نسبة الأمّيّة ارتفعت بين الشباب العراقيّ إلى 8,3%، لكنّ تقديرات مفوّضيّة حقوق الإنسان في العراق تشير إلى أنّ النسبة أكبر من ذلك وتصل إلى 9%. ويشكّل الشباب العراقيّ، بحسب الإحصاءات الرسميّة 10,5% من مجموع السكّان العراقيّين الذين وصلت نسمتهم 38 بحسب وزير التخطيط العراقيّ السابق...
بقلم مصطفى سعدون
عادت من جديد الأمّيّة لتهدّد أجيالاً عراقيّة خلال المستقبل القريب أو المتوسّط، في وقت لم تكن هناك أيّ خطوات حكوميّة تشجّع على الانضمام إلى مراكز محو الأمّيّة والمشاركة فيها.
في محافظة البصرة التي تقع في أقصى جنوب العراق، تراجعت أعداد المشاركين في مراكز محو الأمّيّة خلال عام 2018 إلى أكثر من ثلثي ما كانت عليه في عام 2013، بحسب مدير قسم محو الأمّيّة في مديريّة تربية البصرة كريم حنظل عبد الكريم.
وقال عبد الكريم في تصريحات صحافيّة في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 إنّ "البصرة كانت تضمّ 339 مركزاً يدرس فيها أكثر من 39 ألف دارس في عام 2013، ممّا يشكّل فرقاً شاسعاً خلال العام الحاليّ الذي شهد انضمام 1200 دارس موزّعين على 21 مركزاً في المحافظة".
ويعزو مدير قسم محو الأمّيّة في مديريّة تربية البصرة عبد الكريم أسباب العزوف إلى توقّف نظام الأجور التي كانت تمنح للأشخاص الذين ينخرطون في الدراسة في مراكز محو الأمّيّة، وهذا ما اتّفق به مع عضو مجلس النوّاب السابق ريزان الشيخ وعضو مفوّضيّة حقوق الإنسان العراقيّة أنس العزاوي.
وتعتبر فترة النزوح التي شهدها العراق خلال السنوات الأربع الماضية أحد الأسباب التي أدّت إلى تفاقم نسبة الأمّيّة في البلاد، حيث بقي أكثر من 3 ملايين ونصف المليون من النازحين في مخيّمات ليست فيها مدارس أو أيّ نشاطات تعليميّة، وعندما عاد النازحون إلى مناطقهم في نينوى وصلاح الدين والأنبار، وجدوا أنّ أعداداً كبيرة من المدارس قد هدمت لأنّ تنظيم "داعش" كان يستخدمها مقرّات له.
حصل "المونيتور" على إحصاء رسميّ من وزارة التخطيط العراقيّة يشير إلى أنّ نسبة الأمّيّة ارتفعت بين الشباب العراقيّ إلى 8,3%، لكنّ تقديرات مفوّضيّة حقوق الإنسان في العراق تشير إلى أنّ النسبة أكبر من ذلك وتصل إلى 9%.
ويشكّل الشباب العراقيّ، بحسب الإحصاءات الرسميّة 10,5% من مجموع السكّان العراقيّين الذين وصلت نسمتهم 38 بحسب وزير التخطيط العراقيّ السابق سلمان الجميلي خلال حديثه إلى "المونيتور" في مقابلة في عام 2017، أي أنّ هناك 450 ألف شابّ عراقيّ أمّيّ تقريباً.
وبحسب عضو لجنة التربية في مجلس النوّاب العراقيّ قصي الياسري، فإنّ نسبة الأمّيّة ربّما وصلت إلى 50% في المجتمع العراقيّ، وفقاً لتصريح أدلى به في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2018.
وأكّد الياسري لـ"المونيتور" تصريحه في خصوص ارتفاع نسبة الأمّيّة، وقال إنّ "الأمّيّة في العراق صارت تتراوح بين 45 و50%، وهي نسبة مخيفة وقد تؤدّي إلى مشاكل سلبيّة كبيرة".
وأضاف أنّ "نسبة الأمّيّة الأكبر هي في المناطق التي كانت تخضع إلى سيطرة تنظيم "داعش"، حيث أنّ 4 سنوات من النزوح والتهجير، وكذلك تأثير ارتفاع نسبة خطّ الفقر عليهم، أدّت في المحصّلة إلى ارتفاع نسبة الأمّيّة هناك وفي عموم العراق".
وبحسب تقرير للأمم المتّحدة، فإنّ "معدّلات الالتحاق بالتعليم وارتياد المدارس تصل إلى أدنى مستوى في 5 محافظات تشمل المحافظات الجنوبيّة، وهي الأكثر فقراً، والأنبار ونينوى"، وهذا ما تعتبره عضو لجنة الطفل والمرأة في مجلس النوّاب العراقيّ السابق ريزان الشيخ بـ"أحد أسباب ارتفاع نسبة الأمّيّة في البلاد".
وقالت لـ"المونيتور" إنّ "الأمّيّة تتفشّى في شكل كبير في البلاد، خصوصاً لدى جيل ما بعد عام 2003، حيث أثّرت موجات النزوح والتهجير التي شهدتها البلاد منذ الحرب الطائفيّة في عام 2006 وحتّى الآن في شكل خطير، فـ10% من الأطفال لم يلتحقوا بالمدارس من الأساس، وبعض الذين يلتحقون يتركونها".
حصل "المونيتور" على إحصاء من مفوّضيّة حقوق الإنسان في العراق، يشير إلى وجود 132 ألف تلميذ متسرّب من المدارس في عموم المحافظات العراقيّة.
قال عضو مفوّضيّة حقوق الإنسان (مؤسّسة وطنيّة) أنس العزاوي لـ"المونيتور": "أشرنا في المفوّضيّة إلى ارتفاع نسبة الأمّيّة في البلاد، خصوصاً بين الشباب، لذا بدأنا بوضع استراتيجيّة للحدّ منها وتقديمها إلى الحكومة العراقيّة".
وأضاف أنّ "عوامل عدّة أدّت إلى تفاقم نسبة الأمّيّة، منها قلّة مراكز محو الأمّيّة، وحاجة العراق إلى بنى تحتيّة تعليميّة، إضافة إلى الأزمات الأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي ضربت البلاد، فضلاً عن ذلك، لم يكن هناك دور حقيقيّ للحكومات السابقة في هذا الملفّ".
إنّ العراق شرّع في عام 1971 قانوناً لمحو الأمّيّة، وحينها ساهم هذا القانون بحسب تصنيف لمنظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" في تخفيض نسبة الأمّيّة إلى 20% حتّى عام 1987، لكنّه أشار أيضاً إلى أنّ توقّف برامج تعليم الكبار منذ ذلك الحين (1987) أدّى إلى العودة إلى ارتفاع نسبة الأمّيّة إلى نحو 30%. ولأنّ العراق ألغى القوانين التي شرّعها مجلس قيادة الثورة إبّان النظام السابق، شرّع من جديد قانوناً جديداً في عام 2011.
تعتقد عضو مفوّضيّة حقوق الإنسان فاتن الحلفي أنّ قانون محو الأمّيّة "لم يلبّ الطموح للقضاء على هذه الظاهرة"، وأشارت أيضاً إلى أنّ 18% من العراقيّين لا يجيدون القراءة والكتابة، ونصفهم من النساء"، بحسب قولها.
بين عامي 2012 و2017، تخرّج 1.6 ملايين دارس في محو الأمّيّة من المراكز المختصّة في العراق، وهذا مؤشّر إلى ارتفاع كبير في نسبة الأمّيّين، وفي الوقت ذاته، يشير أيضاً إلى أنّ المشاركين في مراكز محو الأمّية لا يشكّلون سوى نسبة قليلة لا تصل إلى 15% من أعدادهم.
يعتبر المختصّون أنّ سيطرة تنظيم "داعش" على مساحات واسعة من العراق في عام 2014 كانت أحد أسباب تفاقم الأمّيّة في البلاد، إضافة إلى ذلك، فإنّهم يرون في قلّة المؤسّسات التعليميّة وقلّة التخصيصات الماليّة وعدم وجود كوادر تعليميّة كافية أسباباً أخرى أيضاً.
في المحصّلة، إنّ العراق لا يمكنه القضاء على الأمّيّة مثلما فعل في سبعينيّات القرن الماضي وثمانيناته، أو الحدّ منها على الأقلّ، من دون تفعيل القانون وترغيب الفئة المستهدفة برواتب رمزيّة وتشجيعهم أيضاً بالحصول على فرص عمل أو مشاركتهم في برامج تعليميّة متطوّرة بعد إتمامهم المشاركة في مراكز محو الأمّيّة.
اضف تعليق