في ظلّ هذا المشهد الملتبس للحزب الذي يحكم البلاد منذ عام 2005، تنتشر الأنباء التي تؤكّد قرب إعلان العبادي خروجه من الدعوة لكنّ مصدراً مطّلعاً قال إنّ المفاوضات الآن هي حول منصب رئيس الحكومة، وإنّ العبادي لا يمانع اندماج كتلتيّ حزب الدعوة إذا ما ضمن ترشيحه لولاية ثانية...
بقلم عمر ستار
تقف عقبة اختيار رئيس الحكومة العراقيّة المقبلة حائلاً أمام إعادة اندماج حزب "الدعوة" الحاكم في البلاد منذ عام 2005، ذلك أنّ كلاًّ من رئيس الوزراء حيدر العبادي والأمين العام للحزب نوري المالكي يرفضان التنازل عن طموحات رئاسة الحكومة الجديدة، في وقت تنتظر بقيّة القوائم الفائزة أن يحسم الحزب أمره قريباً لترتيب التحالفات وتقاسم المناصب الحكوميّة الأخرى.
تنشغل القوائم الشيعيّة الفائزة في الإنتخابات التشريعيّة، التي جرت في 12 أيّار/مايو الماضي، بمفاوضات تشكيل "الكتلة البرلمانيّة الأكبر"، التي تمتلك الحقّ الدستوريّ في ترشيح رئيس الوزراء المقبل. وتبدو عقبة إعادة اندماج حزب "الدعوة" الإسلاميّة، الذي انقسم أعضاؤه في قائمتين، هما: "النصر" بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، و"دولة القانون" بزعامة الأمين العام للحزب نوري المالكي قبيل الإنتخابات، هي العقبة الأهمّ في حسم مستقبل التحالفات الشيعيّة، فالاندماج يعني بالضرورة ابتعاد حيدر العبادي عن إئتلاف "سائرون" المتصدّر نتائج الإنتخابات بزعامة مقتدى الصدر، الذي يضع الكثير من الخطوط الحمراء على كتلة نوري المالكي وبقيّة الكتل القريبة منه.
ووفقاً للعضو القياديّ في حزب "الدعوة" صادق اللبان، فإنّ "الوقت لا يزال مبكراً لحسم المباحثات المستمرّة بين جناحيّ الحزب، ذلك أنّ الأمر يعتمد على جملة من الأمور، أبرزها العلاقة مع بقيّة القوائم الفائزة"، وقال في حديث لـ"المونيتور": "إنّ قيادات الحزب العليا في حالة اتّصال واجتماعات مستمرّة منذ إعلان نتائج الإنتخابات، وهناك إيجابيّة كبيرة في مناقشة كلّ الأمور".
أضاف: "إنّ نائب رئيس الجمهوريّة نوري المالكي يطرح فكرة "الغالبيّة السياسيّة"، ويسعى إلى تشكيل كتلة كبيرة تتولّى تشكيل الحكومة بمفردها والابتعاد عن مفهوم المحاصصة، فيما يمتلك العبادي أفكاراً عن ضرورة إشراك الكتل الكبيرة كلّها في الحكومة المقبلة".
واستبعد صادق اللبان أن يكون "التنافس على منصب رئيس الوزراء هو سبب عدم إعلان الاندماج حتّى الآن"، وقال: "كلّ المؤشّرات تؤكّد قرب إعادة اندماج كتلتيّ "الدعوة"، فهو الاحتمال الأقرب، وستتولّى الكتلة رئاسة الحكومة بغضّ النظّر عن الاسم الذي سيطرح لهذا المنصب".
وكان المالكي قد كشف في تصريح لقناة "الشرقية" بـ9 أيّار/مايو الماضي عن وجود "اتّفاق" موقّع من قادة "الدعوة"، بينهم المالكي، يقضي بإعادة اتّحاد الحزب بعد الإنتخابات، وأنّ الافتراق كان مجرّد "تدابير إنتخابيّة"، وتمنّى أن يلتزم العبادي بهذا الاتّفاق.
أمّا العبادي فنفى هذا الاتفاق، وقال في تصريح متلفز: "إنّ قيادة حزب الدعوة أصرّت على أن تكون في القائمة التي يرأسها العبادي. وبالتّالي، فإنّ المالكي طلب المشاركة في قائمة منفردة".
وأشار إلى أنّ "المالكي، خلافاً لقرار حزب الدعوة والوثيقة الموقّعة، سجّل الحزب مع كتلته، وحدثت ثورة داخل الحزب، واعتبروه طعناً في الظهر ومخالفاً لكلّ السياقات"، وقال: "أبلغت المالكي بضرورة التراجع عن القرار، لكنّه لم يلتزم به".
وفي ظلّ هذا المشهد الملتبس للحزب (الدعوة) الذي يحكم البلاد منذ عام 2005، تنتشر الأنباء التي تؤكّد قرب إعلان العبادي خروجه من "الدعوة"، لكنّ مصدراً مطّلعاً في الدعوة، فضّل عدم ذكر اسمه، قال لـ"المونيتور": "إنّ المفاوضات الآن هي حول منصب رئيس الحكومة، وإنّ العبادي لا يمانع اندماج كتلتيّ حزب الدعوة إذا ما ضمن ترشيحه لولاية ثانية، في حين يصرّ جناح المالكي على أنّ هذا الأمر سيكون بتصويت داخليّ للحزب".
ولفت المصدر إلى أنّ "العبادي بات يمتلك مقاعد في البرلمان الجديد تفوق ما لدى المالكي من مقاعد، وبالتّالي فهو غير مستعجل على اتّخاذ قراره، ويريد مناقشة الأمر مع كلّ القوائم الفائزة للبحث عن أفضل شريك ممكن لتلبية طموحات سياسيّة مشروعة".
ولم يستبعد المصدر أن تؤثّر الضغوط الإيرانيّة على قرارات قادة الحزب، لكنّه "رجّح ركون قادة الحزب إلى حلول وسطيّة، بترشيح اسم آخر، غير المالكي والعبادي لرئاسة الحكومة، في حال فشل تحالف العبادي مع الصدر".
وإذا ما تحقّق سيناريو تحالف الصدر مع العبادي وتسمية الأخير لرئاسة الوزراء، فإنّ موضوع إعادة اتحاد أعضاء حزب الدعوة من جديد لن يكون بالأمر السهل، ذلك أنّ من أهمّ شروط الصدر استبعاد المالكي عن أيّ تحالف لتشكيل الحكومة. وعليه، فإنّ ما تحدّث عنه القياديّ في "الدعوة" جاسم محمّد جعفر قبل أيّام إلى موقع "أخبار العراق" بـ17 أيّار/مايو الجاري يبدو قريباً جدّاً من الواقع، إذ قال: "بات من الصعب انضمام تحالف النصر بقيادة حيدر العبادي إلى تحالف دولة القانون". وأشار إلى استحالة توافق الطرفين على مرشّح رئاسة الوزراء.
والحال، فإنّ حزب "الدعوة" اليوم أمام مفترق طرق، فإمّا قبول المالكي بتسمية العبادي رئيساً للحكومة الجديدة والحفاظ على وحدة الحزب، وإمّا ابتعاد الأخير عنه إلى غير رجعة، الأمر الذي يعني بالضرورة انشقاق أحد الرجلين عن الحزب، إلاّ إذا ما حدث سيناريو آخر يبدو قليل الاحتمال، وهو أن يقبل العبادي بالتخلّي عن طموحات الولاية الثانية على رأس الحكومة. وعلى أيّ حال، فإنّ حالات الانشقاق ليست بالأمر الجديد على حزب الدعوة الذي يحفل تاريخه بسلسلة طويلة من الانشقاقات والانقسامات، كان آخرها خروج الأمين العام السابق للحزب ابراهيم الجعفري وتشكيله حزب "تيّار الإصلاح" بعد استبعاده عن رئاسة الوزراء خلال عام 2006.
وفي المحصّلة، تحتاج الأطراف الشيعيّة الفائزة في الإنتخابات إلى التحالف وتسجيل الكتلة الأكبر لدى المفوضيّة العليا المستقلّة للإنتخابات قبل جلسة البرلمان الجديد الأولى. وإذ تسعى غالبيّة تلك الأطراف إلى الاستحواذ على منصب رئاسة الحكومة وإخراجه من عباءة "الدعوة" بكلّ الطرق الممكنة، فإنّ الحزب لن يقف مكتوف الأيدي، وقد يحاول تأجيل خلافاته إلى ما بعد تسمية أحد قادته رئيساً للوزراء وتسمية الوزراء الجدد، ثمّ مناقشة مستقبل الحزب، وربّما إبقاء الخلافات في إطارها الداخليّ إلى حين الإنتخابات المقبلة خلال عام 2022.
اضف تعليق