كان التدفق المستمر من التحسينات التي يجري إدخالها على السيارات دون سائق سببا مقنعا بأن السيارات والشاحنات التي تعمل من دون بشر توجه عجلة القيادة سوف تملأ الطرق قبل أن تمر فترة طويلة. وبالمثل القناعة بأن الثورة في عالم الذكاء الاصطناعي سوف تسمح لأجهزة الكمبيوتر والروبوتات بالقيام بعديد من المهام التي يقوم بها الموظفون الإداريون الآن.
فليس من المستغرب إذن عندما يكتب "مارتن فيلدشتاين"، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد أن يساور القلق كثيرين بشأن مصير أولئك الذين أصبحت وظائفهم عرضة لأحدث التكنولوجيات المعطلة للنظم القائمة ــ أو فقدوا وظائفهم بالفعل. فماذا قد يحدث للملايين من الرجال والنساء الذين يقودون الآن الشاحنات وسيارات الأجرة عندما تصبح قادرة على قيادة نفسها؟ وماذا قد يحدث للمحاسبين والعاملين في مجال الصحة عندما يصبح بوسع أجهزة الكمبيوتر أن تقوم بأعمالهم؟
تشير بعض التحليلات إلى أن نسبة كبيرة من العمالة الحالية من الممكن أن تصبح زائدة عن الحاجة مع الاحتياج إلى عدد أقل كثيرا من الموظفين لإنتاج الحجم الحالي من السلع والخدمات، ويضيف فيلدشتاين عندما أستمع إلى هذه المخاوف أدرك أن تبديدها ليس بالأمر السهل. ولكني متفائل بأن الولايات المتحدة، على الأقل، سوف تتكيف بنجاح مع التكنولوجيا الجديدة. وقد لا يخلو الأمر من بعض الخاسرين كما سيكون هناك بعض الفائزين، ولكن حال الأمريكيين عموما سوف تكون أفضل. أما أولئك الذين يفقدون وظائفهم بسبب التكنولوجيا الجديدة فسرعان ما سيجدون وظائف أخرى. لا أظن أن هناك سببا يذكر للتخوف من أن توجد التكنولوجيا الجديدة بطالة واسعة النطاق. ذلك أن التغيرات في التكنولوجيا من شأنها أن تزيد من ناتج الاقتصاد وأن ترفع من المستوى المحتمل لمعيشة السكان. وسوف يستمر الراغبون في العمل في العثور على وظائف. ولكن ما السبب وراء تفاؤلي إلى هذا الحد؟ السبب ببساطة يقول الرئيس الفخري للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية هو "التاريخ". ذلك أن التغيرات التقنية السريعة ليست شيئا جديدا. فقد شهدنا التغير التكنولوجي الذي أحل الآلات وأجهزة الكمبيوتر محل العاملين الأفراد لسنوات طويلة. ولكن على الرغم من صعود وهبوط دورة الأعمال، يستمر اقتصاد الولايات المتحدة في العودة إلى التشغيل الكامل للعمالة. كان هذا أكثر وضوحا في قطاع التصنيع. فقد حلت الروبوتات والآلات المؤتمتة محل عمال الإنتاج في الصناعات التحويلية لسنوات عديدة، فدفعت الموظفين في القطاع من 13 مليونا في عام 1950 إلى تسعة ملايين فقط الآن، في حين ارتفع ناتج التصنيع بنحو 75 في المائة. أما أولئك الذين فقدوا وظائفهم في قطاع التصنيع فقد وجدوا وظائف في قطاعات أخرى من الاقتصاد.
كما حلت أجهزة الكمبيوتر محل العاملين في مجموعة واسعة من الصناعات الخدمية. فلم نعد نر العديد من مشغلي المصاعد. ولم نر عمال تحويل لوحات الهاتف منذ فترة طويلة. ويحصل أغلبنا على بطاقات الصعود في المطارات من آلات مؤتمتة. وتستخدم شركات المحاماة والمحاسبة أجهزة الكمبيوتر للقيام بما تعود الموظفون المحترفون على القيام به.
ومع ذلك، أصبح معدل البطالة في الولايات المتحدة الآن 4.9 في المائة فقط، وهو معدل أدنى حتى من المتوسط الذي كان عليه في العقود الأخيرة. وبين خريجي الجامعات في الولايات المتحدة ــ الذين يشكلون 40 في المائة من قوة العمل هناك ــ كان معدل البطالة 2.7 في المائة فقط. ولأن شريحة خريجي الجامعات تتألف من حصة أكبر من الشباب الأصغر سنا مقارنة بالسكان الأكبر سنا، فسوف يظل المعدل الإجمالي للبطالة منخفضا مع نمو أعمار هذه المجموعة وحصتها في القوة العاملة.
الواقع أن ارتفاع الناتج لكل عامل، الذي أصبح ممكنا بفضل زيادة استخدام الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر سوف يسمح للموظفين أيضا بالعمل لساعات أقل والاستمتاع بالمزيد من أوقات الفراغ. يعمل الموظفون في الولايات المتحدة حاليا نحو 1790 ساعة سنويا في المتوسط، بزيادة قدرها 30 في المائة عن نظرائهم الألمان، الذين يعملون 1371 ساعة سنويا.
ويترجم انخفاض ساعات العمل لكل موظف إلى تحسن في نوعية الحياة مثل الإجازات وعطلات نهاية الأسبوع الأطول. وتناقص ساعات العمل من شأنه أيضا أن يوفر المزيد من الفرص للسفر، وتناول الطعام في الخارج، وغير ذلك من الأنشطة التي تخلق الوظائف للعاملين في قطاع الخدمات. وسوف تزيد الشيخوخة السكانية أيضا من الحاجة إلى الموظفين في قطاع الخدمات في المستشفيات ودور رعاية المسنين.
وسوف تعمل هذه الاتجاهات على تغذية ارتفاع الطلب على العمال في قطاع الخدمات، الذي يمثل حاليا 81 في المائة من العمالة في الولايات المتحدة. وتزداد حصة العاملين في قطاع الخدمات في الولايات المتحدة عاما تلو الآخر وهنا يجد أولئك الذين فقدوا وظائفهم في التصنيع أو البناء وظائف جديدة.
ومن غير الممكن أن تحل أجهزة الكمبيوتر والروبوتات ببساطة محل العديد من الوظائف. فرغم أنها قد توفر بعض الخدمات التي يحتاج إليها كبار السن على نحو متزايد، على سبيل المثال، فإنها من غير الممكن أن توفر الخدمات التي تنطوي بالفعل على ضرورة لمس العملاء والمرضى. وسوف يضع الناس الذين يختارون حياتهم المهنية مثل هذه الاعتبارات في أذهانهم عندما يختارون مهنهم. وهذا أيضا من شأنه أن يخفض معدل البطالة في المستقبل. ويختم فيلدشتاين إن معدل البطالة في الولايات المتحدة حاليا أقل من نصف المعدل في الاتحاد الأوروبي. وهناك العديد من الأسباب وراء هذا التفاوت؛ ولكن السبب الحاسم هو غياب قوانين العمل والقواعد النقابية التي تمنع الموظفين والشركات من التكيف مع التكنولوجيات الجديدة في الولايات المتحدة. وإذا حافظت الولايات المتحدة على سوق العمل الحرة نسبيا، فسوف يتأقلم الموظفون إيجابيا مع التكنولوجيا المتغيرة.
اضف تعليق