q
تحمُّلُ المخاطر الشخصية، مثل الاعتراف بالأخطاء، وتوضيح النُّظُم المعيبة للرؤساء في العمل وللآخرين؛ أمرًا يستحق العناء. كما أن الابتكار يعطي الأفراد فرصةً لإحداث فارق إيجابي ومهم. حين يحثُّ القادة على العمل الجماعي من أجل الابتكار ويدعمونه، فإنهم يبحثون عمَّن يشاركون في عملية التقصِّي؛ أفرادٍ مُستعدِّين للتجريب معًا، لتحديد...

من الممكن الابتكار من دون أهدافٍ سامية أو تطلعات عظيمة، لكنك إذا كنت مهتمًّا بالاستعانة بأشخاص أذكياء متحمسين في رحلة الابتكار غير اليقينية، فإن الطموح الذي يستحق الجهد يكون مصدرًا قيِّمًا للتحفيز.

(٢) إشراك القلوب والعقول

ما الذي يدفع مهمةَ العمل الجماعي من أجل الابتكار، الشاقةَ المحاطة بالتحديات على مستوى التفاعلات بين الأفراد؟ دعونا نواجه الواقعَ. ليس من السهل أن تستيقظ صباحًا وتأتي إلى العمل وأنت تعلم أنك قد تفشل عدة مرات قبل وقت الغداء! إن مهمة الابتكار الصعبة من الناحيتين العقلية والعاطفية يحفِّزها هدفٌ ملحٍّ يجيب على أسئلة من نوعية: لِمَ أكترث؟ ولِمَ أزعج نفسي؟ ولِمَ ينبغي عليَّ أن أُرجئ لحظةَ الاسترخاء الحالية، من أجل بذل الجهد وتعريض نفسي للمخاطر التي ينطوي عليها التوصُّلُ إلى حلولٍ جديدة لمشكلات قديمة؟

تلعب العواطف دورًا في توليد الأفكار الإبداعية؛ فهي تشكِّل روابط جديدة بين تجارب مختلفة، هذا بالإضافة إلى أنها تحفز المرء وتمدُّه بأساس يعود إليه حين تتعسر الأمور. وترتبط أكثر الأهداف تحفيزًا بالغايات المقصودة من العمل الذي تضطلع به اليومَ والإحباطاتُ الناجمة عنه. هذه العلاقةُ الوثيقة تجعل المعاناةَ والمخاطراتِ اليوميةَ (سواء الكبيرة أو البسيطة) في بيئة الابتكار الكثيرة المطالب -التي لا يوجد بها شيء مؤكد- محتمَلةً. ويمكننا بالفعل أن نلاحظ كيف أن الدافع العاطفي لإنقاذ أرواح ٣٣ إنسانًا، حفَّزَ المبتكرين الذين يعملون خارج المنجم في تشيلي. في حالات أخرى - مثل التي سنراها فيما يلي - يكون الهدف الجدير بالسعي من أجل تحقيقه أقلَّ وضوحًا في البداية، ومع ذلك يتطلَّب الأمرُ قائدًا شغوفًا بإحداث فارقٍ لتحديده ولفتِ أنظار الآخرين إليه.

(٢-١) توجيه الابتكار في مستشفى تشيلدرنز هوسبيتال آند كلينيكس

لم يكن الحفاظ على سلامة المرضى (الذين يتلقَّوْن العلاجَ في المستشفى) من أي أذًى؛ يُرى - على نطاق واسع - أنه هدف مهم (ومراوغ على نحوٍ مدهش) حتى أواخر تسعينيات القرن العشرين. إن سلامة المريض هدف مراوغ؛ ببساطة بسبب الطبيعة المعقدة والمتغيرة التي تتَّسم بها عملية رعاية المرضى. وتُعَدُّ المستشفيات تجسيدًا لفئة العمليات المعقدة في نطاق المعرفة الخاصة بالعمليات، الموضَّح في مقدمة هذا الكتاب.

تواجه المستشفيات تحديات واضحة وغير واضحة؛ أولًا: بعض الحالات التي تدخل لتلقِّي العلاج في المستشفى يكون دخولها مخطَّطًا له سابقًا، وهذا ليس هو الحال بالنسبة إلى حالاتٍ أخرى لا يمكن توقُّع عددها، وهذا يجعل تخطيطَ القدرة الاستيعابية مسألةً صعبة. ثانيًا: يشترك كثير من الأخِصَّائيين المختلفين - على سبيل المثال: أطباء، وصيادلة، وممرضات، وأخصائيو علاج طبيعي، وأخصائيو علاج تنفسي، وأخصائيو تغذية - في رعاية كل مريض، وتمريرُ المرضى على هذا النحو من أخصائيٍّ إلى آخَرَ، مصدرٌ أساسي للخطورة؛ فتنسيق الرعاية بين عدة اختصاصيين يتطلَّب تواصلًا كبيرًا، غالبًا ما يتمُّ بطرق مرتبكة؛ فكلُّ مريضٍ حالةٌ متفردة بذاتها، وهذه حقيقة لا يستطيع أفضل البروتوكولات المدروسة تغييرها. ثالثًا: تتغير باستمرار المعرفة الطبية، وكثيرٌ من الأمراض ليس مفهومًا جيدًا. هكذا تجتمع هذه العوامل معًا لتجعل المستشفيات أكثر تعقيدًا بكثير من العمليات الكبيرة الحجم، مثل خطوط التجميع أو مراكز الاتصالات؛ وفي مواجهة هذا التعقيد، كثيرًا ما كان الحذرُ هو الاستراتيجيةَ الفعلية لتجنُّبِ ارتكاب الأخطاء؛ لكنَّ البشر ليسوا معصومين من الخطأ، والحذر ليس بالحل الأمثل.

في عام ١٩٩٩، عزمت قائدةٌ -تُدعَى جولي مورَث- على رفْعِ جودة الأداء في هذه الناحية؛ إذ عزمت على الابتكار،3 فماذا كانت رؤيتها؟ مستشفًى يتميَّز بحفاظه على سلامة المريض بنسبة ١٠٠ بالمائة. وماذا كان الحل الذي جاءت به؟

لم يكن لديها حل.

تشيلدرنز هوسبيتال آند كلينيكس في مينيابولس، مينيسوتا، هو مستشفًى شهير يقدِّم رعايةً تخصُّصيةً للأطفال، ويضمُّ ست منشآت تقع في أنحاء متفرقة من منطقة مينيابولس-سان بول. حين تولت مورَث منصب مديرة العمليات في هذا المستشفى عام ١٩٩٩، أدركت مدى تعقُّد عمليات رعاية المرضى، ووعَتْ بوضوح التحدي الذي ينتظرها في غياب دليل إرشادي أو نموذج ناجح للاقتداء به. ولتحقيق رؤيةٍ للسلامة الكاملة، كانت ستدعو كل فرد في المؤسسة إلى الانضمام إليها في رحلة تعلُّم، وكان عليهم أن يعملوا معًا - أن يشكلوا فريقًا - لإيجاد منهجيات جديدة. كان لدى مورَث خطة لا حلًّا، وكانت الخطة تتضمَّن رحلةَ تعلُّمٍ منسَّقةً جيدًا ومُنظَّمةً ببراعة.

يتضمَّن نوعُ العمل الجماعي اللازم لحل المشكلات في المؤسسات المعقدة مثل المستشفيات؛ متابعةً دقيقة من منظورات عدة، والتواصلَ المفتوح في الوقت المناسب، وسرعةَ اتخاذ القرار. وفي مستشفى تشيلدرنز هوسبيتال آند كلينيكس، كانت المخاطر مرتفعة، وخاصةً في وحدة العناية المركزة أو أي غرفة عمليات؛ حيث يمكن أن تؤدِّي الأخطاء إلى عواقب وخيمة.

(٢-٢) التطلُّع إلى هدف طموح ذي معنًى

الحفاظ على سلامة الأطفال الذين يتلقَّوْن العلاج داخل المستشفى؛ يا له من هدف رائع ومثير للاهتمام! والأهم أن هذا الهدف - مثل معظم الأهداف المثيرة للاهتمام - مرتبط بجعل العالم مكانًا أفضل. هنا يبدو تحمُّلُ المخاطر الشخصية، مثل الاعتراف بالأخطاء، وتوضيح النُّظُم المعيبة للرؤساء في العمل وللآخرين؛ أمرًا يستحق العناء. كما أن الابتكار لزيادة سلامة المرضى يعطي الأفراد فرصةً لإحداث فارق إيجابي ومهم.

حين يحثُّ القادة على العمل الجماعي من أجل الابتكار ويدعمونه، فإنهم يبحثون عمَّن يشاركون في عملية التقصِّي؛ أفرادٍ مُستعدِّين للتجريب معًا، لتحديد وحل المشكلات التي لم يسبق حلها من قبلُ. إنهم ينطلقون في رحلةٍ يواجهون خلالها كثيرًا من الأمور المجهولة.

لقد أعلنت مورَث عن هدفها - الرامي إلى تطوير نظام مؤسسي لا يتسبَّب في إلحاق ضرر، يمكن تجنُّبه، بالأطفال الذين يتلقون العلاج في المستشفى - في وقت كانت فيه الأخطاء الطبية نادرًا ما تُنَاقش بين مقدمي الرعاية، فضلًا عن مناقشتها بين أفراد الإدارة العليا، وكانت تُعتبَر حتميةً على نطاق واسع بين الأفراد من داخل المجال، بسبب التعقيد الذي أشرنا إليه سابقًا. بالإضافة إلى ذلك، لم تكن معرفةُ كيفيةِ تحسين السلامة بدرجة كبيرة محدودةً فحسب؛ وإنما كان من الممكن أن تختلف في أجزاء مختلفة من المؤسسة بناءً على طبيعة الإجراءات الطبية.

حين أجرت مورَث المقابلة الوظيفية لتقلُّد منصب مدير العمليات، كانت تتحدث بالفعل عن سلامة المرضى؛ فقد كانت لها خبرة ٢٥ عامًا في إدارة رعاية المرضى، وكانت ممرضةً مسجلةً فيما سبق. مع سلوكها الهادئ وابتسامتها الدافئة، كان يبدو عليها تحفُّز شديد ورغبة أكيدة في تحقيق هدفها، وعندما تولَّتِ المنصبَ، شرعت في «إجراء حوارات منظمة بعناية حول موضوع السلامة مع الأشخاص الذين كان سيتعيَّن أن يشاركوا في المبادرة.» في البداية، لم يكن ذلك سهلًا، وحسبما ذكرت مورَث، كان «من الصعب إثارة موضوع السلامة؛ لأن معظم الأشخاص يتخذون موقفًا دفاعيًّا؛ فالحديث عن السلامة يعني ضمنًا أننا نقوم بالأمور «على نحو خاطئ».»4

لم تلبث مورَث، بعد أن تولَّت دورها القيادي، أن شكَّلت فريقًا أطلقت عليه «اللجنة التنسيقية لسلامة المرضى»؛ كانت هذه اللجنة عبارة عن مجموعة منتقاة من الأشخاص المؤثرين الذين كانوا سيساعدون في تصميم وإطلاق «مبادرة سلامة المرضى». ولتحديد هؤلاء الذين لديهم الاهتمام والشغف بهذا الأمر، وللتواصُل مع أكبر عدد ممكن من الأشخاص في المستشفى، قدَّمَتْ مورَث سلسلةً من العروض التقديمية عن الأخطاء الطبية، مُستشهِدةً بالحقيقة التي كانت لا تزال غير مألوفة آنذاك، وهي أن ٩٨ ألف مريض في الولايات المتحدة يموتون سنويًّا بسبب الأخطاء الطبية في المستشفيات، وهو عدد يفوق عدد الوفيات بسبب حوادث السيارات، أو سرطان الثدي، أو الإيدز. وكان هناك تنوُّع مقصود في تخصُّصات اللجنة التنسيقية لرعاية المرضى؛ حيث تشكَّلت من أطباء وممرضات ورؤساء أقسام، وموظفي الخطوط الأمامية، وأعضاء اتحادات طبية، ومسئولين تنفيذيين؛ كانت مجموعةً تفهَم وتُمثِّل المؤسسةَ جيدًا.

بالرغم من الخبرة الكبيرة لأعضاء اللجنة والعروض المقنِعة التي قدَّمتها مورَث، كان كثيرون في البداية ضدَّ فكرة مبادرة سلامة المرضى، ورافضين الاعتقاد بأن الأخطاء الطبية كانت مشكلةً في مستشفاهم. لقد صدَّقوا الإحصائيات القومية، لكنهم لم يصدِّقوا الأرقامَ الخاصة بمستشفاهم؛ فحين يتضمَّن عملُك رعايةَ أطفال ضعفاء، فإن إخبارك بأنك ربما تفعل أشياء تضرهم يُعدُّ تهديدًا رهيبًا. ومما لا يدعو للدهشة على الإطلاق أنهم قاوَموا جهودَ مورَث لتعزيز الابتكار.

وبقدر ما كان مجرد تكرار رسالتها بقوةٍ أكبر مغريًا بالتأكيد (بالأخذ في الاعتبار أنها أدركت أن كل المستشفيات - بسبب تعقيدها التشغيلي - معرَّضةً لوقوع الأخطاء)، لم تحاول مورَث المجادلةَ في الأمر، بل استجابت بتفكُّر للمقاومة باستفسار؛ فأعربت عن اتفاقها معهم قائلةً: «حسنًا، قد لا تكون هذه البيانات قابلةً للتطبيق على المستشفى هنا.» ثم استفسرت بلطف قائلةً: «أخبروني، ماذا كانت تجربتكم خلال هذا الأسبوع في الوَحْدات مع مرضاكم؟ هل كان كل شيء آمنًا كما تحبون أن يكون؟»

(٢-٣) قوة الاستفسار

يبدو أن هذا الاستفسار البسيط قد حوَّل مسار الحوار. لاحظْ سِماته. إن سؤالها يمثِّل دعوة، بل دعوة أصيلة ومثيرة للاهتمام ومباشِرة ومحددة؛ فكلُّ مقدِّم للرعاية مدعوٌّ إلى تأمُّل مرضاه وتجاربه، في وحدته، على مدار الأيام القليلة السابقة. علاوة على ذلك، يتَّسِم السؤال بالتطلُّع؛ فهو ليس سؤالًا من قبيل: «هل رأيتم أشياء غير آمنة؟» وإنما كان: «هل كان كل شيء آمنًا كما تحبون أن يكون؟» إنه يحترم تجربة الآخرين بينما يدعو إلى التطلُّع.

ينسى كثيرون ممن يرغبون في أن يصبحوا قادةً في المستقبل قوةَ الاستفسار، ويعتمدون بدلًا من ذلك على الدعاية القوية لاستمالة الآخرين لأفكارهم. وكما أظهرت مورَث، إنَّ الاستفسارَ يحترم تجربةَ الآخرين ويدعو إلى التطلُّع؛ فحين بدأ الأفراد يناقشون معها ومع الآخرين الحوادثَ التي كانوا يعتقدون أنها فردية أو فريدة من نوعها، أدركوا أن معظم زملائهم قد تعرَّضوا لحوادث مشابهة؛ وبحسب تعبير مورث: «لقد وجدتُ أن معظم الأشخاص قد مروا بمواقف تتعلق بالرعاية الصحية؛ حيث كان يوجد شيءٌ ما لا يجري على ما يرام، وسرعان ما أدركوا أن بمقدور المستشفى أن يقدِّم أداءً أفضل.» وقد قادت حوالي ١٨ مجموعةَ تركيزٍ عبر المؤسسة للسماح للأشخاص بالتعبير عن مخاوفهم وأفكارهم.

(٢-٤) خلْقُ مناخ آمِن للحديث عن المشكلات

لتوفير مستوى الأمان النفسي اللازم للمناقشات الصعبة حتمًا حول الأخطاء والإخفاقات، كثيرًا ما كانت مورَث تصف فلسفتها عن سلامة المرضى لأي شخص يستمع لها، وقد عبَّرت مورَث عن ذلك قائلةً: «إن الرعاية الصحية نظام بالغ التعقيد، والنُّظُم المعقدة بطبيعتها مليئةٌ بالمخاطر. يجب أن تكون ثقافةُ الرعاية الصحية ثقافةً يعمل فيها الجميع معًا لفهم السلامة، وتحديد المخاطر، والإبلاغ عنها دون الشعور بالخوف من اللوم. يجب أن نبحث عن طرق لتغيير النظام بالكامل، حين يشير إلى أننا ننجز عملنا بلا أخطاء!» ومن خلال التأكيد على الطبيعة المنهجية للإخفاقات، سعَت مورَث لمساعدة الأفراد على التخلُّص من الميل إلى العثور على مَن يمكن إلقاء اللائمة عليهم ولومهم على ذلك.

كانت لدى مورَث خبرة فعلية بالآلامِ العاطفية الناجمة عن الحوادث الطبية، وتبعاتِها على العاملين في الرعاية الصحية، ولم تنسَ مورَث يومًا إحدى هذه الحوادث التي شهدتها بنفسها قبل ٣٠ عامًا حين كانت ممرضةً شابَّةً؛ حيث تُوفيت مريضةٌ تبلغ من العمر أربعة أعوام إثر خطأ في التخدير. ما كانت تتذكره مورَث - أكثر حتى من الدمار الذي يسبِّبه موتُ طفل - هو أن الممرضة التي كانت مسئولة عن ذلك «عادت إلى منزلها في ذلك اليوم ولم تَعُدْ للعمل مرةً أخرى»، تاركةً المهنةَ التي أحَبَّتْها بسبب شعور عميق وكاسح بالذنب. «أغلق» الأطباءُ والممرضات الأخريات الموضوعَ، ولم يعودوا إلى الحديث عمَّا حدَث قطُّ، وتدخَّلَ محامو المستشفى من أجل الحد من الضرر الواقع على المستشفى من تلك الحادثة، وقالت مورث بعد مرور عقود على الحادثة: «لستُ راضيةً عن طريقة التعامُل مع الموقف، وما زالت ذكرى الحادثة تطاردني حتى الآن.»

لذلك قدَّمَتْ مورث نظامًا جديدًا للإبلاغ عن الحوادث الطبية باسم «الإبلاغ دون التعرُّض للمساءلة»؛ تتمثَّل الفكرة في السماح للأفراد بالإبلاغ عن الحوادث الطبية سرًّا، أو دون ذِكْر أسمائهم، دون أن يتلقَّوْا أيَّ عقاب للقيام بذلك؛ بحيث يبرزون أكبر عددٍ ممكن من هذه المشكلات، ويتمُّ تحديد أسبابها الأساسية، والإبقاء على العاملين المهتمين بشئون الآخرين في وظائفهم.

كذلك فرضت مورَث استخدامَ كلماتٍ جديدة؛ طرقٍ جديدة للحديث عن هفوات السلامة التي من شأنها أن تشكِّل تهديدًا عاطفيًّا أقل؛ على سبيل المثال: شجَّعَتِ الأفرادَ على استخدام كلمة «دراسة» بدلًا من كلمة «تحقيق». بالنسبة إلى مورَث، كانت كلمة دراسة تعني طريقةً لتعلُّم الكيفية التي تعمل بها النُّظُم، والكيفية التي تتناغم بها أجزاؤها معًا؛ أما التحقيق - على الجانب الآخَر - فأشْبَهُ بوضع المُشتَبَه فيهم في صف واحد، ومحاولة إلقاء اللوم على شخص بعينه في بحث مباشِر لتحديد فاعل واحد للجريمة. ومن خلال تجنُّب استخدام الكلمات التي تدل على اللوم، والتشجيع على استخدام لغةٍ تؤدِّي إلى التعلُّم من الإخفاقات، كانت مورَث تحاول أن تجعل الحديثَ عن الخطأ آمِنًا من الناحية النفسية.

والأمر المهم بنفس القدر أنها آمَنت بأنه من اللازم إعادة صياغة معنى «الخطأ» بالكامل، وقد شرحت للأفراد أنه في المستشفيات، تنتج «الحوادث» (وهي كلمة مفضَّلة عن كلمة «خطأ») بسبب نُظُم معيبة وليس بسبب أشخاص مُخطِئين. إن النُّظُم المعقدة نزاعة إلى الإخفاق، والأطباء الإكلينيكيون المتورِّطون في إخفاقٍ بسبب أحد هذه النظم، ليسوا سوى ضحايا لتعقيد هذا النظام، شأنهم شأن مرضاهم.

وأخيرًا، كانت كلمة «اللوم» تُستبدَل بها كلمةُ «تحمُّل المسئولية»، التي تعني تحمُّل مسئولية واجبات وظيفة بعينها، والمعرفة التي تتطلَّبها، مهما كانت، بالإضافة إلى فهم النظام الأكبر الذي يمثِّل فيه المرءُ أحدَ مكوناته البشرية؛ كلُّ هذه التدخُّلات اللغوية وُضِعَت لتبديد الخوف من الانخراط في سلوكيات الابتكار بما يحفُّها من مخاطر على مستوى العلاقات بين الأفراد.

حين ينجح القادة في حثِّ الموظفين على المشاركة في عملية ابتكارية، تبدأ الأفكارُ في التدفُّق، وتبدأ التجاربُ في الحدوث، وتبدأ الأنشطةُ في الترسُّخ ثم الانتشار. بالنسبة إلى مديرٍ يسعى إلى «إنجازِ مهمةٍ ما»، قد تبدو العملية في البداية شاقةً وبطيئةً، لكن دفع الأفراد إلى المشاركة بصفتهم مفكِّرين ومتعلِّمين نَشِطين، هو الطريقة الوحيدة للابتكار في نظام معقَّد مثل المستشفى؛ حيث ببساطة لا تكون الحلول متاحةً من البداية.

* مقتطف من كتاب: العمل الجماعي من أجل الابتكار، لمؤلفته: إيمي سي إدموندسون

اضف تعليق