كثيراً مَّا يتطرق المتطوعون والمهتمون بالعمل الاجتماعي لما يجب أن يتعامل به المجتمع معهم، ولكني أريد هنا أن أتطرق لما يندر الحديث عنه وتكثر الحاجة له وهو ما يحتاج المتطوعون للتفكير فيه في مناهج وفنون – أو استراتيجيات وتكتيكات- تعاملهم مع المجتمع، فالتعاطي مع المجتمع هو فن تفوق أهميته مواهب وقدرات المتطوعين في مجالات اختصاصهم ويحدد مصير أعمالهم نحو النجاح والاستمرار أو الفشل والاندثار!
من ناحية أخرى، فإننا بحاجة لأن نخاطب المتطوعين حول تعاطيهم مع المجتمع أولاً قبل أن نخاطب المجتمع في كيفية التعاطي معهم، لأن بيدهم (الفعل) الذي تصدر وفقاً له (ردة الفعل) الاجتماعية، وبالتالي فإن توجيه مسار وقوة ردة الفعل هو بيدهم غالباً، لا دائماً.
وهنا، أتطرق لسبع من هذه الاستراتيجيات والفنون لمستها على مدى عقدين في عدد من التجارب التطوعية:
أولاً: الدقة في تحديد احتياجات المجتمع
بداية وقبل الشروع في أي عمل، قيّم مواضع الحاجة في المجال الذي تريد خوض غماره، فهل هناك حاجة؟ وما هو مستوى ونوع هذه الحاجة؟ وهل الحاجة هي لتأسيس مشاريع جديدة، أم دعم القائمة أم تطويرها؟ وغير ذلك من عناصر من الضروري دراستها وتحليلها بناءً على رصد ميداني وأسس دقيقة لا مجرد الانطباعات النفسية والتوقعات الشخصية.
هذه الخطوة هي عامل كبير في تحديد استجابة ودعم المجتمع للمشروع عند نهوضه.
ثانياً: واقعية التوقعات
كما في علم النفس، تنعكس التوقعات على نفس وفكر أصحابها وترسم لحد كبير مسير ووتيرة واتجاه ومصير العمل، فانخفاض التوقعات أكثر من المستوى المناسب قد يؤدي لدنو الهمة وخسارة بعض ما يمكن تحقيقه ببعض التحدي والجرأة، وارتفاعها أكثر من اللازم قد ينتج عنه صدمة الإحباط والشعور بالخذلان أو حتى معاداة الآخرين!
ولذلك فإننا نجد بعض من ينخرط في العمل التطوعي ليخدم المجتمع الذي يحب، ينتهي به المطاف محارِباً لمجتمعه أو ناقماً عليه أو محارَباً ومغضوباً عليه منه، ويعود ذلك لاختلال ميزان التوقعات. وكذلك نجد كثيراً من المتطوعين لا يعطون بالمقدار الكافي الذي تحتمله طاقاتهم ومشاريعهم فيخسرونها ويخسرها المجتمع، وذلك لدنو همتهم وتوقعاتهم لواجباتهم وإمكانياتهم.
وهذا لا يلزم أن تكون التوقعات هي ذاتها قبل العمل وخلال مراحله المتعددة، فالتوقعات لا بد أن تتناسب مع كل مرحلة بما تستحق.
قبل كل عمل، تذكر قاعدتين مهمتين:
١) لن يثمر كل ما تزرع، بل لن ينمو كل ما تبذر، بل لن ينمو أكثر ما تبذر!
٢) اعتنِ بما يثمر ووفر له كل ما يلزم، فسيثمر أكثر!
ثالثاً: عدم استفزاز المجتمع
في المقابل، اعلم أنك لن نستطيع الانفكاك عن مجتمعك، ومهما بلغت من قوة وإمكانات وقدرات فإنك لن تستطيع قهره وإحداث تغيير دائم – لا طارئ- فيه ما لم يقتنع بذلك. واعلم كذلك، أن الدوافع النفسية للقناعات تفوق الدوافع الفكرية، كما في علوم التواصل والتسويق، فعندما تخلق حاجزاً نفسيّاً مع المجتمع، فذلك يعقد مهمتك وربما يئدها!
فاحذر من أن تستفز مجتمعك ما أمكنك، وخصوصاً في القضايا الهامشية!
رابعاً: التعاطي بإيجابية مع "سلبية" المجتمع
خذ كل ما يقدمه لك المجتمع، وطالب بالمزيد وحث عليه، بل وعاتب عتاب محب، ولكن لا تكن ساخطاً متذمراً فتخسر ما يقدم لك حالياً ولا تحصل على المزيد، فالقليل خير من الحرمان!
أعطِ للآخرين ولا تفسد عطاءك بالمنِّ أو التعالي أو الأذى، وتوقع الإساءة جزاء إحسانك!
اقبل النقد من الجميع وتفكّر فيه، واعلم أن لكل عمل - أيّاً كان- منتقدين محبين ومحايدين ومثبّطين ومعرقلين وأعداء ومتربصين، وهؤلاء ليس بالضرورة أن يكونوا على الدوام مذنبين خاطئين! وتذكّر أن أبلغ الدروس ما تتعلمه من أعدائك!
خذ باللاعنف واعف وأعرض واصفح، تنجح وترتح!
ولا تعاقب أو تقتص من أحد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً وإن كان من حقك ذلك، فإنه ليس كل صحيح صواب، والمجتمع الذي يراك تحسن وتتفضل في جانب لا يستوعب أن يراك في ذات الوقت تقتص وتثأر لذاتك لاجئاً لقوانين الجرائم الإلكترونية وغيرها محقّاً كنت أم مخطئاً!
خامساً: الاستفادة من تجارب الآخرين
تذكر أن الإنجاز البشري تراكمي، وأن أعقل الناس من جمع عقولهم إلى عقله، وأنه يخسر جهده وطاقته وماله ووقته من يعيد اختراع العجلة، وقد يفوته القطار!
ابحث عن تجارب الآخرين وتفكّر فيها وتحدث معهم حولها إن استطعت، واستفد من نقاط قوتها ونجاحاتها واتعظ من نقاط ضعفها وإخفاقاتها، ولا تستنسخها كما هي فإن لكل حادث حديث ولكل مقام مقال ولكل زمان رجال!
وعن أمير المؤمنين علي في وصيته لابنه الحسن (ع): "ولتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كُفيت مؤونة الطلب وعوفيت من علاج التجربة".
سادساً: الحفاظ على الاستقلالية
خذ الدعم والرأي ممن يقدمه، ولكن ليس على حساب استقلالية أهدافك وقراراتك وأساليبك وأدواتك وفق قناعاتك!
وتذكّر أن معادلات العمل الاجتماعي لا تختلف كثيراً عن معادلات السياسة والاقتصاد وغيرها، فهناك دائماً من يقدم الدعم والمساعدة ويفتح أبواب التنمية والتطوير، ولكن ليس تطوعاً وإنما ليقيدك بها أو يوجه مسارك وفق ما يريد وخلاف ما تريد، فكن دائماً يقظاً وعلى حذر من هذا الخطر لتجتاز المنحدر!
سابعاً: الحفاظ على الخلافات ضمن دائرة المعنيين!
عند حدوث الخلافات والمشكلات – وهي طبيعية في أي علاقة مشتركة بين البشر-، فلا تشعها لغير المعنيين بحلها فتعقدها، وتذكّر أن إشاعة الخلافات الداخلية ونشرها في أوساط المجتمع بما فيه من حكماء وسفهاء ومن لا ناقة لهم ولا جمل من البسطاء، يشوه السمعة ويقتل الشخصية لك وللعمل معاً، فلا منتصر في معارك التشهير!
وأخيراً، تذكّر أن منهجك في تحصيل حقوقك أو تصحيح ما تراه من أخطاء سواء نجح أم أخفق في تحقيق ما تريد، فإنه قد يؤدي لقطع سبيل المعروف ويصد الناس عن كثير من الخيرات ويسيء لكثير من المخلصين العاملين في ذات المجال، فتمهّل وتأمل قبل أن تفسد أكثر مما تصلح!
اضف تعليق