لكي ننتج محتوى إعلامي محترف، نحتاج إلى تأهيل شبابنا في كليات الإعلام المحترفة، وهذه الكليات لا وجود لها في العراق حتى هذه اللحظة، وإذا فشلت كليات الإعلام، نذهب لمعاهد التدريب ووسائل الإعلام التقليدية نطلب منها القيام بالمهمة، لكنها ستفشل أيضاً، هذه المعاهد والمؤسسات التقليدية تفتقر هي الأخرى للتدريب اللازم للتعامل مع التقنيات الرقمية...
كتب الإعلامي سالم مشكور مقالاً نشر في شبكة النبأ المعلوماتية تناول فيه قضية حرب وزارة الداخلية ضد ما يسمى بـ"المحتوى الهابط"، وتساءل عن الأسباب التي تمنعنا من استثمار التقنيات المتقدمة في نشر محتوى هادف يخدم المجتمع ويقدم له ما يساعده على الارتقاء؟
جزء من الأسباب التي يطرحها الكاتب بشكل ضمني أو صريح تعود إلى أن "التسفّل أيسر من الترفّع"، وإن مزاج المتلقين الحالي يُقبل على الضحالة لسهولتها وجاذبيتها، لكن السبب الآخر لانتشار الضحالة يعود بشكل رئيس إلى صغر مساحة المحتوى الهادف والجدي وعدم اعتماده أساليب الجذب المشروع والأخلاقي.
الحل إذا بتوسيع نطاق النشر للمحتوى الهادف بقوالب جاذبة وهو ما سيوسع دائرة المتلقين ويحاصر المحتوى الهابط، ويقترح مشكور بأنه يجب عدم الاعتماد على جهود فردية، لأن الأمر يتعلق بعملية حماية مجتمع من التفاهة والضحالة، وإشاعة المحتوى الإيجابي والنافع وهي جهود تحتاج إلى تعاون وتكاتف بين أصحاب هذا المحتوى.
انتهيت من قراءة المقال، وبدأت التفكير أفكر بالحلول المطروحة، وجدتها سهلة جداً، قد أكون أنا أحد هذه الحلول، لأنني أعمل الآن أستاذاً لمادة تكنلوجيا الإعلام في إحدى الجامعات العراقية، وكاتب صحفي منذ أكثر من سبع سنوات، كما أملك تجربة في تدريس مواد الإعلام وممارستها في أربع كليات حكومية وأهلية، وربما لم أترك موضوعاً إعلامياً إلا وناقشته مع طلابي أو مع قراء مقالاتي.
الصدمة تأتي عندما أكشف للمطالبين بتوظيف التقنيات الرقمية الحديثة حقيقة ما يجري في كليات الإعلام باعتبارها الأساس الذي يتشكل فيه الصحفي والكاتب ومقدم البرامج وغيرهم ممن يعملون في المجال الإعلامي، وهم في النهاية الأشخاص المطالبين بتوظيف التقنيات لإنتاج المحتوى الهادف.
الكلية التي أدرس فيها الآن تفتقد إلى أبسط مقومات التدريس التقليدي، فما بالك بتدريس مادة التقنيات الرقمية، لا توجد أي مؤشرات أو علامات فارقة تبين بأن القاعة التي ندرس فيها التقنيات على أنها مخصصة لهذا الغرض.
أربع جدران، وإنارة نصفها يعمل والنصف الآخر استُهلك وقضى نحبه، لا توجد شاشة واحدة في القاعة، ولا حاسوب ولا كامرا، ولا ميكروفون، ولا أي تقنية من تقنيات الإعلام.
والحال الذي أتحدث عنه يشمل الغالبية العظمى من كليات الإعلام في العراق، ويمكن استثناء كلية الإعلام في جامعة بغداد، رغم أن مستوى تطورها التقني بسيط جداً، لكنه على أقل تقدير يعطي هوية واضحة للكلية، ويؤكد أن قاعاتها مخصصة للإعلام وليست قاعات بيضاء بلا أي هدف.
في نهاية السنة يُراد من خريج الإعلام أن يبدع في تطويع التقنيات الرقمية وبما يخدم أهدافه في إنتاج رسالة إعلامية ومحتوى هادف.
بالمختصر فشلت كليات الإعلام في إنتاج إعلاميين قادرين على ملاحقة التطورات التقنية الحديثة، وتوظيفها في مجال عملهم، لأن الكليات نفسها فاقدة لأبسط التقنيات ومتأخرة في كل شيء تقريباً.
أسقط هذا الخيار من أيدينا، وهو أهم مورد من موارد تأهيل الشباب ليكونوا قادرين على انتاج المحتوى الإعلامي، ففرغت الساحة الإعلامية وشعر الناس بأن العمل الإعلامي غير موجود.
نلتفت يميناً وشمالاً، فلا نجد إلا من فقد الأمل بالحصول على وظيفة من خريجي الكليات غير المتخصصة في مجال الإعلام، نطلب منهم تقديم محتوى إعلامي هادف، لكنهم يفشلون في أغلب الأحيان، لأنها في النهاية يمارسون عملاً لم يتدربوا على اتقانه.
ومن بين الذين يعملون في مجال الإعلام أدباء وكتاب بعضهم لهم مكانتهم العالية وبعضهم الآخر جاء بسبب ضعف ذات الحال، وانخفاض معايير الدخول في شريحة المثقفين والفنانين والأدباء.
إلا أن الأدباء لم يستطيعوا إنتاج محتوى إعلامي قادر على إشباع حاجات الشباب، ولا أحد يمكنه إشباع ما يحتاجه الشباب إلا شباب مثلهم، يفهمون لغتهم ومدربون على أحدث التقنيات الرقمية، فتجدنا بحاجة للعودة إلى أصل الحكاية.
لكي ننتج محتوى إعلامي محترف، نحتاج إلى تأهيل شبابنا في كليات الإعلام المحترفة، وهذه الكليات لا وجود لها في العراق حتى هذه اللحظة.
وإذا فشلت كليات الإعلام، نذهب لمعاهد التدريب ووسائل الإعلام التقليدية نطلب منها القيام بالمهمة، لكنها ستفشل أيضاً، هذه المعاهد والمؤسسات التقليدية تفتقر هي الأخرى للتدريب اللازم للتعامل مع التقنيات الرقمية.
اضف تعليق