q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الايمان وتحصين الإنسان من الزلل

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

أثبتت الدراسات النفسية، أن الإيمان يعد من أهم العوامل المعنوية المساعِدة للانسان، في مجال التواصل، والنشاط، والحيوية، والتركيز، والإصرار على تحقيق النتائج الأفضل، في أي مجال ينشط او يتحرك فيه، ويمكن أن يحصل الانسان على درجة عالية من الايمان، عندما يكون في (في نور الله) سبحانه وفي رحاب هدايته تعالى، فالمقصود بـ نور الله، أن يكون الانسان تحت الرحمة الإلهية، وضمن رعاية الله وهدايته، ويتحقق هذا عندما يتحلى الانسان بدرجة كافية من الإيمان لتقليل الاخطاء قدر الإمكان، لأنه في هذه الحالة يكون مبصراً للخير أينما كان، على العكس من الانسان الذي لا يكون في نور الله، فهو في هذه الحالة لا يبصر الخير، ويوصَف حاله كحال التائه في براري ما لها حدود أو نهايات أو علامات تدل على شيء ما.

يصف سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، هذا الأمر في إحدى المحاضرات القيّمة لسماحته قائلا: (إذا كان الإنسان في نور الله عزّ وجلّ فلا يزلّ ولا ينحرف ولا يطغى ولا تسيطر عليه نفسه الأمّارة بالسوء، ولا يسمح للشيطان أن يغويه، وتكون الدنيا بنظره كأهون ما يكون، لأنه يرى بهذا النور حقائق الأشياء، كما يرى بالنور المادّي الأجسامَ ويميّز بعضها عن بعض، فيُقبل على ما يرغب منها ويُدبر عمّا يكره).

فالزلل لا يتمكن من الانسان عندما يكون في نور الله، لأن درجة الايمان التي يتحلى بها، تصونه وتحميه من كل انواع الزلل المادي او المعنوي، على العكس من الانسان عندما يكون خارج هذا النور الإلهي، فهو في هذه الحالة لا يرى ولا يبصر، وبالتالي لا يستطيع أن يتغلب على الزلل بأنواعه كافة، كونه يعيش في حالة من التيه والحيرة والضلال، بسبب عدم تحلّيه بدرجة كافية من الإيمان.

من هنا يرى سماحة المرجع الشيرازي: (أن الانسان اذا لم يكن في نور الله تعالى، فسيكون في تيه وظلام وحيرة وضلال وإنْ كان لا يدرك ذلك ويتصوّر نفسه عارفاً بما حوله). هذا يعني أن هنالك حالات توهِم الشخص بأنه عارف بالأمور ومطّلع عليها، لذلك فهو محصَّن من الانحراف والزلل، ولكن يبقى الوهم هو مصدر هذه المعرفة، كونها غير نابعة من ايمان الانسان الذي لم يكن أصلا في نور الله، بسبب ابتعاده عمّا يريده الله تعالى من عباده كافة، وهي امور تصب في صالح الانسانية أولا وأخيرا.

الحذر من الوقوع بالخطأ

يتفق معظم الناس، وكل من هو معني في هذا الشأن، بأن الانسان غير محمي من الوقوع في الخطأ، لكونه انسانا، أي أنه ليس معصوما من الخطأ، ولكونه محكوما بتركيبة تكوينية تتحرك وتتصارع فيها الغرائز والرغبات والارادة وما شابه، لذلك لا يمكن لأحد أن يكون في منأى تام عن الزلل لأنه ليس معصوما، ولكن هناك عوامل يمكن أن تساعده في التقليل من الاخطاء، وكلما كانت درجة إيمانه أكثر كلما كانت أخطاؤه أقل، لمعنى هناك علاقة عكسية بين الايمان والخطأ، فالإيمان الأقوى يحجّم حالات الزلل ويقلل منها الى أدنى مستوى ممكن، ويتم ذلك من خلال تذكير الانسان لنفسه، بأنه معرّض للخطأ، ويمكن أن يسقط بإحدى حالات الزلل في أية لحظة، لذلك عليه أن يحذر من هذا الامر، وعليه أن يذكّر نفسه بهذا أقصى ما يستطيع، ولعل الانسان المؤمن بصدق وعمق، هو الأكثر قدرة من غيره على تذكير نفسه وتحذيرها من الخطأ.

فقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي في محاضرته القيّمة قائلا: (إنّ الإنسان ليس معصوماً من الخطأ والزلل، ولكن كلّما ذكّر نفسه بذلك، قلّت أخطاؤه حتى يلقى الله وهو مغفور له). لذلك هناك علاقة متضادة بين الايمان وبين الخلل، وعلاقة طردية بين الايمان والنجاح، بمعنى أن الانسان كلما ارتفعت درجة ايمانه كلما كان أقرب الى النجاح، وهذا ما يفسر نجاح المجتمع المؤمن في الحياة، وفي الآفاق القادمة لما بعدها حيث الدار الآخرة.

لذلك يشعر الانسان المؤمن بصدق وعمق ودراية، أنه الأقرب لربه، حتى لو صدرت منه بعض الذنوب لأي سبب كان، فالإنسان كما ذكرنا ليس معصوما، وهو معرّض للزلل في أي وقت، ولكن عليه أن يذكّر نفسه ويحذرها من ارتكاب الخطأ، ويكون قادرا على ذلك كلما تسلّح بالايمان الأقوى والأكمل، فمن يتحلى بالايمان يمكنه تجاوز المعاصي وتصحيح الاخطاء أسرع من غيره، وهذا ينعكس على قلة التجاوزات في المجتمع عموما، وهو ما يربط بين الايمان والنجاح.

في هذا الصدد يرى سماحة المرجع الشيرازي: (أنّ مَن يقرّ بالعبودية لله ويُشعر نفسه بها لا يطرده المولى من رحمته، وإنْ صدرت منه بعض المخالفات لأنّه سرعان ما ينتبه فيعتذر ويعزم على أن لا يعود لمثلها). إذن يدفع الايمان بالفرد والمجتمع نحو آفاق التطور والنجاح، لسبب واضح، أن الانسان المحصَّن بالايمان، قد يُخطئ أحيانا، لكنه سرعان ما يتنبّه الى الاخطاء والتجاوزات التي قد يرتكبها سهوا أو إهمالا، وهو ما يصب في صالح البناء التربوي والاخلاقي والعلمي للفرد والمجتمع على حد سواء.

بين النور والانحراف

عندما يداهم الظلام حياة الإنسان، فإنه يكون بحاجة قصوى للنور، هذا ما يثبته الواقع، فالنور المادي هو الوسيلة التي يتمكن من خلالها الناس طرد الظلام، ومن ثم رؤية الاشياء، وتحاشي الاصطدام او التيه وما شابه، هذا المشهد المادي في العلاقة بين النور والظلام، ينب قابضا على الجانب المعنوي، لذلك يحتاج الانسان الى نور الايمان لطرد ظلام الشر أياً كان مصدره او حجمه أو نوعه، وهذا يفسر أيضا لماذا تكون أخطاء الانسان المؤمن أقل من غيره، فالايمان هو الذي يساعد الانسان على تجنب المزالق وتحاشي الانحراف قدر المستطاع.

في هذا المجال يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (كما أنّ النور المادي ينفع الإنسان في الدنيا لتمييز العدوّ من الصديق والضارّ من النافع، والهوّة عن الطريق الصحيح، فكذلك الحال في المعنويات). إذن ليس النور المادي وحده يحتاجه الانسان في حياته لكي تتضح له الاشياء المادية بواسطة الضوء، وانما هناك نور معنوي يحتاجه الانسان لمعالجة كل ما يتعلق بقضايا النفس والمشاعر والعاطفة والمعنويات بصورة عامة.

ولا شك أن هناك نتائج متقاربة للاخطاء المادية والمعنوية التي قد يرتكبها الانسان، بمعنى عندما يرتكب الانسان خطأً ماديا يفعله بيده، فإنه سوف يتلقى العواقب والأضرار المادية لهذا الخطأ، كأن يدخل في صراع مع آخر أقوى منه من دون حساب لقوة الآخر، أو أن يسير بسرعة فائقة في طريق مزدحم، أو سوى ذلك من أفعال كي يخطئ فيها الانسان فتعرض حياته للألم الذي ربما يرافقه مدى حياته، كأن يُصاب بعاهة جسدية وما شابه، هذا النوع من الأخطاء المادية وما ينتجه من أضرار على الانسان، يمكن أن ينتج عن الخطأ المعنوي أيضا، فربما يعيش الانسان طوال حياته في حسرة بسبب زلّة معنوية ما كان يقصدها، ولكنه طالما ارتكبها، فإن نتائجها القاسية سوف تلازمه سنوات طويلة، وهذا يثبت على نحو قاطع، أن الذنوب والاخطاء المادية والمعنوية، لها نفس النتائج على الانسان وإن جاءت على نحو مختلف.

يقول سماحة المرجع الشيرازي: (وكما أنّ زلّة بسيطة أو انحرافاً ضئيلاً بسبب غفلة ما قد تؤدّي إلى معاناة عشرات السنين - ومثاله مَن يخيط بإبرة فتنحرف قليلاً فتدخل عينه - فكذلك الحال مع الأخطاء المعنوية، فربّ خطأ بسيط أو زلّة صغيرة تجعل الإنسان يعيش الحسرة والندامة في الآخرة أحقاباً). لذلك على الانسان والمجتمع التشبث بالايمان الى اقصى درجة ممكنة لضمان النجاح في المجالين الدنيوي والآخروي.

اضف تعليق