q
من بين الدروس القريبة التي علمتنا اياها جائحة كورونا، ان التواصل من خلال الموبايل والفيسبوك واليوتيوب وغيرها، لن تغني الناس عن اللقاءات الواقعية وتحدثهم لبعضهم وجها لوجه، فالحضور الوجداني يغذي الانسان بشعور خاص ويجعله أكثر امتلاء وحيوية، ناهيك عما يتركه من أثر نفسي واغناء للذاكرة...

من بين الدروس القريبة التي علمتنا اياها جائحة كورونا، ان التواصل من خلال الموبايل والفيسبوك واليوتيوب وغيرها، لن تغني الناس عن اللقاءات الواقعية وتحدثهم لبعضهم وجها لوجه، فالحضور الوجداني يغذي الانسان بشعور خاص ويجعله اكثر امتلاء وحيوية، ناهيك عما يتركه من اثر نفسي واغناء للذاكرة، فالزمالة في المدرسة او العمل، والاصدقاء في المقهى او الميادين الرياضية، تعكس الاحساس العميق برغبة الانسان في الانتماء للجماعة، ومن خلالها الانتماء للانسانية بشكل عام.

قبل ايام تساءل البعض عن جدوى المهرجانات الثقافية (شعرية – سردية- فكرية .. الخ) في ظل وجود النت الذي يجعلك تتحدث الى اقصى انسان في الارض كما لو انكما تجلسان على طاولة واحدة! ويرى هؤلاء المتسائلون ان ما ينفق من اموال على هذه المهرجانات يمكن الافادة منه في مشاريع ثقافية اكثر جدوى، حسب رايهم.

تثير هذه التساؤلات تساؤلات اخرى، تتصل بموضوعة الجدوى التي يبحث عنها هؤلاء، وفي مقدمة تلك التساؤلات هو جدوى اقامة حفلات الافراح والحفلات الغنائية او الفنية الاخرى، حيث تزدحم القاعات وتنفق الاموال وتخصص الاوقات، بعد ان تتهيأ الناس للحضور للتمتع بأجواء الحفل والاندماج ببهجة جماعية يبقى الانسان يحتاج اليها بين مدة واخرى ليجدد طاقته وهو يبحث عن اسباب الراحة النفسية والانسجام الداخلي.

فإقامة مهرجان ثقافي في اية محافظة عراقية، ويحضره المعنيون من ابناء المحافظات الاخرى، يعني ان تلك المحافظة حققت هذا المناخ الثقافي والنفسي الذي جمع ابناء الوطن بمختلف طيفه ليكونوا في مكان واحد، يتبادلون الآراء ويتعرفون الى بعضهم اكثر، فضلا على ما يقدمه كل مدعو من نتاج ثقافي او ابداعي يعرّف به ويقدمه للآخرين من خلال هذا المنبر، بل ان هذه المناسبات كانت سببا في تقديم اسماء كثيرة في مجالات الابداع والثقافة المختلفة، اضافة الى ما تركته في الذاكرة من مشاعر ولمسات لكل من شارك او اسهم فيها.

نعم، نحن ضد الاسراف والعشوائية في المهرجانات، واقامة المهرجان من اجل المهرجان، وقد عقدت الكثير منها من دون ان تترك اثرا يذكر، ولعل سوء التنظيم والتخطيط يتسبب في جعل تلك المهرجانات جافة ورتيبة، بل وثقيلة تدفع بالحضور الى التذمر والرغبة في انتهاء الجلسات بأسرع وقت، والسبب هو ما اسميه ب (الترانزيتية)، اي من الفندق الى القاعة وبالعكس، من دون ان يخصص وقت للتجوال المنظم في المعالم المميزة للمحافظات التي تقام فيها المهرجانات، وايلاء الجانب الثقافي الترفيهي اهمية، كونه يحفز على الشد والتهيؤ النفسي لتلقي النتاج الابداعي والثقافي من قبل الاخرين، وهذا للاسف غائب في اغلب مهرجاناتنا، ولعل مهرجان المربد في البصرة خرج على هذه الرتابة وجعل المنهاج اكثر حيوية، وان ليس بالمستوى المطلوب.

واخيرا نقول، ان العراق اليوم وبعد محنة طويلة وارهاب ومحاولات تقسيم، نجد ان اقامة المهرجانات الثقافية والابداعية من قبل جميع المحافظات، ضرورة تتجاوز الثقافي الى ما هو ابعد، وطنيا وانسانيا!

والاتحاد اذ يقيم المهرجانات ويحرص على ان يكون الحضور مغطيا لمساحة الوطن كله، وآخرها مهرجان الجواهري وندوة منبر العقل وحضوره الفاعل في النشاطات الثقافية التي رافقت معرض العراق الدولي للكتاب في دورته الاخيرة، فإنه ينهض من موقعه بهذه المهمة الوطنية الثقافية الكبيرة.. بالتأكيد.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق