عندما نكون قادرين على الصفح، من خلال قوة الإرادة والعزيمة التي نمتلكها، سوف نمتلك أيضا القدرة على غفران الإساءة، والصبر على ذلك، لنصل إلى هدفنا المنشود الذي نروم الوصول إليه، وهو نيل المراتب العليا والمكانة التي نستحقها، ونحن في حقيقة الأمر يمكننا تحقيق ذلك إذا اتخذنا من خارطة الطريق التي وضعها المرجع الشيرازي مسارا لنا...
(الانسان باختياره يسمو أو يدنو) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
مفتاحان مهمّان يتصدران مفاتيح الرفعة والسمو والفوز بالمراتب العالية، هما الصبر، ويسنده الصفح والغفران، والترفّع عن رد الإساءة، فإذا أراد الإنسان أن يحقق المكانة والمنزلة العالية في حياته، فما عليه سوى التمسك بهذين المفتاحين، لأنهما سيفتحان له كل أبواب الخير التي ستقوده نحو الرفعة وعلو الشأن وسمو النفس والروح والسلوك.
وكما نعرف بأننا حين نهدف إلى نوال درجة نجاح عالية في حياتنا، فهنالك سبل عديدة يمكن أن تدفعنا في هذا الاتجاه، ولكن للصبر دوره الفعال والكبير في جعل الإنسان قادرا على فتح الأبواب الصحيحة للنجاح، وأولها مفتاح الصبر الذي يشكل الركيزة الأهم والأقوى في حياة الإنسان، بحيث يجعله الصبر مثابرا ومصرّا على بلوغ المراتب العالية التي يخطط لها في حياته.
على أن يدعم الإنسان مفتاح الصبر بالركيزة الثانية التي لا تقل عن الأولى أهمية ونقصد بها الصفح والغفران لمن يسيء لنا، والتخلي عن الرد المقابل للإساءة، فالعفو عند المقدرة أسلوب عظيم تمسك به الإمام علي عليه السلام، ومن قبله رسول الله صلى الله عليه وآله، حين قال لمن حاروه وحاصروه طوال عقدين من السنين اذهبوا فأنتم الطلقاء)، فالصفح والغفران يفتحان للإنسان أبواب الخير جميعها، ويجعلانه قاب قوسين أو أدنى مما يبتغي ويحلم به.
سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في سلسلة نبراس المعرفة: محاضرة الصفح والعزم:
(إنّ الموفقية في الحياة بحاجة الى أمور كثيرة في طليعتها أمران رئيسيان: أحدهما الصبر، والثاني الصفح والغفران لمن يسئ لنا).
الصفح طريقنا نحو السموّ
ومن حسن حظ الإنسان إن الله تعالى منحه مواهب لا تُعَدّ ولا تحصى، كلها ساعدته لكي يكون مختلفا ومتميزا عن الكائنات الأخرى، وجميع تلك المواهب تم وضعها بأمر تكويني تحت تصرّف الإنسان لكي يسموا بها عاليا وينال من خلالها أعلى الدرجات، فيما لو قام بالاستفادة منها بالشكل الصحيح، وتم استثمارها بالطريقة التي تُكسبه المكانة النادرة التي يستحقها.
علما بأن كل ما حصل عليه الإنسان من عوامل تمكنه من نيل المكانة العالية، تبقى في حدود شخصية الإنسان غير المعصوم، لأن المعصومين مختلفون في قدراتهم وكراماتهم الإلهية، بينما الناس الآخرين يمتلكون القدرة على توظيف مواهبهم وإمكاناتهم بالمستوى الذي يناسب هذه القدرات، لذا لابد من استثمار المواهب في مواطِنها الصحيحة للفوز بالمكانة العالية.
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يقول:
(الانسان موجود عجيب، والله تعالى أعطاه قدرات ومواهب وإمكانات لتكون تحت تصرّفه ويرفعه بها الى أرفع الدرجات، لكنها دون درجات العصمة الخاصّة بأفراد محدّدين ومعيّنين).
ومن المفارقات العجيبة حقا، أن القدرات والمواهب التي وهبها الله تعالى للإنسان يمكنها أن ترتقي به إلى أعلى المراتب والدرجات، بشرط أن يستخدمها بالشكل الصحيح الذي تكفله الأحكام والمبادئ والقواعد والقوانين التي سنّها الله تعالى وكما وردت في كتابه الحكيم، وكذلك ما قدمته الأحاديث الشريفة والسنة النبوية من توجيهات وتوضيحات تقدم للجميع السبل التي يمكن اعتمادها لكي يسمو الإنسان وينال الرفعة والسؤدد.
وفي حال فشل الإنسان في استثمار المواهب الإلهية التي حصل عليها، وانحرف عن سواء السبيل وفرط بالدرجات العالية والمكانة العالية التي كان بإمكانه الفوز بها، لأنه لم يستخدم قدراته ومواهبه كما يجب، فسوف يسير في طريق السقوط والتردي والفشل، ويصل إلى أدنى المستويات التي يتشابه فيها مع الحيوانات المتوحشة، وما أتعش الإنسان الذي يتساوى مع الحيوان المتوحش في أفعاله، هكذا يمكن أن يصبح الإنسان عندما يفرّط بالمواهب التي منحها الله تعالى له وحثّه على يستثمرها ويستفيد منها بالشكل الصحيح.
لهذا يوضّح سماحة المرجع الشيرازي دام ظله هذه النقطة فيقول:
(هذه المواهب يمكن أن يحلّق بها الانسان الى درجات عالية ومراتب رفيعة، ويمكن أن ينزل بها الى مستويات هابطة لا يصل إليها حتى الوحوش والحيوانات الوضيعة).
لهذا يوجد أناس تعالوا وحلقوا (في سماء الأخلاق والفضيلة)، وذلك لأنهم لم يضيّعوا فرصة استخدام مواهبهم بالطريقة الصحيحة، بل خططوا وسعوا إلى توظيف ما وهبهم الله تعالى من مواهب وإمكانات، لصالحهم ومن هذه المواهب الكثيرة القدرة على الصح المسيء لهم، وغفران الإساءات كلها، وبهذه الطريقة صعدوا درجات السمو والرفعة إلى القمة.
الصبر ركيزة كبرى يحتاجها الإنسان
وبالمقابل هنالك أناس هبطوا نحو (أدنى درجات البشرية)، والسبب واضح تماما، وذلك لأنهم فرّطوا بقدراتهم ومواهبهم، وركبوا مسار السوء، وفقدوا القدرة على الصفح، ومضوا في طريق الإساءة للآخرين، فضيّعوا بهذا الأسلوب أية فرصة للارتقاء والسمو، كذلك فقدوا القدرة على الصفح، فضاعت منهم الفرص التي ترتقي بهم إلى المراتب الإنسانية العالية.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(هناك أناس حلّقوا في سماء الأخلاق والفضيلة، وآخرون نزلوا الى أدنى درجات البشرية).
ولابد أن يدرك من يريد التربع على قمة الأخلاق والفضيلة، بأن الصبر وحده غير كافٍ لكي يتسلق سلالم الرفعة، نعم الصبر ركيزة كبرى يحتاج الإنسان أن يستند إليها في مساراته ونشاطاته الحياتية المختلفة، ولكن إذا لم تدعم الصبر عوامل أخرى مهمة، سيكون من الصعب على الإنسان بلوغ الرفعة التي يتمناها ويهدف إليه.
إن بلوغ القمة يحتاج إلى الصبر المسنود بالقدرة على الغفران وردّ الإساءة بالإحسان، ونظرا لصعوبة الحصول على هاتين الركيزتين (الصبر والغفران)، لابد من أن تتوفر الإرادة القوية والعزم الشديد حيث يتمكن الإنسان من الصفح، ومن الغفران أيضا، لأن العزم والإرادة القوية متوفرة لديه.
كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في قوله:
(إنّ الصبر وحده لا يكفي بل يحتاج الى الغفران وكلاهما بحاجة الى عزم وإرادة في التنفيذ).
إن كل شخص يعزم على الوصول إلى الصفح والغفران، ويستخدمها في تعاملاته مع الآخرين، فإن الله تعالى سوف يوفقه إلى ذلك، وحتى لو تستطع عزيمته أن توصله إلى القمة المثالية المطلوبة، فإنه في هذه الحالة سوف يحقق هدفه ويقترب شيئا فشيئا من الهدف الأسمى الذي يتعالق مع عزيمته وصبره وصفحه عن المسيئين له.
ولكن يبقى الشيء المهم أن تكون هناك إرادة قوية لكل شخص في حياته، لأن الإرادة يكون لها القول الفصل في تحقيق الصفح والقدرة على العفو ومن ثم الغفران، فبالإرادة القوية المؤمنة يمكن للإنسان أن يكون ذا قدرة على الإحسان قبل رد الإساءة.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(إذا عزم الانسان على القيام بذلك سوف يوفّق أكيداً. وإذا لم يصل بعزيمته الى الرتبة الرفيعة ولم يبلغها، فسوف يبلغ ما دونها من المرتبة ويقترب من الهدف المنشود. والمهم أن يكون للإنسان عزم وإرادة في حياته، والتوفيق من الله تعالى (فالله وليّ التوفيق نِعم المولى ونعم الرفيق)).
وهكذا عندما نكون قادرين على الصفح، من خلال قوة الإرادة والعزيمة التي نمتلكها، سوف نمتلك أيضا القدرة على غفران الإساءة، والصبر على ذلك، لنصل إلى هدفنا المنشود الذي نروم الوصول إليه، وهو نيل المراتب العليا والمكانة التي نستحقها، ونحن في حقيقة الأمر يمكننا تحقيق ذلك إذا اتخذنا من خارطة الطريق التي وضعها المرجع الشيرازي مسارا لنا في هذا الشأن.



اضف تعليق