ان من أسوأ نتائج النزعة الكمالية التي تنعكس على الانسان هي انحدار تقدير الذات وعدم الشعور بكفاءة الأداء الشخصي وشعوره بالندم عن قضاءه وقت كبير في سبيل انجاز عمل معين وسوء المزاج بسبب الحاجة لتحقيق الكمال وافتقاد المرونة والتلقائية وفقدان قابلية التغير نحو الأحسن...
ان نزعة البحث عن الكمال في حياتنا تولد مع الانسان فهو يسعى دائماً الكمال سالكا طرقا شتى وعلى راي علماء النفس ان حالة "البحث عن الكمال" اذا خرجت عن الإطار الاعتيادي تنصف ضمن"الضغوط النفسية" التي تثقل كاهل الانسان وتنال من صحته النفسية.
والبحث عن الكمال حالة تعتري الانسان تتمثل في عدم رضاه باي نقص بعد بذل الجهد، بمعنى ان يبحث عن حالة المثالية فيما يرغب وفيما يسعى من اجله كسعيه لان يكون كامل الموصفات في مهنة كأستاذ في جامعته على سبيل المثال، فيجتهد من اجل هذا الكمال ولكن حين لم يحصل على النتيجة التي يرغب فيها يصاب بالإحباط ويشعر بالهم الشديد وربما الحزن، يقول النفسيون في هذه الحالة يصنف البحث عن الكمال على انه مرض نفسي معقد وتكبر العقدة حين لا يفرق الإنسان بين الكمال وبين النجاح، لكنهم يوضحون ايضاً أن النزوع للكمالية سببه أحيانًا دوافع نبيلة حين يكون الإنسان جاداً في البحث عن الانجاز العالي والتميز وهنا يكون البحث دافعا لتحقيق الاهداف المخطط لها وهو امر محمود.
فالأثر النفسي السلبي الذي يصيب الباحث عن الكمال يفقده طعم النجاح مها كان كبيرا ويجعل منه فردا ناقم على نفسه لا يفرحه نجاحه ولا يثمن لنعمته التي هو فيها, فالمفترض حين يحقق الفرد نجاحاً ان يعزز في نفسه قيمة الامتنان ويجعل منها دافعاً ايجابياً للتقدم ولا يدع نفسه تسقط تحت ثقل الإحساس التقصير الذي يجعله مستصغرًا لما حقق.
ومن الاهمية بمكان ان يعي الفرد طبيعته البشرية التي يشوبها النقص فلكل الناس عيوب ومميزات والكمال لله وحده سبحانه وتعالى، وما عليه الا الاتقان في العمل والاجتهاد من اجل هدفه المنشود ومن ثم تقبل ما يصل اليه من نتائج معقولة وفق المعطيات المتاحة، فلم نرى عبر التاريخ ان طبيبا بارعا نحج في كل عملياته ولا قائدا عسكريا انتصر في جميع معاركه ولا لاعب كرة قدم حقق كل البطولات التي لعب فيها فللحياة قطبين ربح وخسارة، والنجاح الحقيقي هو ألا يبخل الإنسان على نفسه بالمحاولة ثم يتحلى بعد ذلك بالرضى بالمقسوم.
ان تقبلك لفكرة كونك لا يمكن ان تكون كاملاً هو امر طبيعي وليس معيب هو أمر يرتكز على فكرة أساسية، ألا وهي أن تتعلم كيف تحب حياتك بدل أن تتذمر منها باستمرار مما يجعلك فرداً ايجابياً.
وبحسب دراسة أجراها العالمان في السيكولوجيا الإيجابية روبير ديمون وميشيل ماكولو، فإن الافراد الذين ينجزون عدة اعمال او منجزات كبر حجمها او صغر ويشكرون عليها يكونوا أسعد من سواهم من الافراد لأنهم يملكون نوعاً من الإحساس بالامتنان والرضى عن انفسهم، وهي اشارة الى انه عندما يصبح الشخص راضياً عن منجزه فأنه يكون سعيداً والسعادة تدفعك الى المزيد من النجاح حياتك العلمية والعملية وسواهما.
وعلى النقيض لو كان الفرد من اللاهثين وراء الكمال فان من اعظم الاخطاء التي يقع فيها واكبرها خطراً هي ان يضع لنفسه اهدافاً غير واقعية وغير ممكنة التحقيق مما يجعله تعيساً ومضطربا نفسياً، فحتى وان نجح في تحقيق اهداف معينة فأنه لا يتمتع بنشوة الانجاز فبمجرد أن تحقق نتيجة طيبة يبدأ في السعي إلى الوصول إلى هدف آخر لكونه يعيش في عالم مثالي يجعله يدفع ثمن ذلك غالياً من حالته النفسية
من القلق والإحباط والخوف من الفشل الذي يهدده بشكل ملازم وكأنّه ظله الذي لا يمكنه التخلص منه.
في هذا الاطار يقول الاستشاري في الطب النفسي الدكتور فائق الزغاري في كتابه "هوس التشكك" ان من أسوأ نتائج النزعة الكمالية التي تنعكس على الانسان هي انحدار تقدير الذات وعدم الشعور بكفاءة الأداء الشخصي وشعوره بالندم عن قضاءه وقت كبير في سبيل انجاز عمل معين وسوء المزاج بسبب الحاجة لتحقيق الكمال وافتقاد المرونة والتلقائية وفقدان قابلية التغير نحو الأحسن.
نخلص الى ان الباحثين عن الكمال بمختلف اوجهه يجعل منهم تائهين في وهم كبير مما يؤدي بهم الى شلل نفسي مرهق، لهؤلاء اقول يمكنكم التخلي ولو تدريجياً عن فكرة الكمال المطلق وتقبل ما تقدمه الحياة لكم والافادة من الجانب الايجابي في رحلة البحث عن الكمال المفقود، فإذا ما حصل الفشل فيمكننا ان نتعلم منه دروساً تقوينا في قابل الايام والمواقف لا ان تجعلنا منزوين في خانات الفشل ولنلقي عن انفسنا العبئ ونترك جلد الذات بلومها وتحقيرها، مما يفقداننا صحتنا النفسية هو ما يهمّنا في الحديث عن الجانب النفسي.
اضف تعليق