غالباً ما يكون المحللون السياسيون على اختلاف المواضيع التي يتناولونها غير متخصصين في ما يتكلمون حوله، فهم إما صحافيون ومعلقون في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، ويعبرون عن رأيهم الشخصي في ما يحدث. ولكن هذا الرأي الشخصي غالباً ما يكون مرتبطاً بفريق من فرقاء النزاع، سواء كان نزاعاً محلياً...
بقلم: فيديل سبيتي
في الأزمات سواء المحلية أو الدولية تظهر على الشاشات الإخبارية المحلية والعالمية مجموعة كبيرة من المحللين السياسيين، وهؤلاء يتوزعون بين المحلل الاستراتيجي والمحلل الجيوسياسي والمحلل العسكري، لدرس خطوات الجيوش ومسارات الحروب، وهناك الخبراء في مواضيع معينة مثل الأسلحة النووية أو تأثير النزاعات في الاقتصاد العالمي أو المحلي، وهناك الخبراء الذين ينحازون إلى طرف ضد الآخر، فيكون تحليلهم عموماً مُنصباً في دعم الطرف الذي ينتمي أو يميل إليه.
من أين يأتي المحللون السياسيون؟
لكن السؤال الذي يطرحه المشاهدون في هذه الحالة هو، من أين يأتي هؤلاء المحللون والخبراء وكيف يتم انتقاؤهم من دون غيرهم. وهنا لا بد من التفريق بين كل نوع من هؤلاء المحللين في ما بينهم، ثم الفرق بين الذين يتم اختيارهم من الدول الغربية، وأولئك الذين يتم اختيارهم من العالم العربي أو من الدول العربية.
غالباً ما يكون المحللون السياسيون الغربيون على اختلاف تخصصاتهم الذين تنتقيهم وسائل الإعلام العربية لإطلاع المشاهدين العرب على آخر المجريات والتحليلات وتوقعات الأحداث التي تنتجها هذه التحليلات، من أصحاب الاختصاص، كأن يكون المحلل السياسي الغربي حاصلاً على شهادة عليا في اختصاص جامعي مرتبط بالسياسة، ويكون غالباً أستاذاً جامعياً أو صاحب مقالات وتحقيقات ودراسات منشورة حول موضوع معين ومحدد، فيكون هذا المحلل متخصصاً تحديداً في الموضوع الذي يناقش فيه. وقد يكون المحلل الغربي شخصية سياسية أو عسكرية أحيل على التقاعد، وكان قد عمل في مناطق النزاعات والحروب حول العالم وهو على تماس واطلاع بالموضوع الذي يتحدث عنه.
وهناك نوعية أخرى من المحللين الغربيين، وهؤلاء ممن تنتدبهم السلطات أو الحكومات أو المؤسسات والمنظمات المعنية بالموضوع محل النقاش ليعبر عن رأيها في ما يجري. فتكون تحليلاته واضحة ومحددة وتعبر عن رأي المؤسسة الرسمية أو غير الرسمية التي يمثّلها، ولا يمكنه أن يعطي رأيه الشخصي والخاص في هذا الموضوع طالما أنه يقدم نفسه ممثلاً لطرف معين.
في العالم العربي، غالباً ما يكون المحللون السياسيون على اختلاف المواضيع التي يتناولونها غير متخصصين في ما يتكلمون حوله، فهم إما صحافيون ومعلقون في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، ويعبرون عن رأيهم الشخصي في ما يحدث. ولكن هذا الرأي الشخصي غالباً ما يكون مرتبطاً بفريق من فرقاء النزاع، سواء كان نزاعاً محلياً داخل حدود دولة معينة أو نزاعاً عاماً يدور على الساحة الدولية.
فوسائل الإعلام في العالم العربي منقسمة على وتيرة الانقسامات السياسية العامة نفسها، وبالتالي تختار ضيوفها المحللين وفقاً لسياساتها التي تتبعها، وفي أحيان كثيرة يكون هؤلاء الضيوف محللين سياسيين في الصحف في مؤسسات إعلامية تلقى الدعم من أحد الفريقين السياسيين المتنازعين، فينقل للمشاهدين وجهة نظر الوسيلة الإعلامية التي تستضيفه. لذا تتكرر الوجوه نفسها تقريباً على مجموعة معينة من وسائل الإعلام العربية في مختلف الأزمات المحلية والدولية، ويكون هذا الضيف معلقاً عليها جميعاً على اختلافها، وكأنه يعرف في كل مجريات الأحداث مهما كبرت أو صغرت وضاقت أو اتسعت.
وهناك المحللون السياسيون الذين تستقبلهم وسائل الإعلام لأن الفريق السياسي الذي يتحدثون باسمه هو الذي انتدبهم لتمثيله أمام وسائل الإعلام. وبالطبع لا يقال في الوسيلة الإعلامية إن هذا الضيف يمثّل الفريق الفلاني، بل يقدم على أنه محلل سياسي، ولكن المشاهد وبمرور الوقت يتمكن من التمييز بين هؤلاء الضيوف فيعرفهم بالأسماء ويعرف من يمثّلون، وما موقفهم السياسي من أي قضية.
ويتمكّن هؤلاء المحللون السياسيون الذين يتم انتدابهم من فريق سياسي معين ليعلنوا موقفه من فرض وجودهم على الشاشات، وهم بدورهم مقسّمون إلى طبقات، أي الذي يجب أن يظهر في الأزمات الصغيرة والذي يظهر في الأزمات الكبرى، وهذا ما يتقرر مع مرور الوقت ومع قدرة هذا المحلل على إثبات نفسه وقدراته. فيصعد في سلم التراتبية بين أقرانه من المحللين السياسيين. وهم جميعهم مسؤولون عن مواقع إلكترونية سياسية أو جمعية معينة قد لا تكون ناشطة أو حتى موجودة، ولكنها تمنح صاحبها الصفة والمشروعية للخروج على المشاهدين في وسائل الإعلام.
أما الأكاديميون والمتخصصون في العالم العربي فمن النادر أن يتم استقبالهم للإدلاء بآرائهم، لأسباب كثيرة، أولها بحسب معدّي البرامج السياسية العربية، أنه للظهور على شاشة التلفزيون لا يكفي الاختصاص والمعرفة بالموضوع المطروح بل والقدرة على الوقوف أمام الكاميرا براحة وحرية ومن دون خوف أو الشعور برهبة الكاميرا، وهو ما لا يتوفر في أغلب الأكاديميين العرب. أما السبب الثاني والأهم، فهو أن التحليل السياسي على أنواعه في العالم العربي يتبع الانقسام السياسي تجاه مجمل القضايا سواء المحلية أو العالمية، بسبب تبعية السياسة العربية نفسها إلى الانقسامات المحورية العالمية، وكذلك تبعية وسائل الإعلام نفسها لهذا الطرف أو ذاك.
لو أخذنا الحرب الروسية على أوكرانيا اليوم، ولو قرأنا الموقف السياسي في الدول العربية من هذه الأزمة، سنجد أن الانقسام العمودي بين المحللين السياسيين شبيه بالانقسام العمودي لدى السلطات السياسية نفسها، فالمحللون يتخذون موقفاً واضحاً إما مع الهجوم الروسي وإما ضده، كما هو الحال في الانقسامات السياسية داخل الدولة نفسها، إلا في حالة الوسائل الإعلامية في الخليج العربي، التي اتخذت موقفاً محايداً من هذه الحرب شبيهاً بموقف حكوماتها، وبالتالي غالباً ما تستقبل ضيوفاً يقولون الرأيين المختلفين، سواء كانوا من داخل الدولة الروسية أو من الدول التي تقف في مواجهتها، وسواء كانوا من المحللين العرب أصحاب الموقف الواضح من الحرب معها أو ضدها. وبهذه الحالة يتم نقل الرأي والرأي الآخر على حد سواء طالما أن موقف المؤسسة الإعلامية في أساسه يتخذ طابع الحياد السياسي، ولو أنه دائماً إلى جانب المعاناة الإنسانية.
لكن كيف يصبح المرء محللاً سياسياً؟
لو طرحنا هذا السؤال على شبكة "غوغل"، سنجد مصادر للمعلومات من مختلف الجامعات الغربية تحدد فيها خطوة بخطوة كيف سيصبح أي شخص محللاً سياسياً، ولو أخذنا جواب إحدى الجامعات المختصة فهو كالتالي:
أولاً تقوم الجامعة التي سيتخصص فيها المحلل السياسي المستقبلي بإعطاء لمحة سريعة عن المعلومات المهنية، أو تعريف المحلل السياسي بأنه نوع من العلماء السياسيين الذين يقومون بالبحث والتحليل للمؤسسات الحكومية والخاصة. غالباً ما يقومون بتقييم السياسات الحالية أو المقترحة والظروف المحيطة من أجل تقديم تحليلهم حول كيفية تأثير السياسة في قطاع أو مجتمع أو في العلاقات بين الدول في موضوع معين. قد يعمل المحلل مع بيانات وأرقام واستشارات وأبحاث في الانتخابات مثلاً من أجل التنبؤ بالنتائج أو فهم النتائج والاتجاهات.
أما التعليم المطلوب بحسب الجامعة نفسها فهو في الأقل درجة الماجستير في موضوع الاختصاص. والمهارات الأساسية يجب أن ترتبط بمعرفة كيفية جمع البيانات ذات الصلة وتحليل السياسات والإحصاءات وكتابة التوصيات ومهارات التعامل مع الآخرين ومهارات التفكير النقدي. ثم تقدم الجامعة التفاصيل المطلوبة ليصبح الشخص محللاً سياسياً، إذ يجب أن يمتلك مهارات كتابية أكاديمية وبحثية متقدمة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية والاقتصاد. و"يمكن استخدام النوادي الجامعية والتدريب الداخلي لبناء الخبرة في الساحة السياسية". أما الخطوة الثانية فهي اكتساب الخبرة في العمل، من خلال العمل مع مجموعات التفكير وتوليف البيانات وإجراء بحوث معمقة.
والخطوة الثالثة هي الحصول على درجة علمية متقدمة يتم تطويرها بإجراء بحث رسمي في بيئة جماعية ونشر العمل الأصلي في المجلات الأكاديمية. أما الخطوة الرابعة فهي اختيار الحقل الذي يريد المحلل أن يعمل فيه. وهذا الخيار يجب أن يصب في ما تبحث عنه الأحزاب السياسية والإدارات المختلفة في الحكومة المحلية أو الشركات والصناعات الخاصة التي توظف محللين يسهمون في تطورها.
هذه الخطوات التي يجب اتباعها في حال كان الشخص يريد أن يكون التحليل السياسي عمله الوظيفي في الغرب وجامعاته، أما في العالم العربي، فإن المحلل السياسي يصل إلى موقعه بحسب علاقاته الشخصية مع السياسيين من جهة أو السلطات السياسية، أو مع العاملين في وسائل الإعلام الذين يختارون الضيوف لبرامجهم، أو على علاقة مفتاحية بأشخاص هم صلة وصل ما بين الإدارات والشركات ووسائل الإعلام المترابط بعضها ببعض في العالم العربي، إذ غالباً ما يكون السياسي نفسه هو مالك الشركة ومالك الوسيلة الإعلامية التي تنقل موقفه السياسي الشخصي، أو موقف بلاده.
اضف تعليق