هل تتخيل يوماً أن تفهم أجهزة الكمبيوتر لغتك بشكل دقيق وبنفس الطريقة التي يفهمك بها البشر؟! يبدو أن منظومة جديدة للذكاء الاصطناعي توصل إليها مركز بحث أمريكي قد تجعل ذلك ممكناً، فما الذي يميز المنظومة الجديدة؟
ابتكر باحث من مركز "جون هوبكنز" لأبحاث اللغة والحديث في الولايات المتحدة منظومة للذكاء الاصطناعي يمكنها التمييز بين وظائف اللغة في النصوص المكتوبة، في نهج قد يفسح المجال في نهاية المطاف أمام ابتكار أجهزة كمبيوتر يمكنها "فهم" اللغة المنطوقة أو الحوار المكتوب بنفس الطريقة التي يفهم بها البشر.
وتستطيع المنظومة الجديدة التي ابتكرها الباحث بيوتر زيلاسكو تحديد المغزى من العبارات وتصنيفها في فئات مثل "العبارات التصريحية" و"التساؤلات" و"التعبيرات الاعتراضية" وغيرها من أنماط الحديث.
ويقول بيوتر إنه من خلال استخدام هذه التصنيفات، ربما تكون هذه المنظومة هي الخطوة الأولى نحو تمكين أجهزة الكمبيوتر من فهم مغزى حديث البشر. ويوضح بيوتر أن الدراسة الجديدة التي أوردتها الدورية العلمية "ترانزاكشن أوف أسوسيشن فور كمبيوتيشنال لينغويستيكس"، المتخصصة في مجال اللغويات الحوسبية، كشفت أن منظومات الذكاء الاصطناعي لم تعد بحاجة إلى التعامل مع كتل ضخمة من العبارات والنصوص ثم محاولة تحديد نوعية موضوعها أو مغزاها أو المعاني المراد نقلها.
وأضاف: "لقد وجدنا أن علامات الترقيم تتيح مؤشرات قوية من أجل فهم مغزى النصوص اللغوية"، مشيراً إلى أن المعادلات الخوارزمية السابقة التي تستخدم في تفسير اللغة تعمل جيداً فقط في حالة وجود نصوص واضحة، مثل عندما ينطق شخص ما بعبارة كاملة، ولكن في الحقيقة، فإن البشر نادراً ما يتحدثون بهذه الطريقة، وهو ما يجعل من الصعب بالنسبة للمنظومات السابقة تفسير المغزى من العبارات.
ويعتقد بيوتر في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني "فيز دوت أورغ"، المتخصص في التكنولوجيا، أن المنظومة الجديدة التي ابتكرها سوف تستطيع في نهاية المطاف مساعدة الشركات على فهم وتحليل لغة التفاعل بين المستهلكين وممثلي مراكز خدمة العملاء، من أجل تحسين الأداء وتقديم مستوى أفضل من الخدمات.
يساعدك حتى في اختيار عطرك!
دخل الذكاء الاصطناعي عالم مستحضرات التجميل، وأطلقت علامات تجارية في هذا المجال منتجات يمكن أن تكون مفصّلة على قياس تفضيلات كل شخص، سعياً إلى جذب الزبائن الذين يريدون أن يكونوا متميزين، فقد "بات الناس يركزون على ذواتهم".
بات بإمكان كل شخص أن يحدد رائحة العطر الأنسب له، بفضل ما توفره دار للعطور يعود تأسيسها إلى عام 2017. ففي صالة عرضها الأنيقة في الدائرة الحادية عشرة من باريس، تتيح الدار التي أسسها ماكسيم غارسيا جانان إيجاد عطر مركّب تبعاً لميول كل شخص تقريباً.
يتوافر في صالة العرض 67 نوعاً من المكوّنات التي تستخدم في تركيب العطور، يشمّها الزبائن، كالمر والبندق والبرغموت وزهرة الملح. وتستخدم الدار خوارزمية تسجل الروائح المفضلة للعملاء، ثم تحدد تدريجاً العطر المثالي للشخص من مجموعة واسعة من التركيبات التي ابتكرها العطارون.
وقال جانان إنها صناعة هذه العطور الراقية تركّز على الإنسان وتفضيلاته أو يعرف بـ "صناعة 3.0". ويعتمد جانان على نموذج عطر أصلي لا يوزّع في المتاجر ولا يخزّن، والأهم لا تنفق عليه أي تكاليف تسويق، وهو ما يشكّل عنصراً مهماً في السعر النهائي للعطر.
وتستخدم الدار كل التقنيات التي أصبحت في القرن الحادي والعشرين عدّة الشغل في مجال الجمال، من الذكاء الاصطناعي إلى الطلب عبر الإنترنت، مروراً بشبكة "إنستغرام" التي يتم من خلالها التوجه إلى الجمهور... ويُشحَن العطر إلى الزبون مع عينة لكي يجرّبه، وإذا لزم الأمر يمكنه أن يعيد يردّه إلى الدار.
وقال رائد الأعمال الشاب: "نحن نواكب بذلك توجّه الناس المتزايد إلى الطلب عبر الإنترنت، إضافة إلى أن فكرتنا تتمثل في جعل العطور الباريسية الفاخرة في متناول الجميع، أينما كانوا"، ومع أن مؤسس الدار جانان فضّل عدم الإفصاح عن النتائج المالية لشركته، أشار إلى أن عدد موظفيها ارتفع من ثلاثة عام 2019 إلى ثمانية اليوم. وبدأ يحلم بأن يبدأ العمل في الولايات المتحدة. وروى قائلاً: "لم أجد نفسي في العطور التقليدية إذ أنها متشابهة جداً".
وأضاف جانان: "في المقابل، ثمة صناعة عطور راقية جداً متخصصة وحصرية، فخطرت في بالي فكرة إيجاد طريق ثالثة تتمثل في توفير عطور لا يمكن شمّ مثلها على الجميع، لكنها متاحة بفضل التقنيات الرقمية والتجارة الإلكترونية والشبكات الاجتماعية".
واعتمدت العلامات التجارية الصغيرة والكبيرة على السواء تقنيات جديدة على "تكنولوجيا التجميل". وأحدث الابتكارات في هذا المجال جهاز يعمل بتقنية "بلوتوث" يتيح، بفضل خرطوشة يحويها، إنتاج أحمر الشفاه في المنزل، اعتماداً على مزاج الشخص أو لون بشرته. وأطلق هذا الجهاز الذي سميّ "بيرسو" في الولايات المتحدة لصالح إحدى الشركات ويمكن أن يمتد ليشمل أنواعاً أخرى من المكياج والعناية.
في متاجر إحدى الشركات يمكن أيضاً تشخيص البشرة باستخدام جهاز، ثم يتولى موظفو البيع اقتراح الرعاية المناسبة. ولا يحتاج الشخص في كثير من الأحيان حتى إلى التحرك، إذ ما عليه سوى تشغيل وضع الصور الذاتية (السيلفي) على هاتفه.
وعلى الموقع الإلكتروني الياباني "شيسيدو"، خوارزمية تقترح شراء المنتجات المناسبة لمعالجة مشكلات الشخص بعد تحديد مستوى احمرار جلده وجفافه. والأمر نفسه ينطبق على "نيفيا سكين غايد" (دليل نيفيا للبشرة) الذي يعطي الشخص "عمر" بشرته.
في الوقت الراهن، لا يزال إعداد المستحضرات بحسب حاجة كل شخص محصوراً بجزء صغير من مستحضرات التجميل، لكن من المتوقع أن ينمو هذا الاتجاه، وفقًا لخبراء الصناعة. وتتمثل الفكرة في جذب الزبائن في أسواق ناضجة، مثل أوروبا الغربية، حيث تشهد مبيعات مستحضرات التجميل ركوداً، أو جذب زبائن آسيويين جدد.
ورأت مديرة قسم "بيوتي براند" في "إيسيك" فيرونيك ديريك أن هذا الاتجاه سيستمر. ولاحظت أن "كل الكيانات الاجتماعية أظهرت اليوم إلى حد ما أنها محدودة. ونتيجة لذلك، بات الناس يركزون على ذواتهم". واعتبرت أن الاتكال على وجه شهير ليكون رمزاً لماركة كبرى لم يعد كافياً. وشددت على أن "التغيير الحقيقي هو أن يؤثر اتجاه التخصيص هذا على كل فئات المجتمع"، أو عندما تجعل التقنيات الجديدة الرفاهية أكثر سهولة.
التلاعب بسلوكيات البشر
كشفت دراسة علمية جديدة أن نقاط الضعف في العادات البشرية باتت مكشوفة لأنظمة للذكاء الاصطناعي، ما يجعل الأخيرة قادرة على التأثير في آليات اتخاذ القرار لدى الإنسان، وأثبتت دراسة علمية أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة يمكنها تعلم كيفية العمل مع البشر والتأثير في سلوكياتهم عن طريق رصد نقاط الضعف في العادات البشرية واستغلالها للتأثير على آليات اتخاذ القرار لدى الإنسان.
وابتكر فريق من الباحثين بالوكالة الوطنية للعلوم في أستراليا منظومة إلكترونية يمكنها اكتشاف نقاط الضغط التي تؤثر في اختيارات البشر واستغلالها عن طريق تقنية للذكاء الاصطناعي اطلقوا عليها اسم "الشبكة العصبية التكرارية للتعلم العميق"، وقاموا بتجربة هذه المنظومة من خلال متطوعين بشر شاركوا في ألعاب في مواجهة الكمبيوتر.
وأفاد الموقع الإلكتروني "تيك إكسبلور" المتخصص في التكنولوجيا بأن هذه الألعاب كانت تعتمد على قيام المتطوعين بمجموعة من الاختيارات ما بين عدد من الألوان أو الرموز لتحقيق مكاسب معينة، واستطاعت منظومة الذكاء الاصطناعي بعد مراقبة سلوكيات المتطوعين أن تتنبأ باختياراتهم وتوجيهم نحو اختيارات معينة، بل أن درجة نجاح المنظومة في توجيه هؤلاء المتطوعين وصلت في بعض الأحيان إلى سبعين بالمئة.
وأكد فريق البحث أن هذه الدراسة ما زالت مجردة وتنطوي على كثير من المواقف والاختيارات التخيلية وأن هناك حاجة لإجراء مزيد من الأبحاث من أجل تفعيل هذه الفكرة وتطويعها لخدمة المجتمع.
ويرى الباحثون من قسم معالجة البيانات والرقمنة في الوكالة الوطنية للعلوم بأستراليا أن هذه المنظومة قد تكون لها تطبيقات واسعة مثل تطوير العلوم السلوكية وتوجيه السياسات نحو صالح المجتمع، فضلاً عن فهم السلوكيات البشرية وتوجيهها لاتباع عادات غذائية أفضل أو ترشيد استخدام الطاقة على سبيل المثال، وأضافوا أن أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكنها أيضاً التعرف على نقاط الضعف لدى بعض الأفراد، ومساعدتهم للتغلب على هذه المشكلات والقيام باختيارات أفضل بشكل عام.
يمكنه التفكير مثل البشر!
العالم قبل الذكاء الاصطناعي ليس هو ذات العالم بعده، فالتغير يطال كل شيء حولنا، ويصل إلى كل القطاعات ليغيرها بشكل نهائي، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة في تحسين كل منتج أو خدمة أو بنية تحتية موجودة في كل دولة من الدول، وفي الحقيقة فإن الذكاء الاصطناعي قادر على تحويل مستقبل البشرية للأفضل إذا ما أُحسن استخدامه.
ويرى سوندار بيتشاي رئيس شركة غوغل (Google) في مقابلة أجرتها معه شبكة "بي بي سي" (BBC) قبل أيام ونشرت الجزيرة نت أهم ما جاء فيها، أن "اختراع الذكاء الاصطناعي سيكون أثره على البشرية أكبر من الاختراعات الأخرى، مثل النار والكهرباء أو الإنترنت".
وقال بيتشاي في المقابلة "إنني أعتبرها أكثر التقنيات التي ستطورها البشرية عمقا.. إذا كنت تفكر في النار أو الكهرباء أو الإنترنت فالأمر كذلك، لكنني أعتقد أن الأمر أكثر عمقا"، والذكاء الاصطناعي هو محاولة لتعليم الآلات محاكاة القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، من أجل تسهيل حياة البشر وجعل الآلات تؤدي مهام كثيرة كانت تأخذ جهدا ووقتا كبيرا من الإنسان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدى "الذكاء" الموجود حقا في الذكاء الاصطناعي، وبماذا يختلف عن الذكاء البشري، وهل يمكن تعليم الذكاء الاصطناعي القدرة على التحليل والتفكير بالقياس كما يفعل البشر؟
هذا الأسئلة كانت محور بحث مطول أجرته الدكتورة كلير ستيفنسون، الأستاذة المساعدة لطرق التحليل النفسي في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة أمستردام، وتم نشر نتائجه على منصة الجامعة، وتناقش فيه الفروقات بين الذكاء والتفكير التناظري لدى البشر، وتلك التي لدى الذكاء الاصطناعي من خلال البحث في القدرة على التحليل المنطقي لدى الطرفين، وكيف يمكن أن يتعلم الاثنان من بعضهما بعضا.
تقول الباحثة "يستطيع الذكاء الاصطناعي معالجة معلومات أكثر من البشر، لكن هذا الذكاء لا يداني قدرة البشر على التفكير بالقياس. ويعتبر هذا النوع من التفكير المنطقي المبني على السبب والنتيجة أعظم قوة للذكاء البشري، حيث يمكن للبشر التفكير في حلول لمشاكل جديدة قد تواجههم في الحياة، قياسا على مواقف سابقة شبيهة حدثت في الماضي، وهذه القدرة غائبة فعليا عن الذكاء الاصطناعي".
والسؤال الرئيسي الذي كان وراء البحث الذي أجرته ستيفنسون، هو: كيف تمكن البشر من أن يصبحوا أذكياء جدا؟ وهي في معرض إجابتها عن هذا السؤال المحوري، تحلل تطور الذكاء والعملية الإبداعية لدى الأطفال مقارنة بالذكاء الاصطناعي. ويجمع بحث ستيفنسون بين معرفتها بعلم النفس التنموي وخلفيتها في النمذجة الرياضية وعلوم الحاسوب، وتقول الباحثة: أحاول أساسا اختبار الذكاء البشري في الذكاء الاصطناعي والعكس.
التفكير التناظري، بدأت كلير ستيفنسون مسيرتها الأكاديمية في مجال علم النفس التنموي، حيث بحثت في قدرات التعلم الكامنة لدى الأطفال: "ليس ما يعرفونه بالفعل، ولكن ما هم قادرون على معرفته وفعله". حيث درست تطور التفكير القياسي والتحليل المنطقي الذي يربط الأسباب بالنتائج لدى الأطفال، من خلال دراسة قدرتهم على إيجاد حلول للمشاكل الجديدة قياسا على خبرات سابقة مشابهة.
على سبيل المثال، طلبت من الأطفال إيجاد العلاقة بين مجموعة مختلفة ومتنوعة من الكلمات، مثل: عطش، نزيف، شرب، ضمادة، طعام، قطع، ماء.
وتوضح الباحثة "إذا أردت إيجاد الإجابة الصحيحة فعليك تطبيق العلاقة الكامنة بين هذه الكلمات، وذلك بدلا من استخدام علاقات وارتباطات مألوفة"، وتؤكد أن "التفكير التناظري المبني على القياس يعتبر أعظم قوة للذكاء البشري".
هل يمكن للذكاء الاصطناعي التفكير بالقياس؟ في وقت لاحق من حياتها المهنية، أصبحت ستيفنسون مفتونة بفكرة تطبيق النماذج الرياضية لقياس العمليات الإبداعية، وربما يعود هذا إلى شهادة البكالوريوس التي تحملها في علوم الحاسوب. تقول الباحثة: "أركز في أبحاثي الآن على الذكاء الاصطناعي المعرفي وقدرته على تقليد الذكاء البشري.. أحاول معرفة واكتشاف مدى قدرة الخوارزميات على التفكير بالقياس وحل المشاكل بناء على حوادث مشابهة، بعبارة أخرى مدى قدرتها على الربط بين أن العطش هو للشرب والضمادات للنزيف.. نحاول أنا وزملائي معرفة مقدار الذكاء الموجود حقا في الذكاء الاصطناعي".
وتوضح الباحثة: لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال نحتاج أولا إلى تقسيم الذكاء إلى نوعين:
النوع الأول: هو المعرفة المكتسبة، مثل القدرة على إجراء العمليات الحسابية، أو ما يمكن أن نطلق عليه اسم "الذكاء المتبلور" (crystallized intelligence).
النوع الثاني: هو مهارات التفكير المنطقي والقدرة على حل المشكلات، وهو ما نطلق عليه اسم "الذكاء السائل" (fluid intelligence).
تقول ستيفنسون "إن برامج وخوارزميات الذكاء الاصطناعي تتمتع بسعة تخزين هائلة، أكبر بكثير من ذاكرة الإنسان، ويمكنها استرداد المعلومات ومعالجتها بسرعة البرق، وهو الشيء الذي لا يقدر عليه البشر. وهذا هو النوع الأول من الذكاء، وهو في الحقيقة بسيط للغاية مقارنة بالنوع الثاني من الذكاء، وهو القدرة على التحليل والتفكير بالقياس".
وتوضح الباحثة "يمكن للذكاء الاصطناعي إنتاج حلول من خلال التفكير المجرد بعد تدريب مكثف، وفي المناطق التي يتم تدريبه عليها فقط، لكن الذكاء الحقيقي يكمن في القدرة على التعميم (ability to generalize)، وهو الشيء الذي لا يملكه الذكاء الاصطناعي ويعاني بشدة معه".
تعتبر "مسائل بونغارد" (Bongard problems) مثالا معروفا على القيود التي تحد من قدرات الذكاء الاصطناعي، كان ميخائيل بونغارد عالم حاسوب روسيا صمم في أواخر الستينيات من القرن الماضي مسائل تتطلب من الناس اكتشاف الأنماط المتكررة فيها، وتتكون كل مسألة من مجموعتين من الأشكال، ولكل مجموعة سمة مشتركة. والتحدي هو اكتشاف هذه السمة المشتركة، وبهذه الطريقة يمكن تحديد الفرق بين المجموعتين.
وتقول ستيفنسون: "يحاول العلماء تطوير ذكاء اصطناعي يمكنه تعلم حل هذه المشكلات، ولكن يبدو أن قدرته المحدودة على التفكير والتحليل تمثل مشكلة.. والبشر يكسبون هذه المعركة بالذات في الوقت الحالي".
ماذا يحدث عندما يتعلم الذكاء الاصطناعي التفكير القياسي؟ يهدف بحث ستيفنسون وزملائها إلى إنشاء رابط بين إمكانات تعلم الذكاء الاصطناعي وإمكانات تعلم الأطفال، وتأمل بعد ذلك في تطبيق هذه المعرفة لمزيد من التطوير لكل من الذكاء الاصطناعي وبيئات تعلم الأطفال، تقول ستيفنسون "تخيل ما سيحدث إذا تمكن الذكاء الاصطناعي من إتقان التفكير القياسي والقدرة على التحليل بشكل أكثر مرونة وإبداعا، حيث يمكنه استخدام هذه القدرات الجديدة مع قدراته الهائلة على إجراء العمليات الحسابية للربط بين موضوعات شديدة التنوع، ولا يبدو في الظاهر أي رابط يجمع بينها. على سبيل المثال يمكن للذكاء الاصطناعي حينها إيجاد العلاقة التي تربط بين الأمراض وبين تغير المناخ، وهما موضوعان مختلفان.. إذا استطعنا تعليم الذكاء الاصطناعي القدرة على القياس فإنه سيساهم بشكل مذهل في حل المشكلات المعقدة التي تواجه البشر في هذه الحياة".
السيطرة على حياة البشر
حذر العلماء من أن الإنسانية تخاطر بفقدان السيطرة على الذكاء الاصطناعي إذا استمر في التطور، وأصبحت برامج الذكاء الاصطناعي أكثر شيوعا، حيث يقع استخدامها في العديد من المجالات حتى أنها بدأت تشكل تهديدا صارخا للكثيرين بشأن فقدان وظائفهم.
وحقق الخبراء مؤخرا تقدما كبيرا مع نظام ذكاء اصطناعي ثوري جديد لا يتوقف أبدا عن التعلم، ولكن مع تطور هذه التكنولوجيا المستمر، حذرت مجموعة دولية من الباحثين من أن هناك مخاطر متزايدة للبرامج المستقلة.
وفي دراسة نُشرت في Journal of Arititial Intelligence Research Portal، قال المؤلف مانويل سيبراين: "تبدو الآلة فائقة الذكاء التي تتحكم في العالم وكأنها خيال علمي. ولكن هناك بالفعل آلات تنفذ مهام مهمة معينة بشكل مستقل دون أن يفهم المبرمجون تماما كيف تعلموها، وهو وضع يمكن أن يصبح في مرحلة ما غير قابل للسيطرة ويشكل خطرا على البشرية".
ووفقا للدراسة، جرب العلماء طريقتين للتحكم في برمجيات الذكاء الاصطناعي، وعزلها عن الإنترنت وبرمجتها باستخدام خوارزمية تمنعها من الأذى، وأوقفت الطريقة الأولى التقنية عن أداء وظائفها الأساسية، ولكن من المثير للقلق أنه لا توجد خوارزمية يمكن أن تضمن الوقاية من الضرر.
ووفقا لما ذكره رائد الأعمال والباحث ومدير مركز البشر والآلات في معهد ماكس بلانك للتنمية البشرية، إياد رهوان: "إذا قمنا بتحليل المشكلة إلى قواعد أساسية للحوسبة النظرية، فقد اتضح أن الخوارزمية التي أوعزت للذكاء الاصطناعي بعدم تدمير العالم يمكن أن توقف عملياتها عن غير قصد".
وتابع: "إذا حدث هذا (قيام نظام فائق الذكاء بإيذاء البشر)، فلن نعرف ما إذا كانت خوارزمية الاحتواء ستستمر في تحليل التهديد، أم أنها ستتوقف عن احتواء الذكاء الاصطناعي الضار. في الواقع، هذا يجعل خوارزمية الاحتواء غير قابلة للاستخدام".
ويأتي ذلك في الوقت الذي يزعم فيه باحثو الذكاء الاصطناعي الذين يعملون على أنظمة التعرف على الوجه أن أجهزتهم يمكنها الآن التنبؤ بسياسة شخص ما أو تفضيله الجنسي من مجرد قياس وجهه، وأجري البحث، الذي نُشر هذا الأسبوع في مجلة Nature Journal Scientific Reports، من قبل ميشال كوسينسكي من جامعة ستانفورد.
ماذا لو كان رئيسك في العمل مجرد جهاز كمبيوتر؟
هل تتوقع أن يكون مديرك في العمل مجرد جهاز كمبيوتر؟ إذا كانت إجابتك: "حسناً، سيكون أفضل من مديري الحالي على كل حال" فأنت لست وحيداً. فرغم كل شيء قد يكون الذكاء الاصطناعي (AI) أفضل في تنظيم جداول عمل الموظفين دون أن يفسد عليهم عطلاتهم، وجود مدير لا يمكن إتهامه بالتحيز أو بالمحاباة أو توجيه ملاحظات لك دون الآخرين قد يكون أمراً ايجابياً، ومع ذلك بالنسبة لأولئك الذين شاهدوا أفلام Terminator مراراً فإن فكرة تحكم الكمبيوتر أو الروبوت بهم من المؤكد أن تثير لديهم الخوف من أن الآلة في طريقها إلى السيطرة علينا، لكن هؤلاء يغفلون عن حقيقة أننا نقضي بالفعل الكثير من الوقت تحت سيطرة الآلات ولا نفكر حتى في الأمر ناهيك عن الشعور بالقلق، يشير جف شوارتز، الشريك الأول في شركة ديلويت للمحاسبة والمستشار العالمي لمستقبل العمل، إلى آلة يومية بسيطة نطيعها جميعاً دون تفكير.
استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل سيتيح للمدراء لعب دور افضل في تعاملهم مع الموظفين
قبل أن يتوصل الناس إلى أكتشاف إشارة المرور تعمل على الكهرباء كان هناك شخص يقوم بهذه المهمة، يوقف ويوجه السيارات والأليات. ويضيف: "من الواضح جداً أنها باتت آلة، وهي تزداد ذكاءً، إنهم الآن يضعون الذكاء الاصطناعي في خدمة المرور حتى يتمكنوا من الاستجابة بشكل أفضل لمستويات حركة السير".
لذلك يبدو أننا على استعداد تام لتلقي الأوامر من آلة في مواقف محددة. لكن ما حدث بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة هو أن أجهزة الكمبيوتر في العمل بات لها دور كبير في العمل وهي التي تتحكم بالعديد من المهام التي نقوم بها. ويقول الخبراء إن هذا سيزداد مع مرور الوقت، خذ على سبيل شركة سيارات الأجرة أوبر. لا يوجد رجل أو امرأة في المكتب يوجه طلبات الزيائن إلى السائقين. يتم ذلك تلقائياً بواسطة نظام برمجيات الشركة، يقول البروفيسور توماس تشامورو بريموزيك، عالم نفس الأعمال في جامعة كلية لندن، إن أوبر تقوم بذلك كي يصبح عملها وخدمتها أكثر كفاءة قدر الإمكان لكن هناك فوائد أوسع لذلك، يقول: "تطبيق أوبر على الهواتف الذكية غير متحيز ضد أو لصالح أي زبون أو سائق لأنه يتمتع بحسن المظهر أو درس في مدرسة معينة، أو أن لكنته صحيحة، أو يرتدي ملابس جيدة".
"الأمر كله يتعلق بالأداء. يمكنك أن ترى كيف يمكن للتكنولوجيا أن تجعل العمل أكثر ملائمة من خلال التركيز أكثر على الجوهر وأقل على الأسلوب والشكل"، "الشركات التي يمكنها القيام بذلك سوف تتفوق على منافساتها وستكون أماكن عمل أفضل".
إذاً فهل وجود رئيس كمبيوتري في العمل لا يدعو للقلق. تقول شيفي جارفيس، مؤسسة شركة فيوتشر سكيب للاستشارات التجارية، والمتنبئ باتجاهات العمل المستقبلية، إنها بعيدة كل البعد عن الاقتناع بذلك.
"التحذير الكبير هنا هو أننا بحاجة إلى إشراف أخلاقي على هذا" كما تقول. "إذا كان لديك الذكاء الاصطناعي هو الرئيس، قطعة من البرامج ذات القدرة على اتخاذ القرار ، فهذا أمر مقلق للغاية بالنسبة لي، وأعتقد أنه قد يؤدي إلى مستقبل بائس تماماً".
"إن النظام الذي يفتقر الى الإشراف الأخلاقي المناسب حيث يستخدم الإنسان تقديره واحساسيه في الإشراف على ما يعتبره النظام الاستنتاج الصحيح، هو نظام ضار للغاية وهو مصدر تهديد حقيقي".
في قطاع البيع بالتجزئة، تستخدم أمازون بشكل متزايد أنظمة الذكاء الاصطناعي لتوجيه ومراقبة الموظفين في مستودعاتها، وقد تسبب ذلك في ما أشارت الأخبار إلى حالات أرهاق الموظفين في العمل، وهي اتهامات نفتها أمازون مراراً وتكراراً.
تقول أمازون أنه إذا لاحظت الآلة الذكية أن العامل يعاني من ضعف الأداء، فإنه يحصل على دعم وتدريب إضافي يأتي من قبل شخص مختص، كما تعرضت للانتقاد برامج الذكاء الاصطناعي التي تعطي أوامر العمل وتراقب تنفيذها وكذلك برنامج الذكاء الاصطناعي الخاص بموظفي مركز الاتصال لأنها متطلبة للغاية وغير عادلة، لكن أحد منتجي برنامج الذكاء الاصطناعي الخاص بمركز الاتصال قال لبي بي سي إن نظام مراقبة مركز الاتصال الخاص الذي تنتجه الشركة يمكنه "تحليل مئة في المئة من التعاملات، وبالتالي يمكن للمشرفين البشريين استخدام هذه المعلومات "ليكونوا مديرين أفضل". ويمكن إرشاد الموظفين "لتحسين أدائهم بمرور الوقت، وتحقيق نتائج أفضل في تلبية طلبات الزبائن".
مع استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في مراقبة الموظفين، يمكن أن تبرز مشكلة كبيرة عند اتخاذ قرار بتسريح أحد الموظفين وهي من سيكون له الكلمة الفصل في القرار: الانساء أم الآلة كما تقول جرفيس، وتضيف: "قد يفضل المدير البشري عاملاً لديه طفلان يتولى رعايتهما بمفرده وعمله مصدر دخله الوحيد أو يعتقد أن عاملاً آخر له صلات قوية وسيقف على أقدامه عند تسريحه".
" لو طرحت على برامج الذكاء الاصطناعي هذه الأسئلة لا يمكنه الاجاية عليها أو إدراك كل العوامل التي لعبت دوراً في الوصول لمثل هكذا قرارات"، تقول البروفيسورة ساندرا واتشتر، الباحثة في مجال الذكاء الاصطناعي بجامعة أكسفورد، إن الناس يتصورون أن روبوتاً سيقف فوق رؤوسهم اثناء العمل عندما تقول لهم أن مديرك هو كمبيوتر.
وتضيف إن الأمر يتعلق: "بمهام قيادية معينة متعلقة بك يتم تنفيذها فعلياً بواسطة خوارزميات الكمبيوتر"، "على سبيل المثال يمكن أن تكون هناك برامج تعمل في الخفاء لمراقبة أدائك، عدد المكالمات التي تجريها وتراقب لغتك خلال المكالمات الهاتفية، ورسائل البريد الإلكتروني التي ترسلها، والمواقع التي تتصفحها وعدد المرات التي تأخذ فيها الاستراحة من العمل"، "ويمكن بعد ذلك استخدام ما سبق لتحديد الراتب الذي تحصل عليه أو منحك ترقية أو حجبها عنك. قلقي الرئيسي هو أن يتم استخدام هذه الخوارزميات للتنبؤ بأشياء يستحيل عليهم القيام بها، مثل كيف يجب أن يبدو العامل الجيد، ومن يستحق الترقية وهذه أمور تخضع للإعتبارات الشخصية"، قد تصدر الحكومات تشريعات في هذا المجال، لكن الأمر أشبه بحقل ألغام نظراً للتداخل بين الذكاء الاصطناعي والبشر في صناعة القرار.
يقول البروفيسور تشامورو بريموزيتش إنه على الرغم من المخاوف بشأن تولى الذكاء الاصطناعي مهام المدير، من المهم أن نتذكر أن هناك العديد من المدراء البشر الذين لا يطاقون، "من الصعب جداً على الآلة أن تتفوق في الأداء على أفضل الرؤساء ... ولكن ليس من الصعب جداً على الذكاء الاصطناعي أن يكون بديلاً مناسباً لرئيس عمل سيء حقاً"، وتضيف واتشتر أن المدراء البشريين "لا ينبغي اعتبارهم المعيار الذهبي عند التفكير في هذه المسألة".
يقول شوارتز إنه يأمل أن يساعد الذكاء الاصطناعي المدراء من البشر على تحسين أدائهم. حيث ستتولى برامج الكمبيوتر القيام بالمزيد من المهام المملة مثل وضع جداول عمل الموظفين وتوزيع المهام البسيطة والقيام بالمراقبة الأولية لأداء الموظفين وغيرها من المهام مما يعطي الفرصة للمدراء البشريين ليكونوا قدوة في أفضل في العمل.
اضف تعليق