q

الشيخ عدي طالب آل حمود

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه النبي الأمين واله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين.

قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى‏ بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى‏ وَعِيسَى‏ أَنْ أَقِيمُو الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ).[1]

التاريخ علم ووعي ومعرفة بالأحداث وما يقف وراءها من أسباب ودواعي سياسية واجتماعية، لأن التاريخ حركة الأفكار والأفعال البشرية وتطورها، وبهذا يتميز المؤرخ عن المحدِّث أو الاخباري.[2] فلا يمكن لمفكر فهم أي حدث تأريخي بمعزل عن ظرفيه الزماني والمكاني، فان لهما المدخلية العظيمة في تحليل ذلك الحدث موضوعياً واستيعاب أسبابه ونتائجه وآثاره.

صلح الإمام الحسن عليه السلام كحدث تاريخي كان له الأثر العظيم في تشخيص هوية الأمة الإسلامية بشرائحها كافة وعبر عمرها المديد، وقبل الولوج في صلب البحث لا بد من مقدمتين:

المقدمة الأولى: جذور النزاع

رغم أن عقد الصلح بين الإمام الحسن عليه السلام وبين معاوية بن صخر ـ لعنه الله ـ جرى في العراق إلا أن جذوره تمتد لتستقي أصولها من مكة المكرمة، وما جرى فيها من أحداث جمّة وما تأصل فيها من ثقافات مختلفة اثر تنوع مصادرها.

المجتمع المكي القبلي قبل الإسلام تمثل بقبيلة قريش ذات البطون التي تجاوزت العشرين، كبني هاشم بن عبد مناف، وبني أمية بن عبد شمس، وبني عبد الدار بن قصي، وبني زهرة بن كلاب، وبني مخزوم بن يقظة بن مرة وغيرهم من البطون، وقد تميز هذا المجتمع بشدة المنافسة بين أقطابه على الرئاسة والتفاخر بالآباء والأنساب والوجاهة والمال والكثرة العددية حتى وصل الأمر إلى التفاخر بعديد الأموات قال تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ*حَتَّى‏ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)[3].

أدى التنافس والتحاسد بينها إلى عقد الأحلاف فيما بينها فظهر «حلف الأحلاف» ضم بني عبد الدار وبني مخزوم وسهم وجمح وبني عدي بن كعب، وظهر حلف «المطيبين» ضم بني عبد مناف بن قصي وبني أسد بن عبد العزّى وبني زهرة بن كلاب وبني تيم بن مرة.[4]

وذكرت المصادر التاريخية أن التنافس كان على أشده لاسيما بين البطون الكبيرة المؤثرة كبني هاشم وأمية ومخزوم[5]، ويكشف لنا ذلك ما دار من كلام بين أبي الشريف وأبي جهل ـ وهو من بني مخزوم ـ حيث قال ابو الشريف: أترى محمداً يكذب؟

فقال أبو جهل: كيف يكذب على الله وكنّا نسميه الأمين، لأنه ما كذب قط، ولكن إذا اجتمعت في بني عبد مناف السقاية والرفادة والمشورة، ثم تكون فيهم النبوة فأي شيء يبق لنا؟. وكذا قول أبي سفيان: كنا وبني هاشم كفرسي رهان، كلما جاءوا بشيء جئنا بشيء مقابل حتى جاء منهم من ادعى خبر السماء فأنّى نأتيهم بذلك.[6]

وسيستمر هذا التباغض والتنافس والحسد حتى بعد مجيء الإسلام كما هو ظاهر تاريخياً، ويدل على ذلك ما ذكره المفسرون من قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى‏ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبرَاهِيمَ  الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُلْكاً عَظِيماً)[7].

المقدمة الثانية: الثقافة ودورها في الترابط والتدابر الاجتماعي.

عُرّفت الثقافة بأنها: «جميع السمات الروحية والمادية والعاطفية التي تميز مجتمعاً بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الإنسانية للإنسان ونظم القيم والمعتقدات والتقاليد»[8].

ووفق هذا التعريف فان أجمعت الأمة على سمات روحية ومادية وعاطفية واحدة فهي الأمة الواحدة وإلا فهي الممزقة ذات أشلاء متناحرة ومتصارعة.

جاء الإسلام المحمدي بمفاهيم لسمات روحية ومادية وعاطفية حاول تجذيرها في نفوس المسلمين وترسيخها في شخصية الأمة بغية إظهارها بهوية واحدة، فهل استطاع عبر قائده المعصوم صلى الله عليه واله ذلك ام لا؟

نستطيع القول ـ بضرس قاطع ـ وفق الشواهد التاريخية الكثيرة منها الحروب التي استعرت ـ كالجمل وصفين والنهروان  وغيرها ـ ان الإسلام بحقيقته لم يترسخ عقيدةً في نفوس جميع المسلمين بل ما زال الأكثر يخوض مع الخائضين في الثقافة القبلية الجاهلية بل نجد الأمر جلياً حتى ضمن مجتمع الأنصار في المدينة المنورة حينما قالوا: «منّا أمير ومنكم أمير»، رغم ان الله تعالى منَّ عليهم بالأخوة الإسلامية قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)[9].

أركان الثقافة الإسلامية:

الإسلام المحمدي الأصيل قائم على أركان خمس: «التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، المعاد»، فضلاً عما يتفرع عليه من الصلاة والصوم والحج وغيره، وقد عمل العداء للرسول الأعظم صلى الله عليه واله والى أهل بيته من بني هاشم الى ان يقوم البعض ممن دخل الإسلام ـ نفاقاً أو خوفاً أو طمعاً ـ إلى التغيير الكبير في هذه المفاهيم وبذلك شرع دين جديد أطلق عليه بعض الأعلام بـ«الإسلام الأموي»[10]، والمقام لا يسع الكثير من الشواهد على محاربة هؤلاء للدين المحمدي الحق ومحاولة تجذير اعتقاداتهم وتغليب مصالحهم ـ وسنذكر شاهداً واحداً على ذلك ـ قال الزبير بن بكارة، قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت  مع أبي على معاوية، وكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف اليَّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب مما يرى منه إذ جاء ذات ليلة  فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: مالي اراك مغتماً منذ الليلة؟

فقال: يا بني، جئت من أكفر الناس وأخبثهم؟!

قلت وما ذاك؟ قال: قلت له ـ أي لمعاوية ـ وقد خلوت به: انك قد كبرت، ولو نظرت الى أخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وان ذلك مما يبق لك ذكره وثوابه؟

فقال: هيهات هيهات، أي ذكر أرجو بقاءه! ملك اخو تيم فعدل! وفعل ما فعل، فما عدا ان هلك حتى هلك ذكره، الا ان يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عَدي، فاجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، الا ان يقول قائل عمر، وان ابن ابي كبشه يصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد ان محمداً رسول الله، فأي عمل يبقى؟ واي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك الا والله إلا دفناً دفناً.[11]

نعم رسول الله صلى الله عليه واله استطاع بمقدار ما ترسيخ المفاهيم الإسلامية الصحيحة وبناء شخصية الفرد المسلم إلا انه صلوات الله عليه لم يستطع قلع ثقافة الجاهلية تماما من نفوس الكثير من المسلمين لاسيما هؤلاء الذين دخلوا الدين رهبة وخوفا بعد فتح مكة، وكذا المنافقون الذين دخلوا الإسلام ظاهرا من قبل الفتح وهم كُثر، بل أستطيع القول قاطعاً بان الأغلب من المسلمين لم تتأصل في تلك الفترة الثقافة المحمدية في نفوسهم ولم تصقل متهذبة بتعاليم العقيدة الحقة وإلا لم يحدث في الإسلام والمسلمين ما حدث بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه واله لاسيما مؤامرة السقيفة والاعتداء على بيت الرسالة صلوات الله عليهم وما جرى لسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وما ورد في الزيارة الجامعة لأئمة المسلمين خير شاهد على ذلك حيث قال السيد ابن طاووس في مصباح الزائر: «قد روي عن الأئمة عليهم السلام هذه الزيارة بآداب يتأدب بها من الدعاء والصلاة عند الخروج لسفر الزيارة» وورد فيها بعد بيان منزلة الأئمة المعصومين عليهم السلام ومقدار الظلم الواقع عليهم وانه الوسيلة الى الله تعالى: «إني بكم أتقرب إلى الله جلّ وعلا بالخلاف على الذين غدروا بكم ونكثوا بيعتكم، وجحدوا ولايتكم وأنكروا منزلتكم وخلعوا ربقة طاعتكم وهجروا أسباب مودتكم وتقربوا الى فراعنتهم بالبراءة منكم والإعراض عنكم...»[12].

هذه التلقين من قبل الأئمة الطاهرين عليهم السلام لشيعتهم في محاولة تهذيبهم بالعقيدة الحقة والدين المحمدي الصحيح بغية خلق جيل موال شيعي بعيد عن الانحرافات التي ابتدعها الأعداء.

عود على بدء:

العراق وعاصمته الكوفة أبان خلافة الإمام الحسن عليه السلام وفيها محور الأحداث والمفترض تواجد أنصار الإمام عليه السلام بشكل كثيف، لكن ان راجعنا الواقع السكاني فيها نجد ان نسبة الشيعة فيها لا تتجاوز العشرين بالمئة أي خمس الكوفيين، حيث ان نصف الكوفة من الموالي والنصارى بقسميها النساطرة واليعاقبة وكذا اليهود وأنصار البيت الأموي الذين يشكلون نسبة تكاد تتجاوز الخمسة بالمئة من الكوفيين فضلاً عن الأعراب التابعين لكل ناهق[13].

ولا يخفى ان نسبة الشيعة وهي كما قلنا الخُمس تقريباً لم يك الجميع على وعي تام بالعقائد الشيعية التي في مقدمتها التسليم المطلق للإمام المعصوم عليه السلام بل ان من قادة جيش الإمام الحسن عليه السلام من غدر به واسلم الأمر لمعاوية[14].

خلاصة الأمر ان الاعتقاد السائد أن الإمام ما هو الا حاكم شرعي غير منصَّب من قبل الله تعالى بل من قبل أهل الحل والعقد او من المسلمين في أفضل الأحيان، ومن كان هذا اعتقاده لا يضحي بنفسه فداء الإمام، الأمر الكاشف عن وجود خلل كبير في الشخصية العقدية الإسلامية من حيث المصداق، فالمسلم الحق المقر بأصوله وفروعه يسلم التسليم التام للإمام المفترض الطاعة من قبل الله تعالى وكان الإمام الحسن عليه السلام يركّز على هذا الجانب حتى قبل ان يبايع بالخلافة بل جعل ذلك شرطاً لمبايعته بعد ان غدر به المنافقون  ومن في عقائدهم  خلل من الكوفيين نقل العلامة المجلسي في البحار انهم قالوا للإمام الحسن عليه السلام: انت خليفة أبيك ووصيه، ونحن السامعون المطيعون لك، فمرنا بأمرك فقال عليه السلام: «كذبتم والله وما وفيتم لمن كان خيراً مني فكيف تفون لي؟ وكيف أطمأن إليكم ولا أثق بكم؟ ان كنتم صادقين فموعد بيني وبينكم معسكر المدائن، فوافوا هناك»[15]، بل ان الإمام عليه السلام كان يستنكر على البعض ادعاء التشيع، جاءه رجل فقال: يا بن رسول الله اني من شيعتكم! فقال عليه السلام: «يا عبد الله ان كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وان كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل: انا من شيعتكم ولكن قل: انا من مواليكم ومحبيكم ومعهادي أعدائكم، وأنت في خير والى خير».[16]

بل ان الإمام يصف لنا حقيقة انصاره ومستوى دينهم وعقيدتهم حيث قال عليه السلام: «والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً، فوالله لأن أسالمه وأنا عزيز، خير من أن يقتلني وأنا أسيرهُ، أو يمنّ عليّ فتكون منّة على بني هاشم إلى آخر الدهر، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منّا والميت».[17]

فالامام عليه السلام كان على إحاطة تامة بالخلل القائم في الشخصية المسلمة ومدى استيعابها للتعاليم الشرعية، وهو كالنبي الأعظم عليهما السلام طبيب دوار بطبه لابد له من العمل لمعالجة الخلل، ولا يتم ذل الا بطريقين:

الأول: كشف زيف الأمويين وغيهم وفضحهم على الملأ لاسيما معاوية ومن مهّد له سلطانه.

الثاني: ترسيخ المفاهيم الإسلامية وتهذيب النفوس بها بغية تأسيس قاعدة شيعية مؤمنة وواعية بالعقيدة والواقع السياسي والاجتماعي الموجود عاملة على تغيير ذلك الواقع وإيجاد التغيير المطلوب للوصول الى دولة العدل الإلهي.

الإمام الحسن عليه السلام وكشف زيف الأمويين:

عمد الإمام عليه السلام إلى أبرام عقد الصلح مع معاوية المتستر بلباس الدين والتقوى، فكان له ذلك بعد الصلح مباشرة حينما استتب له الأمر فغدر قائلاً: «كل ما عاهدت عليه الحسن بن علي فهو تحت قدمي هذه».

وكذا يمكن لنا الوقوف بجلاء على جهد الإمام عليه السلام في فضح هؤلاء عبر مواقف عدة للإمام ولعل أبرزهاما نقل في الاحتجاج وقد رواه الشعبي، وأبي مخنف، ويزيد بن أبي حبيب المصري أنهم قالوا: لم يكن في الإسلام يومٌ في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل، أكثر ضجيجاً ولا أعلى كلاماً، ولا اشد مبالغة في قول، من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص، وعتبة بن ابي سفيان، والوليد بن عتبة بن أبي معيط، والمغيرة بن شعبة، وقد تواطؤا على أمر واحد.

فقال عمر بن العاص لمعاوية: ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره فقد أحيا سيرة ابيه، وخفقت النعال خلفه ان أمر فأطيع، وان قال فصدق وهذان يرفعان به الى ما هو أعظم منهما، فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه وسببناه وسببنا اباه، وصغّرنا بقدره وقدر أبيه، وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه.

فقال لهم معاوية: اني أخاف ان يقلدكم قلائد يبق عليكم عارها حتى تدخلكم قبوركم، والله ما رأيته قط الا كرهت جنابه، وهبت عتابه واني ان بعثت اليه لأنصفته منكم.

والواقعة مطولة جداً فضح عبرها الإمام هذه الفئة الباطلة الباغية، ولو نلحظ فيما تقدم من كلام عمر بن العاص بأن الإمام أحيا سيرة امير المؤمنين عليه السلام وكثر اتباعه بمعنى ان الإمام عليه السلام بذل الجهد الكبير في تربية اتباع «شيعة» بحيث ان الأعداء ارهبهم ذلك وانه على خطى امير المؤمنين عليه السلام، مع ملاحظة ان هذه الواقعة حصلت بعد عقد الصلح.

أما فيما يخص ترسيخ الإمام الحسن عليه السلام لمفاهيم الدين المحمدي الحق فهو بحر متلاطم لا ساحل لهولا حدود يمكن للصياد الماهر استخراج لألئه وكنوزه عبر البحث في جانبين:

الأول: السيرة العطرة له سلام الله عليه وما تضمنت من تصرفات حكيمة اثبت عبرها انه الإمام المفترض الطاعة من قبل الله تعالى، وفي مقدمة اعماله الاصلاحية عقده الصلح مع معاوية لعنه الله، وكذا دأب على اعداد اتباع عقائديين واعيين جيداً للأحداث مسلِّمين للإمام تمام التسليم، ولعل هذه الميزة مفقودة لدى الاكثر من محبي الإمام عليه السلام واتباعه يومها، وقد برهن سيد الشهداء عليه السلام ذلك عملياً حينما دعاهم لنصرته والنهضة معه فلم ينهض معه الا كهمل النعم كما هو معروف ومشهور.

ومن بعد الواقعة الفاجعة نجد ان أئمة الهدى سلام الله عليهم اتخذوا منهجاً إصلاحياً متقارباً سمته اعتزال السياسة ظاهراً والانهماك بإعداد نخبٍ علمياً وعملياً تأخذ على عاتقها اصلاح الامة وتوسع المنهج الى ان بلغ الذروة في عهد الصادقين عليهم السلام وتأسيس الجامعة الاسلامية الكبرى في المدينة المنورة.

الثاني: تراثه الحديثي الغر وكنموذج لذلك ما جمعه سماحة آية الله السيد الشهيد حسن الحسيني الشيرازي قدس سره في كتابه القيم «كلمة الإمام الحسن عليه السلام»، فقد تحدث الإمام عليه السلام بعمق في العقائد والقضاء والقدر والجبر والتفويض لا سيما وان الامويين اخذوا بتأسيس مدرستهم الجبرية في ذلك الحين، وكذا تحدث في النبوة وصفات النبي وفي الإمامة وصفات الإمام وعلمه وفي العبادات والاخلاقيات الشيء الكثير وفي السياسة ما يصلح لبحث واسع، وناظر الخصوم والجمهم حجراً، وغير ذلك، والمقام لا يسع للبحث فيها عسى الله تعالى ان يوفقنا مستقبلا لكتابة بحث موسع في هذا الموضوع.

والحمد لله رب العالمين.

..............................
[1] سورة الشورى: الآية 13.
[2] آية الله الشيخ فاضل الصفار، مقدمة كتاب الدرر العلوية والغوائل الاموية، الشيخ احمد البغدادي، مؤسسة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام الثقافية، 1433 هجرية، ص3.
[3] سورة الكوثر: الآيتين 1 و2.
[4] طبقات ابن سعد، ج1، ص63. وتاريخ اليعقوبي، ج1 ص372.
[5] اما البطون الضعيفة كبني تيم وعدي فكانت اما تدخل في حلف مع البطون الكبيرة او تصمت، فلم يكن لأقطابها وزعماها دور في المنافسة على الرئاسة الا بعد ان ازيل بعض الاقطاب الكبيرة كبني هاشم وبني مخزوم فالأخير قضي على زعماءه في معركة بدر، فيما ابعد بني هاشم كما هو معروف اثر دسائس المنافقين وتحديات الاعداء.
[6] انظر تفاصيل ذلك في كتاب المواجهة مع الرسول صلى الله عليه واله لاحمد حسن يعقوب، وفيه تحليل موضوعي معمق مدعم بالشواهد حول المنافسة الشديدة بين بطون قريش على الزعامة.
[7] سورة النساء: الآية 54.
[8] أحدث تعريف للثقافة اتفق عليه وعرف بإعلان مكسيكو في السادس من آب 1982 ميلادية.
[9] سورة آل عمران: الآية 103.
[10] مع ملاحظة ان الرسول الاعظم صلى الله عليه واله استطاع القضاء على بني مخزوم في واقعة بدر الا ان بني امية لم يقضى عليهم حيث دخلوا الاسلام خوفاً.
[11] أخبار الموفقيات، الزبير بن بكار، تحقيق الدكتور سامي العاني، منشورات الشريف الرضي، ايران مطبعة امير، قم المقدسة 1416 هجرية، ص577.
[12] مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي قدس سره، الزيارة الجامعة لأئمة المؤمنين عليهم السلام، ص645.
[13] تفاصيل اكثر انظر كتاب: مبعوث الحسين عليه السلام لمحمد علي عابدين، طبع تحت اشراف ونفقة حسينية مسلم بن عقيل عليه السلام الكويت.
[14] وهو عبيد الله بن العباس عم رسول الله صلى الله عليه واله كان قائد جيش الإمام الحسن عليه السلام فغدر به وهرب الى معاوية بن ابي سفيان طمعا ببعض المال والذهب الذي اغراه به معاوية، وبذلك طعن سيد شباب اهل الجنة بسهم خفي قاتل.
[15] بحار الانوار، محمد باقر المجلسي، ج44، ص43.
[16] مجموعة ورام: ص 301.
[17] الاحتجاج للطبرسي: ج2، ص10.

اضف تعليق