عاشوراء هي صرخة في الضمير الخانع الخاضع الخاشع للظالمين أن انهض وثر عليهم وكسِّر القيود وانطلق مع الطيور مغرداً حراً كما أراد الله تعالى لك، فجوهرك وأصلك أيها الإنسان أنك عبد لله وحر أمام الكون كله فلماذا تترك عبوديتك لله وتخضع لأولئك الطغاة وهم بشر مثلك...
قال الإمام الحسين (ع): (اِشْتَدَّ غَضَبُهُ (الله) عَلَى قَوْمٍ اِتَّفَقَتْ عَلَى قَتْلِ اِبْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِمْ).
مقدمة
عاشوراء ليست حادثة أكل عليها الدَّهر وشرب كما يتصوَّر بعض المغفلين..
وعاشوراء ليست معركة خاطفة خاضها جيش عرمرم ضد بعض الرجال الأبطال الذين قُتلوا خلال سُويعات من يوم العاشر من المحرم سنة 61 ه كما يتخيلها بعض البلهاء..
وعاشوراء ليست قصة يرويها الآباء للأبناء ليقضوا لهم بعض الوقت وينامون كما يتخيل بعض البسطاء..
بل عاشوراء حادثة وقعت في التاريخ ولكن غيَّرت مجراه فما قبل عاشوراء ليس هي كما بعدها قطعاً ويقيناً فعاشوراء مفصل في التاريخ الإسلامي ثم الإنساني صارت الأحداث تدور حولها، وذلك لما شهده التاريخ من تفاعلات وتطورات وتأثيرات ليوم عاشوراء في الأحداث اللاحقة في مجرى الزمن، فصارت عاشوراء راية عالية وفي كل يوم تزداد علواً وارتفاعاً يلتفُّ حولها الفقراء والضعفاء والمظلومون والمقهورون وكل الباحثين عن حريتهم وشرفهم وكرامتهم وخرجت من إطارها الشيعي والإسلامي وصارت في رسم الإنسانية جمعاء من كل دين ومذهب ونحلة بل وتطلَّع إليها حتى أولئك الذين ليس لهم دين ولكن يبحثون عن حريتهم وكرامتهم المسلوبة من الطغاة والظالمين.
عاشوراء ليست معركة خاسرة
وعاشوراء ليست معركة خاطفة خاضها الجيش الأموي بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص القرشي، ضد حفيد النبي العربي الهاشمي الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) بطل الإسلام وسيف الله في أرضه الذي سلَّطه على أعدائه لا سيما الطغاة والجبارين من أولئك الأشقياء من قريش المشركة الظالمة، حيث خسرها الإمام السبط البطل أمام جيش الحاكم الأموي النذل الذي أخذ أقطار السماء والأرض وضيَّق كل واسع على سيده ومولاه وإمام زمانه سبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة حتى قتلوه بتلك الطريق الشنيعة التي مثَّلوا فيها كل أساليب الخسَّة والنذالة وأظهروا كل ما لديهم من الحقد والحقارة وتفاهة النفس ودناءة وخسَّة الأصل لهم حيث ورد عنهم (عليهم السلام): (لاَ يَقْتُلُ اَلْأَنْبِيَاءَ وَلاَ أَوْلاَدَ اَلْأَنْبِيَاءِ إِلاَّ أَوْلاَدُ اَلزِّنَا). (كامل الزيارات: ج۱ ص۷9)
عاشوراء ليست معركة خاسرة
فعاشوراء ليست معركة خاسرة كما يظن بعض الأغبياء في أصول الحرب والاستراتيجية لها، فالمعركة تقاس بنهايتها وليس في بدايتها، فعاشوراء قامت في العاشر من المحرم سنة 61 ه ولكنها لم تنته بعد وهي مستمرة وها هي تنادي في كل عام وتصدح من حناجر نصف المسلمين وربما يصلون إلى مليار يصرخون وينادون وعلى مدى شهرين متتاليين (لبيك يا حسين)، و(لَبَّيْكَ دَاعِيَ اَللَّهِ إِنْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اِسْتِغَاثَتِكَ وَلِسَانِي عِنْدَ اِسْتِنْصَارِكَ فَقَدْ أَجَابَكَ قَلْبِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي)، والعالم يرى ويسمع ويتفاعل مع عاشوراء المأساة المتجددة ولا يتجاهلها ويحاربها إلا أبناء وأشباه أولئك الأشقياء الذين قاتلوا وقتلوا الإمام الحسين (ع).
فمَنْ يرى كل هذه الملايين وهذه الصرخات والبكاء واللطم والدماء تجري في هذه الأيام ويقول بأن المعركة انتهت وقائدها العظيم الحسين بن علي خسرها حينما قُتل، فهو غبي أبله لا يعرف من منطق الخلود والبقاء والإسلام شيئاً أبداً، لأن القتل غير الموت، والشهادة هي شهود وقيادة على المدى البعيد الاستراتيجي فإذا كنت لا تعلم ولا تفهم في ذلك فاربع على ضلعك واسكت واستحي على نفسك قبل تفضح نفسك وأصلك بإظهارك تأييد قتلة الإمام الحسين (ع) من أولاد الحرام فتكون منهم لأنه الرَّاضي بفعل قوم يشاركهم فيه.
والله سبحانه من فوق سبع سماوات يقول: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران/171)، فمنْ يكون بهذه الصفات هل هو ميِّت أم أنه حيٌّ بأرقى وأسمى معاني الحياة لأنها عند الرب سبحانه وتعالى؟
فعاشوراء معركة ليست خاطفة كما يظنها البعض بل هي معركة مستمرة بين الحق والباطل، والخير والشر، والظلمة والنور، والإيمان كله والشرك كله، وجنود ورجال الرحمن وجنود ومردة الشيطان، فهل هذه المعركة انتهت والشيطان استسلم ورفع الراية أو أنه العكس كما تظن بأن الإمام الحسين (ع) خسر المعركة أي أن الحق والنور والخير والإيمان والرحمن قد خسروا أمام الشيطان وممثله يزيد وابن زياد عليهم لعائن الله؟
خاب وخسر مَنْ يظن هذا الظن السوء، فهو ظن الشيطان ومردته ورجاله من الإنس والجن، وأما أهل الحق والصدق فإنهم يرون الإمام الحسين سيد الشهداء شاهد وحاضر يرى ويسمع كل ما يجري على الساحة العالمية من أحداث، وكم هي القصص التي تجري في كل يوم من أيام المجد العاشورائية، وليالي النور الحسينية، فكل صاحب موكب وكل صاحب عزاء لديه حكايات يحكيها عن حضور ورعاية أهل البيت (عليهم السلام) لهذه المجالس العامرة بذكر الإمام الحسين (ع).
عاشوراء ليست قصة أدبية
نعم؛ عاشوراء ليست قصَّة تاريخية كبقية القصص التي يحكيها الآباء أو الأجداد والجدات والقصاصون للأطفال ليتلهوا بها وينامون كما كان يفعل أسلافنا بنا -وجمال تلك القصص والسهرات لا يعرفها هذا الجيل بسبب الثورة الرقمية والتكنلوجيا للأسف- بل هي قصص واقعية تربوية نهدف منها تربية الأجيال على القدوة الحسنة والمُثُل الراقية التي مثَّلتها وشخَّصتها تلك القصص في يوم عاشوراء وما قبله وما بعده من قصص البطولة والمأساة، لتكون تلك المشاهد حيَّة وراسخة في أذهان وعقول وقلوب الجميع من الطفل الصغير وحتى الشيخ الكبير، لأن التربية بالقدوة والأسوة هو من أعظم وأجدى وأنفع أساليب التربية على الإطلاق.
فمجالس عاشوراء وقصصها مهما كانت مأساوية وحزينة إلا أنها صارت مدارس لأطفالنا، وجامعات لشبابنا، والجميع يجلس فيها ليتعلموا من تلك القصص القيم العاشورائية الراقية، لأن عاشوراء هي منظومة قيم رائعة على الأمة والأجيال أن تتعلمها، وكل قيمة لها مثال مثَّلها في أرض الواقع فتكون القيمة، ومثالها والقصص المبينة والموضحة لها كلها حاضرة في دروس عاشوراء القيم النبيلة.
يقول سماحة السيد الفقيه محمد رضا الشيرازي (رحمة الله عليه): " طبقاً لاستقرائنا الناقص، هنالك ثلاثة عناصر تؤثر في النفس البشرية تأثيراً عميقاً، بغضّ النظر عن أن تكون هذه النفس مؤمنة أو كافرة، أو أن تكون هذه النفس واجدةً لهذه العناصر أو فاقدةً لها، فالإنسان بما هو إنسان، وبعيداً عن انتمائه الديني، أو العرقي، أو الطائفي، يتفاعل تفاعلاً شديداً مع هذه العناصر الثلاثة، وهي كالتالي:
الأول: عنصر البطولات.
الثاني: عنصر المُثل.
الثالث: عنصر المظلومية.
ثم يقول شارحاً ومؤكداً: "إذا راجعتم التاريخ البشري كله منذ أن دُوّن التاريخ ــ ربما قبل عشرة آلاف عام أو أكثر ــ لا تجدون على مرّ التاريخ ملحمة تجلّت فيها هذه العناصر الثلاثة بأجلى مظاهرها كملحمة كربلاء في يوم عاشوراء.
إن البطولات الكبرى التي تجدونها في ملحمة عاشوراء، بهذا الحجم وبهذا المقدار وبهذه الكثافة لا تجدونها في أية ملحمة تاريخية.. والقيم التي تمثّلت في عاشوراء لا تجدونها في التاريخ بهذا الحجم وبهذه الكثافة.. والمظلومية التي تجسدت في واقعة كربلاء لا تجدونها في أيّة واقعة أخرى بهذا الحجم.
كتب أحد المؤرّخين الغربيين حول قضية عاشوراء وقال: هنالك موقف في عاشوراء لم أجد له مثيلاً في التاريخ، إنه موقف بطولة وهو موقف الحر الرِّياحي، ربما تجدون في تاريخ الحروب فرداً ينتقل من جبهة إلى جبهة، إن هذا موجود في التاريخ، ولكن كموقف الحر، قائد في جيش منتصر وإذا به في لحظة يقظة ضمير، يتخلّى عن كل شيء، عن منصبه ومكانته، وينتقل إلى الجيش الآخر الذي يعلم أنه سوف ينتهي بعد قليل من الناحية الظاهرية، وسوف يُقتل، هل رأيتم مثل هذا الموقف في التاريخ؟". (الإمام الحسين (ع) عظمة إلهية: ص 34)
عاشوراء صرخة ضمير
وعاشوراء -حقيقة- هي صرخة، ولها صرخة أخرى، فهي صرخة في الضمير الخانع الخاضع الخاشع للظالمين أن انهض وثر عليهم وكسِّر القيود وانطلق مع الطيور مغرداً حراً كما أراد الله تعالى لك، فجوهرك وأصلك أيها الإنسان أنك عبد لله وحر أمام الكون كله فلماذا تترك عبوديتك لله وتخضع لأولئك الطغاة وهم بشر مثلك فاصرخ في وجوههم لتكون ممَّن وصفهم رسول الإنسانية الأكرم بقوله: (إِنَّ أَفْضَلَ اَلْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ)، وتكون في ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
وصرخة عاشوراء تمثلت، وتمثَّل فيها أعظم وأكرم الجهاد والمجاهدين وصرختها قوله (عليه السلام): (هَيْهَاتَ مِنَّا اَلدَّنِيئَةُ يَأْبَى اَللَّهُ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ وَاَلْمُؤْمِنُونَ وَحُجُورٌ طَابَتْ وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ وَأَنْ نُؤْثِرَ طَاعَةَ اَللِّئَامِ عَلَى مَصَارِعِ اَلْكِرَامِ)، فالعزة والكرامة برفض الذل المشين للطغاة والظالمين، والحياة الحقيقية هي وقفة عز فعلاً، والإمام الحسين (ع) وإخوته، وأبناؤه، وأصحابه الكرام وقفوها بكل شموخ وقالوها بكل وضوح ودفعوا ما ترتب عليها من تضحيات فأعطوا كل شيء لله وأعطاهم الله كل ما توقعوه من الشرف والكرامة والعزة والخلود في هذه الحياة.
فعاشوراء صرخة في الغافلين الخانعين لتصحى ضمائرهم من غفلتهم ويقوموا من سِنتهم وينتبهوا لما أراده الله منهم في حياتهم، ويستعيدوا حريَّتهم المسلوبة وكرامتهم المنهوبة، وشخصياتهم المدجَّنة كما النِّعاج في حظائر الجزارين.. وعاشوراء هي تلك الصرخة المدوية في الضمائر الحيَّة، والقلوب الواعية، والعقول النابهة، وهي ذات تأثير كبير في الوجدان الإنساني ولذا يتعاطف معها كل مَنْ سمعها أو سمع بعض قصصها من أي دين أو مذهب كان وها هي وقائع مسيرة الأربعين تؤكد ذلك في كل عام بحمد الله وفضله.
وأما صرخة عاشوراء المفجعة غهي: (يا حسين، ونور عيني يا حسين، ولبيك يا حسين) فهذه هي الصرخة الكبرى التي يرددها العشاق في يوم عاشوراء الدامي مع شديد البكاء واللطم والنحيب على الحبيب وهي التي وصفها الإمام الصادق (ع) ودعا للشيعة الصارخين بها حيث قال مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: اِسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فَقِيلَ لِي: اُدْخُلْ فَدَخَلْتُ فَوَجَدْتُهُ فِي مُصَلاَّهُ فِي بَيْتِهِ فَجَلَسْتُ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ فَسَمِعْتُهُ يُنَاجِي رَبَّهُ وَهُوَ يَقُولُ: (اَللَّهُمَّ يَا مَنْ خَصَّنَا بِالْكَرَامَةِ وَوَعَدَنَا بِالشَّفَاعَةِ وَخَصَّنَا بِالْوَصِيَّةِ وَأَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى وَعِلْمَ مَا بَقِيَ - وَجَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ اَلنَّاسِ تَهْوِي إِلَيْنَا اِغْفِرْ لِي وَلِإِخْوَانِي وَزُوَّارِ قَبْرِ أَبِيَ اَلْحُسَيْنِ اَلَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا وَرَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا وَسُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ وَإِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا - أَرَادُوا بِذَلِكَ رِضَاكَ فَكَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَانِ وَاِكْلَأْهُمْ بِاللَّيْلِ وَاَلنَّهَارِ وَاُخْلُفْ عَلَى أَهَالِيهِمْ وَأَوْلاَدِهِمُ اَلَّذِينَ خُلِّفُوا بِأَحْسَنِ اَلْخَلَفِ وَاِصْحَبْهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَكُلِّ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِكَ وَشَدِيدٍ وَشَرَّ شَيَاطِينِ اَلْإِنْسِ وَاَلْجِنِّ وَأَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَمَا آثَرُونَا بِهِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وَقَرَابَاتِهِمْ.. اَللَّهُمَّ إِنَّ أَعْدَاءَنَا عَابُوا عَلَيْهِمْ بِخُرُوجِهِمْ فَلَمْ يَنْهَهُمْ ذَلِكَ عَنِ اَلشُّخُوصِ إِلَيْنَا - خِلاَفاً مِنْهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فَارْحَمْ تِلْكَ اَلْوُجُوهَ اَلَّتِي غَيَّرَتْهَا اَلشَّمْسُ، وَاِرْحَمْ تِلْكَ اَلْخُدُودَ اَلَّتِي تَتَقَلَّبُ عَلَى حَضْرَةِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وَاِرْحَمْ تِلْكَ اَلْأَعْيُنَ اَلَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا، وَاِرْحَمْ تِلْكَ اَلْقُلُوبَ اَلَّتِي جَزِعَتْ وَاِحْتَرَقَتْ لَنَا وَاِرْحَمْ تِلْكَ اَلصَّرْخَةَ اَلَّتِي كَانَتْ لَنَا.. اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ تِلْكَ اَلْأَبْدَانَ وَتِلْكَ اَلْأَنْفُسَ حَتَّى تُوَفِّيَهُمْ عَلَى اَلْحَوْضِ يَوْمَ اَلْعَطَشِ اَلْأَكْبَرِ).
فَمَا زَالَ يَدْعُو وَهُوَ سَاجِدٌ بِهَذَا اَلدُّعَاءِ فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ لَوْ أَنَّ هَذَا اَلَّذِي سَمِعْتُ مِنْكَ كَانَ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَظَنَنْتُ أَنَّ اَلنَّارَ لاَ تَطْعَمُ مِنْهُ شَيْئاً أَبَداً وَاَللَّهِ لَقَدْ تَمَنَّيْتُ أَنِّي كُنْتُ زُرْتُهُ وَلَمْ أَحُجَّ؟
فَقَالَ لِي: مَا أَقْرَبَكَ مِنْهُ فَمَا اَلَّذِي يَمْنَعُكَ مِنْ زِيَارَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ لِمَ تَدَعْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ لَمْ أَرَ أَنَّ اَلْأَمْرَ يَبْلُغُ هَذَا كُلَّهُ، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ مَنْ يَدْعُو لِزُوَّارِهِ فِي اَلسَّمَاءِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْعُو لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ). (كامل الزيارات: ج۱ ص۱۱6)
فإذا لم يستفد المؤمن العاشق الصارخ إلا هذا الدعاء من الإمام الصادق (عليه السلام) لكفاه فرحاً وسروراً به فكيف إذا كان رسول الله وعزيزته فاطمة سيدة النساء وجميع أئمة المسلمين (صلوات الله الله عليهم) يدعون له بمثل ذلك؟ بل وتسلِّم عليه الملائكة ويستقبلونه ويشيعونه من زيارته..
فعاشوراء نداء الإمام الحسين (صليه السلام) وصرخته في العالمين جميعاً، وفي الغافلين من هذه الأمة فمتى تستجيب له حتى تنهض من غفلتها وتقوم من كبوتها التي أسقطها فيها الحكام الظلَّام، والطغاة الجبابرة من فراعنة هذه الأمة الذين قتلوا الإمام الحسين (ع) خوفاً على سلطتهم لأنهم يعرفون أن السلطان سلطان الله وأن الإمام الحسين (ع) هو ولي الله في عصره وهو صاحب السلطان الأعظم حقيقة وواقعاً.
السلام على الحسين أبد الدهر ومدار العصر وعظم الله أجركم يا مؤمنين.
اضف تعليق