إذا أردنا مناقشة حالة عدم قبول النقد من قبل الشباب، فإننا يجب أن نقرّ أولا بوجود هذا الأمر، لاسيما الشباب الذين ينظرون ويتعاملون بحساسية مفرطة مع من يوجّه لهم نقدا حتى لو كان صحيحا، فالدرس الأول الذي يجب أن يتعلمه الشباب وبطريقة متدرجة...
الانفتاح الكبير الذي حملته التكنولوجيا لنا، والعولمة التي زادت في ظل الظروف التكنولوجيا المتقدمة للبلدان، قد أدت الى تطور مفاهيم كثيرة وكبيرة لدى الشباب، فقد عززت هذه الوسائل من مدركات وأفكار الشباب وطورت من عقولهم أكثر، وجاءت مواقع التواصل الاجتماعي كمنصة لطرح الأفكار ومناقشة مستجداتها، وبما أنها جاءت في وقت كان شبابنا الحالي صغارا في العمر، ذلك ما أدى إلى عدم معرفة استخدام هذه الشبكات بشكل صحيح، فالأغلب يستخدمها للترفيه عن نفسه وللبحث عن الكوميديا، فتجد أن اغلب الناجحين والمشهورين في مجتمعنا هم الذين يقدمون المحتوى الكوميدي الهزلي، وذلك بسبب ما عاناه الشعب من كبت وتدمير للروح من حروب وقتل وتشريد، جعلت أقل شيء يطلبه الشباب هو أن يجدوا شخصا يُضحكهم، وترتب على ذلك توجيه انتقادات لأكثر الشباب ولشتى الأفكار الجيدة والسيئة، كل ذلك يصب في خانة مقبولية أو عدم مقبولية النقد لدى الشباب، وبسبب الحرية النسبية التي أتاحتها شبكات التواصل الاجتماعي، نجد أن اغلب الشباب لا يتقبلون النقد ولا يرضون به، ونجد فيهم من هو نرجسي ومن هو غير مهتم لمن ينتقده كونه يعتقد انه الوحيد الذي يكون رأيه صحيحا دائما، ولذلك يجب وضع عدة توصيات تمكن الشباب من تقبل النقد، وعلى أشكال مختلفة منها:
- بث روح تقبل النقد لدى الشباب من خلال دورات توعوية تمكنهم من إدراك مدى أهمية النقد الموجَّه لهم.
- أن يكون النقد بنّاءً من قبل الناقد، أي أن لا يكون خارج إطار الفعل وعدم الجمع بين السيّئ والجيد.
- تقليل المحتوى غير الجيد وعدم عرضه على العامة، وان يكون كل ما يقدم في شبكات التواصل الاجتماعي شيئا هادفا.
ولحل هذه المشكلة طرحت (شبكة النبأ المعلوماتية) على مجموعة من المختصين في هذا الجانب السؤال التالي: في ظل الحرية النسبية التي أتاحتها الشبكات الاجتماعية... كيف نعزز ثقافة قبول النقد عند الجيل الجديد؟
الوعي في استخدام شبكات التواصل
الشاعر الصحفي في جريدة الصباح صلاح حسن السيلاوي أجاب: السؤال عن قبول النقد في ظل ما أتاحته شبكات التواصل الاجتماعي يثير كثيرا من البحث والتأمل، وذلك لأن شبكات التواصل الاجتماعي وحدها تحتاج إلى وعي مهم ومعقد من قبل الدولة وذلك لأن الحرية التامة في كل وقت وتجاه كل الافعال أمر لا يصب في مصلحة تنظيم المجتمع وترصين صفوفه ولهذا فإن تقنين استخدام هذه الشبكات أمر ضروري ومعمول به في أغلب دول العالم.
إن تقنين هذه العملية يمكنه ان يسهم في توجيه وتحديد الخطاب الانساني والفني والإبداعي والثقافي الذي يمكن للمجتمع ان يعمل ضمن اطره ويمتنع عن ممنوعاته، تلك الممنوعات التي يفترض أنها تسهم بردع الخراب المفاهيمي والقيمي بين شرائح المجتمع.
الفوضى الهائلة في استخدام شبكات التواصل من قبل جميع افراد المجتمع صنعت واقعا جديدا في الحياة العراقية فقد اسهمت بتضييع او تشتيت او تكثير روافد القيم والثقافات والمفاهيم التي كان الفرد يأخذها من الاسرة والمدرسة غالبا. بينما اصبحت الآن تزدحم يوميا خلال مئات من حلقات التواصل عبر الهاتف والتلفزيون.
في ظل هذه الثورة البركانية للغة الصورة والجسد والعري واللا تعريف للأشياء واللا تحديد للمعنى واللا تأطير للمقاصد كيف يمكنك ان تطالب شابا بقبول النقد ؟، تطالبه أن يكون على مستوى كبير من الفهم والوعي بينما هو يغرق في عالم لا متناهي من الاصوات والصور والافكار والهوايات. لا أجد ذلك أمرا منطقيا أبدا. عندما نطالب الشباب ان يصغوا لنقدنا علينا أن نضعهم قبل ذلك في مستويات تؤهلهم لاستيعاب هذا النقد في مستويات يمكنهم من خلالها ان يرونا او يسمعوننا، علينا اولا ان نخرجهم من مرحلة الغرق في ما أسميه (فوضى الصورة).
النقد داخل الأسرة
الأكاديمية نجاح النصراوي/ ماجستير في الإرشاد النفسي الجامعة المستنصرية أجابت بالقول: هناك من يعرف الفرق بين النقد البناء والنقد الهدام، والذي يفهمه ويكتسبه من الصغر ضمن النطاق الأسري، الأم أول أمر تفعله تبدأ بالمقارنة بين الطفل وبين أخوه أو بين ابن الجيران، وهذا اول أنواع النقد الهدام، حيث ينمو عنده ويكبر معه ويبدأ برفضه كواقع يستخدمه بكثرة باللاوعي المترسخ بخبرات الطفولة.
وهكذا تعلمنا كشعب نحطم أنفسنا بأنفسنا والقائمة تطول، ووفقا لهذا المضمار فالتغيير يبدأ من الاسرة، وهذا صعب لأن الذي يربي مريض ويخلق بيئة مريضة ويُكاثر أجيالا على نفس مرضه. والقلة القليلة منهم يعي ويفهم واقع التغيير، واستفاد من الاطلاع والانفتاح العالمي كخبرات جيدة ووظفها لتحسين واقعه.
وبالنهاية إذا تم وجود الصحيح في واقع مريض. تظهر لنا قوة تأثير القطيع وتنقلب الآية ويصبح الجيد مريضا، لأنه يسير عكس التيار. وهذا هو تحليلي المتواضع. وعليه كحلول أوليه يجب خلق بيئات ثقافية اجتماعية لأجل المعايشة والاستفادة من تجارب مجتمعات أخرى .. والتوعية والمتابعة من جهات معنية للتربية الوالدية وتوفير مختصين لمناقشة ابسط المشاكل التي تواجههم بشكل نفسي إرشادي.
جيل بقايا الرماد
الطالبة هدى نصر المفرجي كاتبة في جمعية المودة والازدهار، قالت:
الطبيعة البشرية لا تتقبل النقد بشكل عام، فكيف إن كان هذا النقد موجها لجيل بقايا الرماد الناتجة عن تفكك مجتمعي فضيع، ضاعت فيه اغلب القيم والاخلاقيات حتى اصبح كل ما هو خاطئ بالنسبة لهم مقياسا لتقييم الذات، فكان لسردية الخيال الافتراضي تأثيراً اخلاقيا كبيرا عليهم، خلق هذا العالم المزيف فيهم علاقات تكونت بلمسة زر أفقدتهم آليات التعامل الواقعي مما جعلهم يقتاتون على القيمة المزيفة التي كونت جداراً يحد ما بينهم وبين كل نقد كان بناءً أم لا، ففي كلتا الحالتين الأذن لا تصغي وان اصغت ترد (ان لم يعجبك غادر)، فالمدح الذي انهال عليهم من خلال عالمهم الافتراضي، غالبا ما يرضي غرور الإنسان حتى وإن كان نفاقا وكذبا، ولأن كثيرا من الناس يعشقون المدح ويرفضون النقد، فإن هؤلاء تكون ردود أفعالهم تجاه النقد سلبية إلى ابعد الحدود، وقد تصل إلى حد المشاكل والخلافات والقطيعة أحيانا، وعشاق المدح يعتبرون أن من ينتقدهم يحقد عليهم أو يكره نجاحهم أو يحسدهم، فلا يتعاطون مع النقد على انه فرصة لإعادة تقييم الذات والارتقاء بها، فهو جيل مشبع بثقة زائفة يرى فيها انه على حق دوماً، ربما لو أردنا ان نزرع فيهم ثقافة تقبل النقد، فعلى الأخير أن يكون مغلفا بالحكاية الخيالية التي يبحثون عنها، ويعاملهم بذات شخصياتهم المصنعة على مواقع التواصل ومحاولة إقناعهم من خلال منهجية خاصة في الحوار بأهمية النقد وتقبله، ولابد أن نعرف كيف نستخدم الكلمات التي نعلم أن الطرف الآخر يتقبلها، ويفضّل أن تحمل هذه الكلمات بعض الود والحب فهما أساس لين كل شيء.
الشباب أكثر تقبلا للنقد
الكاتب والروائي علي حسين عبيد أجاب بالقول: بدءاً لابد أن نشير إلى حالة تناقض شديدة بين (روحية الشباب) وبين (النقد بكل أشكاله)، حتى النقد الهادئ والهادف قد يتحسس منه الشباب، بسبب الميول الشديدة للاعتداد بالنفس، وغالبا ما يحدث شيء من النفور بدرجات مختلفة بين جيل الشباب والآباء، أو الكبار عمرا وتجربة، فالشاب بطبيعته يتحسس ممن يريد أن يبيّن له بعض الأخطاء التي يقع فيها سواء في التفكير أو السلوك أو طريقة التعامل مع الآخرين.
هناك ظاهرة ملموسة لدى الشباب، أنهم ينظرون إلى الآباء على أنهم من زمن آخر وجيل مختلف، وأن قطار الحياة قد فاتهم أو أنهم يتمسكون بأذياله، لكن في الحقيقة أن الخبرات التي اكتسبها الآباء تفوق بكثير ما يتحلى به الشباب من وسائل حداثة وتكنولوجيا وسواها، علما أن هذه الفرصة متاحة للكبار أيضا.
إذا أردنا مناقشة حالة عدم قبول النقد من قبل الشباب، فإننا يجب أن نقرّ أولا بوجود هذا الأمر، لاسيما الشباب الذين ينظرون ويتعاملون بحساسية مفرطة مع من يوجّه لهم نقدا حتى لو كان صحيحا، فالدرس الأول الذي يجب أن يتعلمه الشباب وبطريقة متدرجة، هو قبول النقد والتعامل معه على أنه يصبّ في إطار بناء الشخصية وليس تهديمها.
وهذا يتبع طبيعة العلاقة بين الناقد والمنقود ودرجة الثقة التي تجمع بينهما، فالشاب إذا لا يثق بمن ينتقده لا يمكن أن يؤمن أو يتقبّل ما يقوله الناقد أو المنتقد، لهذا يجب أن يكون موجِّه النقد حريصا على بناء أواصر الثقة أولا مع الشباب قبل أن يوجه لهم نقدا أو تصويبا.
كذلك مطلوب من الشباب، لاسيما مع تسارع التطور لدى الإنسان، أن ينظروا إلى التوجيه والتصويب على أنه نوع من الحرص عليهم والبناء لهم وليس العكس، وهذا يتبع طبيعة العلاقات ودرجة الثقة كما ذكرنا، كما أن عملية النقد الاجتماعي أو الأخلاقي أو السياسي وسواه، هي العنصر الأهم في بناء الشخصية الشبابية، بل نجاح شخصية الإنسان في كل الأعمار تقوم على تقبّل النقد، والتعامل معه على أنه حالة بناء وليس هدما.
أما إذا جاء التصويب أو التذكير بالأخطاء متحاملا ومغرضا أو مغاليا، فإن تجاهله هو الحل، وأن شبابنا بلغوا من الذكاء أنهم قادرون على التمييز بين الناقد الجاد والحريص عليهم وبين من يريد أن يسيء إليهم، لكن في جميع الأحوال يجب أن يؤمن شبابنا بأنه لا تقدم ولا تطور من دون النقد.
اضف تعليق