q

لا يزال خطر تنظيم داعش الارهابي، وعلى الرغم من الانجازات المهمة التي حققها الجيش العراقي وفصائل الحشد الشعبي التي تشكلت بعد فتوى الجهاد الكفائي، مصدر قلق للعديد من الخبراء والمراقبين، الذين اكدوا على ان خطر هذا التنظيم بات يهدد الامن العالمي دون استثناء، خصوصا مع اتساع رقعة العمليات الارهابية التي تجاوزت الحدود العراقية وطالت العديد من دول المنطقة وغيرها من الدول الاخرى بما فيها الدول الداعمة لهذا التنظيم، هذا ويرى بعض الخبراء ان خطر وتهديد تنظيم داعش الارهابي، لايمكن ان يزول الا من خلال تفعيل القرارات الدولية والتوحد لمواجهة الارهاب والسعي الى تجفيف مصادر الدعم الفكرية واللوجستية والاجتماعية والاعلامية ومحاسبة جميع الدول الداعمة لهذا التنظيم.

من جانب اخر اكد بعض المراقبين على ضرورة رسم خارطة عراقية جديدة لمواجهة تنظيم داعش، تتمثل بإيجاد اتفاق سياسي موحد ووجود ادارة عسكرية قوية وطنية الولاء، هذا بالإضافة الى اتخاذ خطط واجراءات عاجلة والاعتماد على تكتيكات عسكرية واعلامية جديدة كالتي يعتمدها التنظيم وهو ما قد يسهم بتغير مجرى هذه الحرب، خصوصا وان هذا التنظيم وكما تشير بعض المصادر قد اعتمد على الحرب النفسية والدعاية لمساعدته في السيطرة على مناطق واسعة في العراق، ولكن التنظيم مقابل كل حرب حقيقية ينكشف ويتراجع ويتقهقر بسرعة.

وفي هذا الصدد نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية مقالاً للكاتب ديفيد إغناشيوس تحت عنوان "استراتيجية داعش المرعبة" قال فيها الكاتب إن داعش لا يمكنه أن يفرض أية سيطرة على أي بلدة أو منطقة لا في سوريا٬ ولا في العراق، حيث أكدت التجربة أنه لا يتقن غير القتل للقتل، وليس لديه أي بيئة تحتضنه ولا أي برنامج أو مشروع غير الفوضى والضياع والإجرام، على حد تعبير الكاتب الأميركي. يعتمد "داعش" في حروبه وسيطرته على الإفلام والرعب وسرقة الأموال وإغواء بعض اصحاب النفوس الضعيفة والخائنة والانتشار في بعض المفاصل والطرقات الأساسية التي تربط المدن بعضها ببعض.

من جانب اخر أكد البعض على ان تنظيم داعش الارهابي، قد استفاد كثيرا من قدرات بعض القادة والضباط السابقين في الجيش العراقي المنحل الذي امر بريمر بحله، هذا بالإضافة الى الحواضن الاخرى من شيوخ العشائر وعصابات حزب البعث المنحل وباقي الجهات الحزبية الاخرى، المدعومة من دول خليجية واقليمية تسعى الى تحقيق اهداف ومصالح خاصة من خلال تقسيم العراق واثارة النعرات الطائفية.

داعش من بقايا جيش صدام

وفي هذا الشأن وبعد عام من إعلانه الخلافة أصبح من الواضح أن سر بعض النجاح لأبي بكر البغدادي هو الجيش والدولة اللذان أسسهما من بقايا جيش صدام حسين والبيعة التي اكتسبها أو انتزعها من المسلمين السنة الذين يشعرون بالتهميش في العراق وسوريا وخارجهما. وخلال هذا العام وسع البغدادي الذي أعلن نفسه خليفة للمسلمين من الأراضي التي يسيطر عليها من شرق سوريا وغرب العراق لتشمل أجزاء في ليبيا. وكان لتنظيمه ظهور في شبه جزيرة سيناء بمصر. ووضع السعودية نصب عينيه كما أطلق التنظيم مجلة على الانترنت للأتراك الذين تطوع مئات إن لم يكن الآلاف منهم للجهاد معه.

وكلماته التي يستشهد فيها بآيات قرآنية منتزعة عن سياقها والمليئة بأحاديث نبوية يعتبرها كثيرون أحاديث ضعيفة السند أشبه بالخطب. وطبول التجنيد التي يقرعها صوتها عال وواضح.. يجند أتباعا للمشاركة في الجهاد ضد "الشيعة الزنادقة" و"المسيحيين الصليبيين" و"اليهود الكفار" و"الأكراد الملحدين" ويوبخ الطغاة العرب لتدنيسهم الاسلام السني. ورسالته هي: لم يمنع حكام العراق غزو البلاد بقيادة الولايات المتحدة عام 2003 وأسقط ذلك البلاد في أيدي الشيعة ولم يرغبوا في الجهاد ضد الأقلية العلوية الحاكمة في سوريا ناهيك عن تحرير القدس من إسرائيل.. فقد بات الآن تنظيم الدولة يقود الطريق.

وبهذا السرد شبه الديني والطائفي يعتبر الجهاديون من تنظيم داعش أنفسهم في مهمة مقدسة لتخليص العالم العربي بالنار والسيف كما يظهر في تسجيلات الفيديو الخاصة بهم وتظهر قطع رؤوس رهائن أو التضحية بهم. وهناك عناصر أخرى مهمة وراء نجاح التنظيم. إضافة إلى مبايعة موالين لصدام وإسلاميين متطرفين انبثقوا من رحم حرب العراق يعتمد البغدادي على محليين من السنة وعشائرهم في حين أن الجهاديين الأوائل اعتمدوا أكثر على المقاتلين الأجانب.

ورغم أن الآلاف من المتطوعين الأجانب إلا أن المنظرين الجهاديين يقولون إن قوات داعش تتألف من 90 بالمئة من العراقيين و70 بالمئة من السوريين في معقلي التنظيم الرئيسيين حيث له نحو 40 ألف مقاتل و60 ألف مؤيد. وأقام البغدادي صلات بالبعثيين من أيام صدام عندما كان سجينا أثناء الاحتلال الأمريكي كما يزعم أنه من نسل النبي محمد.

يقول أبو محمد المقدسي الجهادي الذي كان المرشد الروحي لأبي مصعب الزرقاوي الزعيم الأردني لتنظيم القاعدة الذي قتل في العراق في غارة جوية أمريكية عام 2006 إنه قبل السيطرة على مساحات في سوريا والعراق محا التنظيم كل منافسيه الإسلاميين والسنة تقريبا. وأضاف "قتلوا كل المجاهدين. سحقوا كل المخالفين لهم كي يبقوا وحدهم وخيروا الكل بين البيعة والقتل" وأعلنوا الحرب على منافسهم جبهة النصرة في سوريا التي تربطها صلات بتنظيم القاعدة. وتابع "يقولون إن (مقاتلي) جبهة النصرة مرتدون."

وقال المقدسي في نشرة على الانترنت "أبو بكر لديه قاعدة في العراق.. لديه عشائر ولديه موالين له بينما أبو مصعب الزرقاوي هو أردني وكان محاطا بمقاتلين أجانب." واستطرد "ينتصرون عسكريا لأنهم يعتمدون على ضباط عراقيين بعثيين يعرفون كل شيء ويعرفون أرضهم." ولكن في نهاية الأمر هم يعتمدون على الرعب. وقال أبو قتادة الفلسطيني المفكر الآخر الذي تربطه أيضا صلات بتنظيم القاعدة والذي وقع مع المقدسي على فتوى تحلل قتال تنظيم داعش "هذه الدولة تتقدم بسبب التربية العسكرية والأمنية والمخابراتية لقياداتها والتي تعتمد على الترهيب. يحكمون بالدم والسيف." ويرى عرابا تنظيم القاعدة السابقان -المقدسي الذي كانت تربطه صلات بأيمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن وأبو قتادة الذي جرى ترحيله من لندن لمواجهة تهم إرهاب في الأردن بعد معركة طويلة في المحاكم- أوجه تباين وأوجه شبه بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة الذي أزاحه البغدادي الآن من صدارة المشهد.

على عكس تنظيم القاعدة الذي أسس فقط إمارة ضعيفة تحت الاحتلال الأمريكي قبل طرده من محافظة الأنبار يغرس التنظيم جذورا. لكن أبا قتادة يقول إنها قد تحتوي على بذور فنائها. ويقول في نشرة على الانترنت "هم بعثيون بالمنهج الديكتاتوري الأمني. مشكلتهم مع التيارات الإسلامية هي مشكلة فكرية. صراعهم على أرض الواقع مع التيارات الإسلامية الأخرى والنصرة أكثر من صراعهم مع الحشد الشعبي العراقي الشيعي.

في كلمة بثها في 14 مايو ايار بعد تقارير غير مؤكدة عن إصابته في ضربة جوية أمريكية قال البغدادي إن الإسلام لم يكن يوما دين السلام بل دين القتال. ويرى أن هجمات أنصاره على الشيعة وحلفائهم في العراق ستجعل "الصليبيين" ينزفون وستثبت أعمدة الخلافة وتهزم العلويين السوريين والحوثيين الشيعة في اليمن. وبينما قد يبدو ذلك كلاما منمقا فارغا لمن لا ينتمون للتنظيم إلا أن المقصود هو أن جيش التنظيم السني كثيرا ما نجح في طرد الشيعة من المدن التي تقطنها أغلبية سنية. غير أن نجاح التنظيم ذاته يحد من توسعه.

واكتسب التنظيم موطئ قدم في أماكن مثل ليبيا وشبه جزيرة سيناء وفي أراض من نيجيريا حتى القوقاز. والتنظيم بارع أيضا في استغلال فرص طائفية.. التفجيرات في الآونة الأخيرة لمساجد شيعية في السعودية محاولة لتوسيع هوة الخلاف بين الأغلبية السنية في المملكة والأقلية الشيعية. ولكن في جوهر الخلافة اقتصرت المكاسب حتى الآن على المناطق السنية. فقد كان هناك صد لمحاولات دخول أراض كردية أو شيعية.

إلا أن التنظيم مزروع جيدا في معاقله السورية والعراقية إلى أن يقتنع السنة بضرورة اقتلاعه من جذوره. ولن يحدث ذلك بينما يخشى السنة من القمع من بغداد ودمشق أكثر من خوفهم من وحشية الخلافة. ويفسر المقدسي ذلك بمثل عربي "إيه اللي رماك على المر قال إللي أمر منه". وقسوة التنظيم منهجية. وتلقى التنظيم تدريبا من قادته البعثيين فصار قوة عسكرية سريعة ومرنة. ولكن مع دخوله مدينة سنية يكون قد طهرها تماما من معارضيه ومحا منافسيه الإسلاميين.

والتنظيم سريع أيضا في السيطرة على الموارد المحلية من الطاقة إلى المخابز والضرائب لتمويل عملياته ولكي يصبح مصدر الرعاية وتوفير فرص العمل. ويقول هشام الهاشمي الباحث العراقي إن التنظيم حقق ثروة من بيع النفط والاتجار في الرهائن وبيع الآثار المهربة. ويضيف أن ثروة التنظيم تقدر بما يتراوح بين ثمانية وتسعة مليارات دولار.

والتنظيم لديه بعض الاستقرار الإداري.. وراء البغدادي هناك قيادة تتمتع بعمق ونظام ويمكن بسهولة أن يحل آخر محل البغدادي. ويقول أبو قتادة "إذا قتل البغدادي سيكون هناك بديل فالذين يخرجون من الظلمات هم كثر." والبغدادي له مجلس استشاري مؤلف من تسعة أفراد ونحو 23 أميرا مسؤولين عن المناطق السنية وشكل التنظيم وزارات يديرها. وتحت هذا كله بنية تفصيلية للحكم يديرها على الأخص من محافظة نينوى وعاصمتها الموصل إلى مدينة الأنبار ضباط بعثيون سابقون كانوا كلهم تقريبا سجناء للأمريكيين في سجن بوكا الذي أصبح نوعا ما جامعة للتنظيم.

ويقول من تربطهم صلات بداعش إن البغدادي ليس هو أقوى شخصية. ويتمتع الرجل الثاني في التنظيم أبو علي الأنباري الذي كان ضابطا في الجيش العراقي أيام صدام حسين بسلطة حقيقية. والشخصية الرئيسية الأخرى هي أبو مسلم التركماني العقيد السابق بالمخابرات العسكرية الذي تفيد تقارير بأنه قتل في ضربة جوية عام 2014 . وكان الرجلان مع البغدادي في سجن بوكا. ويقول الهاشمي إن وجود ضباط بعثيين سابقين في القيادة منح البغدادي ميزة عسكرية وأمنية وإن بإمكانهم التشجيع على تجنيد أفراد بين عشائرهم كما أن معظمهم ينتمي إلى عشائر عراقية كبيرة. بحسب رويترز.

وعلى الأرض ألحقت الضربات الجوية التي تنفذها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة منذ عام ضررا بالتنظيم إلا أنها فشلت حتى الآن في تفكيك خلافة البغدادي التي ما زالت تمثل تهديدا كبيرا. وقال الدبلوماسي المتمركز في العراق إن التنظيم خسر أفرادا وفقد أراضي وجزءا من قدرته على بيع النفط ولكنه ما زال موجودا وما زال خطيرا.

40 انتحاريا شهريا

من جانب اخر قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ان نحو 40 انتحاريا يدخلون البلاد شهريا، داعيا دول الجوار الى الحد من تدفقهم. وقال العبادي "يدخل العراق كمعدل شهري اربعين انتحاريا في الشهر، يتسببون بقتل الابرياء من العراقيين". واضاف "اليوم معاناتنا الحقيقية من المقاتلين والارهابيين الذين يأتون من خارج الحدود، من كل هذه الدول، من كل هذه المجتمعات، من مجتمعات لا تعرف العراق ولم تعش في العراق"، من دون ان يسمي هذه الدول والمجتمعات.

واشار الى ان "عدد المقاتلين في العراق الاجانب الآن اصبح يفوق عدد العراقيين، من مختلف دول العالم"، مؤكدا "نحتاج الى علاج". واعتبر انه "على الآخرين (...) ان يوقفوا مجيء هؤلاء الارهابين الى بلادنا وان يوقفوا ماكينة القتل والتدمير والارهاب". وتعد العمليات الانتحارية من ابرز التكتيكات العسكرية التي يعتمدها تنظيم داعش. وحذر العبادي من ان "هذه المنظمة الارهابية لن تتمكن الجيوش الموجودة في المنطقة بتشكيلتها الحالية من الصمود امامها. هذه ليست حربا عادية". واضاف "هذه ليست حرب جيش مع جيش، هذه منظمة ارهابية تسيطر على مساحات شاسعة (...) تقوم بأعمال ارهابية وجهد ارهابي". بحسب فرانس برس.

وتمكنت القوات العراقية والكردية في شمال البلاد من استعادة بعض المناطق من التنظيم خلال الاشهر الماضية. الا ان التنظيم لا يزال يسيطر على مناطق اساسية في العراق، أبرزها الموصل (شمال) ثاني كبرى مدن البلاد، والرمادي (غرب) التي سيطر عليها في ايار/مايو الماضي.

داعش والحرب الدعائية

على صعيد متصل قال سكان إن متشددي تنظيم داعش نصبوا شاشات عرض عملاقة في مدينة الرمادي العراقية ويستخدمونها للإعلان عن أنهم سيستولون على المزيد من الأراضي العراقية بعد أن سيطروا على المدينة. وفي الوقت الحالي باتت جهود الحكومة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة لإنهاء سيطرة التنظيم على نحو ثلث أراضي العراق تتركز على الرمادي بمحافظة الأنبار وهي معقل للسنة.

وقال صاحب متجر صغير للأطعمة قرب إحدى الشاشات بوسط الرمادي "بدأوا عرض مقاطع فيديو عن عملياتهم العسكرية في العراق ويعرضون ايضا اعترافات جنود أسروهم." وأضاف "بعض البرامج تشجع الشبان على الالتزام بتعاليم الإسلام وتعرض ايضا التدريب العسكري للشبان على حمل السلاح وكيفية القتال." وتعتمد الحكومة العراقية بشدة على الفصائل الشيعية المدعومة من إيران والضربات الجوية التي ينفذها تحالف تقوده الولايات المتحدة لإبطاء تقدم تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن مني الجيش العراقي بهزائم متكررة. بحسب رويترز.

وأمر الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الأربعاء بإرسال 450 جنديا إضافيا الى الأنبار لمساعدة القوات العراقية في استعادة الأراضي التي استولى عليها التنظيم المتشدد. ويستخدم التنظيم وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو لجذب أتباع له فينشر لقطات مصورة لمسلحيه وهم يقتلون جنودا بالحكومة العراقية وأعضاء أقليات دينية. وقال موظف حكومي في الرمادي "يبدو أنهم يحاولون استخدام الأساليب الإعلامية كسلاح لتحسين صورتهم وايضا لتشجيع الناس على الانضمام لهم." وقال سكان إن المواد التي تعرض على الشاشات توزع على أقراص مدمجة في أكشاك قرب الشاشتين اللتين وضعهما المتشددون قرب السوق المركزي وفي شمال الرمادي.

اساليب قتال جديدة

في السياق ذاته يقول قادة الجيش والشرطة العراقيين الذين يقودون معركة مستمرة للسيطرة على اكبر مصفاة نفطية بالبلاد إنهم لن يستطيعوا هزيمة تنظيم داعش الا اذا غيروا الأساليب التي يستخدمونها من أجل تحسين القدرة على مجاراة أساليب حرب العصابات التي يتبعها المتشددون. وتبادل المتشددون والقوات الحكومية السيطرة على مجمع المصفاة مترامي الأطراف الواقع قرب بلدة بيجي إلى الشمال من بغداد عدة مرات على مدى عدة أشهر من القتال وهو واحد من الجبهات الرئيسية في مسعى العراق لاستعادة ثلث أراضي البلاد الخاضعة لسيطرة المتشددين.

ومنذ انضم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى الحملة ضد التنظيم بقصف مواقع في كل من سوريا والعراق حيث أعلن قيام خلافة حققت الحكومة العراقية انتصارات ومنيت بانتكاسات. وفي مارس آذار استعاد الجيش والفصائل الشيعية المتحالفة معه تكريت مسقط رأس صدام حسين في وادي نهر دجلة إلى الشمال من بغداد. لكن المقاتلين ردوا بتحقيق انتصار كبير وسيطروا على مدينة الرمادي في وادي نهر الفرات.

وتمثل بيجي التي تقع إلى الشمال من تكريت اختبارا مهما عما اذا كان بوسع القوات الحكومية استعادة قوة الدفع. لكنها لم تنجح إلى الآن في تحقيق انتصار هناك على عدو متحرك ومختبئ أثبت كفاءته في الأساليب غير التقليدية. وقال العميد ناصر الفرطوسي قائد قوة الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية والمكلفة باستعادة بيجي "انهم محترفون في حرب العصابات على عكس قواتنا التي تتبع اُساليب قتالية قديمة." وأضاف "نحن نتلقى النيران من احد الشوارع في بيجي و عندها نضع خطة لمهاجمة الشارع. في اليوم التالي وعند بدء الهجوم نفاجأ بالدواعش يهاجموننا من شارع اخر".

وأضاف "نحن نسعى الى قلب الطاولة على داعش وذلك باتباع اُسلوب شن معارك استنزاف ضدهم كانوا يمارسونها ضدنا. ليس من السهل ان يتعلم الجندي أساليب حرب العصابات في يوم وليلة." ويقول مسؤولون عراقيون إن جيشهم تحسن في الاشهر الاثني عشر منذ ترك الجنود سلاحهم وفروا حين اجتاح التنظيم أراضي عراقية قادمين من سوريا واستولوا على مدينة الموصل بشمال البلاد ثم بدأوا التقدم نحو بغداد. ومنذ ذلك الحين كانت استعادة الحكومة لتكريت في مارس آذار أكبر انتصار لها رغم ان الفصائل الشيعية المتحالفة مع الجيش هي التي اضطلعت بالجانب الأكبر من القتال وليس الجيش.

وحين رد المتشددون على فقد تكريت بالسيطرة على مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار على نهر الفرات اتهم مسؤولون أمريكيون بينهم وزير الدفاع اشتون كارتر الجيش العراقي بالافتقار للإرادة للقتال. وأتاحت المعركة الطويلة من أجل السيطرة على مصفاة بيجي للجيش فرصة لإظهار همته. وتحملت وحدات قوات النخبة مرارا الحصار لفترات طويلة ونجحت في استعادة أراض فقدتها. لكنها لم تستطع تسديد ضربة حاسمة.

وقال المقدم علي الجبوري الذي لحقت به إصابة خطيرة في المصفاة حين فجر انتحاري سيارة همفي عسكرية ملغومة استولى عليها المتشددون إن الجيش يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد لقطع خطوط الإمداد التنظيم بدلا من خوض مواجهات متكررة وجها لوجه في بيجي. ويسيطر المتشددون على الطرق الشمالية المؤدية إلى البلدة مما يسمح بإبقاء خطوط إمدادهم إلى الموصل وإلى الطرق الغربية والجنوبية الغربية مفتوحة وهو ما يتيح لهم الوصول إليها من الأنبار عن طريق الصحراء.

وقال الجبوري "ما الفائدة من استعادة مكان بينما خطوط إمداد العدو تبقى خارج السيطرة؟ يستطيعون بسهولة إرسال التعزيزات وإعادة التنظيم والعودة لاستعادة السيطرة. هذا ما اسميه معركة خاسرة." وقال "علينا ان نسأل سؤالا بسيطا. لماذا يحصل هذا السيناريو؟ الجواب بسيط. داعش تسيطر على مناطق استراتيجية توجد فيها طرق تربط بيجي بكل من الموصل والانبار." ويقول العقيد أحمد الأسدي عضو الفريق الأمني الذي يتكون من أفراد من الجيش والشرطة والقوات الخاصة إن القادة العسكريين باتوا شديدي الحذر بسبب رغبتهم في إرضاء رؤسائهم.

وأضاف "القادة يتجنبون تقديم خسائر كبيرة وهذه المسألة هي المقياس لتقييم القائد على انه قائد ناجح ام فاشل. هذا هو السبب في ان قادة معركة بيجي يعطون الاولوية لتقليل الخسائر بين الجنود عوضا عن تحقيق تقدم سريع." وقال الأسدي إن الاعتماد على الفصيل الشيعي المعروف باسم الحشد الشعبي المكون من مجموعات مختلفة يجعل من الصعب التحكم في سلسلة القيادة. وأضاف "هناك تعدد في القيادات المتواجدة على أرض المعركة ولسوء الحظ هناك تنسيق اقل بين الحشد وقياداته مع القادة العسكريين... هذا الموقف يساهم بالتأكيد في خلق حالة من التخبط." بحسب رويترز.

ويقول مسؤولون عراقيون وأمريكيون إن استعادة الموصل أساسية لهزيمة التنظيم. لكن من غير المرجح أن تبدأ المعركة حتى يكتسب الجيش زخما من خلال السيطرة على أجزاء استراتيجية من الأنبار والتقدم صوب الشمال من بيجي وهي معارك ستتطلب منه أن يتعلم كيفية التعامل مع أساليب حرب العصابات التي تستخدمها داعش. ويعمل المقاتلون على عرقلة تقدم القوات الحكومية من خلال تلغيم المنازل وزرع قنابل على الطرق. ويتفادون الضربات الجوية بتغيير مواقعهم كثيرا. وبوسع قناص وحيد أن يوقف تقدم رتل عسكري بكامله. ويستعين التنظيم بالمقاتلين الأجانب لتنفيذ عمليات انتحارية. ويقول الأسدي إن الأراضي الصحراوية المحيطة بالمصفاة والبلدات القريبة تمثل تحديا للقوات العسكرية النظامية كما أن الصواريخ المضادة للطائرات التي أحضرها التنظيم من سوريا إلى العراق تحد من الأفضلية التي يتمتع بها الجيش لامتلاكه قوة جوية.

خطة لحلف الأطلسي

الى جانب ذلك قال دبلوماسيون من حلف شمال الأطلسي إن من المتوقع أن يعلن الحلف قريبا عن خطة لتقديم المشورة للحكومة العراقية بشأن إصلاح قواتها الأمنية التي تقاتل مجددا بعد انهيارها أمام هجوم لمقاتلي داعش. وطلب العراق من الحلف المساعدة في تدريب قواته الأمنية في ديسمبر كانون الأول الماضي بعد أن استولى التنظيم على مناطق كبيرة من العراق.

وينفذ تحالف تقوده الولايات المتحدة ضربات جوية ضد التنظيم في العراق وسوريا لكن الحلف لم يشارك حتى الآن على نحو يذكر. وقال مندوب الولايات المتحدة في الحلف دوجلاس لوت إن هناك خطة مطروحة للنقاش في الحلف قد تشمل تقديم المشورة للعراق بشأن إصلاح قطاعه الأمني ومساعدة الحكومة في صياغة برنامج للأمن القومي. بحسب رويترز.

وقال لوت إن الحلف قد يقدم المشورة أيضا للعراق بشأن الدعم اللوجستي وهيكل القيادة العسكرية. وقال "هذا البرنامج لم يكتمل بعد لكنه على وشك الاكتمال لذا يمكنني القول إنه في خلال الأسابيع المقبلة يمكننا أن نتوقع إعلانا بأن الحلف وضع اللمسات النهائية مع الحكومة العراقية على هذا البرنامج الخاص ببناء القدرات الدفاعية." وذكرت مصادر في الحلف أن البرنامج قد يشمل بعض التدريب للجيش العراقي في مجالات متخصصة رغم أنه من المرجح أن يقتصر ذلك على عدد صغير من الضباط وليس عددا كبيرا من الجنود. وقال لوت إنه لم يتقرر بعد إن كان التدريب سيجرى في العراق أم في دولة أخرى. وذكر دبلوماسي آخر في الحلف طلب عدم نشر اسمه أن الهدف هو الموافقة على برنامج المشورة والدعم لإصلاح قطاع الأمن العراقي بحلول أغسطس آب.

اضف تعليق