اعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن اختياره الجنرال المتقاعد، جيمس ماتيس، لمنصب وزير الدفاع، مخالفا تقليد المؤسسة الحاكمة بتسليم عرش البنتاغون لطاقم من المدنيين. في الخلفية يحضر خطاب المرشح ترامب، ابان حملته الانتخابية، واعرابه عن شديد اعجابه بالكفاءات العسكرية الاميركية زمن الحرب العالمية الثانية على شاكلة الجنرالين ماكارثر وباتون، اللذين اشتهرا بتصريحاتهما الحادة والمباشرة. الوزير المرشح ذو خلفية طويلة في سلاح مشاة البحرية – المارينز، تميز بصراحته الشديدة مما يقربه من ارث الجنرالين المذكورين.
يعرف ماتيس بين اقرانه ومرؤوسيه بأنه "كلب مسعور" لخطابه ومفرداته الحادة والمباشرة في صفوف المارينز، وحاز على لقب "الفوضوي،" ابان خدمته العسكرية في كل من العراق وافغانستان. ونظرا لحالته الاجتماعية كعازب استطاع تسخير جل جهوده واهتماماته لفن الحرب، مضيفا مصطلح "الراهب المحارب" لألقابه الاخرى.
ختم ماتيس مهنته العسكرية التي امتدت لأربعين عاما في سلاح مشاة البحرية، وخرج للتقاعد بعد اتمام مهمته كرئيس للقيادة المركزية الاميركية، مطلع 2013. يشار اليه بأنه من أكثر القيادات العسكرية الاميركية نفوذا وتأثيرا، نظرا لتميزه في خبايا الفكر الاستراتيجي، وعدم اكتراثه بالانتقادات اللاذعة او الساخرة المتعددة التي تعرض لها من قبل اقرانه لصراحة لسانه. شغل ماتيس منذ خروجه من الخدمة العسكرية منصب مستشار عسكري في معهد هوفر، أحد أهم مراكز الابحاث الاميركية المؤيدة للتيار اليميني المحافظ.
تنوعت مسيرة ماتيس بخدمته في عدد من الساحات الملتهبة في "الشرق الاوسط،" بشكل خاص، منها العراق عام 2001 وترؤسه نحو 4000 عنصر من المارينز في مهمة البحث عن مكان اقامة اسامة بن لادن في المنطقة الحدودية بين افغانستان وباكستان. وترفع في السلك العسكري ليتسلم قيادة فرقة من المارينز لخوض معركة الفلوجة الثانية، 2004. حرص ماتيس على انتساب قواته المشاركة في دورات لتعلم اللغة والحضارة العربية قبل ارسالها للعراق.
واستمر ماتيس في صعود سلم المناصب العسكرية، في صفوف البنتاغون وحلف الناتو، الى ترؤسه قيادة القوات المركزية خلال عهد الرئيس اوباما، واضطراره لتقديم استقالته على خلفية اعتراضه على سياسة البيت الابيض نحو ايران.
ماتيس وترامب
يتشاطر الرئيس المنتخب ووزير دفاعه المرشح الرؤى في عدد من المسائل، بيد ان ذلك لا يعد تطابقا في وجهات النظر حول قضايا "الشرق الاوسط" تحديدا. يسجل لماتيس تأييده لحل الدولتين كنموذج لإرساء السلام، ونُسب اليه قوله ان الوضع الراهن "لا يمكن تحمله" فيما يخص "اسرائيل،" ويعتبر المستوطنات ضارة لفرص السلام في المنطقة والتي من شأنها ان تسفر عن نشوء وضع في الضفة الغربية شبيه بنظام الفصل العنصري.
ايران، من وجهة نظر ماتيس، تشكل التهديد الرئيس للاستقرار في الشرق الاوسط، متقدمة بذلك عن مخاطر وتهديدات تنظيمي القاعدة وداعش. واوضح ماتيس في احد تصريحاته "تنظيم الدولة الاسلامية ليس الا ثمة مبرر لايران كي تمضي في سياستها الضارة. ايران لا تصنف في خانة العداء لداعش، بل لديها الكثير من الفوائد تجنيها من الاضطرابات الاقليمية التي تقف ورائها داعش." كما اتهم الرئيس اوباما بالسذاجة فيما يخص النوايا الايرانية، وانتقد الكونغرس ايضا "لغياب دوره الملموس" في الادلاء برأيه في الاتفاق النووي.
ينظر ماتيس بايجابية نحو حلفاء الولايات المتحدة في الاقليم، مثل الاردن ودولة الامارات؛ وانتقد الرئيس اوباما والرئيس المنتخب ترامب سويا لما اعتبره قصر نظر في رؤيتهما لحلفاء بلاده لعدم تحملهما قسط مناسب من الكلفة. وخص ماتيس كلا من الاردن والامارات بالاهمية لما ابدياه من رغبة في التعاون ومساعدة الولايات المتحدة في جسر الفجوات العملياتية في المسرح الافغاني. كما انتقد ماتيس الاستراتيجية الاميركية الراهنة التي اعتبرها تنشر "الاحساس بأننا في طور الانسحاب" من دعم حلفائنا.
اشتهر ماتيس بالترويج لتزويد المعارضة السورية المسلحة بالمعدات اللازمة، عام 2012، على خلفية قناعاته بأن المعارضة تشكل سندا للولايات المتحدة ضد القوى المحلية المدعومة من ايران، كما قال.
من بين اشهر تصريحاته، نستطيع رصد التالي:
"كن مؤدبا ومهنيا، لكن ينبغي ان يكون لديك خطة لقتل كل فرد تقابله."
"اقنع العالم بأنه لا يوجد له صديق افضل منك، ولا عدو اقسى من مشاة البحرية الاميركي."
"فتش عن العدو الذي يطمح للنيل من (التجربة الديموقراطية الاميركية) وقم بالتخلص من كل فرد عنده حتى يقتنع بعبثية مواصلة سعيه وتركنا وشأننا وعدم المساس بحرياتنا."
"آتي اليك بسلام، ولم اصطحب المدفعية. لكنني اتقرب منكم، بعيون دامعة: ان تعرضت الي سأقتلك وابيد من معك."
"لا اعاني من الارق حول امكانية الفشل. بل لا اجيد كتابة الكلمة."
تبقى الاشارة الى ان سابقة تسلم قادة عسكريين برتب رفيعة لوزارتي الدفاع والامن القومي وربما في مناصب اخرى قادمة، لدى نفس الادارة وخاصة لرئيس جديد تنقصه الخبرة في الشؤون العسكرية والأمن القومي، قد يؤشر على بداية عهد حكم الجنرالات وصراعاتهم في اميركا.
اضف تعليق