روزانا بومنصف
حين اعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم مطلع هذا الشهر "اننا اعدنا الامور الى مسارها مع روسيا وسنشهد تطورات جميلة في سوريا " واعقبه بالتبشير بحل قريب في سوريا حبس مراقبون كثر انفاسهم على وقع ترقب تطورات تراكمية يمكن ان تضيف الى التفاهم ( وليس الى الاتفاق) بين الولايات المتحدة وروسيا ما يمكن ان يضع الوضع السوري على خريطة الطريق الى حل على نحو قد يناسب دول ما يسمى محور الممانعة مع روسيا الراغبة في وضع الحل على السكة قبل انتهاء ولاية الرئيس الاميركي باراك اوباما ويناسب الادارة الاميركية في ترك ارث وضع اسسا سلمية للوضع السوري. الا انه وبعد مدة قصيرة لم يلبث المسؤولون الاتراك ان خففوا من الامال التي رفعوها في هذا الاطار عمليا من خلال دخول تركيا عسكريا ضد اقامة كيان كردي سوري على حدودها تحت عنوان محاربة تنظيم الدولة الاسلامية ومن خلال الحديث عن حل سوري يفترض ان يجمع الى الولايات المتحدة وروسيا وتركيا كلا من ايران والمملكة العربية السعودية. هذه النقطة اي غياب المملكة العربية السعودية تحديدا ومعها دول الخليج عن المشهد السوري في كل التحول الذي جرى اخيرا ان في التقارب التركي الروسي او التركي الايراني سلطت عليها الضوء في شكل اساسي زيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري للسعودية فيما تركزت المحادثات التي اجراها في المملكة على اليمن واقتراحه افكارا لحل بات ملحا هناك ثم ما يمكن ان يحمله كيري الى لقائه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الذي كان محددا في جنيف في 26 الجاري حول الشأن السوري والذي لم ينته كما اعلن الى اتفاق بين الجانبين بل الى استمرار نقاط عالقة. وهو امر يقول المراقبون انه كان متوقعا اولا في ضوء عدم توقع اي تعاون خليجي او سعودي على قاعدة انه يصعب ان تنخرط المملكة في اي تسوية لاي من المسائل العالقة في المنطقة بما فيها سوريا في انتظار ان ترى مؤشرات حسن نية على تعاون اقليمي في اليمن، وهو الامر الذي لم يحصل حتى الان بل على العكس من ذلك، معطوفا على توتر تصاعدي بين المملكة وايران لم تظهر اي معالم او مؤشرات لتراجعه راهنا. ومن ثم فان المراقبين انفسهم يعتقدون ان كيري حاول انقاذ ما يمكن في ضوء تعهده منذ مطلع السنة ان شهر آب سيكون مفصليا لبدء مرحلة انتقالية او لانطلاق الحل السياسي في سوريا في حين ان الحلفاء الاوروبيين وان كانوا لم يعودوا او لم يكونوا مؤثرين كثيرا في الموضوع السوري، فان المسار الذي سلكته ادارة اوباما من اجل ايجاد توافق مع روسيا حول الشأن السوري لا يدفع للتفاؤل باعطاء الاميركيين شيكا على بياض في هذا الشأن خصوصا بالنسبة الى ادارة اميركية راحلة لم يتبق لديها سوى اشهر معدودة في الوقت الذي سلفت روسيا الكثير من الاوراق في موضوع سوريا. ونموذج الاتفاق الذي اجرته ادارة اوباما مع روسيا على نزع الاسلحة الكيميائية التي استخدمها النظام السوري ضد شعبه في العام 2013 فيما صدر تقرير اممي عن استخدام النظام هذا السلاح مجددا في 2014 و2015 يظهر ان ثمة ثغرات في الاداء الاميركي لا تشجع على المزيد من الرهانات على هذا الاداء في ما تبقى من وقت للادارة الاميركية الحالية.
خلاصة هذه التطورات افضت الى انطباعات اساسية في مقدمها ان تركيا قد تكون رفعت الامال وفقا لما يقول المراقبون المعنيون بحل قريب في سوريا تبريرا للتحول الكبير الذي احدثته في مواقفها والاستدارة الكبيرة التي جعلتها تساوم على مواقفها التي اعتمدتها خلال الاعوام الخمسة الماضية من عمر الازمة السورية تحت وطأة المخاوف من اكتمال عقد الكيان الكردي السوري على حدودها في الوقت الذي رغبت في توجيه رسالة الى الداخل التركي كما الى الخارج عن عدم تأثر الجيش التركي بالاجراءات التي اتخذها الرئيس رجب طيب اردوغان والتي افضت الى التخلص من عدد كبير من الضباط القياديين في الجيش بحيث ان هذه الاجراءات لم تضعفه وفقا للمنطق الذي عبر عنه حلفاء لتركيا ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية. لكن التدخل التركي عبر في الوقت نفسه عن مرحلة جديدة من التموضع الذي باتت تمارسه دول الجوار السوري تحضيرا للمرحلة المقبلة خصوصا ما يتمثل بالانتخابات الاميركية المقبلة والتغييرات التي يمكن ان تحملها وحجز دول المنطقة خصوصا تلك المعنية مباشرة بالازمة حصة نفوذ في اي حل للحرب الاهلية السورية يطرح لاحقا. الخلاصات الاخرى تتصل بواقع ان ثمة فصولا ومتغيرات كبيرة تدخل على الشأن السوري لكن من دون ان يعني ذلك ان الحل اقترب بل ان الكثير من الاحراج يحمله استمرار الحرب التي تستنزف المزيد من الضحايا وقد اوقف تعدادهم منذ بعض الوقت ومنذ اقرار الامم المتحدة بان عدد هؤلاء تجاوز 470 الف قتيل مع بداية السنة السادسة للحرب. وتوقعات العارفين لا تزال تستبعد اي حلول في المدى المنظور على الاقل مع تدخل دول اضافية عسكريا على نحو مباشر في الوضع السوري ما يساهم في اضافة تعقيدات على هذا الوضع ولا يجعله اكثر سهولة.
اضف تعليق