q

ما يقرب من ٦٠ شخصا امريكيا لقوا مصرعهم، واصيب ٥٠٠ اخرين بجروح، في حادث إطلاق نار قرب مجمع وكازينو" ماندلاي باي" خلال أحد المهرجانات الموسيقية في لاس فيغاس.

حادثٌ اثار الذعر في محيط المكان ومحيط امريكا كلها، وجعل الولايات المتحدة تبدو وكانها بلد غير امن، كما هو حال بلدان الشرق الاوسط التي تعاني من اثار التدخلات الامريكية منذ عقود، اذ اصبح الارهاب فيها حالة طبيعية، وحفلات القتل اليومي التي يقيمها الارهابيون قبل ذهابهم "للغداء مع الرسول" لم تعد تثير وسائل الاعلام.

حادث لاس فيغاس لم يكن الاول من نوعه في الولايات المتحدة الامريكية، لكنه الاكثر دموية بالنسبة لدولة اعتادت العيش بامان والتفاخر به امام دول العالم، الا انه ياتي في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من تصاعد الاصوات العنصرية بشكل لافت وانتخاب دونالد ترامب لمنصب الرئيس كان انعكاسا لصعود موجات العنصرية الجديدة.

هذا الهجوم العنيف يزعزع صورة امريكا في الخارج، ويؤدي الى نتائج سلبية حول الدولة التي تمثل حلما بالنسبة للكثيرين، لكن هذا لا يعني شيئا بالنسبة للرئيس العنصري دونالد ترامب ما دام يصب في مصلحته ويعزز من نفوذه وجمهوره القائم على فكرة الكراهية.

ورغم اعلان تنظيم داعش الارهابي مسؤوليته عن الهجوم الا ان مسؤلين امريكيين ينفون وجود اي ادلة تؤكد تورط التنظيم في الهجوم مرجحين بذلك فرضية كون دوافع تنفيذ الهجوم غير المسبوق شخصية ما زالت التحريات تسعى لاستيضاحها بعد انتحار منفذ الهجوم في غرفته التي استهدف منها حشود "الساهرين".

ومن نافلة التذكير ان حوادث اطلاق النار في الولايات المتحدة يذهب ضحيتها اكثر من ٣٠ الف شخص سنويا حسب التقديرات الامريكية، ما يعني ان هذه الحوادث قد تستمر وفي تصاعد ايضا، اذا ما اخذنا في الحسبان قوة الكراهية الدافعة باتجاه القتل التي يمثلها ارفع منصب في الولايات المتحدة وهو شخص الرئيس نفسه!

الولايات المتحدة تعاني اليوم من مشكلتين تُكَمّل احداهما الاخرى، وتنمو احداهما على وقع نمو نظيرتها؛ انها مشكلتي صعود الكراهية وانتشار السلاح الفردي بشكل غير مسبوق، واذا ما كان السلاح متوفرا وقوى الامن لا تستطيع ضبط الامور، فالمؤكد قد اصبح حقيقة والقتل تحول الى عمليات بالجملة، لتنسحب الحوادث الفردية الى ذيل القائمة امام سطوة القتل الجماعي.

صحيفة الواشنطن بوست دقت جرس الانذار معلنة بدأ مرحلة من الخطر المحدق بالولايات المتحدة، وهذا الخطر ليس روسيا او صينيا وليس كوريا شماليا ايضا، كما تصورها الادارة الامريكية، انما الخطر يكمن في الداخل الامريكي وانتشار السلاح الذي اصبح اكثر من الهواتف المحمولة.

وتقول الصحيفة ان السلطات الأميركية حينما سارعت إلى القول إن الهجوم لم يكن إرهابياً، فان هذا التقييم لا يقلل من الرعب، بل يزيده اكثر، فخوف الضحايا واصدقائهم لا يتغير حينما يصرخ القاتل بعبارة الله اكبر ام لا، او يقولها بالعربية او الانجليزية، ما دامت رائحة الموت تنتشر في كل مكان، وتقول الصحيفة بان الولايات المتحدة غارقة بالسلاح، اذ يشمل حق امتلاك وحمل السلاح الذي يكفله الدستور البنادق الهجومية شبه العسكرية على غرار تلك التي يملكها الجيش وغيرها من الأسلحة ذات الفاعلية العالية.

الحدث الأميركي لم يغيب عن الصحف البريطانية، فصحيفة إندبندنت وتحت سؤال "لماذا لا يريد ترامب أن يقول الكثير عن هجوم لاس فيغاس؟" تقول إن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما اعترف بعدم وجود منطق يحكم موقف أميركا من قضية انتشار الأسلحة على أراضيها، لكنّ غضبه إزاء الضحايا الذي كان يزداد مع كل عملية إطلاق نار لم يقابله إلا عجزه عن إحداث تغيير جوهري بما فيه الكفاية.

اندبندنت اتهمت ترامب باستغلال قضية الاسلحة من اجل الصعود الى البيت الابيض، اذ انه جمع لوبي من شركات الأسلحة إلى جانبه معلناً في خطاب أمام الجمعية الوطنية للأسلحة في نيسان/ أبريل الماضي أن انتخابه أنهى ثماني سنوات من الهجوم على حقوق مالكي الأسلحة! انه يدعم وبقوة فكرة حمل الاسلحة وشرائها.

الدول تبني قوتها من الداخل ومهما كان حجم قوتها الخارجية سواء الاقتصادية او العسكرية والسياسية، فانها ستضعف وتتلاشى اما اي ثغرة تفتح في الداخل، وازمة الداخل الامريكي تتصاعد يوما بعد اخر، والرئيس المجنون يزيد الدولة الاولى في العالم جنونا، واذا ما ارادت الولايات المتحدة الحفاظ على قوتها واستعادة هيبتها فان ذلك قد لا ياتي من تهديد كوريا الشمالية ومحاولة ضربها بالنووي الذي يعد به ترامب، ولا يكفي تمزيق الاتفاقيات الدولية لتبدو امريكا دولة عظيمة، انما هي بحاجة الى عملية جراحية تستطيع اقتلاع مرض الكراهية قبل استفحاله ومعالجة كل الوسائل المساعدة على القتل سواء كان السلاح الفردي المنتشر بكثرة او تشديد العقوبات ضد مرتكبي الجرائم.

ومع ايماننا بان مشكلة السلاح لا يمكن حلها في السنوات القادمة، لعدم وجود ارادة سياسية موجهة نحو هذه القضية؛ فان نسبة الجرائم في الولايات المتحدة ستاخذ بالتصاعد، لكن الازمة الاكبر قد تاتي من العلاقة المتبادلة بين ارتفاع حجم الجرائم وزيادة منسوب الكراهية، وهذا قد يحول البلاد الى ساحة للقتل، لكنه قد يكون مختلفا بعض الشيء عن مهرجانات القتل التي تجري الآن في الشرق الاوسط، وربما تتحول افلام هوليود الى واقع حقيقي على الارض الامريكية باسرها.

اضف تعليق