لا تزال تداعيات أزمة شحّ الدولار ترخي بظلالها على اللبنانيين، إذ نفذ قطاع المحروقات في لبنان إضراباً تحذيرياً ليوم واحد بسبب عدم قدرتهم على تأمين الدولار الأميركي من أجل شراء المحروقات، ملوحين بالإضراب المفتوح الأسبوع المقبل، في حال لم يجد المعنيين حلاً لمشكلتهم...
بقلم: حنان حمدان
لا تزال تداعيات أزمة شحّ الدولار ترخي بظلالها على اللبنانيين، إذ نفذ قطاع المحروقات في لبنان إضراباً تحذيرياً ليوم واحد الأربعاء في 18 أيلول/ سبتمبر الحالي، بسبب عدم قدرتهم على تأمين الدولار الأميركي من أجل شراء المحروقات، ملوحين بالإضراب المفتوح الأسبوع المقبل، في حال لم يجد المعنيين حلاً لمشكلتهم.
لا تزال تداعيات أزمة شحّ الدولار ترخي بظلالها على اللبنانيين، إذ أعلن تجمع أصحاب محطات المحروقات في لبنان في بيان الأربعاء في 25 أيول/سبتمبر 2019، "تأكيده التمسك بمهلة الـ48 ساعة (وهي مهلة منحت للمعنيين من أجل إيجاد حل لتجار المحروقات)، وإنّ أيّ فرصة أخرى هي بمثابة إعلان إفلاس لجميع أصحاب المحطات".
يأتي هذا الإعلان، على خلفية إصدار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بياناً ليل أمس الثلاثاء في 24 أيلول/سبتمبر الحالي، أكد فيه أنّه سيصدر تعميماً يوم الثلاثاء المقبل، ينظم فيه تمويل واستيراد القمح والدواء والمحروقات بالدولار الأميركي، وذلك بعد مراجعة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل والوزراء المختصين.
وكان قطاع المحروقات قد لوح بتنفيذ إضراب مفاجىء ومفتوح لم تحدد ساعة الصفر له بعد، في حال فشلت المشاورات التي تجري الحريري والمعنيين من أجل توفير الدولار لتجار المحروقات لشراء بضاعتهم، وفق ما أكّده ممثّل شركات موزّعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا لـ"المونيتور"، لافتاً الى أنّه حتى اليوم ما تزال فكرة الإضراب بعيدة كون المساعي قائمة. وأشار إلى أن "97% من محطّات الوقود، إلتزموا الإضراب الذي نفّذه قطاع المحروقات في لبنان، يوم الأربعاء في 18 أيلول/سبتمبر وليوم واحد فقط، بينما التزمت الشركات المستوردة للنفط بنسبة 100%".
وكان الحريري قد إلتقى وفداً من تجمّع شركات النفط ونقابة المحطات وموزعي المحروقات ونقابة الصهاريج في لبنان، الإثنين في 23 أيلول/سبتمبر، وبعد الاجتماع، أعلن رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط في لبنان جورج فياض، أنّ "الحريري وعدنا بالاجتماع مع المسؤولين ليدعونا الخميس لمناقشة الحلّ الذي سيقترحه، ونحن ننتظر 48 ساعة وقرار الإضراب جُمد في الوقت الراهن".
وشمل الإضراب التحذيريّ شركات استيراد المشتقّات النفطيّة والتوزيع ومحطّات المحروقات في المناطق اللبنانيّة كافّة، وتمّ تنفيذه من أجل "حثّ المعنيّين على إيجاد حلّ لأزمة التجّار المتمثّلة في عدم قدرتهم على تأمين الدولار من أجل شراء المحروقات"، بحسب أبو شقرا الذي أكّد لـ"المونيتور" أنّ "الأمور ذاهبة إلى التصعيد، في حال لم يتجاوب المعنيّون مع مطالب قطاع المحروقات".
وأضاف أبو شقرا: "إنّ التحرّكات مجمّدة في الوقت الراهن، في انتظار مساعي المعنيين بعد أنّ عاد الحريري من باريس في 22 أيلول/ سبتمبر وفي حال لم تحسم الأمور خلال الأيام المقبلة سنتخذ القرار الحاسم في شأن التصعيد وإعلان الإضراب المفتوح الذي سينفّذه كامل القطاع".
وتابع: "أصل المشكلة هي في أنّ الشركات المستوردة للمشتقّات النفطيّة تدفع ثمن البضاعة التي تستوردها بالدولار الأميركيّ، وتبيعه إلى شركات التوزيع ومحطّات المحروقات بالدولار أيضاً، فيما يدفع غالبيّة المستهلكين ثمن المشتقّات النفطيّة التي يشترونها من محطّات الوقود بالليرة اللبنانيّة"، وأضاف أنّ "الحلّ الذي طرحناه يتلخّص في أنّنا كموزّعين للمشتقّات النفطيّة وأصحاب محطّات، أن يصبح بإمكاننا دفع ثمن البضاعة بالليرة اللبنانيّة إلى الشركات المستوردة، فيما يكون أمام الدولة اللبنانيّة تأمين الدولار للشركات المستوردة المذكورة".
وكان أصحاب المحطّات والشركات الموزّعة للنفط، كشفوا قبل شهر تقريباً أنّ هناك صعوبة في تأمين الدولار من أجل شراء المحروقات، بعدما تعثّر حصولهم على الدولارات من المصارف اللبنانيّة التي عادة تبيعهم الدولار بالسعر الرسميّ المعمول به في مصرف لبنان وهو 1507,5 ليرة لبنانيّة للدولار، إذ تمتنع المصارف عن بيع الدولارات الى زبائنها، ومن بينهم تجار المحروقات، وهي بذلك تحافظ على الدولارات لديها. فما كان أمام التجار سوى اللجوء إلى مكاتب الصيارفة. ووفق أبو شقرا، فإنّ "عدد من الصرّافين باعوا التجّار الدولار بأسعار تفوق السعر الرسميّ للصرف أي بسعر وصل إلى 1560 ليرة لبنانيّة للدولار، الأمر الذي كبّدهم خسائر كبيرة، إذ باتوا يتحمّلون عبء فارق صرف العملة".
ولكنّ الأمور لم تقف عند هذا الحدّ، فبعد إضراب قطاع المحروقات، قاطع غالبيّة بائعي خدمات الخليويّ وموزّعيها شراء بطاقات التعبئة المسبقة الدفع من شركتي "ألفا" و"تاتش"، وهما الشركتان المشغّلتان للقطاع الخليويّ في لبنان، بسبب عدم قدرتهم على تأمين الدولار الأميركيّ لشراء البطاقات من الشركات المذكورة، والتي يبيعونها بالليرة اللبنانيّة للمستهلك، ولذلك أوقف بعض محلّات الخليويّ بيع هذه البطاقات، يوم الجمعة في 20 أيلول/سبتمبر الحاليّ، ممّا يثبت أنّ أزمة القطاع النفطيّ باتت ترتبط بأزمة يعاني منها الاقتصاد اللبنانيّ ككلّ، تبلورت في أكثر من صورة في الآونة الماضية، فبعض الجامعات في لبنان مثلاً، ومنها الجامعة الأميركيّة في بيروت، بدأ اعتماد الدولار عملة وحيدة في قبض الأقساط، كما كان لافتاً تمسّك غالبيّة المصارف بالدولارات الموجودة في حوزتها.
يقول الخبير الاقتصاديّ إيلي يشوعي لـ"المونيتور" إنّ "أسباب كثيرة ليست وليدة الساعة ساهمت في شحّ الدولار في السوق اللبنانيّة، أهمّها تراجع احتياطيّ مصرف لبنان من العملات الأجنبيّة، وتضاؤل السيولة من الدولار في المصارف اللبنانيّة، وتضاؤل تحويلات اللبنانيّين المغتربين، وتراجع الاستثمارات الخارجيّة، ولا سيّما الخليجيّة منها، ومراكمة العجز في ميزان المدفوعات، والاستيراد الذي فاق التصدير بأشواط، وبالتالي حاجة لبنان الدائمة إلى العملة الأجنبيّة للاستيراد ولسداد ديونه الأجنبيّة أيضاً، مقابل الفشل في تأمين دخول العملات الصعبة باستمرار إلى لبنان".
ويشير يشوعي إلى أنّه "في هذه المرحلة، هناك واقع يجب التكيّف معه وتقبّله على ما هو عليه، إذ لم يعد لدى مصرف لبنان القدرة على تثبيت سعر صرف الليرة كما في السابق"، ويضيف: "لا يوجد مصرف مركزيّ في العالم يمكنه أنّ يثبّت عملته لما لا نهاية، ولا سيّما أنّ اقتصادنا في لبنان هو اقتصاد سوق، أي يخضع إلى العرض والطلب، وبالتالي الأمور متّجهة نحو ارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار، ومن سيدفع الثمن هو المواطن طبعاً".
وفي هذا السياق، تؤكّد نائب رئيس جمعيّة حماية المستهلك في لبنان، وهي جمعيّة محلّيّة تعنى بشؤون المستهلك، ندى نعمة لـ"المونيتور" إنّ "عشرات الاتّصالات والشكاوى وردت إلى جمعيّة حماية المستهلك حول أزمة البنزين ومشكلة بطاقات التشريج، والمشترك في الاثنين هو شحّ الدولار"، وتضيف أنّ "لهذه الأزمة تداعياتها حتماً على اللبنانيّين، وفاتورة المستهلك سترتفع في الأسابيع المقبلة".
وتقول نعمة: "الضرر المباشر يلمسه المواطن راهناً، من خلال سعر الصرف الذي بات مرتفعاً، وبالتالي فإنّ المستهلك يتحمّل تبعيّة الفوضى القائمة في السوق. أمّا الضرر غير المباشر فإنّه سينعكس على أسعار السلع، وسيظهر بعد حوالى أسبوعين، لأنّ لبنان يستورد حوالى 85% من حاجاته من الخارج، وبالتالي فإنّ أيّ زيادة كلفة على التجّار سيترجم بارتفاع أسعار السلع"، وتضيف: "ثمّة من يقول إنّ الموزّعين والبائعين لبعض السلع بدؤوا بفرض تسعيرة مبالغ فيها في الأيّام الماضية بحجّة استيراد السلع".
وفي مقابل أزمة الدولار، فإنّ "رفع الأسعار على المستهلك يخالف قانون حماية المستهلك"، وفق ما تؤكّده نعمة، قائلة: "تنصّ المادّة 25 من القانون المذكور على أن تكون الفاتورة في القطاعين العامّ والخاصّ بالليرة اللبنانيّة. ولكن في الواقع، أصبح الدولار العملة شبه الوحيدة في سوق الاستهلاك، بما فيها المدارس والجامعات وحتّى المستشفيات".
من جهته، يرى الخبير الاقتصاديّ جاسم عجاقة في حديث إلى الـ"المونيتور" أنّ "ما يقال عن شحّ الدولارات فيه شيء من التضخيم، إذ لا توجد في الحقيقة أزمة كبيرة، لكن هناك سلوكاً لا بدّ من تغييره"، ويضيف: "في اعتقادي، إنّ المشكلة الأساسيّة تكمن في أنّ التعامل في عمليّات الشراء يتمّ بالـCash، وحلّ المشكلة يكون باستخدام وسائل الدفع المصرفيّة عبر الشيكات أو التحويلات المصرفيّة".
ويقول عجاقة إنّ "حل المشكلة يمر من خلال إعتماد مبدأ الشمول المالي وإستخدام وسائل الدفع التي تؤمّنها المصارف لما في ذلك من ضمانة ورقابة على مصير العمّلة الصعبة ومعرفة وجهة إستعمالها. هذا يعني أنه من المفروض أن كلّ عملية تجارية يتمّ دفع البدل المالي من خلال شيك أو من خلال البطاقة المصرفية أو التحويل عبر المصرف. في هذه الحالة، يتم إستخدام سعر الصرف المُتداول بين المصارف والذي يبقى ضمن الهامش الرسمي الذي يُحدّده مصرف لبنان".
ويلفت عجاقة إلى أنّ "ما يحصل في بعض القطاعات ستكون له تبعات مؤذية على مقدّمي الخدمات، إذ يعاقب القانون اللبنانيّ في حال تمنّع مقدّم سلعة حيويّة عن بيعها إذا كانت متوافرة لديه، وينطبق على هذه الأفعال توصيف الجرائم المنصوص عنها في المواد 329 و341 و343 معطوفة على 342 و379 و736 و770 من قانون العقوبات اللبنانيّ".
وفي هذا السياق، قال رئيس الجمهورية ميشال عون في حديث مع الصحافيين فور عودته من الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة في 27 أيلول/سبتمبر، أنّ"هناك ضغوطاً خارجيّة تمارس على لبنان، ولاسيّما في الإقتصاد، وهذه الضغوط ليست جديدة" وبأنّه "لا خطر من نقص العملة الأميركية في لبنان، فيما يتعلق بأزمة الدولار".
اضف تعليق