q

على غير العادة تقوم السعودية بنشاط دبلوماسي غير مسبوق في مصر، وذلك بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز والذي شهدت العلاقات السعودية المصرية في عهده فتورا ملحوظا، وكانت نتيجة الزيارة الملكية توقيع اتفاقيات اقتصادية وتعهدات باستثمارات سعودية سخية بالاضافة الى التعهد بتوفير النفط لمصر لمدة خمس سنوات قادمة. فيما اجبرت الزيارة مصممي الخرائط لتحديثها لتتوافق مع المتغيرات الجديدة بعد توديع مصر جزيرتي تيران وصنافير لصالح الجغرافية السعودية بالاضافة الى امكانية بناء جسر يربط البلدين عبر البحر الاحمر كما اتفق عليه في الزيارة "التاريخية" بحسب وصف وسائل الاعلام الموالية لحكومة البلدين.

اللافت في هذه الزيارة انها جاءت بعد نشاط سعودي معاكس تمثل بالانسحاب من الساحة اللبنانية بعد ايقاف الهبة العسكرية السعودية للجيش اللبناني واتخاذ اجراءات عقابية ضد حزب الله اللبناني والذي شمل وضع الحزب في قوائم الارهاب لدول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، كما لحقته اجراءات محلية على مستوى السعودية والدول الخليجية، إذ اصدرت هذه الدول قرارات تجرم الانتماء او تاييد حزب الله واعلنت عن اجراءات صارمة ضد مخالفي هذه القرارات ومباشرة تم طرد عدد من اللبنانيين من البحرين والسعودية، فيما يعتقد البعض ان رفع الحصانة عن النائب في مجلس الامة الكويتي عبد الحميد دشتي جاء نتيجة لهذا "الغضب" السعودي من حزب الله .

ويعلم اغلب المتابعين للمملكة السعودية ان علاقتها بالولايات المتحدة الامريكية تعيش في اسوء حالاتها، نتيجة لعوامل عدة ابرزها ابرام الاتفاق النووي مع ايران والذي اعتبرته السعودية وحلفائها الخيجيين بانها خيانة امريكية للتحالف الاستراتيجي بين الطرفين، وعلى مستوى الازمة السورية تعتبر السعودية ان التدخل الامريكي الهامشي في هذه الازمة ادى الى تعاظم النفوذ الايراني-الروسي، ووصل الخلاف بين السعودية والولايات المتحدة الى حد وصف الرئيس الامريكي باراك اوباما لدول الخليج في مقابلته المطولة مع مجلة "اتلانتك" بأنها "قوى جامحة" تتطلع إلى جر الولايات المتحدة إلى صراعات طائفية طاحنة لا تمت بصلة للمصالح الأميركية.

وبعد هذا الخلاف العلني مع حليفها الابرز "الولايات المتحدة الامريكية" يبدو ان السعودية شعرت بنوع من العزلة الدولية وبالتالي رأت من الضرورة اثبات وجودها باعتبارها دولة قادرة على تحمل مسؤولياتها وتقليب الاوراق السياسية والجغرافية في المنطقة والاهم من ذلك ان النشاط الدبلوماسي السعودي في الاونة الاخيرة يراد منه تحقيق عدة اهداف وهي كالاتي:

اولا: تقوية الجبهة المناهضة لايران وتوسيع قاعدة الرفض العربي والاسلامي للجمهورية الاسلامية من اجل السيطرة على المزيد من مناطق النفوذ في بلدان الربيع العربي، كون السعودية خسرت الكثير لصالح ايران في السنوات الاخيرة بعد فقدان العراق وسوريا للنفوذ الايراني ولحقتها لبنان اخيرا فيما تمثل اليمن الخاصرة الرخوة للملكة السعودية .

ثانيا: تحقيق فوائد اقتصادية من اجل تنويع الدخل بعد انهيار اسعار النفط، وتمثلت في استثمارات في مصر، إذ وقعت القاهرة والرياض 16 اتفاقية استثمارية على هامش زيارة الملك، تنحصر في مشروعات الطاقة ومحور قناة السويس وتنمية شبه جزيرة سيناء.

ثالثا: تقوية العلاقات مع اسرائيل كونها ستكون الحليف الاهم بالنسبة للسعودية في مواجهة ايران فالطرفين يشتركان في العداء مع ايران ويعارضان الاتفاق النووي كما ان البلدين يشعرا بخيبة امل كبيرة من الادارة الامريكية بعد تقلص دورها في المنطقة ما سمح لايران بتوسيع نفوذها في البلدان العربية، وتاتي اهم تطورات العلاقة بين السعودية وتل ابيب بدخول الرياض بشكل رسمي بمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني بعد استحواذها على جزيرتي تيران وصنافير .

رابعا: تريد السعودية ان تثبت لايران ولدول العالم بانها تستطيع الاعتماد على نفسها من دون الحليف الامريكي، وقد استطاعت في ذلك اكثر من مرة بتاسيس تحالفات عسكرية رغم انها كانت شكلية لكن تحالفها ضد اليمن اثبت ان السعودية عازمة على تصعيد المواجهة، كما انها استطاعت فرض وجهة نظرها في القمة الاسلامية التي عقدت في اسطنبول وكان ذلك واضحا من خلال ادانة البيان الختامي للقمة ما وصفه بتدخل ايران في شؤون الدول العربية وتطرق البيان الى قضية اعدام الشيخ نمر باقر النمر باعتبارها شأنا سعوديا لا يجوز لايران التعليق عليه.

النشاط الدبلوماسي السعودي هذه الايام ياتي مع انقضاء اكثر من عام دون ان تدخل القوات السعودية للعاصمة اليمنية صنعاء، والاغرب من ذلك انها ابرمت اتفاقا لوقف اطلاق النار مع حركة انصار الله الحوثيين في حين كانت تصر قيادات عاصفة الحزم على انهاء اي وجود لهم، حيث تصفهم بانهم ذراع ايرانية شبيهة بحزب الله اللبناني.

كل جهود السعودية اليوم تصب في معادات ايران وبعد الفشل في اليمن والانسحاب الامريكي من الشرق الاوسط فان العودة الى لغة الحوار باتت حاجة ملحة للحفاظ على ما تبقى من الحلفاء للسعودية فبعد الفشل في الحصور على موطئ قدم في العراق وترسيخ الحلف الايراني السوري الروسي خسرت السعودية الساحة اللبنانية لصالح حزب الله وربما تكون السعودية قد اعترفت بالهزيمة في هذه الدول فباتت تبحث مناطق اخرى لتؤكد انها قادرة على خلق تحالفات جديدة. ودولة مثل مصر قد تستحق كل هذه الاستثمارات الكبيرة.

نعتقد ان السعودية اليوم امام فشل مركب؛ فهي فشلت في تحقيق نجاح في تحالفاتها العسكرية وعاصفة الحزم بات غبارها يعكر صفاء الروئية السعودية المغبرة اصلاً، وبات عليها الاعتراف بفشل الحلول العسكرية فالعالم اليوم يتغير ولم تعد القنابل قادرة على تحقيق النصر النهائي، وعلى الجانب الاخر تكون هذه الصحوة السعودية المتاخرة اعترافا بفشل استراتيجيتهم بالاعتماد على الحلفاء الخارجيين وبالتالي اصبح من الواجب تطوير امكاناتهم الذاتية وهي مهمة ليست باليسيرة على دولة تعودت التعكز على المساعدة الخارجية في كل شيء.

اضف تعليق