مابين المواقف الساخرة والاحداث السياسية التي طغت بشكل كبير على الساحة الامريكية والعالمية كان برنامج توزيع جوائز اكادمية الفنون وعلوم الصور (أوسكار) في دورته التاسع والثمانين. حيث اختلف حفل توزيع جوائز الاوسكار لعام 2017 عن باقي الدورات برغم من اجوائها الصاخبة والتحضيرات المعلنه كالعادة لكنها كانت بنكهة مختلفة عن باقي الاحتفالات.
فقد نوه مقدم الحفل الاعلامي والممثل جيمي كيميل منذ اولى عباراته في تقديم البرنامج بأن حفل اوسكار هذا العام مخلوط بنكهة سياسية بحته حيث جعل من الرئيس الخامس والاربعين للولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب مادة سخرية اثناء تقديمه للاحتفال وراح يتهكم على اضطراب المشهد السياسي في الولايات المتحدة والعالم منذ وصول ترامب نجم تلفزيون الواقع السابق إلى البيت الأبيض.
وانتقد مقدم الحفل جيمي حفلة الاوسكار في العام الماضي ووصفها بالعنصرية لخلو قائمة الترشيحات من المرشحين السود كان انتقاده ذكي فهوا ايضا ينتقد الرئيس الامريكي المؤيد للعنصرية بصورة غير مباشرة. ايضا شهدت حفلة توزيع جوائز الاوسكار لهذا العام احداث مثيرة ستبقى معلقة في ذاكرة المشاهدين وسيدونها التاريخ .
فقد كانت المفاجئة الكبرى لحظة اعلان فوز الفيلم (لا لا لاند) اللحظة التي افسدت أجواء المرح والسعادة والتهنئة أثناء توزيع الجوائز بسبب خطأ في الاسم الذي كان داخل الظرف المغلق الذي يحمله مقدمو الجائزة وبعد صعود فريق عمل اسم الفيلم المعلن على المسرح تم تدارج الخطأ والإعلان عن أن اسم الفائز بالجائزة هو فيلم (مون لايت) الامر الذي تسبب في احراج فريق عمل فيلم (لا لا لاند).
الحادثة الاولى من نوعها تحدث في اكبر حفل توزيع جوائز. ماتسببت في أثارت الرأي العالمي حولها واعتبروها النقاد الامريكيين بأنها مأساة على مستوى شهرة العلامات التجارية. نتيجة لذلك اتهمت شركة برايس ووترهاوس كوبرز للمحاسبة محاسبا يعمل لحساب أكاديمية فنون وعلوم السينما الأمريكية أفسد إجراءات إعلان الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم عندما أهدى الفوز لفيلم (لا لا لاند) قبل إعلان فوز فيلم (مونلايت) بالجائزة.
من جانب اخر وعلى صعيد السياسات الخارجية اعتبر فوز الفيلم السوري (الخوذ البيضاء) بجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير انتصارا للانسانية في سوريا خاصة ان الفيلم عرض لمحة قصيرة عن عمل منظمة الدفاع المدني السورية المروع مع دخولها مباني بعد فترة وجيزة من تفجيرات بالقنابل وتنقيبها بين الأنقاض الثقيلة والغبار الكثيف بحثا عن ناجين. لكن بالرغم من هذا الاحداث الشيقة التي حدثت في حفلة توزيع الاوسكار سجلت انخفاض 4% من نسبة المشاهدة لها.
أقل نسبة مشاهدة أمريكية
أوضحت تقديرات نيلسن لقياس نسبة المشاهدين التي نشرتها شبكة (إيه.بي.سي) التابعة لشركة والت ديزني أن نحو 32.9 مليون مشاهد أمريكي تابعوا الحفل بانخفاض نسبته أربعة بالمئة عن عدد المشاهدة لحفل الأوسكار 2016 الذي جذب 34.4 مليون مشاهد. وكان 32 مليون مشاهد قد تابعوا حفل الأوسكار 2008.
وامتد الحفل بضع دقائق بعد منتصف الليل في إيست كوست وانتهى بخطأ أذهل المشاهدين عندما أُعلن بطريق الخطأ فوز فيلم (لا لا لاند) بجائزة افضل فيلم عندما أُعطي مظروف خطأ لمقدمي الجائزة النجمين وارن بيتي وفاي دوناواي. وبعد دقائق تم تصحيح الخطأ بإعلان اسم الفيلم الفائز وهو (مونلايت). بحسب رويترز.
وقال جيف بوك المحلل بشركة إجزيبيتور ريليشنز لأبحاث قطاع الترفيه إن المشاهدين ربما أحجموا عن متابعة الحفل لأن فيلم (لا لا لاند) كان مرشحا بشكل كبير للهيمنة على جوائز مسابقة أكاديمية فنون وعلوم السينما. وأضاف "كانت هناك نتيجة متوقعة بأن (لا لا لاند) سيكتسح ولم يكن هناك فضول كبير لمعرفة النتيجة." وتابع قائلا "من الواضح أن الختام كان من أكثر النهايات إثارة في تاريخ هوليوود."
سبب الخطأ في حفل الأوسكار
قالت شركة برايس ووترهاوس كوبرز للمحاسبة في بيان إن المحاسب برايان كالينان سلم مقدمي الجائزة وارن بيتي وفاي دوناواي المظروف الخطأ لإعلان أبرز جوائز صناعة السينما. وذكرت وسائل إعلام أن المحاسب كان منشغلا خلف المسرح بإرسال تغريدات على تويتر. وفي زلة أذهلت جمهور الحاضرين في مسرح دولبي في هوليوود ومشاهدي التلفزيون في مختلف أنحاء العالم أضافت الشركة أن "كالينان أخطأ وسلم مظروف جائزة أفضل ممثلة بدلا من مظروف أفضل فيلم" إلى بيتي ودوناواي.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال وموقع "تي إم زي دوت كوم" المتخصص في أخبار المشاهير إن كالينان نشر على تويتر من خلف المسرح صورة للممثلة إيما ستون قبل دقائق من وقوع الخطأ. وتم حذف الصورة من حساب كالينان على تويتر لكن كان بالامكان مشاهدتها من أرشيف مفتوح للصفحة. ولم يصحح الخطأ إلا بعد ارتقاء فريق العمل لفيلم (لا لا لاند) ومنتجيه خشبة المسرح لتسلم الجائزة. وتركت مهمة تصحيح الوضع لمنتج الفيلم الموسيقي جوردان هوروويتز فقال "أنا آسف يا جماعة. لا. هناك خطأ. أنتم يا فريق مونلايت الفائزون بجائزة أفضل فيلم. هذه ليست دعابة." بحسب رويترز.
واستغرق الأمر من شركة برايس ووتر هاوس كوبرز التي تشرف على توزيع جوائز الأوسكار منذ 83 سنة ثلاث ساعات لتأكيد تسلم بيتي ودوناواي المظروف الخطأ. وقالت الشركة إنها تتحمل المسؤولية الكاملة وتعتذر للفنانين وطاقمي العمل بالفيلمين (لا لا لاند) و(مونلايت). كما اعتذرت الأكاديمية التي تنظم جوائز الأوسكار عن الخطأ وقالت إنها ملتزمة بالحفاظ على نزاهة عملية إعلان الجوائز.
مأساة على مستوى شهرة العلامات التجارية
بعد الحفل عرض بيتي وقد بدا عليه الحرج المظروف وقد كتب عليه بوضوح "أفضل ممثلة". وكانت إيما ستون نجمة (لا لا لاند) قد تسلمت جائزتها قبل لحظات من إعلان جائزة أفضل فيلم. وقال خبراء في إدارة العلامات التجارية إن برايس ووتر هاوس كوبرز قد تستغرق سنوات قبل أن تتخلص من آثار هذه السقطة.
وقال تيم كالكينز أستاذ التسويق بجامعة نورث ويسترن "هذه ليست من الرياضيات المتقدمة. كان على الشركة أن تضع الاسم الصحيح في المظروف الصحيح وتسلمه للشخص الصحيح" ووصف الخطأ بأنه "مأساة على مستوى شهرة العلامات التجارية". وتقضي إجراءات الشركة بألا يعرف أسماء الفائزين سوى اثنين من المحاسبين بعد وضع الأسماء في مجموعتين متماثلتين من المظاريف المغلقة. وعلى المحاسبين حفظ أسماء الفائزين. بحسب رويترز.
وجرى العرف أن يتم نقل المظاريف في حقيبتين منفصلتين إلى مقر الحفل. ويتم نقل المحاسبين وهما في تلك الحالة كالينان ومارتا رويز بسيارتين إلى الحفل كل على حدة خشية وقوع حادث أو تأخير بسبب حركة المرور. ثم يقف كل منهما في طرف من طرفي المسرح ويسلمان المظروفين لمقدمي الجائزة بالترتيب عند إعلان جائزة كل فئة من فئات الجوائز. وقال أنتوني سابينو أستاذ القانون بجامعة سانت جونز في نيويورك إنه تم تصحيح الخطأ بسرعة رغم مرور دقائق ثمينة. وأضاف "ليس الأمر كأننا استيقظنا صباح اليوم (لنعرف بالخطأ) أو أنه تم الكشف عنه بعد انتهاء الحفل. لو كان الأمر كذلك لأصبح مخزيا."
دونالد ترامب نجم حفل الاوسكار
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب محور الكثير من النكات في الحفل الذي توج موسم جوائز اتسم باحتجاجات غاضبة على سياساته. فقد اتخذ مقدم الحفل الإعلامي والممثل جيمي كيمل من ترامب مادة للسخرية في الحفل وراح يتهكم على اضطراب المشهد السياسي في الولايات المتحدة والعالم منذ وصول ترامب نجم تلفزيون الواقع السابق إلى البيت الأبيض.
وفي وقت لاحق من الحفل بدا كيمل وكأنه يرسل تغريدة إلى الرئيس إذ ظهرت رسالة على شاشة كبيرة خلفه تقول "يا @دونالد ترامب الحقيقي. هل أنت مستيقظ؟ #ميريل تقول أهلا." في إشارة إلى النجمة ميريل ستريب. وكان تنديدها الحاد بترامب من فوق خشبة المسرح في حفل جوائز جولدن جلوب خلال يناير كانون الثاني دفع ترامب إلى إطلاق تغريدة غاضبة على تويتر وصفها فيها بأنها "واحدة من أكثر الممثلات المبالغ في تقديرهن في هوليوود."
ومن ناحية أخرى انتقد الممثل المكسيكي جيل جارسيا بيرنال الذي قدم جائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة خطة ترامب لبناء جدار على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. وقال "بصفتي مكسيكيا وكأحد العمال المهاجرين وكإنسان أنا ضد أي شكل من أشكال الجدران التي تهدف إلى الفصل بيننا."
وارتدت مجموعة من النجوم شريطا صغيرا أزرق اللون على ملابسهم دعما لاتحاد الحريات المدنية الأمريكية الذي يعمل على وقف الحظر الذي فرضه ترامب على سفر مواطني سبع دول تقطنها أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة. لكن أغلب الكلمات في الحفل كانت معتدلة ودعت إلى التسامح دون هجوم مباشر على ترامب. بحسب رويترز.
وكان المخرج الإيراني أصغر فرهادي استثناء. وفاز فيلمه (ذا سيلزمان) لكن فرهادي قرر مقاطعة الحفل بسبب حظر السفر الذي يفرضه ترامب. واختار فرهادي إيرانيين أمريكيين أحدهما مهندسة والآخر عالم سابق في إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) لتمثيله في حفل توزيع جوائز الأوسكار. ونقلت أنصاري عن فرهادي قوله "ينبع غيابي من احترام شعب بلدي وشعوب الدول الست الأخرى التي لم يحترمها قانون غير إنساني يحظر دخول المهاجرين إلى الولايات المتحدة.
عنصرية جوائز الاوسكار
حفاظا على طابعه الخاص في تقديم البرامج الذي يجمع فيه بين جمود الوجه والنبرة التهكمية كانت تعليقات جيمي كيمل مقدم حفل الاوسكار، الاجتماعية حادة لكنها اتسمت في الوقت نفسه بضبط النفس. ولم يضيع كيمل وقتا يذكر فتناول منذ البداية الضجة السياسية التي تميز بها موسم الجوائز السينمائية في هوليوود.
قال كيمل متعجبا عقب ظهوره على خشبة المسرح في قاعة دولبي بهوليوود "هذا البث يشاهده الآن على الهواء ملايين الأمريكيين وفي مختلف أنحاء العالم في أكثر من 225 دولة تكرهنا الآن. أعتقد أن هذا شيء مذهل." وأصر على أنه لا يجد من الكلمات ما يسهم في توحيد البلد المنقسم.
وحث المشاهدين على بذل جهدهم لتحقيق المصالحة بالتواصل مع الخصوم السياسيين الذين يعرفونهم شخصيا "من أجل إقامة حوار متأن لا باعتبارهم ليبراليين ومحافظين بل باعتبارهم أمريكيين." كما أبدى كيمل رغبته في توجيه بعض اللوم إلى أكاديمية فنون وعلوم السينما الأمريكية على عيوبها فعقد مقارنة خبيثة بين الانتقادات التي وجهت إلى كل من الرئيس وجوائز الأوسكار بسبب انعدام الحساسية العنصرية. بحسب رويترز.
وقال "العام الماضي عندما بدا وكأن جوائز الأوسكار عنصرية؟" موجها سؤالا مجازيا في إشارة إلى الجدل الذي ثار حول الجوائز في العام الماضي لخلو قائمة الترشيحات من المرشحين السود. ودوت القاعة المليئة بنجوم السينما بالضحك والتصفيق لهذه الدعابة اعترافا بعودة قدر من التوازن العنصري إلى الجوائز بعد عامين متتاليين لم يكن فيهما أي من المرشحين في فئات التمثيل الأساسية من الملونين.
الخود البيضاء
أعلن فوز فيلم "الخوذ البيضاء" الوثائقي- الذي تبلغ مدته 40 دقيقة عن جماعة الخوذ البيضاء في سوريا التي تمزقها الحرب- بجائزة أكاديمية فنون وعلوم السينما (أوسكار) لأفضل فيلم وثائقي قصير. وقال رائد صالح رئيس جماعة "الخوذ البيضاء" للدفاع المدني لرويترز "لم أكن أتوقع الفوز بالجائزة". نعتبر هذا نجاحا جديدا جاحا لكل الشعب السوري. لقد فتح بابا جديدا لنضالنا للوصول إلى شريحة مختلفة من الناس حول العالم."
وتعرف هذه الجماعة رسميا بالدفاع المدني السوري ولكنها تشتهر باسم الخوذ البيضاء وهي تدير خدمة إنقاذ في مناطق تسيطر عليها المعارضة بسوريا. ويعرض الفيلم لمحة قصيرة عن عملها المروع مع دخولها مباني بعد فترة وجيزة من تفجيرات بالقنابل وتنقيبها بين الأنقاض الثقيلة والغبار الكثيف بحثا عن ناجين.
وقال صالح "هذه كانت الرسالة التي كنا نريد نشرها من خلال الفيلم: أن نقول إن الناس في سوريا ليسوا إرهابيين ولكنهم أبطال قادرون على تحقيق السلام وأن هناك انتهاكات ترتكب ضد المدنيين في سوريا لابد من محاسبة المسؤولين عنها." وأعطت الولايات المتحدة كلا من صالح وخالد الخطيب وهو رجل إنقاذ وأحد مصوري الفيلم أيضا تأشيرتي دخول لحضور حفل الأوسكار في لوس أنجلس. ولكن صالح لم يستطع ترك عمله بسبب كثافة الغارات الجوية في حين لم يتمكن الخطيب من الحضور بسبب إلغاء الحكومة السورية جواز سفره. بحسب رويترز.
أضفى فوز الفيلم بالجائزة أجواء من الارتياح والبهجة على أعضاء وفد المعارضة السورية المشارك بمحادثات جنيف حتى أن البعض اعتبره "نصرا سياسيا". واعتبر نصر الحريري رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات في محادثات جنيف أن هذا "انتصار يسجل اليوم للإنسانية في سوريا". وقال عضو الهيئة العليا للمفاوضات إلى مؤتمر جنيف محمد علوش لرويترز "أي عمل يساعد على تصوير ونقل معاناة الشعب السوري إلى العالم كله هو عمل إيجابي يشكرون عليه."
اضف تعليق