على الرغم من الاجراءات الامنية المشددة التي تتبعها بعض المتاحف ودور العرض في العديد من دول العالم، لاتزال حوادث سرقة اللوحات والتحف من اهم واخطر القضايا حيث تشير التقارير الى ان تجارة اللوحات والتحف المسروقة أصبحت اليوم تجارة عالمية يصعب السيطرة عليها بسبب ازدياد وانتشار العصابات المتخصصة في سرقة وتزوير هذه الاعمال التي تدر الملايين من الدولارات اذ تعد رابع أكبر تجارة بعد تجارة المخدرات وغسيل الأموال وتجارة السلاح.
وتشير التقارير ايضا وكما تنقل بعض المصادر إلى وجود اكثر من 350 ألف عمل فني مسروق في العالم، لم يتم بعد استرجاعها، منها ما يعاد بيعها في السوق السوداء، ومنها ما يتعرض للتخريب لسبب أو لآخر، ويقدر حجم السوق السوداء لتجارة الفن المسروق حول العالم بنحو 6 بلايين دولار سنويا، كما أن معدلات استرداد اللوحات والتحف الفنية المسروقة وإعادتها منخفضة للغاية، حيث تتراوح نسبة القطع الفنية المستردة ما بين 5 إلى 8%.
ورغم أن قلة من المتورطين في هذه النوعية من الجرائم يعشقون اللوحات الفنية بجنون، فإن كتاب المتاحف الشفافة يؤكد على أن الجشع المادي هو الدافع الأول للتنظيمات الإجرامية التي ترتكب جرائم السرقة. والطريف أن بعضها يعرض إعادة التحف المسروقة مقابل فدية كبيرة، فيما تحجم أغلب المتاحف عن الاعتراف برضوخها لهذه العصابات حتى لا تشجع على مزيد من جرائم السرقة الفنية.
سرقة واستبدال
فيما يخص بعض اخبار هذه الجرائم فقد كشف تحقيق قضائي في الصين أن موظفا مكلفا بالحفاظ على اللوحات في أحد المتاحف في الصين، قام بسرقة 143 عملا فنيا، واستبدلها بنسخ أنجزها بنفسه. وقد اعترف أمام القضاة بفعلته، مضيفا أن نسخه أيضا تعرضت للسرقة. وأقر شياو يوان كبير مسؤولي الأرشيف في أكاديمية الفنون الجميلة في كانتون بفعلته هذه أمام محكمة تتهمه بتحقيق 35 مليون ين من الأرباح (5,15 ملايين يورو) من خلال بيع اللوحات الأصلية.
ومن الفنانين الذي نسخ شياو أعمالهم وأعاد بيعها الرسام كي بايشي (1864-1957) الذي تجاور أسعار لوحاته أسعار أعمال لييكاسو وأندي وارهول. وقال الرجل البالغ 57 عاما إنه ليس الوحيد الذي يتصرف بهذه الطريقة في المتحف. مضيفا أمام القضاة في شريط فيديو للمحاكمة بث علنا "خلال التحقيق عرض عناصر الشرطة صورا لنسخي وتبين لي أن بعضها أبدل". وشرح أنه أدرك ذلك "لأن نوعية عمل هؤلاء الأشخاص رديئة جدا".
وأكدت دار المزادات "تشاينا غارديان" وهي الثانية من حيث الأهمية في الصين أن من بين مصادرها شياو يوان وأنها باشرت تحقيقات حول الأعمال التي بيعت عبره. والفضائح المرتبطة بالتزييف والتزوير منتشرة جدا في السوق الفنية والمتاحف الصينية. ففي العام 2013، أمرت سلطات مقاطعة هيبي (شمال) بإغلاق متحف مليء بقطع مزورة من بينها إناء مزين بصورة إخطبوط ضاحك قيل إنه عائد إلى سلالة كينغ (1644-1911).
من جانب اخر قالت الشرطة الايطالية إن الولايات المتحدة أعادت خمس وعشرين تحفة مسروقة إلى ايطاليا من بينها مزهريات أثرية ولوحات جدارية ومخطوطات نقلت بطريقة غير قانونية وعثر عليها في متاحف ودور مزادات ومجموعات خاصة. والمجموعة هي الأحدث ضمن سلسلة من الأعمال الفنية التي أعيدت بفضل تنسيق فريق من الشرطة الايطالية كلف بتعقب التحف المسروقة والتي غالبا تهرب إلى الخارج بطرق غير قانونية من المواقع الاثرية الكثيرة بالبلاد.
ومن بين القطع الخمس والعشرين مزهرية ترجع إلى 2500 عام مزينة بالدلافين وتابوت من الرخام عثر عليه اثناء بيعه بصالة فنون في نيويورك مقابل 4.5 مليون دولار وأجزاء من لوحات جدارية يعتقد انها سرقت من موقع مدينة بومبي الاثرية. وقال فريق الشرطة في بيان إن الخمس والعشرين قطعة هي "نماذج رائعة للفن الايطالي" تمت استعادتها من خلال التعاون الوثيق مع وزارة الأمن الداخلي الامريكية. وعثر على التحف في أماكن متفرقة بالولايات المتحدة من بينها متاحف في أوهايو ومنيابوليس وأعدت للبيع في مزادات لسوذبي وكريستيز في نيويورك بعد تقديم معلومات مضللة بشأن مصدر القطع.
على صعيد متصل سرق تمثال نصفي مصنوع من البرونز للنحات الفرنسي رودان في وضح النهار من متحف في كوبنهاغن على ما اعلن المتحف. وقال جايكوب فيبيغر اندريسن الناطق باسم متحف ناي كارلسبرع للنحت "لا نملك حتى الان اي مؤشر الى مكان وجود التمثال وتحقيق الشرطة يتواصل". وامتنع الناطق عن توضيح قيمة المنحوتة وهي بعنوان "الرجل ذو الانف المكسور" العائدة للعام 1863 الا ان وسائل الاعلام الدنماركية قدرت سعرها بحوالى 268 الف يورو.
وقد اظهرت مشاهد صورتها كاميرات المراقبة رجلين يسحبان التمثال النصفي عن منصته ويضعانه في كيس بلاستيكي قبل ان يخرجا بشكل طبيعي وفي وضح النهار خلال ساعات عمل المتحف. واظهر شريط اخر التقطته كاميرات المراقبة ايضا الرجلين نفسيهما يدخلان المتحف قبل اسبوع لتعطيل نظام الانذار. بحسب فرنس برس.
وقال اوفي راندروب من الشرطة الدنماركية لصحيفة "بوليتيكن"، "لقد دخلا المتحف في مهمة استكشافية قبل اسبوع تقريبا من عملية السرقة ". واوضح جايكوب فيبيغر اندريسن ان "الاشخاص الذين سرقوا التمثال سيواجهون صعوبة كبيرة في نقله لان انتربول ويوروبل ابلغتا بالسرقة". ونشرت الشرطة وصفا دقيقا للرجلين مشيرة خصوصا الى انهما ربما من اوروبا الشرقية.
شكوك وقضايا
من جانب اخر أوقفت دار مزاد سوذبي الدولية بيع لوحة لفنان روسي شهير قالت وزارة الداخلية الروسية إنها سرقت عام 1997 من مجموعة خاصة في موسكو. وقالت سوذبي إنه تم وقف بيع لوحة (المساء في القاهرة) للفنان إيفان إيفازوفسكي بناء على طلب المودع أو البائع. وطلبت وزارة الداخلية الروسية من الشرطة البريطانية منع المزاد.
وكانت سوذبي قالت في وقت سابق إنها لم تعثر على أي ذكر للوحة بقاعدة بيانات الأعمال الفنية المسروقة وانها ستمضي قدما في عملية البيع بموافقة مقتني اللوحة والعائلة التي قالت ان اللوحة سرقت منها. ولم يتضح السبب وراء تغيير رأي الدار. وقالت سوذبي في بيان عبر البريد الالكتروني "تم سحب لوحة ‘المساء في القاهرة‘ لإيفان إيفازوفسكي التي تحمل رقم 23 في مزاد سوذبي للأعمال الفنية الروسية بناء على طلب مقتني اللوحة." وقالت انه لم يتوفر "مزيد من المعلومات."
ورفضت وزارة الداخلية الروسية التعليق فورا وقالت إنها ستوضح موقفها في وقت لاحق. ولم تكشف وزارة الداخلية عن اسم صاحب الشكوى لكن سوذبي عرفتهم من قبل بانهم من عائلة نوسينكو التي قالت وسائل الإعلام الروسية إنها اشترت اللوحة في الاربعينات. ووضعت اللوحة التي ترجع لعام 1870 على قائمة البيع بموقع سوذبي مع تقديرات ببيعها بسعر يتراوح بين 1.5 و2 مليون جنيه استرليني (2 و3 ملايين دولار) ضمن مجموعة من الأعمال الفنية الروسية تباع في لندن.
من جهة اخرى أمر قاض اتحادي في مانهاتن بعدم تسليم تاجر أعمال فنية روسي تتهمه السلطات البولندية بالحيازة غير القانونية للوحة ترجع للقرن الثامن عشر سرقها النازي أثناء الحرب العالمية الثانية. ورفض القاضي الجزئي الامريكي جيد راكوف طلب تسليم ألكسندر خوشينسكي (64 عاما) قائلا إنه لم تظهر أي أدلة تشير إلى معرفة الرجل بان اللوحة كانت مسروقة من بولندا عندما استحوذ عليها.
وقال راكوف إن الأدلة دعمت زعم خوشينسكي بانه ورث اللوحة ولم يعلم بشأن مطالبة بولندا بها في 2010 إلا بعد ان عرضها لسنوات في معرضه الفني في موسكو وأدرجها ضمن البوماته المصورة (الكتالوجات). وكتب راكوف "هذاالسلوك لا يتماشى مع شخص يعلم ان حكومة أجنبية تطلب ما لديه." وألقت السلطات الأمريكية القبض على خوشينسكي -الذي يعيش الآن في شقة في مانهاتن- بناء على طلب بولندا. واطلق سراحه لاحقا بكفالة مالية 100 ألف دولار لحين نظر طلب التسليم.
ورحب كريستوفر فلود -محامي خورشينسكي- بالحكم قائلا إن موكله "يتطلع إلى استئناف حياته الطبيعية مع عائلته." ورفضت متحدثة باسم بريت بهارارا المدعي العام في مانهاتن -الذي تولى مكتبه طلب التسليم لبولندا- التعليق على الأمر. ولم ترد السفارة البولندية على طلب للتعليق. ولوحة (جيرل ويذ ايه دوف) هي احدى 63 ألف قطعة تقول وزارة الثقافة والتراث القومي البولندية إنها نهبت خلال الحرب العالمية الثانية. بحسب رويترز.
وتقول السلطات فان متحف فيلكوبولسكا في مدينة بوزنان البولندية اشترى اللوحة عام 1931 وتم الاستيلاء عليها خلال عملية نهب للنازي الالماني في 1943 . وقالت السلطات إن الجيش الروسي عثر على أعمال فنية من المتحف في 1945 واعيدت إلى الجمهورية السوفينية السابقة. وفيما عادت بعض الأعمال كان من بين المفقودات لوحة (جيرل ويذ إيه دوف) وأدرجها البوليس الدولي (انتربول) ضمن قائمة المسروقات.
وحدة متخصصة
الى جانب ذلك كانت لوحة لالفرد سيسلي سرقت ثلاث مرات وعثر عليها في كل مرة، خلال عطلة نهاية الاسبوع محور معرض مكرس لوحدة صغيرة من عناصر الشرطة والدرك الفرنسيين متخصصة في مكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية. لوحة الفنان الانطباعي الانكليزي وهي بعنوان "ممر الحور قرب موريه سور لوان" (1890) عرضت بحراسة شرطيين اثنين في وزارة الداخلية خلال "ايام التراث" التي يتم خلالها فتح مواقع ونصب عدة امام الجمهور.
وقصة هذه اللوحة تدفع ال حراستها. فقد نهبت خلال الحرب العالمية الثانية وسرقت ثلاث مرات. وهي معارة الان من متحف اورسيه. في العام 1978 سرقت اللوحة في مرسيليا (جنوب فرنسا) خلال اعارتها في اطار معرض. وعثر عليها بعد ايام قليلة في شبكات الصرف الصحي في المدينة. وبعد عشرين عاما على هذه الحادثة احتجز مدير متحف الفنون الجميلة في نيس (جنوب شرق) رهينة وارغم على فتح خزنة المتحف الى لصوص اختاروا لوحة سيسلي هذه. واظهر التحقيق ان العملية من تدبير المدير نفسه الذي اقر بفعلته.
وسرقت اللوحة مرة اخرى من متحف نيس العام 2007. وفي العام 2008 ، اوقعت فرق من المكتب المركزي لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية (او سي بي سي) باللصوص خلال صفقة مزيفة على كورنيش مرسيليا واستعادوا اللوحة. وشكل هذا المكتب قبل 40 عاما لمواجهة الارتفاع في عمليات السرقة التي تطال القصور والكنائس والدارات الكبيرة في فرنسا. وفي هذه الوحدة 25 شرطيا ودركيا يتعقبون الممتلكات الثقافية المسروقة او المنسوخة. ومنذ العام 1995 يساعدهم في مهامهم برنامج معلوماتي يضم 91500 صورة و31600 قضية.
ويوضح لودوفيك ايرهارت رئيس "او سي بي سي" "نحن محققون في المقام الاول. ونعتمد بعد ذلك على خبراء ووزارة الثقافة والمتاحف الكبرى". ويوضح هذا الضابط في سلاح الدرك "قد تخفى القطعة المسروقة لسنوات عدة. قد يستمر الامر 10 الى 15 سنة لكي ينسى العمل ويباع في منطقة بعيدة من العالم في بلد لا يحظى بمستوى المراقبة نفسه مع التأكيد على انه يأتي من مجموعة خاصة. ومن ثم تشتريه صالة عرض فني ومن ثم اخرى". ويعود العمل للظهور في السوق مع تاريخ جديد.
لكن ثمة لوحات لا تحظى بالوقت الكافي لتختفي. ففي العام 2007 سرقت ثلاث لوحات لبيكاسو من منزل حفيدته ديانا فيدماير بيكاسو في باريس. وبفضل معلومات اتت من مصدر مجهول تمكن مكتب "او سي بي سي" بعد ستة اشهر فقط من معرفة هوية اللصوص الذين اوقفوا واللوحات في صندوق سيارتهم. وكانت ديانا فديماير-بيكاسو حاضرة عند انطلاق "ايام التراث" لتعرب عن امتنانها لهذا المكتب وقالت "لقد برهنوا عن فاعلية لا ترحم للعثور على اعمال كبيرة في هذه الفترة القصيرة".
وقد اشتهر "او سي بي سي " بفضل عمليات ناجحة اخرى. ففي العام 1987 عثر المكتب في اليابان على اربع لوحات لجان باتيست كورو سرقت من سيمور-ان-اوكسوا (وسط فرنسا الشرقي). وفي العام 1990 ضبطت تسع لوحات لفنانين انطباعيين من بينهم لوحة "بزوغ الشمس" لمونيه، سرقت جميعها من متحف مارموتان في باريس ، في جزيرة كورسيكا. الا ان مكتب "او سي بي سي" لا يهتم فقط باللوحات. بحسب فرانس برس.
ويوضح لودوفيك ايرهارت "في اوساط الفن ثمة جولات والنشاط الاجرامي يتبع جولات معينة". وهو ويؤكد ان اللوحات والاثاث اقل رواجا الان فيما الاثار تحتل الصدارة. وقد كتبت صفحة جديدة في هذا المجال كتبت اذ ان مجلس الامن الدولي اقر في شباط/فبراير القرار 2199 الذي يحظر الاتجار بالممتلكات المأخوذة من العراق وسوريا ويفرض على كل الدول الاعضاء اتخاذ الاجراءات الكفيلة بحظر الاتجار. ويعتبر القرار يعتبر هذا الاتجار بمثابة تمويل الارهاب.
اضف تعليق