غالبًا ما تهتم القصص المصورة بوعي ذاتي بقضايا التواصل، وتدرك تمامًا تلك المساحة المثيرة للاهتمام الموجودة بين صوت الكلمات ورؤية الصور. غالبًا ما يكون هناك بعض "النقص" بين هذين التعبيرين، وهو شيء يُترك دون إجابة، مما يدعو - بل ويجبر - كل قارئ على الاعتماد على الذكريات والارتباطات الشخصية من أجل العثور على المعنى الخاص به.
عادة ما يستخدم مصطلحا قصص مصورة {comics} وروايات مصورة {graphic novels} بالتبادل، على وفق رؤية أنه لا يوجد فرق كبيرٌ بينهما: يصف هذان المصطلحان ترتيبا للكلمات و الصور على هيئة لوحات متتالية على صفحة مطبوعة {ويمكن توسيعها لتشمل الكتب المصورة أيضا}.
وقد اكتسب مصطلح "الرواية المصورة" رواجًا في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تشجيع النظرة الأكثر جدية للشكل الراسخ، ولكن غالبًا ما يكون متواضعًا، مع إدراك أن العديد من القصص المصورة تتناول في الواقع موضوعات جادة، وربما تكون أكثر ولاءً للفنون الجميلة من الخيال، عن طريق تهشيم الحدود بين هذه الفئات.
إن مسألة التسميات هذه - كونها موضوعًا شائعًا في المؤتمرات والمهرجانات - هي جزء من مناقشة دلالية أوسع تتداول في عبارات مثل محو الأمية البصرية، ومحو الأمية المتعددة، والفن المتسلسل، والسرد التصويري، وما إلى ذلك.
هذه الأفكار رائعة وتساعد بالتأكيد على تحفيز وَعْيَنا بما يحدث في زاوية الأدب التي تم تجاهلها سابقًا، حيث وصلت العديد من الكتب المصورة المبتكرة إلى الرفوف وتتمتع الآن بتركيز ونقاش نقدي جاد. (تسبب كتاب الوصول The Arrival) ) ]وهو رواية مصورة لشون تان[ في بعض الجدل البسيط في أستراليا بعد حصوله على جائزة أدبية رئيسية، مع احتجاجات حول "كيف يمكن أن يسمى كتاب بدون كلمات أدبا؟") وبطبيعة الحال، هناك اهتمام كبير بكيفية تعريف هذه الكتب وتصنيفها، ربما من خلال الصفات الجمالية، ونطاق الجمهور، ومعايير النشر والتسويق، وطول الصفحة، والشكل المادي، وما إلى ذلك: بوصفها "الرواية المصورة" كونها تمثل شكلاً فنيًا أو حركة معاصرة.
وإذا ما تفحصنا عملاً مثل ""Art Spiegelman لـمويس ""Maus،أو Jimmy" Corrigan"، أو The Smartest Kid on Earth، لكريس وير Chris Ware"" أو "Epileptic" لديفيد بي" David B " أو أي عدد من الروايات المصورة الشهيرة التي تشكل جزءًا من موجة حديثة، فإن القاسم المشترك بينها جميعًا هو التقاء مطلق من حيث الشكل والمضمون.
أي أن هذه القصص لا يمكن التعبير عنها بشكل صحيح إلا كسلسلة من الصور والكلمات المرسومة باليد، والمصممة لدعوة القارئ إلى تفسير معقد ومدروس، وغالبًا ما يكون خارج اللغة التقليدية. هناك شيء مؤلم في الطريقة التي يخفي بها وجه الحيوان المرسوم بالحبر تعبير الشخصية في موس؛ أو الطريقة التي يتم بها تقسيم الغرفة إلى تفاصيل منظمة بعناية على الصفحة في جيمي كوريجان؛ أو الطريقة التي يمسك بها وحش مجهول صبيًا يعاني من مرض الصرع بشكله الأفعواني الغريب. كل لغة بصرية خاصة بقصتها.
إن القصص المصورة لمعظم الروائيين الذين يشتغلون في هذا المجال غالبًا ما تتعامل مع شخصيات لديها مشاكل في التعبير عن نفسها، من الشباب المضطربين إلى الأقليات المضطهدة، وأولئك الذين يعانون من عوائق عاطفية أو فكرية أو روحية.
وهناك العديد من الأمثلة على ذلك. في كتابه" Blankets"، يتحدث كريج طومسون عن القيود التي فرضتها تربيته الأصولية - مثل عدم السماح له بالقراءة على نطاق واسع عندما كان طفلاً؛ ويستخدم فيلم "بيونغ يانغ" لغاي ديلايل، وفيلم "فلسطين" لجو ساكو رسومات منمقة للإبلاغ عن حياة أولئك الذين يعيشون في الأماكن المخفية أو المضطهدة، وأحيانًا لحماية هوية موضوعهم.
يقدم كتاب Skim من تأليف ماريكو وجيليان تاماكي وAmerican Born Chinese بقلم جين لوين يانغ رؤى حميمة عن حياة المراهقين الذين يعتبرون أنفسهم غرباء، لأسباب تتعلق بالجنس أو العرق.
تدور قصة " "Stitchesلديفيد سمول بشكل خاص حول الصمت بالمعنى الحرفي والمجازي: يرسم المؤلف نفسه أحيانًا محاصرًا داخل فمه المغلق بعد الاستئصال الجراحي للحبل الصوتي، والصدمة الأعمق للنشأة في أسرة بلا حب.
وهذا يوضح جانبًا من جوانب الاكتئاب أو فقدان الإرادة أو القدرة على التعبير عن المشاعر: "هنا مكان بلا كلمات". ثم هناك مواضيع تبدو غير قابلة للوصف بطرق أخرى، بسبب الرعب والعنف، كما في فيلم فالس مع بشير" Waltz With Bashir" قصة حرب لبنان التي كتبها آري فولمان وديفيد بولونسكي، أو بسبب أسرار عائلية مخفية، كما في فيلم "Fun Home" لأليسون بيتشديل، و"The Invention of Hugo Cabret" لبراين سيلزنيك (حيث تكون فكرة القصة الصامتة موضوعًا رئيسيًا) وفيلم "أمي" المضحك والحزين بشكل رائع لجان ريجنو وإميل برافو، حول حقيقة مكبوتة.
في النهاية، يتم تذكيرنا بأن العديد من الأفكار والمشاعر تظل غير معلن عنها، ولكن يمكن أحيانًا إظهارها بطرق أخرى، وهذا دائمًا اكتشاف منعش. إنه ما يدفع الكثير منا إلى القراءة والكتابة والرسم، غالبًا دون الحاجة إلى معرفة السبب.
من الكتب المصورة إلى الروايات المصورة، دافع الكاتب والرسام هو نفسه: العثور على شكل لشيء بعيد المنال أو يصعب تمثيله بشكل مباشر. ومن المفارقات أن التوضيح السردي الجيد لا يتعلق "بالتوضيح" على الإطلاق، بمعنى الوضوح البصري أو التعريف أو الملاحظة التجريبية. الأمر كله يتعلق بعدم اليقين والانفتاح والمراوغة وحتى الغموض.
هناك اعتراف ضمني في الكثير من الخيال المصور بأن بعض الأشياء لا يمكن التعبير عنها بشكل مناسب من خلال الكلمات: قد تكون الفكرة غير مألوفة تمامًا، أو عاطفة متناقضة جدًا، أو مفهوم مجهول الاسم لدرجة أنه من الأفضل تمثيله إما بدون كلمات، أو من خلال التخريب البصري للكلمات، أو توسيع معانيها باستخدام تجاور دقيق.
غالبًا ما تهتم القصص المصورة بوعي ذاتي بقضايا التواصل، وتدرك تمامًا تلك المساحة المثيرة للاهتمام الموجودة بين صوت الكلمات ورؤية الصور. غالبًا ما يكون هناك بعض "النقص" بين هذين التعبيرين، وهو شيء يُترك دون إجابة، مما يدعو - بل ويجبر - كل قارئ على الاعتماد على الذكريات والارتباطات الشخصية من أجل العثور على المعنى الخاص به.
اضف تعليق