بين مخالب الجوع والعطش ولفح الشمس الحارقة، يصول أبطالنا، أبطال الحشد الشعبي في صحراء واسعة ورمال حارقة، عند تخوم حدود الوطن الغالي والمحمي بسواعد وعيون هؤلاء الابطال، لكي ينام المواطنون بأمان اطفال ونساء وشيوخ ومرضى، وتسهر عيون رجال الحشد الشعبي، ولكن هناك مصاعب كبيرة تتخلل اوضاعهم التي باتت اصعب وأقسى، وصيامهم صار اكثر مشقة وهم في هذا الحر الشديد، ومع قلة الغذاء والماء البارد الذي يصل اليهم، ومع ذلك تجدهم صامدين لا يبالون، وقفوا ويقفون دفاعا عن وطننا وديننا ومقدساتنا ومعتقداتنا، بقلوب يملؤها الايمان، شباب وكهول وحتى من كبار السن (شيوخ طاعنون في السن)، انهم رجال بمعنى الكلمة يحق لنا ان نفتخر بهم وبقوة ايمانهم وشجاعتهم، وبما يقدمونه من تضحيات جليلة لنا، وهل هناك أغلى من نفس الانسان وروحه ودمه؟!
إنهم ابطال لبسوا القلوب على الدروع، وراحوا يسابقون بعضهم بعضا باتجاه الموت، فقد اختاروا الشهادة على الحياة، ولبوا النداء المقدس، وتركوا وراء ظهورهم الغالي والنفيس، لكنهم لم ينسوا الاهل والاوﻻد والاحبة، أنهم حملوا كل هؤلاء في قلبوهم وهم يدافعون عن الوطن والمقدسات، ويبعدون الشر عنّا، شر الارهاب والتنظيم المتطرف (داعش) ومن لفّ لفه.
حرارة الشمس تضاعف من معاناتهم
ولكن هناك شيء ضاعف من معاناة هؤلاء الرجال الابطال، انهم صائمون في شهر رمضان مع حرارة الجو وقلة الارزاق وشحة الماء البارد الذي لم يصل اليهم في الاوقات المطلوبة والمناسبة.
وقد تفقدت (شبكة النبأ المعلوماتية) احوال الحشد الشعبي وكانت لنا جولة معهم، فالتقينا بأحد المسؤولين في المقاومة، (عبد الحسين محسن) والبالغ من العمر 63 عاما، عندما سألناه عن اوضاع الحشد الشعبي اجاب: نحن في سامراء ومهمتنا هي مسك الارض المقدسة، وفي بعض الاحيان نتعرض لهجمات ونصدها ونطرد المعتدين بعيدا، وعن سؤالنا حول الصيام في هذا الشهر الكريم قال: لدي من الجنود تحت قيادتي 200 جندي وكلنا بحمد الله صائمين في هذا الشهر العظيم، ونحن واقفون ليل نهار في مواجهة العدو وحماية ارضنا من دنسهم، ومع الحر الشديد وثقل الحديد والملابس والدروع التي لابد أن نقي ونحمي اجسادنا بها وصدرونا بها، ومع افتقارنا لكثير من وسائل الراحة التي كنا ننعم بها في بيوتنا، من الهواء والماء البارد والطعام الجيد والملبس المريح، ولكننا مع كل ذلك، نلبي الواجب ونحن صائمين وصامدين من اجل الدفاع عن الوطن والمقدسات التي سوّرناها بأرواحنا وقلوبنا وايماننا.
(علي كاظم) هو الاخر جندي في الحشد الشعبي، وهو مرابط مع اخوانه الاخرين، في منطقة النخيب عند حدود محافظة كربلاء المقدسة ومحافظة الانبار، وهو صائم، كما يوجد هناك جنود كثيرون ممن معه صائمون في هذا الشهر الكريم ، وعن سؤلنا عن اوضاعهم في هذا الشهر الكريم وفي اداء واجبهم، أجاب قائلا: ليس لدينا مكان يحمينا من الشمس الحارقة، حتى في اوقات الراحة، وعن الارزاق حين سألناه قال: تصل لنا وجبة السحور والافطار في وقت واحد، عند الساعة الرابعة عصرا، واما الماء فإنه يصل إلينا باردا لكنه سرعان ما يصبح ساخنا من شدة الحر، لذلك دائما نشرب الماء ساخنا، واضاف ان من يجهزنا بالطعام والشراب ليست الحكومة، وانما هم مسؤولون في العتبتين الحسينية والعباسية، وفقا والتزاما بتوصيات من المرجعية الرشيدة، اما الحكومة فلا تمدنا بأية مساعدة تذكر.
وعن صمود الجنود الابطال اضاف (علي كاظم) قائلا: نحن نمسك بالارض وندافع عنها في نفس الوقت حيث نصد الهجمات التي توجّه لنا، ونقف هنا بالمرصاد نمنع دخول الارهابين الدواعش الى كربلاء المقدسة.
القتال في المدن البعيدة
والتقينا ايضا (حيدر) وهو بطل من ابطال الحشد الشعبي، ولكن واجبه في منطقة بعيدة عن مدينته، انه من الابطال الذين يحمون منطقة بيجي والمصفى الذي يتواجد هناك، وهو صائم ايضا، مثلما هم باقي الجنود الذين معه في هذا الشهر المبارك، ومع حرارة الجو والعطش يؤدي الجميع واجبهم بعد ان لبوا نداء المرجعية الشريفة، وعندما سألناه عن احواله رفض ان يشكو الحر والجوع والعطش وتقصير الحكومة مع ظروف الصيام، واكتفى بأن يقول الحمد لله على كل شيء، ولكن وجهه المسمر وسحنته التي لفحتها حرارة الشمس بقوة، وجسمه النحيف، يجيب عن كل الاسئلة التي رفض الاجابة عنها، فكم كانت الشمس قاسية وكم كان ابطال الحشد الشعبي يعانون من حرها، ومن ثقل الحديد ومن قلة الاكل والشرب ومن سهر الليل المظلم الطويل، ولكننا نعرف تمام المعرفة بأننا بفضل ابناء الحشد الشعبي ننعم بالأمان.
في الختام نقول أن هؤﻻء الابطال الذين تركوا عوائلهم، وذهبوا الى ساحات الوغى لمحاربة عصابات داعش الارهابية، ينبغي انصافهم بحجم تضحياتهم، ومن المهم جدا، توفير جميع متطلبات الحشد الشعبي من استحقاقات مالية واعتدة واسلحة نوعية، ومأكل وملبس، فإنه من غير المنصف ولا من المعقول أن يتم تجاهل تضحيات وبطولات هؤﻻء الابطال ولا يصح مطلقا أن يبخس احد او جهة ما حقوقهم.
وانه لمن الغريب حقا أن تغض الحكومة طرفها، ولا تلبي احتياجاتهم في المعركة، واحتياجات ذويهم، من خلال منحهم الرواتب الشهرية المجزية التي تعيل عوائلهم، إننا في حقيقة الامر ننعم بالأمن بفضل هؤلاء المجاهدين، لذلك نلاحظ في كل يوم ونسمع مناشدة المرجعيات والمواطنين ووسائل الاعلام وسوى ذلك، من اجل الاهتمام بالحشد الشعبي، ولو في اضعف الايمان صرف رواتبهم ومستحقاتهم، وتوفير كل ما يتطلبه هذا الشهر الكريم لإدامة صيامهم، وحماية ذويهم وحفظ كرامتهم لأنهم السور الذي يحمينا من شر الدواعش.
اضف تعليق