يعد اللون بمختلف دلالاته عاملاً رئيساً في جماليات الصور الواقعية والمتخيلة، فلا يمكن أن تكتمل ‏صورة ما من غير حضور فاعل للون، فاللون هو عنصر أساسي في التشكيل الجمالي للطبيعة، ولذلك ‏فقد كان له أثر بارز في حياة الإنسان النفسيّة والاجتماعيّة والفكريّة...

يعد اللون بمختلف دلالاته عاملاً رئيساً في جماليات الصور الواقعية والمتخيلة، فلا يمكن أن تكتمل ‏صورة ما من غير حضور فاعل للون، فاللون هو عنصر أساسي في التشكيل الجمالي للطبيعة، ولذلك ‏فقد كان له أثر بارز في حياة الإنسان النفسيّة والاجتماعيّة والفكريّة، وإذا ما استقصينا ما للون من ‏حضور في حياة الإنسان على مرّ العصور نجده قد هيمن على معظم نشاطاته، سواء كان هذا ‏الإنسان شرقياً أم غربياً، متحضراً أم غير متحضر، وإن اختلفت الدلالات الرمزيّة للألوان من مجتمع ‏لآخر ومن عصر لآخر، فما من موروث ديني أو شعبي إلّا وكان اللون رمزاً من رموزه الفاعلة. 

‏وحتى على صعيد الديانات السماويَّة وما تشعَّب منها من مذاهب وطوائف، كان لاستعمال اللون ‏حضوره الرمزي الواضح، ولذا فمن البديهي أن يكون عنصراً بارزاً في تشكيلات الصورة ‏الأدبيّة، (فالأديب يستثمر الألوان لخلق التوازن والتناسب والوحدة والانسجام التي هي من أهم مباني ‏علم الجمال)‏. ‏ ‏

واللون بما يشكله من معطى رمزي سواء بمدلوله الأنثربولوجي أم بمدلوله اللغوي فإنّه يمثل مصدراً تعبيرياً متجذراً، ووفقا لهذا نرى أن الأشكال التعبيريّة بكلّ تنوعاتها قد استثمرت اللون كشفرة في ثنايا خطاباتها لنقل ما تحمله من رسائل للمتلقين. 

وإذا كان استثمار الفنون التشكيليّة للون ومرموزاته وجماليات تشكلاته عبر التلقي البصري يمنحها سعة في أفق التلقي وقوة في التأثير، باعتبار أن (اللغة البَصَريَّة) إن جازت التسمية هي اللغة الأكثر تداولاً والأوسع انتشاراً وتأثيراً، إلّا أن حضور اللون في المدوّنات اللغويّة لا يقل شأنا عن المدوّنات البصريّة في الجوانب الدلاليّة.

إنَّ علاقة الإنسان باللون بوصفه عنصراً مهيمناً في كل جوانب الحياة، ترتكز على عملية الإدراك الحسّي وفقا لكلود عبيد «التي تنجم عن ثلاث ظواهر هي: الظاهرة الفيزيائيّة والظاهرة الفيزيولوجيّة والظاهرة النفسيّة».

ولعل الظاهرة النفسيّة هي التي جعلت من اللون يدخل في صميم المرمزات التعبيريّة للإنسان منذ تشكّل الوعي التعبيري لديه؛ ليعبّر من خلاله عن مدلولات مختلفة: اجتماعيّة ودينيّة وذوقيّة، وسيكولوجيّة، إنَّ استثمار الفنون البصريّة للون استثماراً جماليا إلى جانب الاستثمارات الرمزية ‏يرتبط بالظاهرتين الفيزيولوجيّة والنفسيّة على حدٍّ سواء كونهما متعلقان بالجانبين الحسّي والإدراكي، بينما يتحقّق الاستثمار التعبيري اللغوي عن طريق الجانب الإدراكي، لارتباطه بالجانب الإدراكي. 

وبات لكلّ لون دلالته تناسبا مع المؤثرات البيئيّة التي تحيط بالتجمعات البشريّة، ووفقا لذلك اختلفت رؤية تلك الجماعات لرمزيّة كل لون، فالأسود مثلا نجده يمثل لون الحداد لدى جماعة معينة، بينما نجد الأبيض هو اللون الذي يرمز للحداد لدى جماعة أخرى، ومع ذلك قد تصبح ألواناً معينة رموزاً تعبيريّة عامة بفعل التأثيرات الإعلاميّة والثقافيّة والتقنيّة إلّا أنّ رمزيّة تلك الألوان لا تنحصر بدلالة واحدة، بل قد تتعدّد تبعا للمراد منها. ولعلّ في الإشارات المروريّة خير مثال على ذلك.

إذ أصبح اللون الأحمر دلالة متفقا عليها كرمز للخطر، بينما نجد دلالته تتحول إلى تعبير عن الحبّ لدى علماء النفس، ولدى علماء الطاقة ‏يصبح تعبيرا عن الانتماء؛ وبناء على ذلك أصبح من بين أهم رموز تكريم الضيوف الكبار هو أن تفرش لهم سجادة حمراء يمرون عليها في زياراتهم للبلدان الأخرى. (ينظر الألوان دورها، تصنيفها، رمزيتها لكلود عبيد)، وإذا كان اللون الأبيض يعبّر عن الحداد لدى جماعات معينة فإنّ المدلول المتواطئ عليه لدى الجميع بأنّه دلالة على السلام، كما أنّه يحمل دلالة على النقاء لدى الكثير من المجتمعات.

وقد يحمل أكثر من لون ذات الدلالة كما نجده في التعبير عن السلام أو الأمن والذي غالبا ما يمثله اللون الأبيض كما أشرنا، غير أننا نجد أن اللون الأخضر أيضا يشترك معه في ذات الدلالة، ووفقا لذلك أتخذ منه علامة من العلامات المروريّة كمدلول على السماح بالعبور.

وغالباً ما ترتبط دلالة اللون بحدث ما فيجعل منه تعبيراً عن الأثر الناتج عن ذلك ‏الحدث، ولعل هذا هو ما جعل من اللون الأخضر دلالة على الأمن والسلام بوصفه العلامة التي استدلّ بها النبي نوح (ع) على نهاية الطوفان بواسطة غصن الزيتون وفقا للرواية التوراتيّة.

وقد شكّلت الألوان برمزياتها المتعدّدة حضوراً واسعاً في المنتج الأدبي والشعري منه على الأخص قديما وحديثاً، إلّا أن توظيفها في الشعر الحديث حمّلها زخماً كبيراً من الدلالات، لكي تتواءم مع الوعي الحداثوي وفضاءاته التعبيريّة المتّسعة والمتجدّدة التي تستند الى رؤيا جديدة للحياة وخفاياها. وتناسباً مع التطورات التقنيّة والفنيّة والعلميّة التي فتحت فضاء أوسع للفعل التخيلي، وهو ما يحتاج إلى أدوات تعبيريّة قادرة على مواكبة التغيرات المتواترة. وربما كانت الألوان من أكثر المرموزات التعبيريّة استجابة للرؤى المتجدّدة لاتسامها بالمرونة والحيويَّة.

اضف تعليق