قيل سابقا ان الإعلام مهنة المتاعب، ويقول الدحدوح انها مهنة المصائب ودفع الضرائب، لا شيء دون مقابل، ثمن تبيان الحقائق ونقل المعاناة الإنسانية قد يكون الحياة، ولا سبيل للنجاة سوى التسلح بسلاح الوطنية والثبات على خط المواجهات التي لا تقل أهمية عنها المواجهة الإعلامية، تعلموا من الدحدوح...
اقل من اربعة وعشرين ساعة هي المدة التي انقطع فيها وائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة الإخبارية عن الظهور بالبث المباشرة لشرح وتوضيح والتعليق على مجريات الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة والذي خلف آلاف من الشهداء والجرحى.
استشهاد عائلة الدحدوح وعلى الرغم من كونه فاجعة إنسانية الى جانب الفواجع اليومية الحاصلة في القطاع، الا انه اعطى العاملين في مجال الإعلام درسا بليغا حول أهمية مواصلة الطريق لإيصال الرسالة الإعلامية، لا سيما وان الدحدوح يعلم جيدا ما تؤديه مؤسسته الإعلامية من دور في تأليب الرأي العام وتكوين جماعات ضاغطة دولية ضد المجازر الإسرائيلية.
انا شخصيا توقعت وقد يتفق معي الكثير ان مراسل الجزيرة وبعد تلقيه خبر استشهاد افراد اسرته ومن بينهم زوجته وابنيه، لم يقف امام عدسات الكاميرا لحين من الزمن، وذلك لان الفقد ليس سهلا، وفراق الموت ربما هو من أعظم المصائب والشدائد التي تمر على الانسان، فكيف الحال وسط ما تعانيه فلسطين كاملة من أوضاع إنسانية مأساوية؟
الدحدوح ومن خلفه مؤسسة الجزيرة الإعلامية قدمت ولا تزال تقدم وبصورة يومية دروسا إعلامية للمحترفين قبل المبتدئين، وللمختصين قبل الهاوين، فقد تفردت من بين المحطات العربية التي تجاوز تعدادها المئات بين صحيفة وإذاعة وتلفاز وموقع الكتروني اخباري.
ولم يأتي تفردها من فراغ، بل جاء من استقطابها للوجوه والكفاءات الإعلامية المعطاءة والمتجددة والمتألقة في سماء الإعلام العربي والدولي، وما فعله الدحدوح أوضح كل أسرار التقدم الرهيب لمؤسسة الجزيرة العملاقة، وأجاب على جميع الأسئلة التي تدور بخواطر الملايين من البشر على مستوى العالم.
لقد بينت حادثة استشهاد عائلة الصحفي في الجزيرة أهمية الماكنة الإعلامية ودورها في تغير قواعد الحرب وقلب الموازين الى صالح المستضعفين، ودليل ذلك العودة غير المتوقعة للمراسل الذي يعرف جيدا حجم التأثيرات وردود أفعال التغطية المستمرة لقناة الجزيرة عبر شبكة مراسليها.
ناهيك عما تجريه من لقاءات مع خبراء عسكريين ومحليين سياسيين يوضحون للرأي العام ماذا حدث وكيف، ولماذا حدث وغيرها من الإجابات على الاستفهامات.
لم تستفد وسائل الإعلام العربية بصورة عامة من تجربة الإعلام القطرية، ولم تعمل على تقديم رسائلها بقوالب حديثة بعيدة عن الكلاسيكية في الطرح والرتابة في انتاج المواد الإعلامية، تسير جميعها او اغلبها واحدة خلف الأخرى، لم تبحث عن طريق خاص بها ولون يميزها عن نظيراتها.
لذا لم تُحدث التأثير الذي ترغب فيه وبقيت تدور حول نفسها في الفضاء الإعلامي الرحب والمتغير، وبذلك حافظت الجزيرة على تميزها وبقاءها في الصدارة الإقليمية، ولم يأتي من ينافسها او يزحزحها عن مكانها الذي حجزته في القمة.
وعلى مستوى العمل الميداني اعطى الدحدوح وزملائه منذ يوم السابع من تشرين الأول عام 2023، دورات تدريبية تبدأ من ساعات الصباح الباكر ولم تنته بحلول منتصف الليل، فهم يواصلون الليل بالنهار من اجل وضع المراقبين والمهتمين للشأن الفلسطيني بالصورة لما يحدث على ارض الواقع، لا يعرفون الملل، ولا ترعبهم أصوات المدافع المنهمرة على رؤوسهم والمدنيين العزل.
قيل سابقا ان الإعلام مهنة المتاعب، ويقول الدحدوح انها مهنة المصائب ودفع الضرائب، لا شيء دون مقابل، ثمن تبيان الحقائق ونقل المعاناة الإنسانية قد يكون الحياة، ولا سبيل للنجاة سوى التسلح بسلاح الوطنية والثبات على خط المواجهات التي لا تقل أهمية عنها المواجهة الإعلامية .... تعلموا من الدحدوح.
اضف تعليق