امتثالاً للأوامر الإلهية في الدعوة إلى الله تعالى والمذهب الحق وتعاليم أهل بيت العصمة والرسالة صلوات الله عليهم، وتوجيهات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله بنشر علوم أهل البيت عليهم السلام وتعاليمهم الربانية وبغية الارتقاء بالمستوى الخطابي والأداء المنبري وإيصال الصوت الحسيني إلى ابعد نقاط المعمورة، وبحضور كبير من العلماء والفضلاء وممثلي مكاتب مراجع الدين العظام وخطباء المنبر الحسيني المبارك وطلبة العلوم الدينية من مدارس حوزة كربلاء المقدسة المتعددة عقدت حوزة كربلاء المقدسة ـ مدرسة العلامة الشيخ احمد بن فهد الحلي رحمه الله ـ مؤتمرها التبليغي الثالث عشر تحت شعار: «التبليغ الرمضاني: علمٌ وجهادٌ وعملٌ» وذلك صبيحة يوم الاثنين الثاني والعشرين من شهر رجب الأصب 1436 هجرية الموافق 11/ 5/ 2015 ميلادية.
انعقد المؤتمر بعرافة الخطيب الحسيني فضيلة الشيخ زهير الأسدي وقد استهل بتلاوة قرآنية معطرة بصوت المقرئ الحاج مصطفى الصراف ـ مؤذن الروضة الحسينية المطهرة ـ ومن ثم شرع سماحة آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري ـ مدير الحوزة والمشرف العام على المؤتمر ـ بالقاء كلمة الافتتاح حيث أشار ابتداءً الى المؤتمرات السابقة التي أقامتها الحوزة مبيناً أنها وعبر مؤتمراتها الاثني عشر السابقة استضافت العشرات من الأعلام والفضلاء والخطباء ذوي الخبرة الكبيرة في الميدان الخطابي وقد ذكر جملة منهم، متقدماً بالشكر لهم لمشاركاتهم في إنجاح تلك المؤتمرات حيث النتائج والثمار المتحصلة الكثيرة، كما وذكر من توفي منهم مترحماً عليه.
كما وتحدث سماحته حول أهمية عقد مؤتمرات التبليغ منطلقاً من حديث الإمام الصادق عليه السلام للفضيل بن يسار حيث قال: «أتجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك. قال: إن تلك المجالس أحبها. فاحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا» بحار الأنوار، ج44، ص282، الحديث رقم 14.
وكذا ما ورد في حديث سعد الاسكاف، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: اني اجلس فأقصّ، واذكر حقكم وفضلكم. فقال عليه السلام: «وددت انّ على كل ثلاثين ذراعاً قاصّاً مثلك» رجال الكشي: 215.
كذلك تحدث حول الصعوبات التي واجهها المبلغون قديماً وحديثاً بل ان بعض أصحاب أئمة الهدى سلام الله عليهم سجنوا وعذبوا وقتلوا، وقد استشهد لذلك بما جرى لمحمد بن عمير رضوان الله عليه وتعذيبه من قبل الطغاة من أجل ان يدل على أصحاب الأئمة عليم السلام ويكشف أسرارهم الا انه صبر وتحمل في سبيل الله تعالى، فعلى الخطباء والمبلغين الإقتداء به رضوان الله عليه.
ثاني كلمات المؤتمر كلمة سماحة آية الله السيد مرتضى القزويني استمدها من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة المجادلة: الآية 11.
فعقَّب مبيناً أن العلم والإيمان اذا اتحدا فذاك سبب رفع الدرجات في الدنيا وفي الآخرة التي هي الهدف الأساس، وان الله تعالى رفع من شأن العلم والعلماء فقال: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ) سورة الزمر: الآية 9، وقد بين سبحانه منزلة الحكمة وانها أفضل من سائر عرض الدنيا إذ قال: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) البقرة: 269. والحكمة تؤتى عبر الإخلاص فقد روي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال: من أخلص لله أربعين صباحاً أجرى الله ينابيع الحكمة على لسانه. فعلى المبلغين الكرام وسائر طلبة العلوم الدينية الاخلاص لله تعالى في كل جزئيات حياتهم.
ومن ثم تحدث حول مهمة التبليغ وما تتضمن من مخاطر مبيناً ان الله تعالى سيُـيسر ويسهل الأمور للمبلغ بثلاث شروط: 1ـ ان يعطي من وقته وجهده بما يتلائم والوظيفة المقدسة، 2ـ التقوى الحقيقية، 3ـ التصديق التام والإيمان بالمهمة، قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) سورة الليل: الآيات 5و6و7، وفي قبال ذلك أي ان لم يمثل الشروط تكون الصعوبة قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) سورة الليل: الآيات 8و9و10. بعد ذلك ذكر مصاديق لما تقدم مستشهداً بلقمان الحكيم عليه السلام حيث رفع الله تعالى شأنه لأنه أخلص لله تعالى.
بعد ذلك شنف فضيلة السيد مرتضى السندي أسماع الحاضرين بقصائد مديح بحق أهل البيت عليهم السلام تفاعل الحضور معها.
ثالث كلمات المؤتمر كلمة سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد مهدي الشيرازي وقد استمدها من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ) سورة: الآية 67.
فقد بين ان من مهام الأنبياء والذين يقتفون أثرهم هو التبليغ قال تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) سورة الأحزاب: 39، وقد بذل الأنبياء جل وقتهم وحياتهم في سبيل ذلك فهذا نوح النبي مثال لذلك قال تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً*فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً) سورة نوح: الآيتين 5و6، وكذا فان موسى الكليم عليه السلام صبر متحملاً في ذات الله لمدة طويلة جداً حتى استطاع ان يبلغ رسالة الله إلى فرعون، ورسول الله صلى الله عليه وآله كانت المهمة الأساسية له التبليغ، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) سورة الإسراء: 105، فرجل العلم الديني والمبلِّغ سائرٌ في إثر الأنبياء وان الناس ينظرون اليه كما ينظرون اليهم سلام الله عليهم فعلى المبلغ الاتصاف بصفات الأنبياء لا سيما في صبرهم واسلوب تبليغهم والتحلي بمكارم الأخلاق التي اتصفوا بها وهذه من أهم الخصال واجبة الاتصاف، فضلا عن تسلحه بأنواع العلوم والفنون المطلوبة لإنجاح مهمة التبليغ.
بعد ذلك أخذ بذكر شواهد حول الصعوبات والتضحيات التي قدمها الأنبياء والأولياء والمبلغون في سبيل الوظيفة المقدسة وهي تبليغ رسالة الله إلى عباده وانقاذهم من الظلمات الى النور.
ختام كلمات المؤتمر كلمة سماحة آية الله الشيخ فاضل الصفار وقد استمدها من قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) سورة التوبة: 122.
فعقب قائلاً: ان المتتبع لحوادث الزمن يجد تطبيقاً واضحاً للآية المتقدمة واليوم المؤمنون محاطون بالأعداء والنواصب لذا ذهبت طائفة منهم للجهاد دفاعاً عن الحرمات والمقدسات وفئة أخرى توجهت لطلب العلم والتفقه في الدين، والآية المباركة صنفت المؤمنين صنفين صنف مقاتل وصنف عالم فقيه ومعلم وبين الصنفين تكاملية في المهام والأدوار فلا يستغني احدهما عن الآخر.
الآية المباركة أشارت الى اكثر من تكليف شرعي منها جعلت التفقه في الدين في مقابل الجهاد في سبيل الله تعالى، ومن جهة أخرى اشارت الآية إلى لزوم محاربة الجهل فكما يجب اجتثاث الأعداء كذلك ينبغي اجتثاث الجهل.
وفي الآية نكتة أخرى من قوله تعالى (وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا) فيحتمل ان يكون المعنى أن من يتفقه ويتعلم عليه ان يرجع إلى قومه وينذرهم اما اذا كان فاعل الرجوع هو القوم فيستفاد من الآية نكتة إضافية وهي ان المتفقه المتعلم المبلغ يجب ان يتصف بالاستعداد الكافي للإجابة عن أسئلة قومه ولا يبقى متحيراً.
بعد ذلك بين ان سفر التبليغ ليس سفر عادي للترفيه وغيره بل هو عمل من أعظم الأعمال والمهام لذا نلحظ ان القرآن الكريم جعل من مهمة الرسل وتبليغ الرسالات هو الهداية قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ) سورة الأنبياء: 73، فالمهمة عظيمة ينبغي ان يكون الزاد فيها أي ما يبلغ للناس مستمداً من الكتاب العزيز والسنة المطهرة فبذلك تكون الهداية ففي الزيارة الجامعة: «كلامكم نور، وأمركم رشد، ووصيتكم التقوى» فالذي يُبلَّغ هو نور العترة الطاهرة صلوات الله عليهم فهو الذي يهدي الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور.
ومن ثم تحدث حول رواية عن الإمام علي بن الحسين السجاد عليهما السلام حيث نقل لأصحابه إحدى مناجاة الله تعالى مع نبيّه موسى عليه السلام فقال: «أوحى الله إلى موسى: حبّبني إلى خلقي، وحبّب خلقي إليّ، فقال موسى: يا ربّ كيف أفعل؟ قال: ذكرهم آلائي، ونعمائي ليحبّوني، فلا ترد آبقاً عن بابي، أو ضالاً عن فنائي. إن ذلك أفضل لك من عبادة مائة سنة، يصام نهارها، ويقام ليلها، قال موسى: من هذا العبد الآبق منك؟ قال الله: المتمرد، قال: فمن الضال عن فنائك؟ قال: الجاهل بإمام زمانه، والغائب عنه بعدما عرفه، الجاهل بشريعة دينه، تعرفه شريعته، وما يعبد به ربه تعالى، ويتوصل به إلى مرضاته»، ومن ثم قال الإمام عليه السلام: «فابشروا علماء شيعتنا بالثواب الأعظم والجزاء الأوفر». البحار ج1 ص71.
فعقب شارحاً لمفردات الرواية الشريفة مبيناً لنكات عدة وردت فيها أهمها: ان الضال هو الذي لا يعرف إمام زمانه فالمهمة الجوهرية لكل مبلغ هي تعريف الناس بالإمام فينبغي أن لا تخلو مجالس التبليغ من ذكر مولانا صاحب العصر والزمان عليه السلام.
وفي ختام أعمال المؤتمر تلي البيان الختامي.
اضف تعليق