيق الوجود الفعلي وليس المفترض.
الإنسان= العصاب
الإنسان= الاغتراب
الانسان= الموت بالفايروس القاتل الصامت
إذن اصبحت المعادلة محورها الأساس هو الإنسان
إذن الإنسان= العصاب أو الإغتراب والموت.
خلاصة القول:
هل تساوى سكان العالم المتقدم والفقير في العصاب؟
هل تساوى سكان العالم المتقدم والفقير في الإغتراب؟
نعم أمام الموت الناعم الصامت.
ومن ينجو من العصاب في زمن الموت بالفايروس فلابد أن يعيش الإغتراب مدى الحياة وهو بين أهله، ومع من يحب، وفي وطنه، ولا نغالي إذا قلنا أنه سيشعر في الإغتراب الازلي الذي يمهد أما للعصاب، أو للذهان، لأن القاسم المشترك للإغتراب هو القلق النفسي، وهو المادة الخام للأمراض النفسية والعقلية" الاعصبة والاذهنة".
اضف تعليق