ان الحوار الذي يدور يوميا بين الملايين من الأشخاص، ليس من الصواب ان ينتهي بالتوافق التام، ويجب ان يؤخذ بعين الاعتبار الاختلافات الفكرية والعمل على تقريب وجهات النظر بعيدا عن الخصومة وبذلك يكون الحوار حوارا يتسم بالمثالية لا يقترب من العدوانية...
كيف تتعرف على جليسك المباشر او عبر وسيط افتراضي؟، كيف تطلع على أساليب وطريقة تفكير الطرف الآخر؟، وكيف تعرف الابعد من ذلك عن الأشخاص الذي تصادفهم في مكان ما؟
تتعرف على جميع الأصناف من الأشخاص المذكورة عن طريق أداة الحوار وتبادل الكلام الشفاهي، وان لم تمتلك خاصية اتقان الحديث، فاعلم إنك تعاني من الامية الحوارية التي تجعلك غير قادر على فك رموز الشخصية التي تتحدث معها.
ويعرف أصحاب الاختصاص الحوار، على انه المحادثة التي تجرى بين شخصين أو عدد كبير من الأشخاص، وذلك بغرض الحديث عن موضوع معين، أو بهدف الوصول لحل مشكلة ما.
ويقصد بالحوار أيضا انه مهارة تبادل الآراء والأفكار بين الأشخاص فيما بينهم، ويتعلق بقضية معينة من أجل الوصول لاتفاق وحل لهذه القضية، وسوف نتعرف من خلال اجزاء المقال القادمة على طرق الحوار الناجح وكيفية التعامل الصحيح مع الأشخاص عموما.
نرى على مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال غياب تام لأساليب الحوار الجاد والذي ينتهي الى اتفاق او اختلاف في وجهات النظر ضمن حدود الاحترام المتبادل، بعض الأشخاص تصل بينهم الحالة الى التراشق وكيل السباب وتبادل الالفاظ البذيئة لمجرد الاختلاف في الآراء، ولا يعكس ذلك الى مدى الامية الحوارية التي يتمتع بها هذا النوع من المتحاورين.
وفي رقعة أخرى غير الشبكات الاجتماعية، نجد ذات المشكلة مستفحلة في المجتمع العراقي، فلا يوجد انسجام او تلاقي في الحوار، لكل فرد قناعته ولكل شخص مبرراته التي ينسف بها مبررات الطرف الآخر، وبذلك يدور الحوار في دائرة مفرغة، ولا يمكن ان يؤدي الغرض الأساس منه.
ضعف حلقات الحوار بين الافراد، يرتبط وبشكل وثيق بالأنانية الفردية والتمسك الاعمى بالرأي وان كان خاطئا، في حين يتم الابتعاد كليات عن قواعد الحوار المُجدي، والتي لا يمكن الاستغناء عنها في الكثير من المجالات المختلفة ومن هذه المجالات وأكثرها إثارة للجدل هو المجال السياسي وبعض القضايا الاجتماعية.
وتأتي أهمية الحوار في خلق التفاهمات بعصرنا الحالي، من كونه أحد اهم الأركان الأساسية التي يهتدي اليها الفرد والمجتمع الناجح لتحقيق الاتصال بين المجتمعات وديمومة فتح النوافذ على الآخرين لتبادل الأفكار وتحقيق مستويات من التفاعل الإيجابي المثمر.
اغلب الإشكاليات والحالات السلبية التي تأخذ حيزا كبيرا في المجتمع ترجع في الأساس الى الامية الحوارية التي تعتبر السكة والجادة الصلبة التي تمكن الافراد من الخروج بانسيابية كبيرة من بعض المشكلات اليومية، اذ ترسم هذه الانسيابية الآفاق المستقبلية وخلق مهارة حوار متمكن من خلق الفوارق.
لم تغفل السنة النبوية والشرائع السماوية أهمية الحوار وتحديدا الحوار الواعي الملتزم بآداب ومهارات الحوار الانيق، الذي يعد ولا يزال الخطوة الأولى للبحث إما عن حل لمشكلة أو إجابة على تساؤلات قد تدور في ذهن أحد أطراف الحوار أو لتسوية خلاف أو لغير ذلك من الأهداف العامة.
اليك بعض الشواهد على وجود الحوار ووجوبه، حيث جاءت الآيات القرآنية بقوله تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} الكهف، ونجد ذكر الحوار حاضرا أيضا في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} المجادلة.
وفي نهاية الحديث المختصر عن الامية الحوارية نقول ان الحوار الذي يدور يوميا بين الملايين من الأشخاص، ليس من الصواب ان ينتهي بالتوافق التام، ويجب ان يؤخذ بعين الاعتبار الاختلافات الفكرية والعمل على تقريب وجهات النظر بعيدا عن الخصومة وبذلك يكون الحوار حوارا يتسم بالمثالية لا يقترب من العدوانية.
اضف تعليق