أطلقت شركة «أوبن أي آي» نموذجًا جديدًا من النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) يجعل الشركة اسمًا على مسمَّى على اعتبار أن اسم الشركة "OpenAI" يعني في العربية: الذكاء الاصطناعي المفتوح. وهذا النموذج، المسمَّى جي بي تي – أوه إس إس GPT-OSS، هو أول نموذج تفكير منطقي مفتوح الوزن تطرحه الشركة...

أطلقت شركة «أوبن أي آي» نموذجًا جديدًا من النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) يجعل الشركة اسمًا على مسمَّى (على اعتبار أن اسم الشركة "OpenAI" يعني في العربية: الذكاء الاصطناعي المفتوح). وهذا النموذج، المسمَّى «جي بي تي – أوه إس إس» GPT-OSS، هو أول نموذج تفكير منطقي مفتوح الوزن تطرحه الشركة، أي أنه يتيح للباحثين تنزيله وتعديله على النحو الذي يناسبهم.

عرضت الشركة، التي يقع مقرها في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، تفاصيل هذا النظام في تدوينة شارحة ووصف تقني في الخامس من أغسطس الجاري. وقد تبيَّن أن النموذج الجديد يؤدي بعض المهام أداءً يقترب من أداء نماذج الشركة الأكثر تقدمًا. ويتوفر النموذج في إصدارين، يمكن تثبيتهما على الحاسب وتشغيلهما بدون اتصال بالإنترنت (والإصدار الأصغر يمكن تثبيته على حاسوب شخصي واحد) بدلًا من الاعتماد على الحوسبة السحابية أو الواجهات الإلكترونية. وهذا يعني أنه يمكن تدريب النموذج على البيانات الحساسة التي لا ينبغي مشاركتها مع عموم المستخدمين.

يقول سايمون فريدر، وهو باحث في الرياضيات والحاسب الآلي بجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة: "أنا متحمس جدًّا، فالمنافسة بين النماذج اللغوية الكبيرة مفتوحة المصدر قوية بالفعل، وهذه المنافسة سترفع مستواها، بما يعود بالنفع على مجتمع البحث العلمي بأسره".

يأتي هذا الإصدار الجديد من «أوبن إيه آي» في وقت تَلقَى فيه النماذج ذات الوزن المفتوح من شركات صينية، مثل شركة «ديبسيك» Deepseek في هانجتشو، وشركة «مونشوت إيه آي» Moonshot AI في بكين، إقبالًا متزايدًا من الباحثين. والحق أن النماذج الصينية المفتوحة تؤدي أداءً أفضل بالفعل من نظيراتها الأمريكية، مثل «لاما» Llama من شركة «ميتا»، ومقرها مينلو بارك بولاية كاليفورنيا، وهي في طريقها لتجاوزها من حيث عدد التنزيلات، وفقًا لتحليل أجراه ناثان لامبرت، الذي يدرس تعلُّم الآلة بمعهد آلِن للذكاء الاصطناعي في سياتل بولاية واشنطن، وذلك قبل إطلاق «أوبن إيه آي» إصدارها الأخيرة.

خلال الشهر الماضي، أكدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن نماذج الذكاء الاصطناعي ذات الوزن المفتوح "ضرورية للبحث الأكاديمي"، في إطار "خطة عمل لدعم الذكاء الاصطناعي". وفي تصريحات للصحفيين قبل إصدار «جي بي تي – أوه إس إس»، أوضح جريج بروكمان أن قرار الشركة بإطلاق نموذج مفتوح جاء بعد فترة طويلة من التحضير، وليس ردًّا على نجاح النماذج الصينية، مضيفًا: "ليس هذا بالأمر الذي كنا نتحاشى الإقدام عليه".

وذكر فريدر أن جميع النماذج لها تحيزاتها، لذا فإن تنوع مطوريها يصب في مصلحة المستخدمين، مضيفًا: "وجود نموذج متفوق جديد من شركة غربية يُعد خطوة على الطريق نحو تكافؤ الفرص فيما يتعلق بالشركات المهيمنة على مجال النماذج مفتوحة الوزن".

نبغة في الرياضيات

قبل هذا النموذج الأخير، كانت جميع نماذج «أوبن إيه آي» غير مفتوحة، عدا نموذج «جي بي تي 2» GPT-2 الذي صدر عام 2019، أي قبل ثلاث سنوات من إطلاق روبوت الدردشة الشهير «تشات جي بي تي». أما النماذج المفتوحة الجديدة فهي نماذج "تفكير مدرَّبة" مدرّبة على إنتاج المخرجات عبر عملية متدرجة الخطوات تحاكي التفكير البشري. وقد أظهرت النماذج المشابهة السابقة، مثل نموذج «أوه 3» o3 من «أوبن إيه آي»، تميزًا في حل المسائل العلمية والرياضية. وإلى جانب استخدامها في كتابة الشفرات البرمجية ومراجعة الأدبيات الأكاديمية، يجرّب العلماء أن يتخذوا من النماذج اللغوية الكبيرة "مساعدًا علميًا" على أمل تسريع وتيرة البحث.

من حيث الأداء، تبدو النماذج المفتوحة من «أوبن إيه آي» قريبة من نماذجها المدفوعة الأكثر تقدمًا، والفرق الأساسي هو أن النماذج المفتوحة أصغر حجمًا، ونصية فقط (لا تتعامل مع الصور أو مقاطع الفيديو). ويمكن للنموذج الجديد تصفح الويب، وكتابة الشفرات البرمجية، وتشغيل البرمجيات، بل إنه يتفوق على النماذج المفتوحة المماثلة في مهام الاستدلال المنطقي، بحسب الشركة.

وعلى مقياس «إيمي 2025» AIME 2025، الذي يختبر قدرة النماذج على حل مسائل رياضية معقدة، حقق النموذج الجديد نتائج تتفوق على أفضل النماذج المفتوحة الحالية، مثل «آر 1» R1 من «ديب سيك».

انفتاح (شبه) كامل

في مايو الماضي، قال كبير العلماء في «أوبن أي آي»، جاكوب باتشوكي، في تصريحات أدلى بها لمجلة Nature، إنه من غير المرجح أن تصدر الشركة نماذجها الأكثر تقدمًا بوزن مفتوح لأسباب تتعلق بالسلامة، إذ إن ذلك يعني التخلي عن التحكم في طريقة استخدام الذكاء الاصطناعي وتطويره. وفي اختبارات السلامة، الواردة في ورقة بحثية مرافقة نُشرت في الخامس من أغسطس الجاري، ذكر باحثو الشركة أنه عند إعادة تدريب النموذج الجديد على تنفيذ مهام غير مشروعة، لم يزد خطره كثيرًا مقارنة بالنماذج المطروحة حاليًا، المفتوح منها وغير المفتوح على السواء، في مجالات مثل الأمن البيولوجي والأمن السيبراني.

وعلى الرغم من أن النموذج الجديد مفتوح الوزن، فإنه ليس مفتوح المصدر بالكامل، إذ لا يتضمن مثلًا تفاصيل بيانات التدريب؛ ما يعني أن الباحثين لا يستطيعون إعادة إنشائها من الصفر.

ترى كاري رايت، الباحثة المتخصصة في دراسة البيانات بمركز فريد هاتشينسون للسرطان في سياتل، أن النماذج ذات الوزن المفتوح "أكثر قابلية للتخصيص". لكنها تشير إلى أن الباحثين استخدموا منذ وقتٍ غير قصير العديد من الأدوات غير نماذج «جي بي تي» من «أوبن إيه آي». وتضيف أن تحليلًا أجْرَتْه الشركة يشير إلى أن أحدث نماذجها يقع أحيانًا في فخ «الهلوسة» — أي اختلاق المعلومات — أكثر من الإصدارات السابقة.

وتقول إليزابيث همفريز، وهي عالمة بيانات أيضًا في مركز فريد هاتشينسون: "لا بد من التحقق من المخرجات دائمًا. واستخدام هذه الأدوات لدعمنا في العمل – لا لتؤدي عنا هذا العمل – سيكون في الغالب الخيار الأفضل".

اضف تعليق