ان نشر مثل هكذا رسومات هي دعوة صريحة للكراهية واثارة العنف، خصوصاً وان هذه الرسومات تستهدف اهم وأعظم شخصية عند المسلمين، وسيكون مبرر اساسي للجماعات الاسلامية المتطرفة للقيام بهجمات وعمليات مسلحة في مختلف دول العالم. وشارلي إبدو مجلة فرنسية ساخرة تصدر في باريس...
قررت صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية ومع مع انطلاق محاكمة 14 متهما في قضية الهجوم المسلح الذي تعرضت له قبل أكثر من خمس سنوات وأوقع 12 قتيلاً في صفوف فريق العاملين فيها، إعادة نشر الصورة المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه واله، وهو ما اثار موجة من الغضب والاستنكار. وكتب مدير الصحيفة الساخرة كما نقلت بعض المصادر في العدد الجديد يقول: “لن ننبطح أبدا، ولن نتراجع أبدا”، موضحا أن هذه الرسوم ستعود إلى الصفحة الأولى من الصحيفة بمناسبة المحاكمة وهو أمر وصفه بـ “الضروري”. وأضاف، أن مؤسسته رفضت في السابق دعوات نشر رسومات كاريكاتورية جديدة عن النبي محمد صلى الله عليه واله لغياب مبرر معقول.
وفي حديث لإذاعة “أوروبا 1” الفرنسية في العاصمة باريس، بارك فيليب فال، مدير الصحيفة الساخرة عند وقوع الهجوم عليها، مبادرة المدير الجديد بإعادة نشر الرسومات، واصفا إياه بالصحفي الممتاز. وأثارت هذه الرسوم المثيرة للجدل عندما نشرت في المرة الأولى قبل 5 سنوات استياء كبيرا في الأوساط المسلمة في فرنسا وعبر العالم، ولا يستبعد أن يثير قرار إعادة نشرها المشاعر ذاتها مرة أخرى.
ويرى بعض المراقبين ان نشر مثل هكذا رسومات هي دعوة صريحة للكراهية واثارة العنف، خصوصاً وان هذه الرسومات تستهدف اهم وأعظم شخصية عند المسلمين، وسيكون مبرر اساسي للجماعات الاسلامية المتطرفة للقيام بهجمات وعمليات مسلحة في مختلف دول العالم. وشارلي إبدو مجلة فرنسية ساخرة تصدر في باريس منذ عام 1992. وهي واحدة من وسائل الإعلام القليلة التي أعادت نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد في عام 2006 بعدما نشرتها قبل ذلك صحيفة يولاندس-بوستن الدانماركية. ومنذ ذلك الحين تتعرض المجلة لتهديدات جماعات إسلامية متطرفة.
وقُتل 12 من بينهم بعض أشهر رسامي شارلي إبدو عندما اقتحم سعيد وشريف كواشي مقر المجلة في باريس وأمطرا المبنى برصاص بنادقهما الآلية. وفي مواجهات متفرقة، قتلت الشرطة الشقيقين شريف وسعيد ومسلحاً إسلاموياً ثالثاً قتل خمسة أشخاص في الساعات الثماني والأربعين التي تلت الهجوم على شارلي إبدو.
كابوس لا ينتهي
أعاد طعن اثنين في شارع نيكولا أبير في باريس العنف إلى الشارع الذي شهد هجوم على مكاتب مجلة شارلي إبدو الساخرة قبل خمسة أعوام. وأصيب صحفيان في المكان الذي وصفه رئيس الوزراء جان كاستيكس بأنه يمثل رمزا إذ حدثت الواقعة خارج المقر السابق لشارلي إبدو. وتحمل الثقوب التي أحدثها الرصاص في الشبكات المعدنية العازلة بطول الشارع القصير الذي تصطف فيه الشقق السكنية والمكاتب آثار الهجوم السابق الذي اقتحم خلاله المسلحان مكاتب شارلي إبدو في السابع من يناير كانون الثاني عام 2015.
وتحمل جدارية في الشارع وجوه العاملين في شارلي إبدو الذين قتلوا في ذلك اليوم وعددهم 11 بينما القتيل الثاني عشر ضابط شرطة قُتل بالرصاص قرب المكان الذي تم فيه إلقاء القبض على أحد المشتبه بهما. وقال ساكن في شارع مجاور ”أشعر كأنني أعيش من جديد أهوال الماضي“. وأضاف ”هو كابوس لا ينتهي“. ورأى الدكتور ناتان ميسا الذي يعيش في المبنى المقابل لمكاتب شارلي إبدو السابقة الشرطة تقتاد رجلا مصفدا بالأغلال. وقال ميسا ”إنها الكراهية مرة أخرى، الكراهية العمياء“.
وانتقلت شارلي إبدو إلى قبو سري بعد هجوم 2015. وقال صحفي هناك إن العاملين في المجلة في أمان وإن أمنهم الشخصي لم يُعزز. ووقع حادث الطعن بعد أن أعادت شارلي إبدو نشر الرسوم التي تسخر من النبي محمد والتي أثارت مشاعر العالم الإسلامي عند نشر معظمها للمرة الأولى في صحيفة دنمركية في عام 2005 ثم نشرتها بعدها شارلي إبدو.
وتفحص الشرطة الفرنسية مقطع فيديو يقول فيه المشتبه به في مهاجمة آخرين بساطور إنه سيقوم بعمل من أعمال ”المقاومة“ وسرعان ما ألقي القبض على المشتبه به، وهو من باكستان، وقال المسؤولون إن ملابسه كانت ملطخة بالدماء. وقالت وسائل إعلام فرنسية إن مقطع الفيديو عثر عليه على هاتف المشتبه به. وعرف المشتبه به نفسه في الفيديو بأنه زاهر حسن محمود وقال إنه من مدينة مندي بهاء الدين في إقليم البنجاب. ثم قرأ أبياتا من الشعر في مدح النبي محمد.
وتحدث محمود باللغة الأردية في الفيديو قائلا ”إذا بدوت منفعلا، فدعوني أوضح: هنا في فرنسا نشرت الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد ... سأقوم (بعمل من أعمال) المقاومة. وأشاد أرشد والد محمود بابنه، وقال من منزل العائلة لموقع (نايا باكستان) الإخباري على الإنترنت ”قلبي تغمره السعادة ... مستعد للتضحية بأبنائي الخمسة كلهم لأحمي شرف النبي“.
ويعمل الجريحان في وكالة "بروميير لينيه" لكن حالتهما "ليست في خطر" على ما أعلن رئيس الوزراء جان كاستيكس الذي تفقد موقع الحادث في شارع نيكولا أبّير في شرق باريس الذي انتشر فيه عناصر من الشرطة. وكتب الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" كريستوف ديلوار على تويتر "إنه أمر مأسوي أن نرى مجددا صور هجوم في (شارع) نيكولا أبّير بعد خمس سنوات ونصف السنة على الهجوم ضد شارلي (إيبدو). هذا العنف يشكل خطرا علينا جميعا، في فرنسا وأماكن أخرى" من العالم. وأكد جان كاستيكس "التزام" الحكومة "حرّية الصحافة وإرادتها محاربة الإرهاب بكل الوسائل الممكنة".
وعبّرت إدارة صحيفة شارلي إبدو عبر تويتر "عن دعمها وتضامنها مع جيرانها السابقين والأشخاص المتضررين من هذا الهجوم البغيض". وقالت النيابة العامة الفرنسية لمكافحة الإرهاب إنها فتحت تحقيقا بشأن "محاولة اغتيال مرتبطة بعمل إرهابي" و"جمعية إرهابية إجرامية". وأدت سلسلة الاعتداءات التي شهدتها فرنسا منذ كانون الثاني/يناير 2015 إلى مقتل 258 شخصا. وما زال مستوى التهديد الإرهابي "مرتفعا جدا" بعد خمس سنوات على ذلك كما تقول وزارة الداخلية. بحسب فرانس برس.
وقال ممثل الادعاء جان فرانسوا ريكار في مؤتمر صحفي إن المشتبه به كان بحوزته ثلاث زجاجات من الكحول الأبيض سريع الاشتعال. وأضاف أنه استخدم بطاقة هوية مزيفة وأن صورة لجواز سفره على هاتفه. وأضاف ريكار ”كان يخطط في الأساس دخول مبنى المجلة، ربما بالاستعانة بمطرقة، وبعد ذلك يحرقه بزجاجات الكحول الأبيض“. وقال ريكار إن الرجل استكشف المنطقة على مدى ثلاثة أيام منفصلة قبل قليل من هجومه واشترى الساطور يوم الهجوم.
حرية التعبير
في السياق ذاته اعتبر شيخ الأزهر، أحمد الطيب وكما نقلت بعض المصادر، أن الإساءة للنبي محمد ليست حرية رأي وتعبير؛ بل دعوة صريحة للكراهية والعنف، مؤكداً أن ما نشرته الصحيفة الفرنسية، انفلات من كل القيم الإنسانية والحضارية. وجاء رد شيخ الأزهر على الإساءة المتعمدة والمتكررة من الصحيفة، قائلاً: «نبينا صلى الله عليه وسلم أغلى علينا من أنفسنا، والإساءة لجنابه الأعظم ليست حريةَ رأي، بل دعوة صريحة للكراهية والعنف».
وأوضح الشيخ «الطيب» أن ما نشرته الصحيفة، «انفلات من كل القيم الإنسانية والحضارية، وتبرير ذلك بدعوى حماية حرية التعبير هو فهم قاصر للفرق بين الحق الإنساني في الحرية والجريمة في حق الإنسانية باسم حماية الحريات». يأتي ذلك، بعد أن أدان مرصد «الإسلاموفوبيا» التابع لدار الإفتاء المصرية، بأشد العبارات «إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، في صحيفة (شارلى إيبدو) الفرنسية الساخرة. وتزامن إعادة نشر الصور المسيئة للنبي، عقب أيامٍ قليلة من اندلاع مظاهرات واحتجاجات في السويد بعد حرق لنسخ من القرآن الكريم، في مدينة مالمو، وقام متظاهرون بإلقاء الحجارة على رجال الشرطة وحرق الإطارات المطاطية.
الى جانب ذلك نشرت مئة وسيلة إعلامية في فرنسا رسالة مفتوحة تدعو إلى التعبئة لصالح حرية التعبير دعما لصحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة التي تعرضت للتهديد مجددا من قبل تنظيم "القاعدة" منذ إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد. وفي وقت سابق نقلت ماريكا بريت مديرة الموارد البشرية في شارلي إيبدو من منزلها بمرافقة الشرطة بسبب تهديدات اعتبرت خطيرة. وعقب هذه التهديدات، طلب وزير الداخلية جيرالد دارمانان "إعادة تقييم التهديدات التي يتعرض لها الصحافيون والمتعاونون مع شارلي إيبدو".
وقالت بريت التي تحظى بحماية الشرطة منذ حوالى خمس سنوات عقب الهجوم على مقر الصحيفة إن التهديدات كانت "على قدر يكفي لأخذها بجدية"، مضيفة أنها لن تعود إلى المنزل. وأوضحت لمجلة "لو بوان" الأسبوعية "كان لدي 10 دقائق لأجمع أغراضي وأغادر منزلي. عشر دقائق لأترك ورائي جزءا من حياتي، هذه فترة قصيرة بعض الشيء، هذا أمر وحشي جدا".
وأضافت بريت للمجلة أن هناك "قدرا هائلا من الكراهية المحيطة بشارلي إبدو" قائلة إن المغادرة القسرية من منزلها "تترجم المستوى غير المسبوق من التوتر الذي يتعين علينا التعامل معه". وقال ريس مدير الصحيفة الساخرة "بعد إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد في 2 أيلول/سبتمبر 2020، تعرضت شارلي إبدو مرة جديدة للتهديد من قبل منظمات إرهابية. وتشكل هذه التهديدات استفزازا حقيقيا وسط محاكمة اعتداءات كانون الثاني/يناير 2015. إنها تهديدات تذهب أبعد من شارلي (إيبدو) لأنها تستهدف أيضا كل وسائل الإعلام وحتى رئيس الجمهورية". وأضاف "بدا من الضروري بالنسبة إلينا أن نقترح على وسائل الإعلام التفكير في استجابة جماعية تناسب طبيعة هذه التهديدات" دون تحديدها.
وتابع "بفضل التعبئة التاريخية لوسائل الإعلام الفرنسية من خلال نشر هذه الرسالة بشكل جماعي إلى مواطنينا اليوم، نرغب في توجيه رسالة قوية للدفاع عن مفهومنا لحرية التعبير، وأبعد من ذلك حتى، حرية كل المواطنين الفرنسيين". وجاء في هذه الرسالة المفتوحة "معا لندافع عن الحرية"، "اليوم، في العام 2020، يهدد بعضكم بالقتل على وسائل التواصل الاجتماعي بعد تعبيرهم عن آراء فردية. وسائل الإعلام صنفت صراحة كأهداف من قبل منظمات إرهابية دولية". وأضافت "نحن نحتاج إليكم (...) يجب أن يفهم أعداء الحرية أننا كلنا أعداؤهم مهما كانت اختلافاتنا في الرأي أو المعتقدات".
احتجاجات و تظاهرات
على صعيد متصل شارك آلاف الإسلاميين في تظاهرات مناهضة لفرنسا شملت جميع أنحاء باكستان مع تصاعد الغضب اثر قرار صحيفة فرنسية إعادة نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد. وأثار قرار الصحيفة سلسلة إدانات من وزارة الخارجية الباكستانية وصولا الى دعوات من اسلاميين لتنظيم احتجاجات، ما دفع الآلاف الى الاحتشاد في المدن الباكستانية مطالبين بمقاطعة فرنسا وطرد سفيرها. وقال محمد أنصاري خلال تظاهرة في مدينة لاهور "نحتاج الى توجيه رسالة قوية الى الفرنسيين بأننا لن نتسامح مع هذا الازدراء لنبينا الحبيب".
ويحرّم الدين الاسلامي تصوير النبي، كما أن قوانين التجديف الصارمة في باكستان يمكن أن تعاقب مرتكبها بالإعدام. وفي الماضي تعرّض سياسيون للاغتيال وطلاب للإعدام وهُددت دول أوروبية بالإبادة النووية بسبب مزاعم بارتكابهم التجديف. وقاد التظاهرات حزب "تحريك لبيك باكستان" الاسلامي المتشدد الذي قام سابقا بتنظيم تظاهرات ضخمة وعنيفة أحيانا ضد متهمين بإهانة الاسلام. وانتفضت الجماعة في معظم أنحاء باكستان عام 2018 وشلت البلاد وقامت بأعمال شغب بعد تبرئة المحكمة العليا لسيدة مسيحية متهمة بالتجديف.
كما تظاهر حوالى 200 شخص في اسطنبول احتجاجا على قرار صحيفة "شارلي إيبدو" إعادة نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد. وحمل بعض المتظاهرين في ميدان بايزيد على الجانب الأوروبي من اسطنبول لافتات تحذر "شارلي إيبدو" والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أنهما "سيدفعان ثمنا باهظا".
واستنكرت وزارة الخارجية التركية قرار إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية التي "تقلل من احترام ديننا ونبينا". وقال نور الدين سيرين رئيس تحرير قناة "كودوس" (القدس) إن "ماكرون سيدفع ثمنا باهظا لغطرسته في شرق البحر المتوسط ودعمه لإهانات الإسلام باستخدام حرية الصحافة كذريعة". وكان يشير إلى التوترات بين أنقرة وباريس بشأن تنقيب تركيا عن الغاز في شرق البحر المتوسط.
وشهدت العاصمة الايرانية طهران ايضاً، تجمع احتجاجي بمشاركة حشد غفير من المواطنين، لإدانة الإساءة للنبي الأكرم (ص) والقرآن الكريم في اوروبا. وأطلق المشاركون شعارات أدانوا فيها الحكومة الفرنسية والمسيئين للنبي الاكرم (ص) والقرآن الكريم، إثر إعادة الصحيفة الفرنسية “شارلي ايبدو” نشر رسوم مسيئة للنبي الاكرم (ص)، ودعم الرئيس الفرنسي ايمانوئيل ماكرون لهذا الأمر بذريعة حرية التعبير”. واعتبر المشاركون مثل هذه الممارسات من قبل الاستكبار مؤشراً لعجزهم وضعفهم، مؤكدين على أن “تداعياتها ستطالهم”.
وكان الرئيس الفرنسي قد قال إن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية. وأعلن ماكرون -في خطاب له غرب باريس- عن سياساته ضد ما سمّاه "التشدد الإسلامي الذي يتخذ العنف منهجا له". وطرح الرئيس الفرنسي مشروع قانون ضد "الانفصال الشعوري" بهدف "مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية"، وهو ما يعتبر استهدافا للجالية المسلمة على وجه الخصوص
اضف تعليق