تعريب: علاء الكاظمي

 في مساء يوم السبت العاشر من شهر محرّم الحرام 1437 للهجرة (ليلة الحادي عشر)، الموافق لـ(24/10/2015م) التي تسمّى بـ(ليلة الوحشة والغربة على أهل البيت صلوات الله عليهم)، وكالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله كلمة مهمّة قيّمة حول القضية والشعائر الحسينيتين المقدّستين، بالمئات من المعزّين، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة, إليكم نصّها:

في بداية كلمته، أعرب سماحته عن شكره وتقديره لكل من ساهم وشارك في إحياء وتعظيم الشعائر الحسينية المقدّسة في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، بأي شكل من الأشكال، وفي أية نقطة من نقاط العالم، ودعا الله تعالى لهم، وسأل الله الواحد الأحد جلّ جلاله بأن يمن بالدرجات العالية على ضحايا التفجيرات التي وقعت في جموع المعزّين في بعض الدول، وأن يمنّ بالشفاء العاجل على المصابين منهم.

طوبى لشهداء الشعائر الحسينية

ثم استهلّ سماحته حديثه، وقال: اتصل بي هاتفياً أحد مسؤولي إحدى المواكب الحسينية التي تعرّضت لجريمة التفجير حين إحيائها للشعائر الحسينية المقدّسة، فطلبت منه أن يوصل سلامي ومواساتي والتعازي للجرحى ولذوي الشهداء، فقال لي بأن معظم عوائل الشهداء أعربوا عن أمنيتهم في أنه يا ليتهم كانوا مع الشهداء.

حقّاً إنها لأمنية جديرة وحسنة، فطوبى لشهداء هذا الطريق. وأسأل الله تعالى أن يتقبّل منهم، وأن يديم توفيق إقامة العزاء على الجميع، وأن يمنّ عليهم بالأمن والسلامة في المتبقي من أيام شهر محرم وشهر صفر ليؤدّوا مسؤوليتهم.

وقال سماحته: ذكرت الروايات أنه عندما نفوا أبا ذر، وهو من خلّص الأصحاب، إلى الربذة، شايعه الإمام أمير المؤمنين والإمامين الحسن والحسين صلوات الله عليهم. وكان بعض الناس يسلّونه ويعربون عن مواساتهم له، ولكن أباذر الذي تربّى على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين والإمامين الحسن والحسين صلوات الله عليهم، أجابهم بقوله (مامضمونه): هذه المظالم هي لا شيء، بل كيف بكم لو سمعتم عن عاشوراء، فستفزعون فزعة يكون فيها هلاك أنفسكم.

خطاب الإمام الصادق عليه السلام

بعدها قال سماحته: هنا أشير إلى عبارة من زيارة الإمام الصادق صلوات الله عليه للإمام الحسين صلوات الله عليه التي علّمها لأبي حمزة الثمالي، بعد واقعة عاشوراء قرابة مائة سنة، والمخاطب بها الناس كافّة، ولا تقتصر على أبي حمزة الثمالي.

يقول الإمام الصادق صلوات الله عليه: (إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك، ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري).

وقال سماحته: لقد واجه الإمام الحسين صلوات الله عليه في الساعات الأخيرة من عمره الشريف، مصيبتين كبيرتين، لم يواجهها غيره من المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم قالوا: «ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول»، ولكن لم يرد عن أي واحد من المعصومين صلوات الله عليهم أنه في الساعات الأخيرة من عمره الشريف قد طلب النصرة والإغاثة.

نداء للشيعة كافّة

لا شكّ أن أهل البيت صلوات الله عليهم هم الأفصح والأبلغ قولاً، كما قالوا صلوات الله عليهم: (وإنّا لأمراء الكلام) ولهم إحاطة على الألفاظ والمعاني، لا يقدر عليها أي أحد من الناس كافّة. فبهذه الفصاحة والبلاغة الأسمى، استعمل الإمام الحسين صلوات الله عليه كلمة النصرة وكلمة الإغاثة، مختزلاً فيها وبشدّة المعاني، ليحكي لنا عن شدّة المصاعب، وقمّة الابتلاءات التي تعرّض لها صلوات الله عليه، وهي في الوقت ذاته نصرة وإغاثة تخاطب الشيعة جميعاً وفي التاريخ كلّه.

فقد ذكرت المقاتل والروايات الشريفة، ان الإمام الحسين صلوات الله عليه في آخر ساعات حياته الشريفة، قال صلوات الله عليه بصوت عال: «هل من ناصر ينصرني وهل من مغيث يغيثني» لكي يسمعها الناس جميعاً وتتمّ الحجّة عليهم.

واحسيناه

وأوضح سماحته: إنّ الإمام الحسين صلوات الله عليه عندما نطق بكلمتي النصرة والإغاثة لم يفرق له وجود الناصرين له من أهل بيته وأصحابه، أو عدم وجودهم، لأنه صلوات الله عليه قد توكّل على الله تعالى واستعان به. فالإمام الحسين صلوات الله عليه الذي له مقام الإمامة والعصمة، قد نطق بهاتين الكلمتين في ساعة كان قد فقد فيها كل من كان معه من الأنصار من الرجال، ولم يبقى له سوى الإمام زين العابدين صلوات الله عليه الذي كان مصاباًً بمرض شديد. وهذا يدلّ على ان الإمام الحسين صلوات الله عليه كان في تلك اللحظات، من ناحية العاطفة الإنسانية، في ضغط شديد، فمن صوب يرى أعزاءه الذين كانوا من الأخيار، مقطّعين على رمضاء كربلاء، ومن صوب آخر يرى قرابة ثمانية وأربعين من النساء والأطفال في الخيام يرتجفون من الخوف والهلع. ولم يك من المقرّر أن يستعمل الإمام صلوات الله عليه المعجزة، أو أن يصلح الأوضاع بمعجزة، فكانت هذه الحالة من أصعب الحالات وأمرّها. لتقريب الحالة إلى أذهانكم، أقول: لو دخل أحدكم بيته ورأى ابنته الصغيرة ترتجف من الخوف، وتقول له: أبه، لقد جاء لبيتنا شرطي يبحث عنك. فكم ستتأذى أنت وتحزن؟! فكيف بثمانية وأربعين امرأة وطفلة وطفل، يواجهون وهم في الصحراء جلاوزة وشرطة دمويين قد قتلوا رجالهم، ويريدون قتل آخر عمادهم وأملهم؟!

لبّيك ياحسين

وعندما رأى الإمام الحسين صلوات الله عليه اضطراب وخوف أهل بيته وحرمه، نادى بقوله صلوات الله عليه: «هل من ناصر ينصرني وهل من مغيث يغيثني». ومن هنا أرسل الإمام الصادق صلوات الله عليه خطابه للشيعة كافّة وعلى مدار التاريخ، وعلّمهم بأن يقولوا بكل وجودهم وكيانهم ويخاطبوا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه: (إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري).

وقال سماحته: إننا لم نك حاضرين في واقعة عاشوراء عام 61 للهجرة، ولكن ما هي مسؤوليتنا اليوم؟ فمن بعد واقعة عاشوراء الدامية سنة 61 للهجرة وإلى يومك هذا، تعرّضت وتتعرّض مراسم إحياء القضية الحسينية المقدّسة والشعائر الحسينية المقدّسة، في كل بقعة من بقاع العالم، إلى العراقيل، من قبل بني أمية (بدءاً) كيزيد وغيره، وبني مروان، وبني عباس، وبني عثمان، وغيرهم ممن جاءوا بعدهم. ولازالت هذه العراقيل مستمرّة، كالتفجيرات التي تحدث، وإطلاق النار على المسيرات العاشورائية، في بعض البلدان الإسلامية، التي تستهدف القائمين بالعزاء الحسيني، وتزهق أرواحهم.

العلماء ينصرون الشعائر الحسينية

لا شك ان من يقف وراء هذه الجرائم، ليس لهم عداء شخصي مع المعزّين الحسينيين، بل انهم ومرتزقتهم، يستهدفون الإمام الحسين صلوات الله عليه، وجدّه النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم. وهذه المحاربة وعرقلة الشعائر الحسينية موجودة في زماننا، ولكنها بنسب مختلفة، فتارة تشتدّ وتارة أخفّ. فمثلاً نقلوا لي أنه عندما سيطر البهلوي الأول على الحكم، قام بمحاربة الشعائر الحسينية بشدّة، في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، بالأخصّ في ليلة ونهار يوم العاشر، بحيث لم تقام حتى شعيرة واحدة من الشعائر الحسينية المقدّسة، بالعلن. وفي تلك الأيام الصعبة، أفتى العلاّمة الكبير آية الله العظمى الشيخ النائيني قدّس سرّه، بجواز واستحباب إقامة الشعائر الحسينية كلّها بالعلن، وذكر في فتواه كل أنواع الشعائر الحسينية المقدّسة، وقال بأنه لا إشكال على كل من يتعرّض للموت وهو في حال إقامته للشعائر الحسينية. وأقام النائيني الدليل والبرهان على هذه الفتيا.

الملفت للنظر هنا، هو أنه لم يذكر أي مصدر من المصادر أو أية خاطرة من الخواطر، موت حتى شخص واحد ممن يقيمون الشعيرة الحسينية الخاصّة بصباح يوم عاشوراء، وهذه بذاتها من المعاجز. في حين نرى موت العديد من الناس في موسم أداء مناسك الحجّ، وفي أداء الزيارة الحسينية المقدّسة، وفي غيرها من المناسك والمراسم.

على خطى النائيني

علاوة على ذلك، نرى ان جميع العلماء الأعلام والأعاظم الذين عاصروا النائيني، وكذلك من أتى من بعده، وهم ليسوا بالقليل، نرى انهم قد ختموا ختم التأييد والرضا على فتوى النائيني وقالوا بصحّتها، وأنا شخصياً حظيت بهذا النوع من الفخر، وختمت عليها بالتأييد والرضا.

وأضاف سماحته: في زمن البهلوي الأول الذي منع إقامة العزاء الحسيني والمجالس الحسينية في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام وفي ليلة ونهار العاشر منه، بشكل علني، أقيمت في قرى ومدن محافظة البصرة العراقية التي يقطنها غالبية شيعية، والمتاخمة لحدود إيران، أقيم أكثر من ألفين مجلس حسيني وعزاء حسيني، وذلك إثر فتوى الشيخ النائيني قدّس سرّه.

مَن ينازع القضية الحسينية؟

من المسلّم به ان الإمام الحسين صلوات الله عليه استشهد لكي يبقى الإسلام، ولذا لا يستطيع ولا يتمكّن أي واحد من أن ينازع القضية الحسينية المقدّسة، إلاّ من فقد دينه أو عقله أو كلاهما. فالبهلوي الأول في إيران، وأتاتورك في تركيا، وفي العراق ياسين الهاشمي وغيره، ومن أتى بعده كالبعثيين، سعوا وحاولوا كثيراً في منع العزاء الحسيني، وقتلوا بهذا الصدد الكثير، وسجنوا الكثير، وعذّبوا الكثير، فكانت من نتائج هذه المحاولات هي هجرة الكثير من أبناء الشعب العراقي إلى الكثير من بلدان العالم، وأقاموا بدل الألوف، الملايين من المجالس الحسينية ومراسم العزاء الحسيني، في أرجاء العالم.

الهجرة للدين

يقول القرآن الكريم: «أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا»( سورة النساء: الآية97). فانطلاقاً من هذه الآية الكريمة، إذا تعرّضت الشعائر الحسينية المقدّسة إلى الضغوطات أو الحدّ منها في بقعة من بقاع الأرض، فيجب الهجرة إلى بقعة أخرى، لإقامة الشعائر الحسينية المقدّسة فيها. ففي الخمسين سنة الأخيرة لاحظنا أنه عندما تم الضغط على المقيمين للشعائر الحسينية وفرضت القيود عليهم وعلى الشعائر، هاجر الكثير من الناس إلى الدول غير الإسلامية وأقاموا فيها آلاف بل الألوف من موارد الشعائر الحسينية المقدّسة. فالقضية الحسينية المقدّسة بمثابة سيول الأمطار الهائلة التي إن تعرّضت لموانع في نقطة ما، تراها تفتح بنفسها ولسيرها نقطة أخرى، كما وصف ذلك القرآن الكريم بقوله عزّ من قائل: «أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا» (سورة الرعد: الآية 17).

موقف زينبي بطولي

وقال سماحته: لقد قال يزيد بن معاوية الذي ظنّ انه قد انتصر ونال الغلبة والفتح، قال بغرور وشماتة لأهل بيت الإمام الحسين صلوات الله عليه (مامضمونه): صنع الله بالحسين ما قد رأيتم، وصنع بنا ما رأيتم. وهذا المنطق غير العاقل هو لسان حال كل الطغاة، في الماضي والحاضر والمستقبل.

أما السيدة زينب سلام الله عليها التي ربّاها بيت النبوة، وربّتها السيدة الزهراء صلوات الله عليها وربّاها الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، والتي وضع الإمام الحسين صلوات الله عليه يده الشريفة على صدرها ودعا لها، فإنها سلام الله عليها أجابت يزيد بصلابة وشموخ، بالآية الكريمة التالية: «إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا»(سورة آل عمران: الآية178).

عاقبة الطغاة

واستناداً إلى الكريمة التي ذكرناها، نرى ان المتوكّل حكم قرابة عشرين سنة، وقمع الشعائر الحسينية بشدّة، وعاقب أشدّ العقاب عليها، وعذّب، بأنواع التعذيب، المقيمين بالشعائر الحسينية والزائرين الحسينيين، ولكن إلى أين صار المتوكّل؟ وهل بقي له أثر أو قبر؟ فسألوا أمثال ابن عربي الذي عدّ المتوكّل بـ(ولي الله) وغير ابن عربي ممن يروّجون للمتوكلّ، اسألوهم عن قبر المتوكّل، فهل ستحصلون على جواب منهم؟ أو هل سيدلّونكم على قبره؟ بلى، إن قبر هارون العباسي موجود، وسبب وجوده هو لكي يلعنه الناس. ففي الماضي والحاضر أيضاً عندما يصل الزائرون لمرقد الإمام الرضا صلوات الله عليهم إلى المكان الذي يسمّى بـ(خلف المرقد الطاهر) تراهم يلعنون هارون. وهذا هو سبب وجود قبر هارون. وعلى أي حال، فإن كل من ظلم ويظلم الشعائر الحسينية المقدّسة، فهم إما من الكافرين أو من الظالمين، أو ممن غُسلت أدمغتهم، وبالنتيجة يكرّرون ما قاله يزيد.

كيف نمتثل لوصايا أهل البيت

وبيّن سماحته: كيف يمكننا أن نمتثل لما علّمه الإمام الصادق صلوات الله عليه لأبي حمزة الثمالي؟

الجواب: على كل واحد منّا أن يسعى بمقدار استطاعته إلى إقامة مراسم العزاء على مصاب مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه، وإن اقتصر على مجلس مختصر وبحضور أفراد معدودين، أو أن يشارك الإنسان لوحده في إقامة إحدى الشعائر الحسينية المقدّسة. وليحذر الإنسان الذي عاهد الإمام الحسين صلوات الله عليه، من أن يخون نفسه أو يجني عليها، ويخسر دنياه وآخرته.

سبل إيصال رسالة عاشوراء

كما جاء في الزيارة التي علّمها الإمام الصادق صلوات الله عليه لأبي حمزة الثمالي: «والحجّة على أهل الدنيا». فهنالك طرق مختلفة لإتمام الحجّة على العالمين وإيصالها لهم، ومنها تأسيس القنوات الفضائية، فعبرها يمكن إيصال الأهداف السامية للنهضة الحسينية المقدّسة للناس كافّة، وكذلك مظلومية الإمام الحسين صلوات الله عليه، وفاجعة استشهاده، وأسر أهل بيته وأهل بيت النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله، لتتمّ الحجّة عليهم، وإن لم يقبلها أحد منهم.

كما علينا أن نعرف بأن مقدّمات إتاحة مثل هذه الفرص هي في أيدينا نحن الشيعة، ولا فرق بين الشاب منّا وكبير السنّ، مع ان الشباب يتمتعون بنشاط أكبر، كما قال الإمام المعصوم صلوات الله عليه: «يعجبني جلد الغلام». فالشباب يمكنهم أن يقوموا بالفعاليات بنحو أفضل، علماً بأنه عليهم أن يستفيدوا من تجارب الكبار، أيضاً. ففي كلمتي السابقة ذكرت لكم بأنه يوجد في عالم اليوم الذي تبلغ نسمته سبعة مليار، قرابة (12) ألف قناة فضائية سياسية وتجارية وثقافية وخبرية ومسلّية، سليمة وسقيمة. فإذا اعتبرنا نسبة الشيعة من نسمة العالم قرابة عشرة بالمائة، مع أنها أكثر، فيجب على الشيعة، وعلى قدر ونسبة أعدادهم، أن يكون لهم 1200 قناة فضائية. ولكن أين هو موقع الشيعة في هذه المعادلة؟

بهذا الصدد علينا أن نتعلّم من الكفّار ومن غير المسلمين، لكي لا يفوتنا القطار. فالقرآن الكريم يقول: «إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ»(سورة النساء: الآية104).

همّة وإدارة

إذن، كما أن اولئك يقومون بنشر وترويج أهدافهم السليمة والسقيمة عبر القنوات الفضائية، علينا نحن أن نستفيد من هذه الظاهرة الحديثة أيضاً، في نشر وتعريف أهداف الإمام الحسين صلوات الله عليه إلى العالمين، وهذا العمل بحاجة إلى أمرين، وهما: الهمّة في توفير الإمكانات المالية، وامتلاك لجان علمية وإدارية قديرة وجديرة.

وأردف سماحته: لا يقول أحدنا أن هذا العمل صعب أو غير ممكن، بل هو ممكن. ففي السنة الماضية، نقل شباب من إحدى البلدان الإسلامية، بأنه مع عدم توفّر الإمكانات لديهم وفقدانهم لميزانية مالية كبيرة، قاموا بتأسيس قناة فضائية عبر دَين بلا ربح استدانوه من إحدى البنوك الحكومية، وشرعوا بالعمل وبالفعاليات بشدّة وبكل قدراتهم، ولايزالوا.

في عالم اليوم تقدّم ديون كثيرة للناس، وكما تستدينون لاحتياجاتكم الشخصية، يجدر بكم أن تستدينوا في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه لنشر وترويج الثقافة الحسينية، واعلموا أن الأجر مدّخر لكم في الآخرة لكل ما قمتم به للإمام الحسين صلوات الله عليه، من عاشوراء السنة الماضية ولعاشوراء السنة الجارية. فعلى شباب الشيعة كافّة، وفي المدة الزمنية لعاشوراء السنة القادمة، أن لا يتوانوا في هذا الأمر، أو أن لا يخطون خطوة في هذا المسير، أي في تأسيس قناة فضائية، حتى يصلّ عدد القنوات الشيعية المناسبة لنفوس الشيعة، إلى الحدّ المطلوب والمناسب لهم، أي (1200) قناة فضائية.

لإدارة كفوءة

وقال سماحته: وأما بالنسبة لقضية الإدارة، فنحن لدينا في العالم، العشرات والعشرات من الحوزات العلمية الشيعية والجامعات الشيعية التي يدرس فيها الشباب الشيعة، وفيها الكثير من العلماء الشيعة. فيجب الاستفادة من الأشخاص الفاعلين في هذين المركزين المهمّين، ممن هو حريص ويحترق قلبه على الإسلام. فهذا الأمر وكذلك تأسيس (1200) قناة فضائية، ممكنين، إلاّ اللهم إذا لم يتم الاهتمام بهما، وهذا يعني التقصير، ويجب جبره.

وتجاه احتمال الاعتراض على وجود أو تأسيس هذا العدد من القنوات الفضائية، قال سماحته: في جوابنا على من يقول ما الحاجة إلى هذا العدد من القنوات الفضائية، أقول: من الممكن أن يتوفّر في مدينة ما، آلاف الأطبّاء، ويمارسون مهنة الطبابة كلّهم، أو يتوفّر فيها آلاف العلماء والفقهاء أصحاب الرسائل العملية، وأضيف عليهم طبيباً واحداً أو عالماً أو فقيهاً واحداً، فهل ستواجه هذه الإضافة اعتراضاً؟ لا شكّ ان الجواب هو النفي. وهذا يصدق على إضافة قنوات فضائية دينية وأخلاقية في عالم اليوم، أيضاً.

عليكم بالمراجع الأعلام

الحمد لله، كان على طول التاريخ ولحد الآن الكثير من المراجع الأعلام الجامعين للشرائط. وقد نقل المرحوم والدي (آية الله العظمى السيد الميرزا مهدي الشيرازي أعلى الله مقامه) عن المرحوم السيد كاظم اليزدي قدّس سرّه، صاحب كتاب (العروة الوثقى) القيّم، والذي كان من أساتذة المرحوم والدي أيضاً، وقد توفي قبل قرابة مائة سنة، وقال: عندما توفّي السيد اليزدي، ظهرت في مدينة النجف الأشرف فقط، دون غيرها من المدن والقرى التي كان فيها من المجتهدين أصحاب الرسائل، ظهرت مايقارب تسعين رسالة عملية، وهذا يعني وجود مجتهدين مسلّم باجتهادهم، وعلى مستوى عال. ولكن، ومع الأسف، الحالة قد تغيّرت اليوم وأخذت شكلاً آخر، ويخشى من أن تفتقد الساحة لفقهاء جامعين للشرائط، أو يقلّ عددهم، إلاّ اللهم إذا شملتنا رعاية ولطف مولانا بقيّة الله الأعظم عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وحالياً، وحمداً لله، يوجد مراجع أعلام، جامعين للشرائط، في العراق وإيران، وفي باقي الدول، فيجب الاستفادة منهم بأحسن وأفضل وأليق ما يمكن.

لتعرف الدنيا سيرة أهل البيت

بلى، يجب أن نوصل للدينا كلّها بأنه كان هدف الإمام الحسين صلوات الله عليه من الذهاب إلى كربلاء، هو ما بيّنه هو صلوات الله عليه، بقوله: «أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي محمّد وأبي علي بن أبي طالب». ويجب أن تعلّم وتعرف الدنيا كيف كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، اللتين استشهد من أجلهما الإمام الحسين صلوات الله عليه. وهكذا سيتّبع مولانا الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف سيرة الإمام الحسين صلوات الله عليه، وهي سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، سيرة العدل والتعامل الحكيم، التي لم ترى، الدنيا المصطلح عليها اليوم بالمتقدّمة، حتى القليل منها، أبداً. فما يُرى اليوم في الغرب وفي العالم الحرّ من الناحية الاقتصادية والسياسية وماشابهها، فهو شعاع من سيرة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، اللذين أناروا بها العالم كلّه في فترة حكومتيهما القصيرة زماناً. فلم يُقتل في حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه حتى شخص واحد بدعوى (جرم سياسي) أبداً. ولكن قتل الكثير من الناس بهذه الدعوى في حكومة معاوية، وحكومة هارون، والمأمون، والمتوكّل. ولم يكن في حكومة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حتى سجيناً سياسي واحد، ولكن كثر السجناء السياسيين في حكومات بني أمية وبني مروان وبني العباس والعثمانيين، وإلى يومنا هذا.

قنوات بأسماء المعصومين والعلماء

على شباب الشيعة أن يعرّفوا أمثال هذه المطالب للدنيا ويوصلوها إليهم. وعلى الحسينيات الفاعلة في أرجاء العالم، أن تقوم، بهذا الصدد، بتأسيس قنوات فضائية، وأن تسمّيها بأسماء المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، أي معصوم تلو معصوم صلوات الله عليهم، كقناة السيدة زينب سلام الله عليها، وكقناة أول شهيد في طريق الإمام الحسين صلوات الله عليه، يعني سيدنا مسلم بن عقيل سلام الله عليه، وأمثالهما.

كما عليكم أن تأسّسوا قنوات فضائية وتطلقوا عليها أسماء الأكابر، كالشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والعلامة والمحقّق الحليّين، والعلاّمة المجلسي صاحب بحار الأنوار وهي موسوعة ثقافية كاملة عن أهل البيت صلوات الله عليه، وكذلك باسم السيد بحر العلوم الذي استبصر بنور أهل البيت صلوات الله عليهم، على يديه، ثلاثة آلاف طالب يهودي من طلبة المدارس اليهودية في مدينة (الكفل) العراقية، وذلك عن دليل وقناعة. فأسّسوا قنوات بهذه الأسماء وعرّفوا أصحاب هذه الأسماء إلى العالم كلّه. فلماذا لا تكون عندنا قنوات باسم سلمان الفارسي، وحذيفة، وباقي الصالحين؟

وبأسماء المراجع الأعلام

لنعرّف تاريخ وجهاد علماء الشيعة للعالمين، ومنهم، على سبيل المثال، المجدّد الشيرازي، المرحوم آية الله العظمى الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي رضوان الله تعالى عليه، الذي أنقذ إيران، قبل قرابة مائة سنة وبضع سنين، من قبضة الاستعمار البريطاني العجوز. فما ترونه اليوم في إيران من العزاء باسم الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه وباسم باقي الأطهار من أهل البيت صلوات الله عليهم، فهو بهمّة المجدّد الشيرازي قدّس سرّه. وقبل مائة سنة، أي في (1337) حرّر آية الله العظمى الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي قدّس سرّه، بفتواه، العراق وشعبه الأبي من قبضة المحتلّ الإنجليزي.

لدينا الكثير من العلماء ممن نالوا درجات الأكابر، كالميرزا القمّي، والوحيد البهبهاني، والمرحوم صاحب الجواهر، والشيخ مرتضى الأنصاري، والمرحوم كاشف الغطاء، والنراقي والد النراقي الابن، وكذلك أمثال الخلّص والصالحين من أصحاب الأئمة صلوات الله عليهم، كعلي بن مهزيار الأهوازي، بحيث يليق ويجدر أن نؤسّس قنوات فضائية بأسمهائهم، وعبرها نعرّفهم للعالمين، لكي يعلموا أن الشيعة لديهم شخصيات أكابر وأعلام، كـ: علي بن مهزيار، وزرارة، والحسين بن روح، وغيرهم من الأكابر.

للشباب

كما أكّد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله على الشباب، بقوله: أنتم أيها الشباب، عليكم أن تستفيدوا من تجارب وأعمال الأكبر سنّاً منكم، وشمّروا عن سواعدكم. واعلموا أنه إذا لم تبادروا إلى هذا العمل، فسيسبقكم إليه غيركم من أقرانكم الشيعة، وعندها ستنتابكم الحسرة.

هذا، وختم دام ظله، كلمته القيّمة، قائلاً: أسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبّل خدماتكم، وأن تكون بصحّة وعافية كاملتين، وبعيدين عن المشاكل والبلوى، في كل سنة، لكي تقيموا وتحيوا الشعائر الحسينية المقدّسة، وتوصلها إلى العالمين أجمع. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

اضف تعليق