q
بقلم: فرانسيس فوكوياما (FRANCIS FUKUYAMA)
الناشر: مجلة The American Interest/واشنطن.
ترجمة: أ. م. د. حسين أحمد السرحان-/رئيس قسم الدراسات السياسية في مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء

 

اسُتخدم مصطلح ”الشعبوية” بشكل فضفاض في الفترات الاخيرة. لذا نحتاج الى تعريف افضل.

شهدت السنوات الاخيرة صعود اشكال جديدة من القومية الشعبوية، والتي شكلت التهديد الرئيس للنظام الليبرالي الدولي الذي تأسس منذ عام 1945من أجل السلام والرفاهية العالمية. بقيت الديمقراطية الليبرالية مهددة بشكل مستمر من قبل الانظمة الاستبدادية طوال القرن الماضي باستثناء المدة الممتدة من 1991 – 2008 حين هيمنت القوة الاميركية الى حد كبير. اليوم انبثق نوع مختلف من التهديد، مع الديمقراطيات التي اسست نفسها وهي خاضعة لقوى سياسية غير ليبرالية تقودها مشاعر شعبوية. استخدم مصطلح ”الشعبوية” بشكل فضفاض الى حد كبير، ولكن لوصف مدى واسع من سمات الظاهرة التي لاتتواجد سوية بالضرورة، نحن نحتاج، مع ذلك، لوضع حدود حول المصطلح.

ليس هناك اجماع راسخ بين علماء السياسة لتعريف الشعبوية، ولكن هناك ثلاث خصائص من وجهة نظري ترتبط عادة بظاهرة الشعبوية. الاولى، الشعبوية هي نظام يعتمد سياسات تحظى بشعبية على المدى القصير ولكن غير مستدامة في المدى الطويل، وعادة في مجال السياسات الاجتماعية. ومن الأمثلة على ذلك دعم الأسعار، واستحقاقات المعاش التقاعدي السخية، أو العيادات الطبية المجانية.

الخاصية الثانية، ترتبط الشعبوية بتعريف ”الشعب” والذي هو اساس الشرعية: العديد من الانظمة الشعبية لاتتضمن شعبوية كاملة، بل اثنية معينة او جماعة عرقية يقال انها الشعب ”الحقيقي”. وهكذا في هنغاريا، عرّف فيكتور اوربان ((Viktor Orban الهوية الوطنية الهنغارية على اساس العرق المجري، وهو أمر يستبعد غير المجريين المقيمين في هنغاريا، ويتضمن العديد من الهنغاريين المقيمين في البلدان المجاورة مثل سلوفاكيا او رومانيا.

ويحاول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (Narendra Modi) بالمثل تغيير تعريف الهوية الوطنية الهندية من الهوية الليبرالية الشاملة التي أنشأها غاندي ونهرو الى هوية واحدة على أساس الهندوسية. فيما شدد حزب العدالة والقانون البولندي على الكاثوليكية والقيم البولندية التقليدية، وحفز على صعود جماعات عنصرية أكثر صراحة مثل تلك التي تدعو إلى “أوروبا البيضاء” في تشرين الثاني 2017.

الخاصية الثالثة للشعبوية تتعلق باسلوب القيادة. اذ اتجه القادة الشعبويون الى تطوير عبادة شخصية حول انفسهم مرتدين عباءة السلطة الكاريزمية التي تتواجد بشكل مستقل عن المؤسسات مثل الاحزاب السياسية. وهم يحاولون تطوير علاقات مباشرة مع ”الشعب” بدون وسائط، كما يَدّعون انهم يمثلون الشعب ويوجهون آماله ومخاوفه في افعال مباشرة. وعادة ما يقترن ذلك باستنكار النخبة القائمة بأكملها، وبالتأكيد هذه النخبة تستثمر في المؤسسات القائمة.

هذا النهج الشخصي في القيادة هو مايجعل الشعبويين يشكلون تهديدا للمؤسسات الديمقراطية. فالديمقراطيات الليبرالية الحديثة تقوم على مؤسسات تشترك في السلطة مثل المحاكم، الفيدرالية، والمؤسسات التشريعية والاعلام الحر الذي يعمل كمراقب على اداء السلطة التنفيذية. كل هذه المؤسسات هي عبارة عن حواجز محتملة امام قدرة القادة الشعبويين على تحقيق اهدافهم، فضلا عن انها اصبحت لهم اهداف مباشرة للهجوم عليها.

هذه التعريفات او الخصائص الثلاثة تسمح لنا بالتمييز بين حركات مختلفة مُنحت اشارة ”الشعبوية” في الماضي. فقد شدد شعبويو اميركا اللاتينية مثل هوكو شافيز (Hugo Chavez) أو نستور ((Nestor وكريستينا كيرشنر (Cristina Kirchner) على البرامج الاجتماعية الشعبية ولكن غير المستدامة، وحاولوا خلق طوائف شخصية حول أنفسهم. في حين صوّر الزوج الأرجنتيني نفسه على أنه تجسيد لكل من طرفي القوة الشعبويين الكلاسيكيين خوان (Juan) وإيفا بيرون (Eva Peron). ومن جانب آخر، لم يبدو تعريفا مقيدا للهوية الوطنية. والشيء نفسه يمكن أن يُقال عن رئيس الوزراء التايلندي السابق ثاكسين شيناواترا (Thaksin (Shinawatra وشقيقته ينجلوك Yingluck)) الذين عززوا من برامج اعادة التوزيع للفقراء في المناطق الريفية ولكن لم يكن لهم نفس وجهة النظر التقييدية للهوية التايلاندية كمعارضين.

وعلى النقيض من ذلك، لم يشدد قادة حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي على برنامج اقتصادي واسع، ولم يكن لهم زعيم منفرد ذو كارزما. ولكنهم اظهروا المخاوف الثقافية المناهضة للمهاجرين والهوية البريطانية التقليدية، فضلا عن عدم ارتياحهم ازاء التفكك او الضعف الاقتصادي. وحالة فكتور اوربان Viktor Orban تتناسب والتعريفات الثلاثة: هو حاول حماية المدخرين الهنغاريين من البنوك الأوروبية “المفترسة”، كما له تعريف مقيد لـ ” الشعب “، وحبذ بالتأكيد ان يُعتبر كقائد ذو كاريزما. وليس من الواضح ما اذا كانت حالة فلاديمير بوتن (Vladimir Putin) تتناسب مع اي من التعريفات الثلاثة. فهو حذر من البرامج الاجتماعية الواسعة بينما شدد على الهوية والتقاليد الروسية وهذه التقاليد ليست مقيدة بالضرورة بالجوانب العرقية. بالتأكيد بنى بوتن طائفة اتباع حول نفسه، رغم انه من الصعوبة القول بأنه يسعى الى الاطاحة بالنخبة بأكملها من خلال الاستخبارات الروسية KGB ومن ثم الوكالة الروسية لحفظ الامن في البلاد FSB. ويمكن قول الشيء نفسه حول نارندرا مودي الهندي (Narendra Modi) وحتى الصيني شي جين بينغ (Xi Jingping) والذين اصبحا شعبويين بفعل مهاجمة النخبة الخارجية رغم انهم انفسهم جزء كبير جدا من هذه النخبة.

وينبغي ان نلاحظ بأن حالة الرئيس دونالد ترامب تتناسب مع التعريفات الثلاثة. اذ شدد خلال حملته على الشعبوية الاقتصادية، والانسحاب من معاهدة شركاء عبر المحيط الهادئ وهدد بتمزيق اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية عند دخوله الاول لمكتبه الرئاسي. وتعهد بحماية برامج الاستحقاق مثل العناية الصحية والامن الاجتماعي. وبرغم ذلك، عندما اصبح رئيسا مارس الحكم كما يمارسه الجمهوري المحافظ التقليدي، فقد سعى مثلا الى قطع الفوائد الاجتماعية عبر الغاء برنامج اوباما للرعاية (Obama’s Affordable Care Act). وبينما لم يؤيد ترامب صراحة القومية البيضاء، فقد كان سعيدا لقبول الدعم من اولئك الذين فعلوا ذلك، وذهب بأتجاه عدم اقصاء انصار النازيين الجدد والعنصرية العلنية خلال تجمعهم في شارلوتسفيل. وكانت لديه اشكالية كبيرة في العلاقة مع الاميركان من أصل افريقي او من أصل اسباني وباقي الاقليات، اذ جعل من الفنانين ونجوم الكره من السود اهدافا مكرره لتغريداته في موقع تويتر. وتصرف مثل الشخصيات الكاريزمية الكلاسيكية في مسيرات مع مؤيديه الأساسيين. وعندما قبل ترشيح الجمهوريين له عام 2016 قال لهم ”انا الوحيد الذي يفهم مشاكلكم، وانا فقط اعرف كيفية حلها“.

هكذا، وضمن حقل الحركات المسماة بالحركات الشعبوية، بالامكان ان نُميز بين فئتين واسعتين. في اميركا اللاتينية وجنوب اوروبا، يميل الشعبويون الى ان يكونوا يساريين ولديهم دائرة انتخابية بين الفقراء ويدعون الى البرامج الاجتماعية الخاصة بإعادة التوزيع التي تسعى الى معالجة انعدام المساواة الاقتصادية، لكنهم لايؤكدون على الهوية الاثنية ولايتخذون موقف قوي ضد الهجرة. وتضم هذه المجموعة حركة شافيز البوليفارية (Chavez’s Bolarivarian movement) وكيرشيريسمو (Kircherismo) في الأرجنتين، بالاضافة الى بوديموس الاسبانية (Spain’s Podemos) وسيريزا اليونانية (Greece’s Syriza).

ومع ذلك، في شمال اوروبا، يعتمد الشعبويون على الفقراء بدرجة اقل منه على الطبقة الوسطى او الطبقة العاملة المتدهورة، ويتخذون توجهات أكثر اثنية ومضادة للهجرة. ويريدون حماية حالة الرفاهية المتوفرة ولكن بدون التأكيد على التوسع المتزايد في الخدمات الاجتماعية والاعانات. المجموعات في هذه الفئة تتضمن المناصرين لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (Brexiteers)، والجبهة الوطنية الفرنسية، وحزب الحرية في هولندا، وحزب الشعب الدينماركي. وفي الولايات المتحدة هناك العديد من انصار دونالد ترامب وانصار الطبقة العاملة.

كذلك هناك جماعات او حركات لاينطبق عليها توصيف اي فئة مما سبق ذكرها. فحركة الخمس نجوم الايطالية مثل الحركات الشعبوية الاخرى هي ضد المؤسساتية بالمطلق وتندد النخبة الايطالية ككل، لكنها تختلف عن نظرائها في شمال وجنوب اوروبا اذ يتكون انصارها من الطبقة الحضرية أو المتوسطة أو حتى الطبقة الوسطى العليا، بدلا من ان تعتمد على الطبقة العاملة المتدهورة.

* مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
http://kerbalacss.uokerbala.edu.iq

.................................

رابط المقال الاصلي باللغة الانكليزية:
https://www.the-american-interest.com/2017/11/28/what-is-populism/
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق