إن أنسب الحلول لتقليص ضياع ثروة النفط القضاء على الفساد في مفاصل الدولة، يتم من خلال وضع هيئات رقابية مستقلة وقضاء مستقل والعمل وفق القانون، وكذلك تفعيل القطاع الخاص بشكل حر ودمجه مع القطاع الحكومي، تشغيل المصانع وتطوير الزراعة واستخدام الوسائل الحديثة للمساعدة في سد نفقات الدولة، تعين خبراء في الشأن الاقتصادي لوضع خطط ناجحة لإدارة النفقات والتصدير...
على الرغم من وجود ابار النفط في العراق بشكل تتمناه جميع دول العالم، وكذلك تصدير شركات النفط بشكل مستمر يوميا للدول المتعاقدة معهم، ولكن ثمة سؤال يدور لدى اغلب الباحثين والاقتصاديين وحتى الشعب اين تذهب هذه الأموال الطائلة، ولماذا يقع العراق في المراكز الأولية للفقر وسوء الخدمات والتقشف في ميزانية الدولة، يعود ذلك إلى التصرف الخاطئ في استغلال هذه الأموال، حيث يعتمد العراق على النفط بشكل رئيسي لتسديد الرواتب بجميع المؤسسات الحكومية، وكذلك اموال المشاريع والقروض الضخمة، ومن جانب آخر وجود الفساد المستشري في اعماق الدولة، بحيث يتم تزوير العقود النفطية وأخذ عمولات على شكل أموال طائلة، ولا ننسى سيطرة الشركات الأجنبية على هذه الابار، وتدخل الدول الأخرى في تحديد صعود وانخفاض النفط، لذا هذه الأسباب جميعها سبب في ضياع اموال النفط.
إن أنسب الحلول لتقليص ضياع ثروة النفط القضاء على الفساد في مفاصل الدولة، يتم من خلال وضع هيئات رقابية مستقلة وقضاء مستقل والعمل وفق القانون، وكذلك تفعيل القطاع الخاص بشكل حر ودمجه مع القطاع الحكومي، تشغيل المصانع وتطوير الزراعة واستخدام الوسائل الحديثة للمساعدة في سد نفقات الدولة، تعين خبراء في الشأن الاقتصادي لوضع خطط ناجحة لإدارة النفقات والتصدير.
ولأهمية هذا الموضوع في الجانب الاقتصادي ولمعرفة أين تذهب أموال النفط، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية)، باستطلاع رأي وطرحت السؤال على الخبراء والمختصين بهذا الشأن، السؤال الآتي:
- اين تذهب ثروة العراق من النفط، وكيف تصرف؟
الفساد وثروة النفط في العراق
التقينا الدكتور (قحطان حسين)، دكتوراه علوم سياسية، فأجابنا قائلا:
تجاوزت صادرات النفط العراقي في الآونة الأخيرة ٤ ملايين برميل يوميا وبسعر ٦٦ دولار للبرميل الواحد، وهو ما يحقق عائدات نقدية تصل إلى اكثر من ٢٥٠ مليون دولار يوميا، وهو مبلغ كبير جدا يسهم في حالة استثماره بالشكل الصحيح في حل الكثير من مشكلات العراق الاقتصادية، لكن رغم ذلك يعاني العراق من أزمة اقتصادية متفاقمة دفعت بالنتيجة الكثير من فئات الشعب إلى التظاهر للمطالبة بحقوقهم، وربما يطرح سؤال اين تذهب واردات النفط العراقي الكبيرة؟ ليس من السهل إعطاء جواب واضح معزز بالأدلة، لكن استقراءا بسيطا لطبيعة إدارة الدولة العراقية يضع أمامنا عددا من المعطيات عن أوجه إنفاق او صرف واردات النفط العراقي، ولعل منها سوء التخطيط الاستراتيجي وتخصيص أرباح مبالغ فيها للشركات النفطية الأجنبية، وكذلك وجود فساد كبير يتم من خلاله نهب نسبة غير قليلة من واردات النفط من قبل جهات سياسية، فضلا عن حجم الإنفاق الكبير على الحرب ضد داعش، والتي استدعت تخصيص مبالغ كبيرة للمؤسسات الأمنية سواء كان للتسليح أو زيادة أعداد المقاتلين وتأسيس وحدات عسكرية جديدة، ولا ننسى أن الأزمة الاقتصادية الناتجة من انهيار أسعار النفط قبل ثلاث سنوات قد دفعت العراق إلى الاقتراض من البنوك الدولية لسد العجز في موازنته السنوية، ولا اعرف أن كانت الحكومة قد بدأت بتسديد جزء من هذه الديون عن طريق استقطاع نسبة من واردات النفط، أضف إلى ذلك مخصصات ورواتب المسؤولين الضخمة، فضلا عن المشاريع الوهمية التي تدخل أموالها في جيوب الفاسدين، هذا كله تسبب بهدر كبير لواردات العراق النفطية وعدم استثمارها بشكل صحيح للنهوض بواقع الاقتصاد العراقي.
وأجابنا الأستاذ (حامد الجبوري)، ماجستير اقتصاد، بالقول:
أود الإشارة إلى بعض الاحصائيات المتعلقة بالنفط العراقي قبل الاجابة بشكل مباشر، يمتلك العراق أكثر من 147 مليار برميل في نهاية عام 2017 حسب احصائيات منظمة أوبك، وبهذا فهو يحتل المرتبة الرابعة عالمياً بعد كل من فنزويلا والسعودية وإيران، ويشكل ما نسبته 12% من احتياطي العالم, كما وينتج العراق ما بين 4-4.5 مليون برميل نفط يومياً، وبالمحصلة ستكون الايرادات النفطية كبيرة وتابعة لحركة الكمية والسعر، أما بالنسبة للجواب على السؤال فمعروف إن العراق انتقل من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق، لكنه في الواقع لم ينتقل بشكل حقيقي ولم يتم تهيئة البيئة الاستثمارية لانطلاق القطاع الخاص في عملية النشاط الاقتصادي بشكل حقيقي، إذ لازال دوره هامشي يبحث عن الربح السريع وما تدره الحكومة النفطية كونها لا تزال تعتمد على النفط بشكل كبير جداً بنسبة تتجاوز 90%، وهذه الايرادات لم توجه نحو بناء اقتصادي حقيقي يتصف بالاستدامة بل تم توجيه هذه الايرادات نحو الجانب الاستهلاكي، الذي يغذي الاقتصادات الخارجية التي يتم الاستيرادات منها فجزء كبير منها يغذي الجانب الاستهلاكي لا الاستثماري، نقطة أخرى ومهمة جداً وهي الفساد يستأثر بنسبة كبيرة من هذه الثروة سواء قبل عملية الانتاج أو معها أو ما بعدها، فضلاً عن سوء إدارة الايرادات النفطية، حيث يحتل العراق المرتبة 169 من أصل 180 دولة عام 2017 حسب مؤشر مدركات الفساد العالمي الذي نصدره مؤسسة الشفافية الدولية.
وتوجهنا بالسؤال إلى الأستاذ (طالب عباس الظاهر)، اعلامي واديب، فأجابنا قائلا:
هذا سؤال يثير الكثير من الشجون، باعتقادي أن مصائب العراق جزؤها الأكبر سببها هي الثروة النفطية، بالرغم من عدم استفادة الشعب العراقي من هذه الثروة وتمتعه بها بالشكل المطلوب، بل كان حصاد الشعب العراقي من هذه الثروة الهائلة هي حروب عبثية، مؤامرات خارجية، سرقات داخلية وصفقات مشبوهة، فصارت ثروته النفطية كخامس أكبر خزين في العالم يملكه العراق، أقول صارت هذه الثروة مكمن وبال ومصائب على الشعب العراقي المظلوم، فانقلب مصدر السعادة وكما يفترض الى مصدر للتعاسة، كنت أقول وما زلت أقول وأعتقد إن شعب العراق ربما كان سيكون في حال أفضل لولا وجود النفط، إذ اقتصرت هذه الثروة على التفنن في قمع الشعب وترويعه وتجويعه وعلى رفاه الملوك والرؤساء وحواشيهما والسائرين أذلاء في ركابهما، مقابل فقر وفاقة وعوز شرائح واسعة من المجتمع العراقي وعبر تاريخ أسى العراق الطويل، ففي جل الحروب التي دخلها العراق كانت الثروة النفطية تشكل مكمن تحريك خفي من قبل اعداء العراق، للحيلولة دون نهوض العراق، وبالتالي عرقلة خطواته نحو أخذه لمكانته الطبيعية، سواء في الريادة العربية او الإقليمية، وذلك لتميزه من الناحيتين ناحية موقعة الجغرافي الاستراتيجي الذي يتمتع به كممر بين قارات العالم أم بمواده النفطية أو الطبيعية الأخرى.
طرق صرف اموال النفط
وكذلك التقينا الدكتور (علي الربيعي)، اكاديمي في جامعة كربلاء، فأجابنا بالقول:
يتعرض النفط العراقي إلى سرقات مقننة محمية بالقانون وذلك كما يأتي:
- الرئاسات الثلاث من وزراء ونواب فضلا عن موظفيها وحماياتها.
- تولي وزارة النفط وزراء مزدوجة الجنسية الذين لا تربطهم بالعراق سوى مصالح ذاتية لان المغتربين تنتفي عندهم أهمية المكان، فالوطن الحقيقي عندهم هو مكان العمل لا مسقط الراس، وهذا يؤدي إلى عدم حرص الوزير المزدوج الجنسية على ثروة العراق.
- الفساد المالي والإداري الذي يكمن في جولات الترخيص وخاصة في ما يسمى ( بالكومشن ).
- عدم وجود رقابة حقيقية وعدم محاسبة الفاسدين والسارقين جعلهم في مأمن من المحاسبة والعقاب الأمر الذي جعل المسؤولين يعيثون في النفط فسادا.
- الدمار الشامل في العراق من بنية تحتية وغيرها جعل واردات النفط تتبدد بالأعمار الوهمي،
استنزاف الواردات النفطية لتغطية تكاليف الحروب المتواصلة من الحرب العراقية الإيرانية حتى الان.
- أكثر الوزراء الذين تولى قيادة الوزارة غير مختصين . الأمر الذي جعلهم يتخبطون في رسم السياسة النفطية.
- سرقة نفط الشمال من قبل الاكراد فضلا عن تجاوز دول الجوار على حقول النفط العراقي.
وأيضا التقينا (ايهاب علي النواب)، دكتوراه في الادارة والاقتصاد، فأجابنا قائلا:
كما هو معلوم يعتمد العراق وبصورة رئيسية على الايرادات النفطية، وبنسبة تصل الى 85% من مجموع الايرادات العامة، وتبلغ نسبة النفقات التشغيلية من مجموع الموازنة العامة بحدود 76% من مجموع النفقات العامة، أي بمعنى أن اغلب ايرادات النفط تذهب لسد الاجور والرواتب وتغطية الديون المستحقة على العراق، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هناك الفساد الذي يضيع وبشكل مستمر من ثروات البلاد، سيما فيما يتعلق بعدم العدالة في توزيع الدخول بين الافراد اذ نجد هناك افراد يستلمون دخول عالية، دون اي مساهمة انتاجية تحت غطاء تعويضات نتيجة النظام السابق، وهناك من يستلم اكثر من دخل وكل ذلك يجري بغطاء قانوني، بالإضافة الى ذلك فالعراق يخسر سنوياً ما قيمته 2.5 مليار دولار من الغاز الطبيعي بحسب البنك الدولي، فنتيجة للهدر والفساد في الموارد تضيع ثروة هذا البلد.
وتوجهنا بالسؤال إلى الدكتور (مهدي سهر الجبوري)، خبير في السياسات الاقتصادية، فأجابنا بالقول:
يعد العراق بلدا ريعيا يعتمد وبنسبة كبيرة جدا على الايرادات النفطية، لتمويل إيرادات الموازنة العامة الاتحادية للبلد، وبالتالي كل أوجه الإنفاق الحكومي نفقات تشغيلية او استثمارية تعتمد على تلك الايرادات، واي انخفاض بأسعار النفط في الأسواق العالمية أو اي صدمات اقتصادية أو ظروف امنية تنعكس على الايرادات العامة للعراق، وبالرغم من ذلك يحتاج العراق إلى وضع خطط واستراتيجيات لتقليل الاعتماد على مورد النفط، والذي يعد سلعة سياسية خلافا لما متعارف عليه بأنه سلعة اقتصادية، حيث يتأثر اسعاره وحجم انتاجه وتسويقه بالمتغيرات الدولية من داخل وخارج الاوبك، وانشاء صندوق سيادي لفوائض أو نسبة معينة تحدد بقانون من الايرادات النفطية لتكون للأجيال القادمة، مع إنشاء مشروعات انتاجية لتقليل الاعتماد على النفط سيؤدي بالعراق الى الخروج من قائمة البلدان الريعية.
وأخيرا التقينا الأستاذ (عامر الحمداني)، بكلوريوس قانون كاتب صحفي، فأجابنا قائلا:
لاشك أن ظهور الموارد والثروات في اي بلد لابد أن تساهم بشكل أو بآخر باستقرار اوضاع البلد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال توفير العملات الصعبة للبلد، وعلى الرغم من ظهور ما يسمى بلعنة الموارد المتمثلة بتوسع نفوذ مورد معين على حساب الموارد الاخرى، كما في توسع نفوذ النفط مقابل الموارد الاخرى كالزراعة مثلا، ولن يستفيد العراق من ثروته النفطية كما يرجى منها منذ اكتشاف النفط واستخراجه فيه بسب السياسات الفاشلة للقائمين على ادارته، وما يؤشر في ذلك الحقبة المحصورة بين اعوام 1970- 2003 وما رافقها من حروب طاحنة وحصار جائر وسياسات البعثرة في الاموال، من خلال بناء القصور والضياع ومن خلال بناء ترسانة اسلحة واعتدة ومشاريع تطوير مزعومة لها وهبات سخية لمن لا يستحق، وبعد عام 2003 وما رافقها من وجود طبقة سياسية اتخذت من الفساد المالي عنوانا عريضا لها ضاعت ايرادات النفط التي اصبحت وحيدة بالمطلق في البلد، والحديث عن صفقات فساد بملايين الدولارات يجري على كل الالسن اضافة الى الاستئثار بالموارد من قبل حفنة من المحسوبين على السياسيين المستقوين بأحزاب واذرع مسلحة لها، وكان مصداق ذلك بامتلاكهم لثروات تُحسب بالأمتار المكعبة من الدولار، وإن عدم وجود حسابات ختامية للسنوات السابقة ومنذ سقوط الطاغية لحد الان، يؤشر بشكل واضح على وجود منظومة فساد منظمة تأخذ شكل الدولة احيانا، وإن تردي الواقع الخدمي في البلاد بكل جوانبه وغم الميزانيات الانفجارية لسنوات متعاقبة دليل اخر على هدر الثروات من قبل الساسة، وخاصة بعد أن اصبح العراق ثاني اكبر المصدّرين للنفط في العالم بعد العربية السعودية، كما أن وجود اللجان الاقتصادية لدى الاحزاب والمنظمات في العراق دليل واضح على اثراء الاحزاب على حساب ثروات البلد سواء بشكل مباشر او غير مباشر، عبر اذرعها اصحاب المناصب في مفاصل السلطة.
اضف تعليق