اهتمت الصحف الغربية بالتهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد التقارير التي أفادت بحصول حادثة قصف بالأسلحة الكيميائية لمنطقة دوما، واتهم الجيش السوري بتنفيذها، فيما نفى الأخير هذه الاتهامات ووصفها بحملة التضليل الإعلامي التي تحاول تبرير ضربات أمريكية ضده...
اهتمت الصحف الغربية بالتهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد التقارير التي أفادت بحصول حادثة قصف بالأسلحة الكيميائية لمنطقة دوما، واتهم الجيش السوري بتنفيذها، فيما نفى الأخير هذه الاتهامات ووصفها بحملة التضليل الإعلامي التي تحاول تبرير ضربات أمريكية ضده.
صحيفة نيويورك تايمز، اعتبرت في افتتاحيتها، أن سوريا بعد دوما ستشكل اختباراً حاسماً للرئيس دونالد ترامب، الذي أقدم على ضربة صاروخية محدودة العام الماضي استهدفت مطار الشعيرات العسكري في حمص بعد أن انطلقت منه طائرات الأسد لقصف مدينة خان شيخون (شمالي سوريا) بالكيماوي.
وتبين الصحيفة أن ترامب تجاهل بعد قصف الشعيرات القضية السورية إلى حد كبير، قبل أن يُفاجأ الجميع الأسبوع الماضي، بإعلانه قرب سحب قواته من سوريا، وبعدها حدث قصف دوما بالكيماوي، ليؤكد ترامب أن الأسد سوف يدفع ثمناً كبيراً، وذلك بتغريدة له على "تويتر".
على الرئيس الأمريكي أن يعلم أن الحديث القاسي دون استراتيجية أو خطة متماسكة هو أمر خطير، وما يجب فعله بعد ذلك في سوريا يعدُّ اختباراً حاسماً له، وهو الذي يتجنب الدور القيادي الأمريكي التقليدي؛ إذ يحاول أن يظهر بأنه شخص قيادي قادر على اتخاذ القرارات واستخدام القوة التي لم يستخدمها سلفه باراك أوباما، إلا أنه في الوقت نفسه يتحدث عن الانسحاب من الشرق الأوسط والابتعاد عن الالتزامات الدولية، وفق رأي الصحيفة الذي نقله موقع "الخليج اونلاين".
وفي ظل هذا التباين، تقول "نيويورك تايمز" إن ترامب لن يقدر على وقف العنف بسوريا؛ ومن دون خطة واضحة وموحدة مع الحلفاء الغربيين، فإن أي عمل لن يؤدي إلا إلى تمكين الأسد.
وتابعت: "يحتاج ترامب للعمل مع القوى الكبرى الأخرى على خطة واسعة يمكن أن تجبر الأسد وروسيا وإيران على إنهاء المذبحة، ويتعين على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يعيد الالتزام بحظر الأسلحة الكيماوية، ويسمح للخبراء بالتأكد بشأن المسؤول عما جرى في دوما، وإجراء تحقيق مستقبلي يمكن أن يؤدي إلى مقاضاة المتسبب بمحكمة مثل المحكمة الجنائية الدولية".
وفي حال تم التأكد أن النظام السوري هو المتسبب في تلك المذبحة، فينبغي للولايات المتحدة فرض عقوبات صارمة، مثل تجميد الأصول المالية، كذلك النظر في اتخاذ إجراء عسكري، وعلى الكونغرس الأمريكي أن يوافق على إصدار مثل هذا التشريع.
وإذا كان الفيتو الروسي سيقف عائقاً أمام استصدار أي تشريع دولي ضد نظام الأسد، فإن على واشنطن أن تعمل مع الحلفاء الغربيين أو مع حلف الناتو لوضع حد لتصرفات النظام السوري.
ابحثوا عن استراتيجية
من جهتها، رأت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في افتتاحيتها، أن بعض القذائف والصواريخ لمعاقبة نظام الأسد على جرائمه لن تغير أي شيء في سوريا، وأن ما يجب فعله الآن هو استراتيجية منسقة لحماية المصالح الأمريكية الحيوية.
وتابعت الصحيفة: "يجب أن يتعلم ترامب درساً من جريمة الحرب السورية الأخيرة، فلقد رفض الرد على سبع هجمات كيماوية أصغر حجماً من هجوم دوما، ثم أعلن بصوت مرتفع أنه يعتزم سحب القوات الأمريكية من هناك؛ وهو ما دفع نظام الأسد الانتهازي لإلقاء المواد الكيماوية على ضاحية دوما، مستغلاً خطاب ترامب".
الحقيقة التي يجب أن يعرفها ترامب، أنه طالما بقي الأسد في السلطة فإن الحرب بسوريا سوف تستمر، وتكاثُر الإرهابيين سيتواصل، وحركة الهجرة واللاجئين لن تتوقف.
وأقرت الصحيفة بأن ترامب يتمتع بميزة افتقر إليها أوباما، فالقوات الأمريكية اليوم تسيطر على الجزء الأكبر من شرقي سوريا، وتمتلك الولايات المتحدة القدرة على تحقيق الاستقرار في جزء من البلاد على الأقل، ولديها قوة للمطالبة بالتوصل إلى نتيجة مقبولة لهذه الحرب.
ولكن، إذا كان ترامب ينوي حقاً التخلي عن سوريا، فإن عليه أن يكون مستعداً لعمل يمنع وقوع مثل هذه الهجمات بالأسلحة الكيماوية وغيرها من جرائم الحرب، فغارة تأديبية لمرة واحدة، لن تكون كافية لردع الأسد؛ ومن ثم فإن الحاجة لمبادرة عسكرية أو دبلوماسية، تدعمها أمريكا، أمر لا بد منه؛ ومن هنا فإنه ينبغي لترامب أن تكون لديه خطة، بحسب الصحيفة.
ضربة اكبر
اما مجلة "فورين بوليسي" الامريكية فقالت في مقال أعده الخبير نيكولاس غيراس، من مركز الأمن الأمريكي الجديد، إن أمريكا في حال قررت ضربة أمريكية في سوريا ردا على مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، فإنها ستضطر لتوجيه ضربة أقوى كما ونوعا من تلك التي نفذتها قبل عام على مطار الشعيرات.
وأوردت المجلة، أن "الهجمات الصاروخية الأمريكية في العام الماضي على قاعدة الشعيرات الجوية لم تحقق أهدافها، فقد واصلت طائرات جيش النظام السوري طلعاتها الجوية من المطار بعد ساعات عدة من الهجوم". ونقلت مزاعم أن الأسلحة الكيميائية في دمشق بقيت دون المساس بها، واستمرت قوات النظام باستخدامها.
وقرأ الخبير من المركز الأمني الأمريكي غيراس، أنه "من أجل إلحاق ضرر ملموس وملحوظ بالأسد، واستعراض طموحات ترامب بشكل كاف، فإن الولايات المتحدة ستضطر إلى مهاجمة المزيد من الأهداف، بحيث يتم تقويض القدرات العسكرية لجيش النظام السوري"، وفق قوله.
سياسة ضعيفة
في بريطانيا شنت صحيفة الغارديان، هجوماً لاذعاً على المجتمع الدولي، محمّلة إياه مسؤولية الجرائم التي يرتكبها نظام بشار الأسد في سوريا، وآخرها عملية القصف بالكيماوي التي استهدفت مدينة دوما في الغوطة الشرقية. بحسب تعبير الصحيفة.
وتقول "الغارديان" إن استخدام الأسد الأسلحة الكيماوية مرة أخرى يعود لسببين؛ الأول أنه يملك تلك الأسلحة وهي رسالة مهمة يريد إيصالها لمعارضيه، كما يملك في الوقت نفسه الإرادة لاستخدامها، والأمر الآخر أنه فعل ذلك لأنه يعرف أنه يستطيع أن يفلت من العقاب، فحتى العقوبات القانونية والدبلوماسية التي تُفرض عليه، غير فعالة.
وترى الصحيفة ان السياسة الأمريكية، ومنذ حرب العراق، باتت غير حاسمة، وخاصة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. واليوم في عهد الرئيس دونالد ترامب، فإنها تبدو فوضوية، فقبل عام وبعد هجوم كيماوي من قِبل النظام السوري، والذي أدى إلى مقتل العشرات في خان شيخون، قصف ترامب مطاراً للنظام بـ59 صاروخاً من نوع "كروز". ومنذ ذلك الحين، تقلبت سياسة واشنطن إزاء سوريا، خاصة مع الأكراد الذين كانوا حلفاء لأمريكا في حربها ضد "داعش".
وتشير الصحيفة الى أن سقوط الغوطة الشرقية بيد النظام السوري لن يمثل نهاية للصراع في سوريا، وإنما سيكون بداية لمرحلة أخرى من مراحل الصراع، وبما أن دمشق ما زالت تمثل المساحة الأكثر هدوءاً في سوريا والتي لم تصل لها نيران "داعش"، فإنه يمكن القول إن سوريا فعلياً وبعد معارك الغوطة ستنقسم إلى ثلاث مناطق: الأولى خاضعة لسيطرة النظام وروسيا وإيران، والثانية تخضع لسيطرة الأكراد بحماية أمريكية، والثالثة وتقع شمالي حلب ستخضع لسيطرة القوات التركية.
إزاء هذا الوضع في سوريا، تقول "الغارديان"، وفي ظل غياب أي حل دبلوماسي للصراع، فإنه يمكن القول إن الهجمات على دوما لن تكون الأخيرة.
رسائل الهجوم الإسرائيلي
وفي شان ردود الأفعال الغربية تجاه سوريا اعتبرت صحيفة الديلي بيست الأمريكية، أن الغارة التي شنتها الطائرات الإسرائيلية، فجر الاثنين، على مطار التيفور السوري، كانت بمثابة رسالة للأطراف الفاعلة في دمشق، روسيا وإيران والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتقول الصحيفة إن الغارة الإسرائيلية على الأرجح لم تكن بتنسيق مع وزارة الدفاع الروسية، وهو بحد ذاته رسالة قوية حول تزايد حدة المخاوف الإسرائيلية من حجم الوجود الإيراني في سوريا، وفشل روسيا الواضح في احتوائه أو الحد منه.
فالقوات الروسية تتمركز بمطار التيفور، وتقوم طائراتها في كثير من الأحيان بعمليات من مدارجها، مما يجعل الضربات الإسرائيلية غير المعلنة أكثر جرأة، وتصعيداً خطيراً.
ولأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصمم على الانسحاب من سوريا، فليس من المهم تذكيره بالتهديد المستمر لبقايا تنظيم داعش، ولكن من المهم أن يعرف بأن احتواء إيران وردعها أمر حاسم للأمن الدولي، ولا يوجد مكان لردع إيران أفضل من سوريا.
وتضيف الصحيفة أن الحديث عن تراجع دور إيران في سوريا انتهى منذ مدة طويلة، ولكن الاحتواء والردع قد يكونان كل ما تبقى لمنع أن يكون هناك صراع إسرائيلي إيراني مدمر على جبهات متعددة.
تموضع استراتيجي إيراني
ما جرى في العاشر من فبراير الماضي؛ عند إسقاط طائرة إسرائيلية بنيران من داخل الأراضي السورية، كان بمنزلة اختبار جدي للعلاقة الحساسة والمتزايدة بين الطرفين، ومنذ ذلك الوقت يزداد الأمر توتراً، فإيران تستمر بالتوسع عسكرياً في سوريا، وتحافظ على موقع نفوذها منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011.
لقد نجح الحرس الثوري الإيراني خلال السنوات الأخيرة في إيجاد موقع استراتيجي بسوريا، مقابل إسرائيل، فهناك اليوم 10 قواعد عسكرية مشتركة أو مخصصة للحرس الثوري، بالإضافة إلى 40 موقعاً عسكرياً دائماً في جميع أنحاء البلاد، حيث يقود الحرس الثوري 120 ألف مقاتل من الفصائل، بينهم نحو 25 ألف مقاتل من غير السوريين، بحسب الصحيفة.
ومن منظور الأمن القومي الإسرائيلي، فإن هذه الحالة لا يجب أن تبقى على الإطلاق، ومع ذلك تبدو خيارات تلك أبيب في ردع أو احتواء إيران ذات مخاطر كبيرة، ومن ضمن ذلك احتمال امتداد الصراع إلى لبنان، وهو أمر سيكون كارثياً.
خيبة امل
ورغم الدعم الكبير الذي قدمته إدارة ترامب لإسرائيل، فإنه من غير الواضح أيضاً ما إذا كانت أمريكا مهتمة بدعم إسرائيل للتعامل بشكل استباقي مع التهديد الإيراني في سوريا، فقد زارت وفود إسرائيلية رفيعة المستوى واشنطن مراراً وتكراراً؛ أملاً في الحصول على تعهد أمريكي بالدعم، لكنها في كل مرة تصاب بخيبة أمل.
لذلك اتجهت إسرائيل إلى روسيا وبوتين لتحقيق التوازن أو احتواء الدور الإيراني المتزايد في سوريا، ويبدو أن المسؤولين الإسرائيليين مقتنعون بأن موسكو لديها النفوذ اللازم للقيام بذلك، لكن النتائج تحكي قصة مختلفة.
يبدو أن إسرائيل انتهزت الفرصة وشنت غارات، فجر الاثنين، على مطار التيفور حيث القوات الإيرانية وأسلحتها، وهو هجوم على ما يبدو كان مخططاً له في غضون المعلومات التي تحدثت عن نية الفصائل التابعة لإيران في سوريا شن هجمات على مناطق الجنوب السوري المتاخمة لإسرائيل.
عاقبوا الحرس الثوري
إن التحديات التي تطرقها الأزمة السورية كثيرة، ولكن التهديد الإيراني غالباً ما يتم تجاهله، وبالنظر للعواقب الاستراتيجية المحتملة، فإن الولايات المتحدة لديها مصلحة حيوية في التعامل مع هذا التهديد من خلال دعم حليف رئيسي لها، وهي إسرائيل.
على الولايات المتحدة أن تكثف تبادل المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل حول أنشطة إيران في سوريا، بل يجب عليها أن تنضم إلى سلاح الجو الإسرائيلي أثناء تنفيذ عمليات عقابية رادعة على أهداف تابعة للحرس الثوري الإيراني في دمشق، تقول الصحيفة.
وأخيراً، تقول الصحيفة، يجب على الولايات المتحدة أن توسع بشكل كبير من تصنيفها الإرهابي لقوات الحرس الثوري الإيراني والفصائل المرتبطة بفيلق القدس في سوريا، ومعاقبة قادتها وأولئك الذين يسهلون عمليات التمويل.
اضف تعليق