اللغة العربية لا تعاني أزمة داخلية؛ أي من خلال علومها لأنه وكما بيننا أنها على ضخامة معجمها، وتعدد إمكانيات التركيب فيها، وتنوع أساليبها؛ تمكن متكلميها من وضعيات لغوية عديد، لكن المشكل يكمن في أهلها الذين تخلوا عنها بسبب عقدة الأجنبي، لدرجة أن تكلم لغة أجنبية صار علامة التحضر...
تحرير: عصام حاكم
ناقش مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (اللغة العربية وتحديات الاستيراد الثقافي) بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الأكاديمية والإعلامية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي عقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، هذا وقد أدار الحلقة النقاشية الدكتور خالد عبد النبي الأسدي الباحث في المركز، وابتدأ حديثه قائلا:
أكرم الله تعالى اللغة العربية بأن أنزل كتابه المجيد بها وجعله بوساطتها تبياناً لكلِّ شيء وقال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يوسف 2، فكان التعقُّل بوساطة هذه اللغة التي أبدعها الله على لسان نبيِّه الذبيح الأوَّل النبي إسماعيل (ع)، ومهَّد لهذا النزول المبارك من عصر فتقها إلى عصر مُتقنها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)؛ فعند نزوله لم يكون بِدعاً من الكلام ولا ضرباً من الأوهام، وإنَّما كانت لغته هي اللغة السامية وأسلوبه هو الأسلوب الفريد لذا قال عنه الوليد بن المغيرة: (إنَّ له لحلاوة وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لمعذق وأسفله لمثمر)، لأنَّ تأثيره في النفوس كان له وقعاً خاصَّاً في قلوب العرب الفصحاء.
تأسيس العلوم العربية
وبعد عصر النزول المبارك اتجهت الأنظار صوب كتاب الله المقدَّس فبدأ عصر التدوين بالعربية الأم لما لها من حشد معنوي وقدرتها على التوسُّع المعنوي والتقليبات الجذرية والدلالة العامَّة المطلقة وتعدد مصاديقها بحسب السياقات فانبرى الصحابة وعلى رأسهم الإمام علي بن أبي طالب (ع) بتدوين التفسير الصادر من فم مَن لا ينطق عن الهوى إن هو إلى وحي يُوحى، فاهتم المسلمون بالرواية التفسيرية والحديث الشريف إلى أن وصل أمر الخلافة إلى أمير المؤمنين، وعند دخوله إلى البصرة إبَّان معركة الجمل وجد بعض أهل البصرة يلحنون بالكلام العربي فقام بوضع أسس علم النَّحو العربي.
تأسيس علم النحو العربي
دخل الإمام أمير المؤمنين مسجداً في البصرة إبَّان معركة الجمل فوجد رجلاً يقرأ القرآن الكريم ولمَّا وصل إلى قوله تعالى: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) التوبة3، فكان الرجل يقرأ: (أنَّ اللهَ بريءٌ من المشركين ورسولِهِ) وهذا يعني أنَّ الله يبرأ من المشركين ومن الرسول، وهذا ما دفع الإمام (ع) بوضع أسس النحو.
ذكر أبو الأسود الدؤلي سبب وضع الإمام علي (ع) لعلم النحو حيث قال: دخلت على أمير المؤمنين فرأيته مطرقاً مفكراً، فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟
فقال: (سمعت ببلدكم لحناً، فأردت أن أصنع كتاباً في أصول العربية، فقلت له: إن فعلت هذا أبقيت فينا هذه اللغة العربية، ثم أتيته بعد أيام، فألقى إليّ صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كله اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما انبأ عن حركة المسمى، والحرف ما انبأ عن معنى ليس بإسم ولا فعل، ثم قال: تتبعه وزد فيه ما وقع لك.
واعلم أن الأشياء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر. فجمعت أشياء وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها: إن، وأن، وليت، ولعل، وكأن، ولم أذكر لكن، فقال: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بلى هي منها، فزدها فيها)
وقال لي: (انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهر ولا مضمر، وأراد بذلك الاسم المبهم.
قال: ثم وضحت بابي العطف والنعت ثم بابي التعجب والاستفهام إلى أن وصلت إلى باب إن وأخواتها ما خلا لكن، فلما عرضتها على علي أمرني بضم لكن إليها، وكنت كلما وضعت باباً من أبواب النحو، عرضته عليه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية، قال: ما أحسن هذا النحو الذي قد نحوت، فلذلك سمي نحواً.
فصار اهتمام أبي الأسود الدؤلي (ت: 61هـ) بعلم النحو وراح يؤسس قواعده فأسس أول مدرسة لعلم النحو وعرفت فيما بعد بمدرسة البصرة أو المدرسة البصرية، وتطوَّرت شيئاً فشيئاً وصارت فيها حلقات للدرس ومجموعة من المشايخ كنصر بن عاصم الليثي (ت:80هــ) واضع علم الإعجام أو ما يُعرف (بتنقيط الإعجام) وعبد الرحمن بن هرمز(ت: 89هـ) وعنبسة الفيل (ت: 92هـ) وغيرهم وهم من الرعيل الأول من تلامذة أبي الأسود الدؤلي.
وضع علم الإعراب وعلم الإعجام
كان أساس اللحن هو سبب التحريف والتصحيف في آيات الله تبارك وتعالى وهذا ما يتم بتغيير الحركات أو تبديل الحروف كما مرَّ ذكره، فأراد أبو الأسود الدؤلي أن يقضي على هذا اللحن فقام بانتداب أحد تلامذته بوضع نقط الإعراب.
نقط الإعراب: وهو عمل التشكيل البنيوي للكلمة أي ما يُعرف اليوم بوضع الحركات الإعرابية، وهو العلامات الدالة على ما يعرض للحرف من حركة أو شد أو مد أو سكون أو تنوين، وهو بذلك يكون مرادفًا لمعنى الضبط والشكل.
اختار أبو الأسود رجلًا من عبد القيس وقال له: خذ المصحف وصبغًا يخالف لونه لون مداد المصحف، فإذا فتحت شفتيَّ فانقط نقطة واحدة فوق الحرف، وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف -أي: أمامه-، وإذا كسرتها فاجعل النقطة في أسفله، فإذا اتبعت شيئًا من هذه الحركات غنة (يعني التنوين) فانقط نقطتين.
فأخذ أبو الأسود يقرأ المصحف بالتأني، والكاتب يضع النُّقَط، واستمر على ذلك حتى أعرب المصحف كلَّه، وترك السكون بلا علامة، فأخذ الناس هذه الطريقة عنه، وكانوا يسمون هذه النُّقَط شكلًا، ثم تفننوا في هيئة النقط، فمنهم من جعلها مربعة، ومنهم من جعلها مدورة، ثم زادوا علامات في الشكل، إلى أن وصلت إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 175هـ) فقال: ما الضمة إلّا نصف الواو فكتبها (و) وما الفتحة إلَّا نصف الألف فكتبها (-) وما الكسرة إلَّا نصف الياء فكتبها (_).
نقط الإعجام: وهو النقط الذي يدل على ذوات الحروف، ويميز معجمَها من مهملها، كالنقطة تحت الجيم ميَّزتها من الحاء، والنقطتان فوق ت ميَّزتها من ث، وهكذا.
ويرجح بعض الباحثين أن أول من أبدع واستعمل نقط الإعجام نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر الليثي. وكان هذا النقط بلون مداد المصحف، ليميز من نقط الإعراب الذي وضعه أبو الأسود.
وازدهرت حركة التأليف والترجمة في العصر العباسي وساهمت العديد من الأسباب في ارتقاء وازدهار التأليف في العصر العباسي الأول، حيث امتلأت المساجد بحلقات العلم والأدب والفقه وغيره، وكانت تكفي رغبة الشخص للاستماع للذهاب إليها والتبصر في موضوعاتها. حيث شجع الخلفاء العباسيين دعمهم للأدب، وتقريب الأدباء من مجالسهم، واستشارتهم في العديد من الأمور، حتى أصبح المؤلفون يتنافسون فيما بينهم للفوز برضى الخلفاء والولاة لما يكتبون.
ساهم ازدهار حركة الترجمة في توسيع مدارك ووعي العلماء والأدباء من خلال نقل العلوم والآداب المختلفة من لغتها الأم إلى اللغة العربية، ككتاب كليلة ودمنة الذي نقله ابن المقفع إلى العربية، والذي أثرى الثقافة العربية، وخلق حالة من الخيال الجديد عند القاصين والمؤلفين العرب في ذلك الوقت وحتى يومنا الحاضر.
ويعد إنشاء بيت الحكمة بمثابة مكتبة كبيرة ضمت معظم أنواع العلم والأدب، وأصبحت لاحقًا محطًا لطلبة العلم ومحبيه، حيث خُصص بها أماكن للدارسين، والباحثين، والمؤلفين الذين تطورت علومهم ومعارفهم كثيرًا؛ نتيجة ما حوته هذه الدار من أمهات الكتب العربية، والكتب الأعجمية المترجمة.
أما فيما يتعلق بحركة التأليف الأدبية فقد ازدهرت ازدهارًا لا مثيل له، وانتشرت فنونها النثرية والشعرية بشكل واسع، فارتقى الفن النثري وازدهر من خلال فنون الرسائل الأدبية، والإخوانية، والديوانية، وفن التوقيعات، وفنون القص، وطرائف ونوادر المجتمع، وفي الشعر فقد كثرت المواضيع الجديدة التي كتب بها الشعراء من شعر اجتماعي وغيره، إضافةً إلى تجلي شعر المدح والغزل قد فوق معظم الفنون الشعرية الأخرى في ذلك العصر. فكان لهذه الحركة ازدهارٌ كبير في الأوساط العربية فتلاقحت الأفكار ودخلت الثقافات الشرقية والغربية في البلاد العربية ولكن كان للعربية سوطها وسطوتها على جميع اللغات واللهجات، فكان التجَّار الذين يقصدون البلاد العربية لابدَّ لهم من اتقان اللغة العربية للدخول والتعامل مع العرب فانتشرت اللغة العربية انتشاراً لا مثيل له في ذلك العصر في جميع أصقاع المعمورة.
بوادر تدني اللغةَ العربية
شهدت البلاد العربية تغيُّرات بفعل الفتوحات والاحتلال والاستعمار والسطو وغيرها، ولطالما مثلت اللغة العربية مقوما أساسيا من مقومات الحضارة العربية، وأساسا من أساسات الدين الإسلامي، حيث إنها فرضت نفسها بين اللغات السامية خصوصا، والسلالات اللغوية عموما؛ وذلك لاحتفاظها بمجموعة من الخصائص كانت ولا زالت تميزها، من حيث احتفاظها بحرف الضاد بين لغات السلالة سابقة الذكر، بالإضافة إلى خصائصها الأسلوبية، والتركيبية، والمعجمية التي تتيح لمتكلميها إمكانيات عديدة للاختيار (من الناحية التركيبية مثلا يمكن أن نستعمل رتب: فعل فاعل مفعول به كما في قَرَاْتُ كِتَابًا، أو مفعول به فعل فاعل به كما في كِتَابًا قَرَاْتُ، أو فعل مفعول به فاعل كما في قولنا قَرَأَ كِتَابًا الرَّجُلُ)، إضافة إلى إمكانيات الحذف، والتقديم والتأخير، إلى غير ذلك من الأساليب التي تكمن الناطق من يسر التعبير، وتجاوز عسر الإنشاء اللغوي.
لقد كانت اللغة التي اختارها الحق سبحانه وتعالى لبيان الرسالة من خلال قوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " سورة إبراهيم الآية 4، ومن هذا المنطلق يكون الحق سبحانه وتعالى قد اختار العربية لبيانها، تكليفا وليس تشريفا، ولأن التركيب العربي قادر على استيعاب المعاني القرآنية، ليبقى السؤال المطروح أيها القارئ العزيز، كيف للحق أن يختارها لإيصال الرسالة، في حين نعتبرها ضعيفة لإيصال المعارف؟
أما من ناحية أخرى فاللغة العربية مؤسسة تمكنت من بناء صرح أدبي عبر تاريخها، حيث أصبح الأدب العربي متنا أدبيا لا يمكن تجاوزه حينما نتكلم عن الآداب العالمية، نبغ الشعراء منذ عصر ما قبل الإسلام وقالوا شعرا استعصى على شعراء الحصر الحديث تجاوزه، وقد وضعت ركائزه منذ عنترة، وامرؤ القيس، والنوابغ، والمهلهلين،… ومن أشعارهم ما لم يدرَّس، أو يبنى إنما كان بالسليقة، وعليه بنيت علوم أسست لصرح العربية، وقس على ذلك ما شهده الأدب العربي من رواية، وقصة، ومسرح لا يسع المجال للحديث عنها، غير أن تركيزنا على الشعر باعتباره ديونا للعرب.
الازمات التي عاشتها اللغة العربية
لا شك أن اللغة العربية لا تعاني أزمة داخلية؛ أي من خلال علومها لأنه وكما بيننا أنها على ضخامة معجمها، وتعدد إمكانيات التركيب فيها، وتنوع أساليبها؛ تمكن متكلميها من وضعيات لغوية عديد، لكن المشكل يكمن في أهلها الذين تخلوا عنها بسبب عقدة الأجنبي، لدرجة أن تكلم لغة أجنبية صار علامة التحضر في وطننا العربي، وأصبح الحديث بالعربية ينظر إليه من منظور الغرابة، ومن المشاكل التي تثبت الأزمة التي تعيشها العربية:
1– غياب استعمال العربية في المؤسسات الرسمية، وغير الرسمية، بحيث إن جل الوثائق تتم باستعمال إما الفرنسية، أو الإنجليزية.
2– طغيان التوجه الفرانكوفوني، والأنجلوساكسوني في الأوساط الثقافية العربية، بحيث وصل الأدب، والفكر العربي إلى درجة يرثى لها.
3– غياب الوعي الاجتماعي بأهمية اللغة العربية، بصفتها مكونا حضاريا من مكونا الحضارة العربية.
وحاصل القول إن اللغة العربية قد عانت الإقصاء، والتهميش بذدريعة أنها ليست لغة العلم، والتقنية، في حين نرى أن الأمم التي كانت متأخرة إلى عصر قريب، وتسلقت سلم التقدم العلمي، والتقني، بحيث استعمل فيها أهل الاختصاص اللغات الوطنية، مثلا في اليابان تحقق الثورة التقنية بفضل اللغة اليابانية لا بغيرها، لأنهم لا يؤمنون بالأجنبي كما نؤمن به نحن، وإنما اعتمدت الترجمة كآلية من آليات النقل، لا استئصال مكون حضاري؛ لأنه بهذا تقع هوة ثقافية تموت معها القيم قيم الهوية والمواطنة.
في العصر الحديث دخل الاستعمال الغازي إلى البلاد العربية ونهب ثرواتها لا سيما المخطوطات العربية الثمينة بحجَّة طبعها في بلادهم ولا ندري مدى التلاعب في متونها لأنَّها عادت إلينا مطبوعة من دون إعادة مخطوطاتها، ولا شكَّ أنَّ العلميات منها سُرقت ولم تُعد إلى العرب لا مطبوعها ولا مخطوطها، لذا إلى الآن خرائط الأجهزة الالكترونية تُسمَّى بالخوارزميات نسبة إلى العالم الإسلامي الخوارزمي، ولا ندري التطور العلمي الإسلامي إلى أين وصل وتمت سرقته.
ومما سُرق؛ الكتب العربية التي اخذت على عاتقها تدوين العلوم العربية من نحو وصرف وبلاغة ودلالة وأصول وعلم كلام وفلسفة وجبر وكيمياء وغيرها من العلوم، ونجد بين الآونة والأخرى يظهر مصطلح غربي نجد أصوله في القرآن الكريم وما ذكره علماء العربية من دون ذكر المصطلح، ولا نشك بأنّ أكثر المصطلحات هي سُرقت من الكتب التي نقلت إليهم عن العربية وقاموا بتعليبها وتصديرها لنا مرة أخرى.
ضرب العربية بالعرب
قام الاستعمار بعملية خبيثة بوساطة تغريب العرب، وذلك ببعث مجموعات عربية ممن نالوا حظوة من الفكر والمعرفة إلى البلاد الغربية وشحنهم بالأفكار التي يريها الاستعمار وإرجاعهم إلى أراضيهم ومن ثَمَّ دعمهم ونشر أفكارهم وطبع كتبها كبعثة (رفاعة رافع الطهطاوي وزكي جمعة وقاسم أمين وأحمد أمين) وغيرهم، وتسهيل السفر والدعم المباشر إلى بعضهم الآخر كطه حسين ومحمد أركون ونصر حامد أبو زيد وغيرهم لذا تجد أفكار هؤلاء كلها تصب في مصلحة الفكر الضاد للعربية.
ومن الأفكار التي أراد الغرب ضربها بأيادي عربية ومعاول غربية:
1-إلغاء فكرة وجود أدب جاهلي: أخذ طه حسين على عاتقه ضرب مفهوم الشعر الجاهلي فراح ينشر مقالاته وكتبه بهذا الخصوص بأنّه لا يوجد شعر جاهلي وهذا ما ذكره المؤرخون قد كُتب في العصر العباسي.
2-إلغاء فكرة المُقدَّس: وهذه الفكرة قام بها عدد من المفكرين كنصر حامد أبو زيد في كتابه (نقد العقل الديني) وغيره.
3-ادعاء الأخطاء القرآنية: وهذا ما أشار إليه مجموعة من المستشرقين وروَّج إليه بعض المتأسلمين كسروش ونوال السعداوي ومريم نور وغيرهم.
4-الرد على النحاة: اخذ بعض الذين زرعهم الاستعمار على عاتقهم توهين القواعد النحوية.
5-تعليب الأفكار العربية والإسلامية بمصطلحات غربية وغير ذلك.
هذا وغيره نحاول أن نلاقح أفكارنا معاص من خلال الإجابة على الأسئلة الثلاثة التالية:
السؤال الاول: ما هو أثر الثقافة الغربية على اللغة العربية؟
السؤال الثاني: كيف استطاع الغربيون استجلاب الاذهان العربية لضرب لغتهم الأم؟
السؤال الثالث: كيف يمكن بناء الاستقلال الثقافي بوساطة ترسيخ أصالة اللغة العربية؟
المداخلات
اثر العوامل الداخلية في تراجع اللغة العربية
- محمد علي جواد تقي، اعلامي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
هذا الموضوع المهم والمحوري في تاريخ الحضارة الاسلامية، التي تقوم بطبيعة الحال على اللغة العربية روحا ومضمونا، اما فيما يخص المؤثرات والمحددات التي تعيق تقدم هذه اللغة، فهناك ثمة عوامل داخلية واخرى خارجية، العوامل الداخلية كان لها الاثر الاكبر والدور الريادي في تراجع اللغة العربية، قياسا مع مستوى تأثير العوامل الخارجية، التي سعت الى التقليل من شان اللغة العربية او محاربتها، ان صح هذا الوصف، كما فعل الاستعمار الفرنسي في لبنان والجزائر وليبيا.
لكن على النقيض كان للعامل الداخلي دور اساسي في تراجع الاهتمام باللغة العربية.. وايضا تراجع في التاريخ، وتراجع في الاهتمام بالتراث، وبالدين، المشكلة برمتها كانت تدور مدار التخلي عن الاسلام وعن الدين، وايضا عن القران الكريم، بالتالي اصبحنا امام ثقافة اقل ما يقال عنها انها ثقافة انهزامية، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، خصوصا ما ترتب منها على الشريحة المثقفة التي اصبحت متأثرة بوهج الثقافة الغربية، منذ عقود والى الان ونحن نعاني من ذات الاعراض والامراض، بمعنى ان دوامة عدم تقبل المثقف العربي للنهج الاسلامي وللغة العربية، اصبح امرا واقعا.
بل اكثر من ذلك ان المثقف العربي والشريحة الثقافية العربية، هي التي اوجدت الثغرات الثقافية في الامة، ليستفاد منها الطرف الاخر او الجهة المعادية، اللغة بكل تجلياتها هي ركن اساسي من اساسيات تلك الثقافة، التي اصبح مصدرها الرئيسي العالم الغربي بفعل امتلاكهم ناصية العلم والمعرفة، بالتالي اصبحنا مشدودين تلقائيا نحو اللغة الاجنبية.
لذلك اصبحت الشريحة المثقفة والانسان المثقف امام صدمة ووهج الفاعل اللغوي الاجنبي، هذا مما ادى الى شكل من اشكال التراجع وعدم التشجيع على اللغة العربية، على مستوى قطاع التعليم بشكل عام، من الابتدائية الى الجامعة، الى جانب ذلك كان للعامل الاجنبي دور محوري وذكي في ضرب اللغة العربية والتقليل من شأنها، وذلك من خلال بعض الاساليب المبتكرة لاسيما في نطاق الضغط على اللغة العربية من جهة، والتشجيع على اللهجة العامية من جهة اخرى، ولأسباب تكاد تكون جوهرية بالنسبة لهم، خاصة في مسار فك الارتباط الحاصل ما بين الامة العربية ولغة القران الكريم.
في لبنان مثلا لا احد يتكلم الفصحى، حتى اساتذة الجامعات يتكلمون باللهجة العامية اللبنانية، بالنتيجة ان بناء التأصيل الثقافي يأتي من خلال العودة الى الاسلام، والعودة الى القران الكريم، ونشر هذه الثقافة بين الامم والشعوب العربية وغير العربية.
لذلك نحن اليوم بحاجة للعودة الى الاصالة والعودة الى اللغة العربية، ونسف كل النظريات الداخلية التي كان لها دور لا باس به في محاربة هذه اللغة من جراء ضرب الاسلام، تحت شعار وجود الاثنيات والقوميات العربية والفارسية وما شاكل، لذلك على النخبة المثقفة والتعليمية ان تعيد الثقة باللغة العربية وبالإسلام وبالقرآن الكريم.
لا استقلال ثقافي دون استقلال لغوي
- الدكتور لطيف القصاب إعلامي وباحث:
تاريخ المنطقة العربية وعاء خصب لاستقبال الثقافات الواردة سواء كانت شرقية ام غربية، في العراق على سبيل المثال تم ممارسة سياسة التكريد، وايضا سياسية الفرنسة والشواهد حاضرة في المغرب العربي، حتى امسى المجتمع المغربي يجيد الفرنسية اكثر من اللغة العربية، مع هذا الاثر الملموس والمحسوس في تفشي وانتشار اللغات الاجنبية في اوساط الدول العربية، تم استغلال الاقليات والاثنيات من وراء الكواليس لإحلال العامية بدل الفصحى.
وكان ابرز مثال على ذلك الحالة المصرية التي قاد الحملة فيها سلامة موسى، وفي لبنان سعيد عقل، اما ما يخص العراق فكان خارج سياق هذا المعنى، بسبب فاعل اساسي وهو وجود الحوزة العلمية في النجف الاشرف، ولكن ورغم كل ذلك هناك محاولات بسيطة من قبل بعض المثقفين من اجل احلال العامية بدل الفصحى، بدعوى ان العامية هي لغة الحياة، وان اللغة العربية هي لغة ميتة ومنقرضة.
وهذا خلاف المنطق والواقع، فاللغة العربية ولله الحمد تسجل ارقام قياسية على مستوى الحضور العالمي، ففي العام (1973) اللغة العربية احتلت المركز الخامس او السادس عالميا، حتى قبل اللغة الصينية في المداولات الاممية، علما ان مجموع اللغات العالمية يصل تقريبا الى (6) الاف لغة.
لكن للأمانة العلمية تقول التقديرات العالمية ان العام (2050) سينقرض نصف هذا العدد او اكثر، ومع نهاية هذا القرن يقال ان غالبية هذه اللغات سيتلاشى ويضمحل، وسيبقى عدد بسيط من اللغات بعدد الاصابع، في اللغة عموما هناك ظاهرة عامة تسمى بـ (الاغتراب)، بمعنى ان أي لغة تعطي وتأخذ، في اللغة الفارسية مثلا تجد تركة عربية لفظية، وكذلك في اللغة العربية ايضا تجد تركة فارسية، والحال ينطبق ايضا على اللغة الفرنسية.
الاشكال الحقيقي ليس على (الاغتراب)، وهو امر طبيعي، بل على (الافتراض) ويعني الالزام، هذا الحيز اللفظي ادخل على خط الاجندة الاصطلاحية والمفاهيمية لغات اخرى باجندات سياسية، فعلى سبيل المثال حينما نصف شخص لديه ميول غير طبيعية او شاذ، نطلق عليه عبارة (المثلي) سواء كان رجل ام انثى، فهذا الاعتداء على الخط المفاهيمي والاصطلاحي، هذا ليس من الاغتراب بشيء، انما هو يدخل في خانة الاستعمال اللغوي المبطن.
بالتالي ان المشكلة تكمن في الداخل وليس في الخارج، وهذا غير بعيد عن ذهنية النظرة الدونية للغة العربية، وحتى في مجال التخصصات، فاللغة الانكليزية أفضل من اللغة العربية، واللغة الفرنسية هي الاخرى أفضل من اللغة العربية، وهكذا دواليك يستمر الحال على ما هو عليه، حتى يصل بالإنسان الالماني مثلا رغم معرفته اللغة الانكليزية الا انه لا يتحدث بها.
من باب الوعي اللغوي، الذي غيب عن ساحتنا الثقافية، بسبب الخطة الاستعمارية المبكرة للاستعمار الفرنسي والانكليزي، هي التي بثت في روع الانسان العربي ان يكون ناظر للغته نظرة دونية، هذا السلوك مهما كان يحمل بصمات غريبة واجنبية، والا كيف تفسر حقيقة الرجوع لفكرة ان اللغة العربية صعبة المراس، وهذا كلام غير دقيق، وعاري عن الصحة.
فكل لغة من لغات هذا العالم تحمل بين طياتها نوع من انواع الصعوبة، سوى ما يتعلق منها بالجانب الصوتي او الدلالي او الصرفي، بالتالي من يقول ان اللغة الانكليزية هي أسهل من اللغة العربية، ختاما لا يمكن تحقيق الاستقلال الثقافي من دون وجود استقلال لغوي، وللعلم ان الجامعات العالمية العريقة حتى نهاية القرن(19)، عمدت الى جعل اللغة العربية ركنا اساسيا من اركان الدراسة لطالب الطب، بمعنى على طلبة الطب ان يتقنوا العربية.
مغذيات علمية لاستعادة وهج اللغة العربية
- الاستاذ باسم الزيدي، مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
اللغة بصورة عامة هي وسيلة لنقل العلوم او المعرفة، وهي احد اهم اركان الهوية الثقافية لأي امة، من خلال اللغة نستطيع ان نتواصل مع الاخرين ثقافيا علميا اقتصاديا سياسيا، فاي لغة تحتاج الى مغذيات حتى تستطيع ان تؤثر بالمستويات المختلفة، في السابق كانت اللغة العربية لغة حية وفاعلة في احتواء العلوم والتأثير في الاخرين.
ففي العهد السومري مثلا امتهنوا الزراعة، وكانت أحد اسباب قوتهم وتأثيرهم على العالم آنذاك، هذه الزراعة ليست بدائية بالمعنى المتعارف عليه، بل هي تمتاز بنظام ري متطور، بعد ذلك اخترعوا العجلة لنقل تلك المزروعات، الى جانب المزروعات احتاجوا الى اللغة المسمارية للتواصل مع الامم الاخرى، حتى أصبح تأثريهم فاعل على الحضارات الاخرى.
اللغة العربية هي الاخرى استطاعت ان تفعل ذات الفعل، فيما يخص نقل العلوم والرموز والارقام، لذلك نحن اليوم نحتاج لمغذيات علمية كي نعيد للغة العربية امجادها، خصوصا وهي تواجه العديد من التحديات منها.. قوة العولمة، والتحدي التكنلوجي، ناهيك عن التحديات الاخرى العلمية والثقافية والاقتصادية، هذه التحديات شكلت عائقا مهما امام تقدم اللغة العربية.
الرجوع للغة العربية
- الكاتب والاعلامي خليفة التميمي:
المجتمعات العربية لديها لسان عربي وليس لغة عربية، ليس هذا فحسب بل ان بعض الالفاظ افرزها التقدم الصناعي، بقدر حاجته لدلالة تلك الالفاظ وعوامل حضورها الحضاري في الاوساط الاجتماعية، هذه الالفاظ ومن دون ادنى شك انتقلت الينا نتيجة التطور الحاصل في ميادين العلم والمعرفة، لذلك من اهم اسباب مواجهتها هي الرجوع للغة العربية اولا، ومن ثم اعادة تفسير القرآن بما يتناسب مع الواقع اليوم، في ذات الوقت لابد ان نعهد بأمور التعليم والتواصل بين الثقافات الى من يجيدها.
كي نضمن في نهاية هذا المطاف الى فكرة صنع السلام والطعام، وهذا ما يحتاجه المجتمع العراقي او العربي بصورة عامة، اما من ناحية الاستقلال الثقافي فلكل ثقافة لها خصوصيتها الخاصة، بل من النادر ان تدخل ثقافة دخيلة ما لم تتهيأ لها الظروف والمقبولية والحضور.
اللغة الهجينة تنتج ثقافة تافهة
- الشيخ مرتضى معاش:
ان مضمون الاحتكام الى اللغة العربية في اصل العنوان، لا يعني بالضرورة الانغلاق او عدم الانفتاح على الحضارات العالمية، الانفتاح هو امر مطلوب باي حال من الاحوال، وهو من الاساسيات التي نحتاجها اليها، من اجل كسب المزيد من التجارب ومن العلوم، الاستيراد الثقافي بمفهومه الاعم الاشمل يحمل بين طياتها خاصية.. التبعية، التغرب، الاغتراب، اختلال الهوية، اختلال السلوك، بمعنى ادق نحن امة مستهلكة وليست منتجة.
هذا الاستهلاك الثقافي شكل لنا نقطة انطلاق نحو عمليات الاستيراد العشوائي، الذي يشمل كل شيء ولا يستثني أي شيء، الملابس، الاحذية، الخيط، الابرة، الايس كريم، المناديل الورقية، وحتى المياه المعدنية والتمور، بلاد ما بين النهرين تستورد المياه والتمور من الخارج.
هذا الاستيراد غير المنظم والعشوائي له دلالات كبيرة، خصوصا وان العالم الغربي يسير بخطى حثيثة نحو التصدير المادي للماركات العالمية ك..الهمبرغر، الكنتاكي، الملابس، قصات الشعر، الفرق الغنائية، الافلام، كل هذه المصادر تصب في خانة تصدير الثقافات والرموز الثقافية، بالتالي شكل هذا المنحى خارطة طريق حتى يصبح الانسان العربي تابع للتوجيه الغربي او الثقافة الغربية.
لذلك اللغة بمفهومها العام تعني ربط الانسان بالعالم الخارجي، فعندما تحقق هذه الخطوة انت حتما تتجه نحو السيطرة على رؤية ونظرة ودين وعقيدة الشخص المستهدف، في سياق هذا المعنى يمكن تصنيف العوالم على النحو التالي.. عالم الاشخاص، عالم الاشياء، ولدينا ايضا عالم اخر يسمى عالم الافكار، اللغة هي من تشكل عالم الافكار.
بالتالي ان مضامين الوعي الغربي اكتشفت حقيقة ان السيطرة على الانسان تتشكل من خلال اختراع اللغة التي يريدونها، بالنتيجة يصبح هذا الانسان مستهلك من منظار اقتصادي، اللغة هي هوية الانسان، لذلك نرى الامم التي ضاعت لغتها ضاعت هويتها، اقرب مثال على ذلك التجربة التي يعيشها اقليم كردستان في اتباع سياسة التكريد اللغوي، لذلك اصبحت الاجيال الشابة الكردية لا تجيد اللغة العربية، بالتالي فقد الشباب الكردي عنصرا اساسيا من عناصر المواطنة والانتماء الوطني للعراق.
المثال الثاني يخص تركيا التي انسلخت عن محيطها الحضاري والتاريخي، حتى حدث نوع من انواع الانفصال عن الهوية وعن التاريخ الحضاري، والسبب هنا يعود لعمليات التتريك والانقطاع عن الحضارة العربية، الاسلامية، وعن القرآن، بالنتيجة النموذج الكردي والتركي ادى الى ضياع الهوية، واختلال الهوية، وضياع الشخص.
النموذج الياباني صورة مغايرة تماما لحالة الابتعاث الايجابي من خلال استقدام علوم الغرب، بالتالي حققت اليابان نهضة عظيمة، الى جانب ذلك يعتبر الاستبداد من اهم عوامل هجرة العقول، بالنتيجة هذا السلوك يؤدي الى اضمحلال العقول واضمحلال المعرفة وصعود الجهلة، بسبب الولاء الاعمى للحكام.
النقطة الاساسية الاخرى ما بعد الحداثة، واسلوب التفكيك في سردية ما بعد الحداثة، التي شملت كل دول العالم وليس فقط عالمنا العربي، بالمجمل ان ممارسة التفكيك ادت الى تغليب العامية، او تفكيك كل ما هو قديم، بالنتيجة المجتمعات في طبيعتها هي تخضع لعملية توليدية، فاذا لم تكون لديك قناعة فكرية اصيلة، او تغذية فكرية صحيحة، ينتج عن ذلك توليد سيء للغة، او مصطلحات سيئة.
التفكيك الشديد الذي مارسته بعض النخب المثقفة سواء كان عن عمد او عن جهل، ساهم بشكل مباشر في دعم المشروع الغربي القائم على تفكيك الادب الاصيل، على حساب الادب الذي ليس فيه اصالة عربية.
فعلى سبيل المثال اعطي الاديب المصري نجيب محفوظ جائزة نوبل وهو يكتب بالعامية، بالنتيجة التكريم هنا يرمز الى تكريم اللغة العامية، كذلك ما يخص الاشكال الشعرية الحديثة كالشعر الحر او ما شاكل، هذا الشعر جاء على انقاض الشعر العربي القديم، وجاء ايضا يحمل اسلوب التحرر.. من القواعد العربية، واللغة العربية، وموجات التأويل، والسياق الثقافي.
هذه القضايا بالمجمل قائمة على التفكيك وعلى الخروج من حضن اللغة العربية الى حضن لغة هجينة ثقافيا، اللغة بمعناها الاعم الاشمل هي تعني التواصل، لاسيما وان من اهم اسباب انقطاع حالة التواصل اليوم هي بسبب اللغة، فعندما تكون اللغة هجينة، والثقافة سطحية، تصبح الثقافة تافهة، ونفقد التواصل الحضاري، المنسجم مع حالة الاتصال مع القرآن الكريم، ومع السنة الشريفة، ومع تاريخنا الاصيل.
ايضا سوف نفقد تواصلنا مع حضارتنا، اليوم على سبيل الاستدلال من يعرف.. ابن سينا او الخوارزمي او جابر ابن حيان، من يقرأ روايات اهل البيت عليهم السلام، هذا التواصل غير موجود، نتيجة السطحية والتافهة، التي شكلتها الحضارة المعاصرة الحديثة، بالتالي نحن ابتعدنا عن العمق الذي يعطينا القدرة على.. الابتكار، الاجتهاد، التفكير، التأمل.
لذلك نحن نحتاج اليوم الى نهضة شاملة في سياق الاعتناء باللغة العربية، ففي شمال افريقيا على سبيل الشاهد هناك ارتقاء نسبي في اللغة العربية، وهذا ما لمسناه في حدود قدرتهم على التكلم باللغة العربية الفصحى وبشكل سليم، ايضا نحتاج اليوم الى التربية بالعربية واعطائها الاولوية المطلقة، خاصة في عملية التدريس والاهتمام والدرجات الجيدة، الامر ايضا ينسحب على حاجتنا الى تشجيع المنتديات الثقافية وضرورة دعمها ورعايتها بشكل استثنائي، ليس في الشعر فقط، بل بالأدب العربي الاصيل بكل صنوفه واشكاله.
كذلك لابد ان نشجع خطباء المنبر الحسيني للتكلم بالفصحى، والابتعاد عن العامية، النقطة الاخيرة هي استثمار الذكاء الاصطناعي لأنه يمتلك خاصية تطوير اللغة العربية، وذلك من خلال تغذية الذكاء الاصطناعي حتى تكون له امتدادات اصيلة.
العربية ورثت ظاهرة الاعراب من اللغة السامية الام
- علاء الدين الكاظمي، باحث اكاديمي:
من الطبيعي ان يذهب الانسان اتجاه الحضارة الغربية، التي تمسك بزمام ومقومات عالمنا المادي بكل تمثلاته، بالنتيجة ان صدام او صراع الحضارات له انعكاسات جدية على اللغة العربية، وهذا ما حاول ان يطرحه الدكتور احمد الطعان في كتابع المعنون (العلمانيون والقران)، في بداية هذا الكتاب اشار الى حقيقة العلمانية عند الغرب، واساس جذرها العربي المنسل من ترجمة كتب ابن رشد، الذي تأثر كثيرا بفكر ارسطو او المدرسة العقلية.
فيتحدث عن هذه الحقبة في القرن الثالث عشر يوم كانت اوروبا تنظر الى الحضارة الاسلامية والعربية، على انها حضارة متفوقة ومتقدمة، كما هو الحال الان ونحن ننظر الى الحضارة الغربية، الشاهد على ذلك بعض علماء الغرب آنذاك كان يستعين بأسماء عربية لتعزيز افكارهم، احد القساوسة يذكر ان النصارى قد نسوا حتى لغتهم الام، فلا تستطيع ان تجد واحد بالف يكتب رسالة باللاتينية السليمة، بينما لا تستطيع ان تحصي منهم من يحسن اللغة العربية تعبيرا وكتابة وتحذيرا.
هذا التأثير جاء بسبب التطور الحاصل آنذاك في الحضارة العربية والاسلامية، لاسيما وان التطور احيانا يكون على شكل مادي، واحيانا يكون معنوي، على سبيل المثال اليوم من خلال الاعلام يحاولون ان يفرضون علينا كل سلوكياتهم واخلاقياتهم، التي لاقت رواجا كبيرا من قبل الاوساط العربية، هذا لا يمنع باي حال من الاحوال فرضية ان الاستقلال الثقافي يأتي من خلال بيان.. قيمة اللغة العربية، اهمية اللغة العربية، ما تحويه هذه اللغة من كنوز ومن تراث ومن خزين معرفي.
وهذا المعنى ينسحب تلقائيا على تكييف كتاب (معاني النحو) للدكتور فاضل السامرائي حيث يقول.. ان العربية ورثت ظاهرة الاعراب من اللغة السامية الام، وقد كانت اللغات السامية القديمة كلها معربة، وقال المستشرق الالماني (ثيودور نولدكه) ان النطق كانوا يستخدمون الضمة في حالة الرفع، والفتحة في حالة النصب، والكسرة في حالة الجر، وحتى قانون حمورابي مدون باللغة البابلية القديمة وفيه الاعراب كما هو الحال في العربية الفصحى.
الاستقلال الثقافي والنظرة الدونية
- علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
المعضلة الاهم التي يعاني منها المجتمع العربي عموما والعراقي على وجه الدقة هو الشعور بالدونية امام الغرب، وامام الحضارة الغربية وامام اللغة الغربية، وهذا الشعور للأسف الشديد يبدا من ناحية النخب المثقفة، على الجانب الاخر في حقل السرديات كاتب مهم من مثل.. (فواد التكرلي)، اقحم النص بحوار شعبي، هذا مما احدث ضجة على مستوى القصة القصيرة والادب في العراق، حتى جاء الوقت ليتطور الخط المناصر للغة العربية وللغة الفصحى.
بشكل عام ان عملية بناء الاستقلال الثقافي، تبدأ من نقطة الاجهاز على الشعور الدونية، عندها سوف نتغلب على كل المشكلات التي تعترض طريق الارتقاء باللغة العربية.
الثقافة الاستهلاكية وازمة اللغة
- محمد علاء الصافي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
تقع المسؤولية كاملة على عاتق الاستيراد، وليس في اصل الاطلاع، او تعلم اللغات الاخرى، او الاهتمام بها، لاسيما وان جميع المعارف والعلوم هي تقريبا باللغات الاجنبية وليست باللغة العربية، وبكافة تخصصات الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والبرمجيات، تأتي في مقدمة تلك اللغات.. الانكليزية ثم الفرنسية ثم الاسبانية، اللغة الصينية التي نجهلها اليوم هي ايضا تمتلك قدر عالي من العلوم الحديثة.
بشكل عام ان تعلم اللغة او الاستيراد اللغوي من بعض اللغات، ليس فيه مشكلة، المشكلة تكمن في الثقافات الهجينة، والاستيراد الفوضوي، ففي القرون الاولى مثلا استعان العرب بالحضارة الغربية واستفادوا منها من خلال ترجمة العديد من الكتب، وحتى الحضارة الغربية استفادت من الحضارة العربية بشكل أو بآخر.
بالتالي ان الثقافة الاستهلاكية هي سبب هذه الازمة، فمثلا السلعة التي تطرح بالعنوان المحلي تكون قيمتها بسيطة، قياسا مع العنوان الغربي والاجنبي يكون السعر اضعاف مضاعفة، بالنتيجة العامل الاقتصادي أصبح مفصلا مهما من مفاصل هذا النهج التسويقي، لذلك ان عملية بناء الاستقلال الثقافي تمر عبر حقيقة فهم العلوم وتطويرها، خصوصا وان سبب بقاء اللغة العربية منحسر فقط بقراءة القرآن الكريم.
انتصار المفردات الاجنبية
- الباحث حسين علي عبيد، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
يضع اللغة ضمن ثلاثة محاور هي.. الكتابة والقراءة والتحدث، هذا النسق من التوصيفات سهل على العالم الغربي عملية استجلاب الذهن العربي، وذلك من خلال دحر القراءة والكتابة لصالح المفردات الاجنبية، التي احتلت مساحات واسعة من ثقافتنا العربية، التي لا تقف عند حدود رواج المصطلحات والمعاني الغربية في المطاعم، وفي المقاهي، وصالات الالعاب، ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تحث على المقاطع الفديوية بدل القراءة والكتابة.
لذلك لابد ان تتشكل رؤى واعية لانضاج عملية تأصيل اللغة العربية، في وجدان وضمير المجتمع العربي، هذا يحتاج منا بصريح العبارة الى قناعات راسخة بضرورة التمسك باللغة العربية والتعامل معها حرفيا على مختلف المستويات.
التقدم التكنلوجي على حساب لغتنا العربية
- الاستاذ احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
سبب وجود هذا الامر هو اختلاط اللسان العربي بالأعجمي، من جراء التطور الحاصل اليوم، الذي حقق شكل من اشكال التواصل ما بين اللغات، لاسيما وان هناك لغات جامدة واخرى حية واخرى ميتة، جائحة كورونا على سبيل الفرض حملت معها الكثير من الخصائص من مثلا.. كلمة جائحة هي تعني فيروس، هذه المفاهيم وهذه المصطلحات الاجنبية هي التي تجبر اللغة العربية على التراجع.
ايضا قضية التواصل الاجتماعي ينتج عنها لهجات ولغات مختلفة، هذا مما يضطر المتلقى الى حفظ بعض المفردات للتواصل مع الاخر، هذا الاستمكان مكن لهذه اللغات التوسع في عقول واذهان الناس، الامر الاخر ان اللغة العربية ورغم امتلاكها وعاء كبير في استيعاب المفردات والمتناقضات، لكنها بطبيعة الحال لا تستطيع ان تصمد امام التقدم التقني والتكنلوجي الطبي، الذي قال كلمته ازاء رواج اللغات الاخرى على حساب لغتنا العربية.
تركنا خلف ظهورنا لغتنا الام
- الأستاذ عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
ان وجود الحقبة الاستعمارية على البلاد العربية له الاثر الكبير من حيث اللفظ والمعنى، الجزائر خير شاهد ودليل حيث عمد الغزو الفرنسي الى نسف اللغة العربية، لولا تدخل الدول العربية المباشر وارسال المعلمين والمدرسين من اهل الاختصاص في اللغة العربية، ولكن ورغم مرور عقود طويلة من الزمن الى الان يعاني الانسان الجزائري عندما يتحدث لا تكاد تفهم منه شيئا، اضف الى ذلك ان هجرة الشباب العربي الى العواصم الاوربية اتى سلبا على اللغة العربية، بالنتيجة اصبحنا اليوم نفتخر باننا ادخلنا اللغة الفرنسية بعد اللغة الانكليزي الى المناهج الدراسية.
وتركنا خلف ظهورنا لغتنا الام، التي اصبحت تحتل مساحة اقل مقبولية من اللغات الاخرى، وهذا السلوك يشكل علامة فارقة في تاريخ تمكين اللغة العربية من عدمها.
اضف تعليق