q

الازمات والتوترات ما تزال تسيطر على العلاقات بين تركيا وألمانيا، بسبب بعض المواقف والتصريحات والاتهامات المتبادلة بين البلدين، والتي تفاقمت بشكل كبير بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا وما أعقبها من تطورات سياسية وأمنية، وتعد ألمانيا كما نقلت بعض المصادر، إحدى الدول التي عارضت التعديلات الدستورية التي حصل استفتاء عليها في 16 إبريل/ نيسان الماضي، ورافق ذلك منع مسؤولي الحكومة التركية من القيام بأي حملات لحث المغتربين الأتراك على التصويت لصالح الدستور بينما سُمح للمعارضة التركية بالتحرك بحرية. وعاشت تركيا وألمانيا 10 محطات توتر فقط خلال فترة النصف الأخير من عام 2016 والنصف الأول من عام 2017، وفي ظل ملامح الخلاف العميق في السياسات المتبعة من قبل الطرفين حيال عدة ملفات، يبدو أن هذه المحطات ستكون في زيادة.

وآخر تلك الأزمات هي ما أقرته ألمانيا بعد اعتقال تركيا لستة حقوقيين، من بينهم مواطن ألماني، بيتر ستيودتنر، ومدير منظمة العفو الدولية في تركيا، إديل إيسير. وحذرت الحكومة الألمانية بعد تلك الحادثة مواطنيها وشركاتها من خطر الاعتقال "التعسفي" في تركيا، كما استدعت برلين السفير التركي لديها للاحتجاج على اعتقال الحقوقيين. وهو ما اثار غضب واستياء الجانب التركي الذي سعى الى اعتماد اسلوب مضاد، واعتبرت ان ما يحدث يعد تدخلا مباشرًا في شؤون تركيا، وأصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا قالت فيه علاقاتنا لا يمكن أن تقوم على أساس الابتزاز والتهديدات، لكن على أساس المعايير والمبادئ المقبولة دوليا.

وتعتبر الخلافات الأمنية الموجودة بين الطرفين بحسب مقال للكاتب جلال سلمي، أيضًا أحد الأسباب التي أعادت الخلاف للسطح، فوفقًا لمصادر إعلامية تركية متطابقة، زودت الاستخبارات التركية الاستخبارات الألمانية بقائمة بأسماء المطلوبين من جماعة غولن، فاتجهت الاستخبارات الألمانية بدلًا من التعاون مع الاستخبارات التركية، إلى تحذير المطلوبين، لرفع احتياطاتهم الأمنية. وفي ذلك السياق، يعتبر منح ألمانيا حق اللجوء لبعض ضباط انقلاب 15 تموز/ يوليو أحد أسباب الخلافات الأمنية التي تنعكس بدورها على خلق خلاف دبلوماسي الطرفين.

يضاف الى ذلك تغاضي ألمانيا عن الأنشطة السياسية والمجتمعية التي يُجريها حزب العمال الكردستاني على أراضيها، بالرغم من إعلانه كمنظمة إرهابية في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1993، ويعتبر هذا أحد الأسباب المباشرة للتوتر الحاضر بين الطرفين. كما ورود شكوك للقيادة التركية بتوجيه ألمانيا دعمًا لوجستيًا إلى حزب الاتحاد الديمقراطي "الكوردستاني السوري" يؤدي إلى اتباع القيادة التركية سياسة هجومية ضد ألمانيا.

اهانات وانتقادات

وفي هذا الشأن اثارت انتقادات نائب من اليمين المتطرف الالماني عاصفة بسبب وصفه الاتراك بانهم "باعة الكمون" و "رعاة الابل". وندد الرئيس الالماني فرانك فالتر شتاينماير ب "استراتيجية" حزب "البديل لالمانيا"، التي تتضمن "تصريحات مفرطة ومواقف غير محرجة وكريهة". وحض الرئيس الذي يمثل السلطة الاخلاقية العليا "المواطنين في هذا البلد" على عدم السماح ب"التلاعب بهم". وهاجم تصريحات ادلى بها النائب اندريه بوغنبرغ خلال اجتماع سياسي في شرق ألمانيا. ووصف المسؤول عن "البديل لالمانيا" في احدى مناطق ألمانيا الشرقية سابقا حيث لهذا الحزب المعادي للاسلام والهجرة وجود راسخ، الأتراك بانهم "باعة الكمون".

واضاف النائب في ساكس-انهالت ان الاتراك "تجار الكمون يتحملون مسؤولية ابادة 1,5 مليون شخص" في اشارة الى ابادة الارمن (1915-1916) التي تنفيها انقرة. واضاف ""ويريدون تلقيننا امورا عن التاريخ والوطن؟ انهم اغبياء تماما. على رعاة الابل ان يعودوا من حيث اتوا بعيدا عن مضيق البوسفور، الى أكواخ الطين وتعدد الزوجات". واشار النائب الى "السخرية السياسية"، ردا على انتقادات افراد من الجالية التركية في ألمانيا، نحو ثلاثة ملايين شخص، لانشاء وزارة "الداخلية والوطن" في ألمانيا.

ومن المتوقع انشاء هذه الوزارة في الحكومة التي ترغب المستشارة انغيلا ميركل في تشكيلها مع الاشتراكيين الديموقراطيين. وتنظر الجالية التركية الى هذه الوزارة على انها تتضمن خطر "الاستبعاد والانقسام". ويعتبر اطلاق اسم "وزارة الوطن" في المانيا بمثابة بادرة تجاه الناخبين من التيار المحافظ الاكثر تشددا والقلق من وصول اكثر من مليون مهاجر منذ عام 2015 وما يمكن ان يترتب على ذلك من عواقب على التقاليد الوطنية.

واعلنت جمعيات تركية انها تنوي رفع شكوى بتهمة "التحريض على الكراهية". وقال رئيس احدى الجمعيات التركية غوكاي صوفوأوغلو لوكالة الانباء الالمانية "لا يمكن تجاهل مثل هذه الشتائم وتحملها بصمت". كما سيرفع الاتحاد التركي في برلين ومنطقة براندنبرغ المحيطة بالعاصمة الالمانية، شكوى مماثلة.

وفي الاحزاب السياسية الاخرى، صدرت ادانات قوية. وقال اليسار المتطرف ان اليمين المتطرف الالماني "يقترب من غوبلز"، وزير الدعاية لدى ادولف هتلر. كما اتهم نائب عن الحزب الديموقراطي المسيحي بزعامة ميركل حزب البديل لالمانيا ب "نشر الكراهية عمدا في المانيا مؤكدا عدم اهليته" بينما طالب الاشتراكيون الديموقراطيون بمراقبة الحزب بواسطة جهاز الاستخبارات الداخلية. من جهته، لم يندد رئيس حزب البديل لالمانيا يورغ ميوثن بالنائب بشكل واضح. الا انه اعترف بأن بوغنبورغ تجاوز الحدود، في حين أعرب عن أسفه للانتقادات الموجهة الى وزارة الوطن التي اصبحت "حقيقة واضحة في بلدان أخرى" حسب قوله. بحسب فرانس برس.

وللمرة الاولى، تمكنت الحركة الشعبوية الالمانية التي تعمل على اثارة مخاوف الرأي المتعلقة باللاجئين في أيلول/سبتمبر من دخول مجلس النواب مع نحو مئة نائب. وغالبا ما يرتكب عناصرها هفوات تشكل جزءا من استراتيجية هدفها تخفيف القيود على ما يمكن قوله في المانيا المسكونة بذكرى النازية منذ فترة طويلة. وقد وصف نواب في الحركة مؤخرا النجل الخلاسي لبطل التنس السابق بوريس بيكر ب "نصف الزنجي" وميركل بانها "ساقطة".

تحذيرات ومواقف

الى جانب ذلك حذرت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل من ان العلاقات المتوترة مع تركيا لا يمكن ان تعود الى طبيعتها بدون ان تقوم انقرة باطلاق سراح صحافي تركي الماني وتحسن اوضاع دولة القانون. والتقت ميركل رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم في برلين لاجراء محادثات من المتوقع ان تشكل بدء التحسن بين البلدين بعد عام ونصف عام من التوتر. لكنها ابلغت محاورها بأن الوقت لطي الصفحة لم يحن بعد.

وقالت للصحافة بعد اللقاء ان زيارة برلين تشكل "مؤشرا الى اهتمام الطرفين بتحسين العلاقات التركية الألمانية وربما جعلها تستند الى اساس من القيم المشتركة، ولكن هذا ليس امرا سهلا في الوقت الحالي". والعقبة الرئيسية في الخلاف هي اعتقال دام أكثر من عام في تركيا للصحافي الالماني التركي دنيز يوجيل الذي تتهمته أنقرة بدعم "الإرهاب" لكن من دون توجيه اي اتهام له حتى الآن. بحسب فرانس برس.

واضافت المستشارة "نعلم بان علاقاتنا الثنائية مرت بمرحلة صعبة، وما زال ذلك مستمرا جزئيا". وقالت "لقد شددت اليوم للمرة الالف على الطابع العاجل لهذه القضية" التي "تشوه علاقاتنا وتستمر في القيام بذلك". من جهته، تطرق رئيس الوزراء التركي الى قضية يوجيل مراسل صحيفة "دي فيلت" اليومية في اسطنبول.

من جانب اخر قالت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية إن اتهامات تتعلق بالأمن وجهت للصحفي الألماني التركي الأصل دينيز يوجيل الذي اعتقل في تركيا قبل عام لكن المحكمة قررت إخلاء سبيله على ذمة القضية. وكانت صحيفة دي فيلت التي يعمل بها يوجيل مراسلا ذكرت نقلا عن محاميه في وقت سابق أنه أخلي سبيله.

وأكدت متحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية نبأ الإفراج عنه وهو ما قد يخفف بعض التوتر بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي. ورحبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بقرار الإفراج عنه ودعت أنقرة لضمان اتخاذ إجراءات قضائية عاجلة مع مواطنين ألمان آخرين محتجزين لديها. وأضافت خلال مؤتمر صحفي في برلين ”يسعدني مثلي مثل كثيرين جدا أن بمقدوره مغادرة السجن “.

وذكرت وكالة الأناضول أن محكمة تركية قبلت لائحة اتهام تطالب بسجن يوجيل مدة تصل إلى 18 عاما وتشمل ”نشر مواد دعائية تتصل بالإرهاب“ و”إثارة العداء“ وقررت إخلاء سبيله لحين محاكمته. واحتجز يوجيل في فبراير شباط العام الماضي للاشتباه في نشره مواد دعائية تدعم منظمة إرهابية والتحريض على العنف، وهو ما نفاه يوجيل.

الملف السوري

في السياق ذاته شددت المانيا لهجتها ضد تركيا عقب تدخلها في سوريا، ما من شانه ان يهدد الجهود الاخيرة لتحسين العلاقة المتوترة نوعا ما بين البلدين الشريكين في حلف شمال الاطلسي. وقال وزير الخارجية الالماني سيغمار غابرييل انه طلب من الاطلسي مناقشة التدخل التركي المثير للجدل في شمال سوريا ضد مقاتلين اكرادا تدعمهم الولايات المتحدة. وفي معرض تأكيده قلق برلين، أعلن وزير الخارجية انه طلب من الامين العام للأطلسي ينس ستولتنبرغ "مناقشة الوضع في سوريا وشمال هذا البلد".

ومن مؤشرات الاستياء الاخرى، قرار المانيا ان تؤجل حتى اشعار آخر تحديث دبابات من طراز "ليوبارد" تابعة للجيش التركي، ومعدات عسكرية المانية كما طلبت أنقرة. ويسود قلق شديد المانيا حيث تعيش جاليات تركية وكردية كبيرة. وتخشى السلطات انتقال تداعيات النزاع الى اراضيها بعد العملية العسكرية في شمال سوريا. وبدأت المشاحنات بين افراد من الجاليتين وكذلك اعمال تخريب طاولت المساجد التركية.

واكد غابرييل ان "المصالح الامنية" التركية في المنطقة الحدودية السورية يجب ان تؤخذ في الاعتبار، في حين تخشى انقرة من بداية قيام دولة كردية على حدودها. واضاف انه من اجل التوصل الى حل، "يجب ان تنتهي" المواجهة العسكرية مشيرا الى انه "سبق ان ذكرت ذلك عدة مرات للحكومة التركية". وتشن تركيا، بمساعدة فصائل سورية معارضة موالية لها، هجوما على منطقة عفرين الحدودية لطرد وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها انقرة "ارهابية" لكن واشنطن تدعمها في الحرب ضد تنظيم داعش.

وتواجه الحكومة الالمانية منذ أيام انتقادات بعد ان نشرت أنقرة دباباتها من طراز "ليوبارد" في مواجهة الاكراد. وقال غابرييل "بالنسبة للحكومة الالمانية، من الواضح انه ليس في وسعنا تسليم اسلحة في مناطق التوتر كما اننا لن نفعل ذلك ايضا". ومن المتوقع ان يثير القرار عدم ارتياح تركيا لانها تنتظر الضوء الأخضر من برلين للاتفاق مع شركة "راينمتال" للاسلحة لتحسين حماية دبابات ليوبارد. وكانت برلين سلمت تركيا 354 من هذه الدبابات بين عامي 2006 و2011. ولا يحظر العقد الموقع عام 2005، اي استخدام يتعارض مع القانون الدولي. بحسب فرانس برس.

والخلافات كثيرة بين البلدين. فقد انتقدت برلين خصوصا اعتقال العديد من مواطنيها في تركيا، وبعضهم يحمل جنسية مزدوجة. من جهتها، تتهم انقرة المانيا بالتساهل حيال الانفصاليين الاكراد وزعماء الانقلاب المفترضين، وتوترت الاوضاع الى درجة اتهم فيها الرئيس رجب طيب اردوغان المستشارة انغيلا ميركل بارتكاب "ممارسات نازية". وبصفتها شريكا رئيسيا لبرلين خصوصا في ازمة اللاجئين، تتولى تركيا أيضا ادارة العديد من المساجد في المانيا. وقد تعرض مسجدان لاعمال تخريب منذ بدء العملية العسكرية ضد الاكراد في سوريا. كما تبادلت المنظمات التمثيلية التركية والكردية في المانيا الاتهامات ونددت بنقل النزاع التركي الكردي الى هذا البلد.

اضف تعليق