هل من الممكن المتاح لنا الاستغناء عن اللغة في إدراكنا موجودات الطبيعة والأشياء؟ ثمة من يذهب الى أن مثل هذا الافتراض ممكن تحقيقه. خطأ هذا التعبير الفلسفي يكمن في محاولة استبدال وسيلة اللغة ألإدراكية التجريدية بـ(الإدراك) المباشر الحسّي الانطولوجي الاستبطاني المجرّد من اللغة وهو محال...

هل من الممكن المتاح لنا الاستغناء عن اللغة في إدراكنا موجودات الطبيعة والأشياء؟ ثمة من يذهب الى أن مثل هذا الافتراض ممكن تحقيقه. خطأ هذا التعبير الفلسفي يكمن في محاولة استبدال وسيلة اللغة ألإدراكية التجريدية بـ(الإدراك) المباشر الحسّي الانطولوجي الاستبطاني المجرّد من اللغة وهو محال أن نجد إدراكا مجرّدا عن لغته. فالإدراك هو تفكير حسّي لغوي وليس مجرد إحساسات لا تمتلك صوريتها اللغوية التجريدية.

وهذا الاتجاه الفلسفي بمقدار ما يحمله من إدانة واضحة إلا أن فلاسفة الوضعية المنطقية التجريبية حلقتي فيّنا أكسفورد التحليليتين أخذتا كليهما بهذا الاحتمال. معتبرين إمكانية إنابة الإدراك محل تعبير اللغة. متجاهلين حقيقة أن الإدراك هو لغة تصوّرية لا يمكنه الفكاك عن اللغة الصوتية ولا عن اللغة المكتوبة. بمعنى الإدراك واللغة والفكر ثلاثة مفردات تعبيرية عن معنى مقصود واحد، ولا يمكن الفصل بين هذه الحلقات المنظومية الإدراكية عقليا.

ويحمل هذا التعويل الخاطئ مقدّما على أن إدراك الأشياء في وجودها الأنطولوجي حسّيا داخليا يعني أن تلك الإدراكات الحسّية هي لغة تعبير تواصلي لا تعتمد وسيلية اللغة في إدراكها الاشياء، وهو خطأ لا يمكن تمريره فالإدراك الحسّي هو لغة أيضا لا تختلف عن أصل أية لغة تواصل كان تعلمّها الشخص الذي يحمل إدراكه ألذاتي، الأدراك لغة تصورية تجريدية لا تخرج على أبجدية اللغة التواصلية العادية. بعبارة توضيحية أكثر الإدراك ليس بمقدرته اختراع لغة إدراك خاصة به تختلف في بنيتها التركيبية نحويا وبلاغيا وقواعد تحكمها هي غير نمط وشكل لغة التعبير العادية التي يتحدث بها مجتمع معين أو أمة معينة.

وإدراك الحواس ماديا لا يمكن ترجمته الى إحساس مفهوم المعنى والدلالة من غير لغة تحتويه وتعبّر عنه. إذ لا يمكن تحقيق إدراكا حسّيا عن شيء لا يحمل لغة إدراكه التجريدية معه، كل إدراك حسّي عن شيء وكل إدراك غير حسّي خيالي عن موضوع لا يمكننا فهمه من غير تلازم تعبير اللغة عنهما خارجيا أو استبطانيا صامتا. الإدراك الحسّي يبقى لغة صمت لا يستطيع الإفصاح عن نفسه من غير توسيل تعبير اللغة التواصلية الاعتيادية. بالمختصر المفيد الإدراك لغة خرساء صماء موجودة بالذهن ولا يمكن تحققها بالواقع كلاما وتعبيرا من غير وسيلية اللغة الإفصاح عنها كفكر قصدي. لذا يكون من المشكوك به امتلاك الإدراكات الحسّية مصداقية تعبيرية عن موجودات الأنطولوجيا بمعزل عن اللغة التواصلية أكثر مما تستطيع التعبير عنه. وكلا التعبيرين لغة الإدراك الصمت ولغة الإفصاح الصوت هما لغة تعبير واحدة لا انفكاك بينهما، من حيث ترابطهما الأبجدي في تكوين ألمقاطع والكلمات الصوتية والجمل ألقائم على إدراك لشيء.

التفكير الحسّي الملازم لإدراكات الاشياء المادية في حال لا يمكنه إرسال إحساسات الحواس الى الذهن لغويا تصورّيا فلا معنى يبقى للإدراك كحلقة في منظومة العقل الفكرية التجريدية، لانعدام آلية التوصيل المنتظم داخل منظومة العقل الأراكية. ولا يستطيع الوعي إدراكه الأشياء من غير لغة ايضا، أي حينما لا تتمكن اللغة أن تستوعب الإدراك الحسّي والوعي بالأشياء فلا يبقى هناك أي وجود خارج الذهن لهما.. كما والإحساسات هي لغة تعبير العقل عن مدركاته في ردود الأفعال الانعكاسية الصادرة عن الدماغ.

فإذا كانت فكرة الإدراك عن شيء هي تعبير لغوي مجرد فكيف يكون الإدراك بلا لغة تلازمه يمكننا الاستغناء عنها في إدراكنا المحسوسات الانطولوجية؟ وكيف يتشّكل الوعي بالأشياء بدون لغة تلازمه؟ وكيف تنطبع المدركات الحسّية بالذهن بغير تعبير لغوي يلازمها؟ الإحساسات والإدراكات والوعي ثلاث حلقات في منظومة العقل الإدراكية هي في حقيقتها لغة تعبير تجريدي واحد ولا تحمل هذه الحلقات التجريدية إفصاحاها عن مدركاتها لمواضيع العالمين الداخلي(الأحاسيس) والخارجي (الإحساسات) إلا بتعبير اللغة التواصلي الدارجة مجتمعيا، الإدراك بتعريف كواين له هو (وجود الشيء المستقل أنطولوجيا)، لكنه غير المنفصل عن الإدراك به بوسيلة تعبير اللغة، عليه يكون الإدراك لغة التعبير عن الشيء.

إننا لا نستطيع إغفال حقيقة أن الإحساس بشيء ليس لغة استبطان معرفية له فقط، وكل موجود يدرك حسّيا يصبح بالنتيجة الملازمة له لغويا هو لغة إدراكية تجريدية سليمة غير اعتباطية خالية من المعنى. فالموجود الشيئي والوعي به، وانطباعه الصوري بالذهن هو تجريد لغوي يقبل تمرير معناه إدراك العقل، والفكر المتعالق مع الوعي فيما يعنيه، جميعها تجليّات إدراكية تقوم على تصوير لغوي يتمّثل مواضيع الإدراك، ويشمل هذا حتى الإدراك العقلي غير المريض الذي لا يتوّسل اللغة في التعبير عن تلك المدركات بل في التعبير غير الانفصامي الصامت عنها. الصمت غير المريض لغة تفكير لا تختلف عن لغة التواصل العادية سوى بفارق الصوت في تعبير اللغة...كان يتردد في بداية القرن العشرين سؤالا فلسفيا جداليا هل بالإمكان فصل اللغة عن الفكر؟ جدال نقاشي تم حسمّه في أدبيات الفلسفة البنيوية بخاصة عند دي سوسير بتعبيره اللغة هي وعاء الفكر.

بمعنى أن فصل تداخل شكل اللغة مع محتواها المضموني محال إدراكه عقليا. وفصل الإدراك عن اللغة محال معرفيا. الإدراك من دون لغة تلازمه عبث لا يمكن تحققه في معنى دلالي في الإفصاح التعبيري عن شيء أو موضوع، وتجريد اللغة عن تعبيرها التجريدي للأشياء هو محال أيضا فاللغة وجود يلازم كل موجود يدركه العقل. والعقل لا يدرك الأشياء والعالم وموجودات الطبيعة بغير وسيلة تعبير تلازم الفكر واللغة معا في دلالة عن معنى واحد.

وتجريد اللغة في تعبيرها عن المادة تصبح كيانا لا ماديا أيضا رغم تعالقها التجريدي الانفصالي في تعبيرها عن ألاشياء المادية. لا نستطيع فهم الشيء من غير إدراك حسّي لغوي له، كما لا يمكننا فهم لغة لا تعبّر عن شيء يمكن إدراكه ومعرفته. لا يمكننا فهم العالم بصورة سليمة مقبولة عقليا من غير تعبير اللغة عن مدركاتنا لموجودات العالم من حولنا. العقل في ماهيته غير البيولوجية هو (لغة) تفكير تعبيري عن المعنى فقط بتعبير قدامى فلاسفة اليونان (لوغوس) خطاب... وفي تعبير ديكارت العقل جوهر ماهيته التفكير.

ومحال أن نجد اللغة موجودا أنطولوجيا ماديا خال من تعالق لغة تجريده معه التي هي تعبير عن إدراكه. اللغة أصوات دلالية منتظمة في التعبير عن المادي ألإدراكي بينما تكون الموجودات المادية ليست لغة تواصل صوتي بل لغة إدراك صامت تفكيري. تموضع اللغة في تكوين الأشياء المادية تبقى لغة تجريد ملازمة لوجود المادة.

أما قضية إمكانية فصل اللغة عن الإدراك كما يذهب له السفسطائيون والمناطقة من بعدهم فهو وهم فلسفي لا يمكن البرهنة على إمكانية تحققه، إذا ما علمنا أن الإدراك استبطانيا داخليا أو إدراكا حسّيا خارجيا للأشياء والموجودات هو (لغة) في الحالتين ولا يوجد إدراك من غير لغة تحتويه كفكر تجريدي. لكن في فرق جوهري أن لغة الإدراك الجوّانية هي لغة صمت فكري أما لغة التعبير الحسّي عن موجودات العالم الخارجي تكون من نوع اللغة التواصلية المجتمعية كلاما أو كتابة.

لا يمكن تعويض الإدراك المجرّد عن اللغة القيام بمهمة اللغة أو الاستغناء عنها. من حيث أن حقيقة الادراك الحسّي للأشياء في وجودها الانطولوجي هو (لغة) أولا وأخيرا، ولا توجد آلية تحقيق إدراك أنطولوجي مفهوم له معنى في الاستغناء عن تعبير اللغة ألصوري التجريدي الذي يحمله الإدراك. إدراك الشيء هو لغة صامتة إستبطانية تحمل معها الفكر، وبغير هذه الآلية لا يتوفر للعقل تحقيق إدراكات لأشياء ذات معنى. وفي حال إنتقالنا الى مرحلة متقدمة أن إدراك الأشياء خارجيا هو إدراك حسّي مصدره الحواس، فهل تستطيع الحواس مع الإدراك إيصال الإحساسات الى الجهاز العصبي والمنظومة العقلية على وفق آلية الاستغناء عن اللغة في إدراك موجودات الانطولوجيا الموزّعة على الاشياء؟ الجواب المباشر كلا من حيث الإحساسات هي ترجمة لغوية مستمّدة من الحواس، والإحساسات التي تربط ما تدركه الحواس بالجهاز العصبي تكون هي أيضا لغة صورية تجريدية منتظمة وليست تداعيات من الإحساسات ألعشوائية التي تفتقد حمولتها النظامية في المعنى المطلوب الدال من غير نسق وبنية لغوية تنتظمها.

اللغة والفكر

رغم أني عالجت هذه العلاقة التي تربط الفكر باللغة في مرات عديدة توزّعتها كتاباتي ومقالاتي العديدة إلا أنني ارتأيت تثبيت ومناقشة اقتباس جدير بالتوقف عنده مفاده كانط والمثالية الألمانية لا تهتم باللغة، وأنما بالفكر، وقد جاء هذا التعبير الكانطي في كتابه الشهير الموسوم (نقد العقل المحض) فهو يعتبر علاقة اللغة بالفكر علاقة اعتباطية وبالتالي لا يمكن الاستناد الى استنتاج الشروط ألضرورية التي يمكن أن يكون هناك للفكر موضوعا فيها.

أمام هذه المقولة المنسوبة لكانط نضع التعقيبات التوضيحية التالية:

- لا يمكن ألجزم القاطع أن علاقة الفكر باللغة علاقة اعتباطية غير منتظمة، فالفكر تفكير لغوي تجريدي بموضوع مادي أو خيالي، ولا يمكن تأكيد اعتباطية التفكير أنه بلا معنى لعدم إمكانية اللغة التعبير خارج الخلاص من الفرضية التي تذهب الى أن علاقة ترابطية الفكر باللغة اعتباطية غير منتظمة لا يعوّل عليها في استنتاج شروط ضرورية يمكن من خلالها تأكيد أن هناك للفكر موضوعاته المسّتقلة عن اللغة حسب عبارة كانط.

- الفكر هو تفكير العقل المتقدّم بالأسبقية على لغة التعبير، عليه لا يمتلك الفكر موضوعاته المجردة من تعبير اللغة عنها. وإذا افترضنا اعتباطية الفكر حالة تلازم الإدراك والتفكير العقلي، فإن اللغة لا تتأثر بهذه الصفة كون اللغة لا تعمل في فراغ اعتباطي غير منتظم إدراكيا لمواضيعها التي هي مواضيع تفكير العقل بها، كما لا تعمل اللغة خارج التعبير عن معنى متحقق قصديا بالفكر سلفا بمعزل عنها.

- اللغة لا يمكن إدراكها عندما لا تكون دلالة إدراكية مستمدة من شيء موجود واقعي سابق عليها. أو موضوعا إستنفد تفكير العقل به وأعطى ردود الافعال الانعكاسية الإستجابية عنه. ويحتاج إفصاح اللغة التعبير عنه خارجيا. الإدراك لا يكتفي بالفكر المجرد عن لغته كون الإدراك هو تفكير لغوي لا يمكن فصل الفكر عن اللغة فيه.

- الحقيقة التي لا يمكن مجاوزتها بسهولة هي أن الفكر هو إدراك متعيّن بدلالة لغوية تعبّر عن معنى، وكذلك تعبير اللغة هي إدراك متعيّن بدلالة الفكر، ولا يمكننا التعبير عن فكر لا تلازمه بالضرورة لغة تعبير عنه.. نظام التفكير باللغة يطوّع لغة التعبير التداولية عنه والفكر والإدراك والوعي حلقات تجريدية لغوية تحتويها منظومة العقل الإدراكية.

- ليس من مهام اللغة التي ترتبط حسب عبارة كانط بعلاقة اعتباطية بالفكر أن تقوم هي تنظيم وتخليص الفكر من الاعتباطية التي تلازمه. بل تنظيم نسق الإدراكات الواصلة الى الدماغ تصبح مهمّة تنظيمها تقع على عاتق العقل وليس على عاتق اللغة. فالعقل مضمون تفكيري واللغة وسيلته في التعبير عن تلك المضامين. اللغة تعبير اكتسب محتواه من مرجعية تفكير العقل ولا تمتلك اللغة إمكانية تنظيم مدركات العقل بمعزل عن العقل نفسه.

ما هو الفكر بيولوجيا؟

يقّسم بعض الفلاسفة الفكر باعتباره خاصية إنسانوية يتفرد بها الانسان الى عنصرين هما ميزتين تطبعان الفكر من ناحية خاصّيته الانسانية، الاولى هي مضمون الفكر، والثانية هي نشاط الفكر نفسه. من ألأمور التي نفهم بها خاصية الفكر التعبيرية من خلال تعالقه البيولوجي بكل من العقل من جهة، وارتباطه بتعبير اللغة من جهة أخرى.

رغم حقيقتهما أنهما علاقة واحدة لا يمكن الفصل بينهما. فالفكر كمضمون هو نتاج حصيلة تفكيرية يبتدعها العقل تفكيرا تجديديا بموضوع، وهذا النوع من التفكير العقلي هو (ملكة) انفرادية يحوزها العقل البشري. والصفة الثانية الملازمة للفكر أنه نوع من الفعالية الحيوية الديناميكية، بمعنى الفكر هو خاصية تفكيرية قصدية ملزمة التعبير عن نفسها باللغة، يعني الفكر هو سلوك إجرائي معرفي بالحياة لا يتسّم بالحيادية. يطرح بعض الفلاسفة سؤالا غريبا بضوء علاقة الفكر المزدوجة بين العقل بيولوجيا وبين لغة التعبير عنه تجريديا " هل من الممكن التفكير من دون لغة؟ أم نتقبّل الحقيقة التي تقول أنه بدون الفكر لا توجد لغة؟ ومن خلال الفلسفة وعلم النفس تم التوصل الى فكرتين، الأولى تذهب الى أن الفكر الحقيقي غير لغوي وهذه المقولة تبنّاها هنري برجسون. والثانية أن الفكر هو لغة ليس إلا.

للتعقيب حول هذه التساؤلات الإلتباسية الجدالية:

- لا يمكن التفكير بدون لغة صورية، ليس فقط بتسليم الاستناد الى حقيقة الفكر هو لغة إدراكية تفكيرية صامتة، بل إذا جاز لنا فصل الفكر عن اللغة باعتبار الفكر هو إدراك صامت، فيكون معنا تفكير الإدراك بمواضيعه لا يقوم على غير علائقية ترابطية بين الإدراك الفكري باللغة، ولا يمكننا التفكير المنّظم في معنى عن شيء من دون لغة تصّورية. الإدراك الحسّي هو صمت لغوي من التفكير لا يخرج عن إستحالة تفكيره واستيعابه إحساسات الأشياء والتعبير عنها كمدركات حسّية بغير تعبيرات اللغة تجريديا عنها.

- الشيء الثاني في عدم إمكانية فصل اللغة عن الفكر لا بالتفكير ألإدراكي العقلي الصامت ولا بالتفكير اللغوي المنطوق أو المكتوب. يأتي من كون الإدراك هو تفكير عقلي معبّر عنه باللغة. بمعنى اللغة هي أفصاح وتعبير لإدراك العقل في موضوع له معنى.

- حين يعتبر برجسون أن الفكر الحقيقي هو غير لغوي نفهم منه هو لا يقصد آلية التفكير التي هي آلية لغوية بامتياز لا يمكن العبور من فوقها وتجاوزها، فالفكر حقيقته القصدية بالمعنى تؤخذ من لغة تعبيره عن الاشياء.

والفكر من دون وعاء لغوي يستوعبه لا يتحقق من غير شكل اللغة التي تحتويه. أما كيف يكون الفكر أكثر مصداقية حقيقية من اللغة حسب عبارة برجسون، فتمريرها الحذر المشكوك به أنما يأتي من إعتباره الإدراك العقلي للأشياء يمتلك لغة تجانس الإدراك الحقيقي في صمت التفكير وليس في تعبير اللغة الإفصاحية الخارجية عن المعنى المضموني للإدراك. لذا فالفكر هو لغة لا أكثر وما يتعالق بالفكر مثل الوعي والذهن والذاكرة جميعها تفكير لغوي موزّع في أشكال من التجليّات ألتعبيرية المتنوعة إدراكيا كتجريدات مصدرها العقل.

- كما أن ألذين يرون للفكر طبيعة تختلف عن طبيعة المادة فهذا لا يغير من حقيقة الفكر ولا من حقيقة اللغة أنهما تجريدان غير ماديان ولا حسّيان، وطبيعتهما التجريدية تختلف عن طبيعة المادة كموجود متعيّن أنطولوجيا أمر مفروغ منه ولا يتقبّل التداخل بينهما، فالفكر الذي يعبّر عن المادة لا يصبح في لغة التعبير تموضعا غير تجريدي بالمادة ويصبح جزءا ماديا تكوينيا منها بل يبقى الفكر تجريدا لغويا تصوريا عن المادة...كما هو تجريد اللغة في تعبيرها عن الموجودات بالعالم الخارجي. وليس هناك من قيمة جادة تحملها مقولة برجسون (كل تعبير لغوي هو تشويه للفكر). هذا التعبير يناقض مقبولية القول أن اللغة قدرة إستيعابية محدودة في التعبير لا تستطيع الإفصاح الكامل عن محتوى الفكر. وإلا تكون عبارة برجسون تقفل أمامنا حقيقة أن تكون طبيعة أفكارنا هي تحقق لغوي وبغير ذلك لا يبقى تشويها للفكر لا نجده في تعبير اللغة عنه.

الهوامش فلسفة اللغة /سيليفان اورو، جاك ديشان، ت: بسام بركة ص 307.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق